أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نائل الطوخي - سوزان مبارك.. الجبلاوي وقصر البارون.. كيف احتفلوا بمرور مائة عام على إنشاء حي مصر الجديدة














المزيد.....

سوزان مبارك.. الجبلاوي وقصر البارون.. كيف احتفلوا بمرور مائة عام على إنشاء حي مصر الجديدة


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1198 - 2005 / 5 / 15 - 12:04
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


لماذا لم يقم الجبلاوي قصره في قلب حارته؟ لماذا أقامه في الخلاء و قد كان هو نواة الحارة و خالقها؟ ثم لماذا لم يخرج من قصره, لم يختلط بأبناء حارته و اكتفى بالتحول إلى موطن أشواقهم و أحلامهم بالخلاص؟ أم أن هذه هي وظيفة الإله, كما تقول القراءة الرمزية و الأكثر شيوعاً لرواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ: الاستعلاء على البشر, التواري في أساطيرهم كيما لا يتبدد أثره في اختلاطه اليومي بمعاناتهم؟ في زياراتي القديمة إلى القاهرة قادماً من الإسكندرية, برفقة والدتي, قبل أن أقيم في العاصمة منذ 89, كانت والدتي تصف لي قصر البارون إمبان, أثناء مرورنا عليه, بأنه يدور على أربع عجلات حول نفسه, بحيث تشاهد كل نافذة منه الجهات الأربع يومياً. بعد ذلك بعشر سنوات, سيتم الإعلان عن قضية عبدة الشيطان, و سيقبض فيها على بعض المراهقين, في إطار ورع رسمي و تفاهة آخذة في التعاظم لأبناء النخبة القاهرية. سيشيع وقتها الكثير عن ممارستهم طقوسهم الرهيبة في أقبية قصر البارون. هذا القصر الذي غدا موضوعاً مناسباً للأساطير في عقول أبناء مصر الجديدة, بمعماره الأوروبي القروسطي و بالجو القوطي المخيف الذي يبعثه في العابر بجواره, و بخاصة في الليالي معدومة القمر. يضاف إلى هذا ما يعرفه الجميع من كون البارون هوذاته من أنشأ حي مصر الجديدة, هو المسئول عن ظهوره للنور. هكذا يخلق الجبلاوي حارته و ينسحب ليكون بيته هو موضوع القصص و المخاوف في قلوب البشر, يراقبهم بشكل دائم, عبر دورانه حول ذاته في الجهات الأربع. لا ينتهي دور الجبلاوي عند هذا الحد, فقصر البارون يطل على شارع العروبة المتجه إلى المطار, أي أنه يبعد عن مصر الجديدة بمعناها المركزي "الكربة و روكسي" و إنما هو مقام في "الخلاء" بهذا المفهوم, في منطقة غير سكنية و غير تجارية و إنما تتأسس شهرتها على كونها طريقاً سريعاً للخارجين من البلد أو القادمين منه, أي لمن ليسوا كلياً "بداخل" البلد و تفاهات أهله اليومية. يرقب البارون حارته من بعيد, و لكن ليس من بعيد تماماً, فثم شارع كالشريان يصل بين القصر و بين القلب التجاري لمصر الجديدة, الكربة. اسم هذا الشارع نزيه خليفة (قصر البارون سابقاً) و هو يمتد من شارع العروبة حتى شارع الأهرام. في شارع العروبة يطل على قصر البارون و في شارع الأهرام يطل على معلم آخر من معالم مصر الجديدة, التجارية هذه المرة, كنيسة البازيليك, و هي كنيسة للروم الكاثوليك. أي أن ثم سلطة دينية هنا (كنيسة ترتادها نخبة مسيحية صغيرة بشكل منتظم) تستمد سلطتها عبر طريق ضيق من الإله الأكبر (قصر مهجور يرتاده عبدة الشيطان و غريبو الأطوار فحسب). تذكروا الفرعون ابن الإله في مصر القديمة (و هي مقلوب مصر الجديدة), هذا البشري الذي يتعامل مع مشاكل البشر و قرفهم باسم الإله فوق و بموجب تفويض منحه إياه, يقدم لإلهه القرابين ويبني له المعابد أو يرممها. تذكروا هذا الفرعون و انطلقوا من كنيسة البازيليك إلى نهاية شارع الأهرام, حيث يقبع القصر الرئاسي. هكذا ينغلق المثلث على نفسه: قصر البارون (سلطة الإله, مانح الشرعية) و كنيسة البازيليك (سلطة الكاهن, ناقل الشرعية) و القصر الرئاسي (سلطة الملك, متلقي الشرعية). في هذا الإطار يمكننا النظر إلى الاحتفال بمرور مائة عام على إنشاء حي مصر الجديدة, و هو الاحتفال الذي تبنته السيدة سوزان مبارك, و الذي عبر عن نفسه في ملصق معلق في كل أنحاء مصر الجديدة تتصدره صورة قصر البارون تحديداً. و هكذا أيضاً يعمل البناة ليل نهار في ترميم القصر المهجور, ليس كرمز لترميم مصر الجديدة كلها أو إعادة طلائها, حيث القصر يقع في "الخلاء" كما أسلف, و إنما كرمز لشيء ما أبعد, كرمز لملك يبني معبداً لإلهه, و في المقابل يجعل إلهه يؤكد موقعه الطبقي باعتباره منتمياً إلى السماء لا الأرض, وأنه مفوض باسم السماء بقمع الأرض. شيء كهذا يقوم به الاهتمام الرئاسي بحي مصر الجديدة بشكل عام و بقصر البارون تحديداً, هو تأكيد انتماء السلطة الطبقي لمصر الجديدة, انتماء السيدة سوزان مبارك ليس فقط لهذا الحي المغرق في نخبويته, و إنما بالتحديد كذلك لجزءه الأكثر أرستقرطية و الأكثر سماوية في آن (المرتبط ب "الأصل الخالق" من جانب, و البعيد عن البشر و الأسواق من جانب آخر.. هل كان يمكن لحملة رئاسية مشابهة أن تنشأ لترميم الحرية مول بعد احتراقه, إذا أردنا ان نظل محصورين داخل حدود مصر الجديدة).. هذا ما يقدمه الملك للإله.. و هذا ما يقدمه الإله للملك (ليظل اسمك حياً في السماء, و لتظل قبضتي حية على الأرض.. و لأنني أبني لك معبداً فأنا أنتمي لك.. و من يعارضني إنما يعارضك.. يعارض أرستقراطية معمار و تراث مصر الجديدة.. ثم في مرحلة تالية, يعارض الاهتمام بالعمارة و الفن, بالروح و بالإله) و لأن الحديث ليس عن المهندسين و مدينة نصر, فلا يمكن وصف الاهتمام بهذا الحي بالبرجوازية الخالية من العقل, و إنما الحديث عن حي ينظر إليه باعتباره شبه تاريخي. هذا ما يؤكده كذلك الإصرار على كون الحي قد أنشيء من "مائة عام", الإصرار الذي يمنعك من رؤية الفقر المتزايد, روحياً و مادياً, للعشوائيات, متضمناً في ازدياد ثراء هذا الحي, روحياً و مادياً. هكذا يؤدي الجبلاوي وظيفة أخرى, لإنه ليس برجاً تافهاً في المهندسين, و إنما شبه إله, فهو يشوش على أي مقارنة بين الاهتمام بهذا الحي و بين الاهتمام بالأحياء المحيطة, مثل المطرية و عين شمس مثلاً, فعلى عربة الترماي القديمة, و التي تعامل بوصفها أثراً, المنتصبة أمام كنيسة البازيليك تبرز عبارة مكتوبة بخط دقيق عن خط الترماي "واحات عين شمس و ضاحية مصر الجديدة". و هكذا إذن: وقتما كانت عين شمس مجرد واحات كانت مصر الجديدة ضاحية مدينية, و على حسب أسبقية كل منهما في التحول إلى المدينية, و على حسب أصل منشئ كل منهما و على حسب موقع القصرين, الإلهي و الرئاسي, في أي منهما, يستحق كل منهما ما يلاقيه الآن. دعونا لا ننسى أن الملك يبنى حالياً معبداً لإلهه و أن أحدا لم ينل هذا الشرف بخلاف الملك.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث صفحات فارغة
- عبد مجوسي الذاكرة و قال كلمات
- لحظات لا يستحب فيها الإسهاب
- عن الفيلم الإسرائيلي (صهيون.. الأراضي).. ترجمة و تقديم نائل ...
- الشعر كائن ضعيف الذاكرة في ديوان منتصر عبد الوجود الأول..
- عن الشعر الإسرائيلي الرافض للاحتلال, دافيد زونشايم, ترجمة و ...
- لون الدم
- محاورات في الترجمة
- حوار مع الكاتب المصري عزت القمحاوي
- في رواية احمد شافعي الأولى -رحلة سوسو- الحكاية سلم يتفتت كلم ...
- مبارك و دريدا و عمرو بن العاص.. ما الذي حدث في -حدث- تعديل ا ...
- التباس
- الضفة الأخرى.. الرقص على إيقاعات العزلة
- أغنية جديدة لعبد الوهاب. 2
- هيفاء وهبي.. حالة نموذجية بعيني مستشرق ما قبل هوليوودي
- أغنية جديدة لعبد الوهاب..1
- شوكولاتة
- ميلودراما انتهت بانتصار الضوء: ملك الفضائح و المسخرة
- موسم صيد الشيوعيين في معرض القاهرة للكتاب
- و المزيد من النظرات


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نائل الطوخي - سوزان مبارك.. الجبلاوي وقصر البارون.. كيف احتفلوا بمرور مائة عام على إنشاء حي مصر الجديدة