|
البحث عن الغائب الحاضر -2-رواية
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4047 - 2013 / 3 / 30 - 12:48
المحور:
الادب والفن
البحث عن الغائب الحاضر -2- رواية ************************* دخلت علينا سعاد زميلتي في الجريدة ، غالبا ما نلتقي هنا في هذه الساعة ، نتناول فطورنا ونترافق سويا الى مقر الجريدة . حيت أحمد ثم سلمت علي ، وجلست الى المقعد المجانب لمقعدي . سعاد أنثى مثخنة بالأنوثة ، وأنوثتها سر نجاحها في عملها . لكنها أحيانا تجلب اليها متاعب كثيرة . ولولا ذكاؤها وثقافتها وأسلوبها في التعامل مع الناس لانفجرت او حدث لها مكروه ما . طلبت من النادل فطورها ، وهاجمتني عند أول كلام لها بيننا : -ألن تقدم لي جليسك ؟ ابتسمت ابتسامة خفيفة وقدمتهما لبعضهما دون اطراء زائد أو حشو ، اكتفيت بذكر اسمها وعملها . أما هو فلم أتورط في كشف مهنته ، واكتفيت بذكر صداقتنا القديمة وباسمه . بدا على أحمد أنه لايحب الضيوف ، ملامحه لم تعد مطمئنة كما استقرت أخيرا . تحاشيت طمأنته أو استدراجه في حوار آخر ، وتركت الأمر سنتهي بطريقة تبدو طبيعية. لكن سعاد وبفضولها الصحفي المتسرع حاولت أن تقتحم عليه قلعته ، حين سألته عن طبيعة عمله ، لكنه كان أذكى مما تصورت حين أجابها على الفور كونه أستاذ علم الاجتماع بجامعة القرويين . -تشرفت بك -لي الشرف سيدتي . أدهشتني سرعة بديهته وتفاعله الطبيعي مع سؤالها ، رغم الحرج الذي بدا عليه . لكن سعاد لا تستطيع قراءة تفاصيل الملامح الدقيقة لانفعالات الانسان ، خاصة اذا كان تابعا للاستخبارات . فهم مدربون على سرعة التجاوب وان كان الجواب قد يأخذ وقتا ، فتكتيك المناورة في الحوار من أهم قواعد العمل الاستخباراتي . عندما هم بمغادرتنا ، سألته رقم هاتفه ، فمدني به ، كان عدد الزبائن قد بدأ يرتفع ، وهذا ما ظننته سبب مغادرته لنا ، أو هروبا من وجوده بين صحفيين ، فأي خطأ قد يحسب عليه . نادى على النادل وطلب منه حساب ما تناولناه بما في ذلك فطور سعاد ، وغادرنا بعد تحيتنا . وفور ذهابه بادرتني سعاد بسؤال غريب : - هل فعلا هو أستاذ علم الاجتماع ؟ -وما يجعلك تشكين في ذلك ؟ - احساس غريب بأنه يكذب . -ولم سيكذب ؟ -لا أدري مجرد احساس . ليس من عادتي أن أمنح أيا كان ما قد أستغله في ترقية مركزي المهني ، والحفاظ على نسبة قرائي والمعجبين بكتاباتي . الصحفي الناجح بقدر ما يكون واضحا بقدر قدرته على اضفاء الغموض على شخصه ومصادره وثقافته . لا بد من السيطرة على القارئ بنوع من التعويم الجميل والتشتيت المبهم . فالقارئ حين تمنحه سر كتابتك ، سرعان ما يمل منك ، خاصة في ميدان الصحافة . بدأت أركب روبورتريه حول أحمد المجباطي ، لا بد من تركيب صور أولية ، وتنقيط بعض العلامات ، فهو الآن بالنسبة الي ما يزال مادة خاما . لكنني تحاشيت الكتابة أمام سعاد ، لذلك استأذنتها بالذهاب للمرحاض . وهناك دونت ملاحظاتي الولية حول شخصية أحمد المجباطي . رجل استخبارات ، مر بمدة لا بأس بها في وظيفته ، ثقافة عالية ، لكنه متوتر وخائف ، يعيش رهابا ربما يكون سببه طبيعة عمله أو العلاقة التي تجمعه بزملائه في العمل ، أو أخطاء مهنية وأخلاقية ، -فرجل المخابرات الناجح لا بد وأن يقهر كل مبدأ ويسخر من كل القيم ، - وضعت الجملة الأخيرة بين مزدوجتين ، ليس من الضروري أن يمحو الانسان كل سمة جميلة فيه كي يكون رجل مخابرات ناجح . هناك مهام يسمونها بالمهام القذرة ، وهي تتطلب مثل هذا النوع من الناس ، خاصة في عصرنا الذي يشهد صراعا ساخنا وعنيفا بين مختلف أجهزة الاستخبارات العالمية . دونت ملاحظاتي وخرجت .كانت سعاد تنفث دخان سيجارتها ، وتقرأ احدى الصحف الفرنسية ، سألتني ان كنت قرأت آخر خبر عن سركوزي ، قلت لها عن أي خبر تتحدث ، فالرجل غارق في أخبار الفساد وهو متابع قضائيا في اكثر من قضية . قالت وعلامات الاندهاش تملأ وجهها ، لا ، يقولون بأن كثيرا من الصحفيين والكتاب الفرنسيين تلقوا تهديدات بالقتل اذا استمروا في نبش ملفاته . اندهشت في الحقيقة للخبر ، ربما عادت حليمة لسيرتها القديمة ، وسقطت الاستخبارات الفرنسية في فضائحها القديمة حين أغرقت احدى الباخرات بمن فيها وقتلت مجموعة من المجندين الايرلاندينيين ، وحين تورطوا في مقتل المناضل الأممي المهدي بنبركة . وهذا ما يسمونه بالعمل القذر .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اشكروا الظلام......اشكروا القتلة
-
لا تتوتري
-
البحث عن الغائب الحاضر -1-رواية
-
عن أي مغرب يتحدثون ؟
-
الاستقالة كتعبير حضاري
-
لعبة الموت
-
اسرائيل تعتذر
-
استقلال القضاء واستغلاله، في المغرب أي علاقة ؟
-
بين الثورة والثقافة -1-
-
المغرب بين الدستور الجديد وعقل الحديد
-
الارهاب حالة دولة
-
ما زال للورد عطره
-
كلمة صادقة الى الشعب السوري الأبي -2-
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع -2-
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع-1-
-
رسالة تحذير
-
أمطار الجحيم -27- رواية
-
كان يمكن أن .....
-
من يحكم المغرب ..؟
-
المرأة في المجتمع العربي
المزيد.....
-
المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا
...
-
آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن
...
-
-طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت
...
-
الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني
...
-
أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال
...
-
المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ
...
-
تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل
...
-
مصر.. نسرين طافش تصالح بـ-4 ملايين جنيه-
-
الفنان عبد الجليل الرازم يسكن القدس وتسكنه
-
أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|