|
مرور عشر سنوات على صدور مجموعتي القصصية الأولى -هواجس امرأة-
مصطفى لغتيري
الحوار المتمدن-العدد: 3483 - 2011 / 9 / 11 - 14:23
المحور:
الادب والفن
مرور عشر سنوات على صدور مجموعتي القصصية الأولى "هواجس امرأة"
قبل سنتين فاجأني حدث نوعي و جميل ، يقوي إيمان المرء بجدوى الأدب و قدرته على ربط علاقات إنسانية عميقة ،و خلق لحظات فرح استثنائية ، فقد تلقيت رسالة إلكترونية مجهولة المصدر، مصحوبة بأغنية شعبية منتقاة .. كانت الرسالة مقتضبة جدا تخبرني بأن صاحب الرسالة يهدي لي الأغنية بمناسبة مرور ثماني سنوات عن صدور "هواجس امرأة". ، بالطبع أفرحتني هذه البادرة السادرة في فتنتها و جمالها و إنسانيتها ، فحاولت أن أعرف اسم المرسل ، كي أشكره ، لكنني لم أفلح في ذلك. اليوم مرت عشر سنوات على صدورالمجموعة ، التي نشرتها وزارة الثقافة و قدم لها الكاتب العميد أحمد بوزفور بكلمة جاء في جزء منها " "هواجس امرأة " بحيرة قصصية تحتفي بالجدل...إذ يكاد يكون في كل قصة طرفان يتصرعان ، غير أنه جدل من نوع خاص ، جدل روحي إذا صح التعبير..توتر في العلاقة الانسانية لا ينتهي إلى مركب جديد يطور الجدل بقدر ما يدور حول نفسه ليحافظ على نار الجدل مشتعلة ، و ربما كان المركب الذي يبنيه هذا الجدل في كل قصة هو القصة نفسها" بهذه المناسابة ، يسعدني أن أقدم للصديق أو الصديقة صاحب "ة" الرسالة و الهدية و من خلاله إلى كل الأصدقاء و الصديقات إحدى قصص المجموعة ،و التي تحمل عنوان "هواجس امرأة" ، الذي هو في نفس الوقت عنوان الأضمومة القصصية. هواجس امرأة - لم تخبرني برأيك في الموضوع؟ قالت و هي تنظر إلى الزاوية اليسرى ، حيث كانت عنكبوت تنسج بإتقان مصيدة في انتظار فريسة ما. - عن أي موضوع تتحدثين ؟ سألها و عيناه تمسحان الشارع الخلفي للبيت ، و هو يتساءل في أعماقه عن سر هذا السكون الذي يدثر المكان من حوله .. و لا حركة واحدة.. الأمر مقرف للغاية. - موضوع الفتاة، فأنا في أشد الحاجة إليها. أشعر برعب حقيقي عندما أفكر أن حياتي ستستمر دون أن أرزق ببنية، تؤنسني في وحدتي. أجابته و هي تتأمل بإعجاب هذه العنكبوت التي لاتكل، فرغم أنها تخرب بيتها يوميا تقريبا ، إلا أنها مصرة على الاستمرار في البناء ، بل و في نفس المكان تقريبا . و الغريب أنها كلما نظفت البيت ، كانت لا تعتر لها على أثر. -قلت لك أكثر من مرة إن الأمر خارج إرادتنا ، و إن وافقت الرأي فمن يضمن لنا أن المولود سيكون بنتا . أجابها محاولا إقناعها ، بينما يلمح في الشارع من سيحدث أول ثقب في جدار لسكون السميك : رجلا يحمل كيسا على ظهره المقوس و هو ينادي في شبه رتابة: - نخال ..خبز كارم. شعر ببعض الارتخاء عندما لمح الرجل ،الذي واصل سيره غير مبال بما حوله ، و كأنه لا يتوقع أن يناديه أحد ، ليعطيه بعض الخبز اليابس. - لماذا لا نجرب؟ لدي إحساس عميق بأن محاولتنا لن تذهب سدى . قالت بنبرة يخالطها أمل زئبقي ، كلما حاولت التمسك به ، بدا لها سرابا ، تفوح رائحته بين ترانيم صوتها المتكسر. و عيناها تعلقتا بذبابة تحلق في فضاء الغرفة ، تصدر طنينا ، و كلما أوشكت أن تحط في مكان ما ، خالجها التردد ، فتستمر في طيرانها، و كأن إحساسا بالذعر يحاصرها. - أنت تفكرين بعاطفتك ، و أنا لا أرغب بأن أغامر في تجربة غير مضمونة النتائج . قال ذلك و هو يتطلع في فضول إلى كلب يتبع كلبة . ابتسم في أعماقه . الكلب يبصبص بذيله ، الذي لا يتوقف عن الحركة . و الكلبة أدخلة ذيلها بين قائمتيها الخلفيتين ، و هي تصدر صوتا أقرب إلى النحيب منه إلى النباح. - هذه الأشياء لا دخل للعقل فيها ، فإحساس الأمومة أقوى من حسابات العقل . قالت ذلك و هي تحملق بتركيز في الذبابة، التي مازال طنينها يغتصب في لطف مساحات الصمت ، التي تفصل بين كلامها و كلام زوجها . استوت في جلستها ، و هي تراقب الذبابة التي تنتقل دون هدى . تنزلق نحو النافذة ، و كأنها تفر من خطر محدق بها .. تصطدم بالزجاج ، ثم تعود إلى تحلقيها و قد تضاعف طيرانها. حولي التفكير في حلل آخر غير الحمل و الإنجاب. أنت تعرفين ما تحملناه من جهد و تعب في المرة السابقة ، فكان الطفل ذكرا كالعادة. لفظ الكلمات و هو يودع بعينييه الكلبين اللذين استمرا في طريقهما . حاول أن ينسج في مخيلته ما يمكن أن يحدث بينهما بعد زمن قصير ، إلا أنه تراجع عن ذلك و قد أفرج عن بسمة استلقت على شفتيه ، سرعان ما اختفت و هو يتلقف كلماته زوجته: - و أي حل تقترح؟ لقد تعبت من التفكير دون أن أهتدي إلى حل . قالت و هي تحدق في تلك الذبابة التي زادها ارتطامها بالزجاج تشنجا ، فأضحت أكثر إصرارا على الطيران من ذي قبل ، و قد استبد بها ذعر حقيقي ، إنها تطير دون تركيز و عينا المرأة تطاردنانها بإصرا كبير .. تدنو الذبابة من بيت العنكبوت ، تمر محاذية .. العنكبوت لا تزال كامنة تنتظر بشغف فريستها. - فكري في التبني . فهو حل مناسب لمثل حالتنا . يقول بلهجة المتيقن ، و هو يرمق سيارة تمرق في الشارع الخلفي. حاول التعرف على سائقها ، بيد أن ذلك بدا له صعبا ، فاكتفى بالنظر إلى لوحة أرقامها . لم يكن فيها شيء مميز ، فالتفت نحو زوجته التي نادته: - أحمد ، أحمد ، أراهن أن هذه الذبابة ستقع فريسة للعنكبوت. - أي ذ ذبابة ؟ و أي عنكبوت ؟ قال مستفسرا. أشارت إلى عش العنكبوت ، ثم إلى الذبابة المتوترة ، التي ازداد ارتباكها ، فتضاععفت قوة طيرانها. ابتسم و هو يتجه نحو النافذة . فتحها، فإذا بالذبابة تنسل خارج الغرفة ، فيما رمقته زوجته بنظرة يمازجها عتاب لا يكاد يعلن عن نفسه ، ثم قالت: - سأفكر جديا في الموضوع.
#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حب و برتقال ..مقاطع من رواية جديدة كتبتها ولم يحن أوان نشرها
...
-
الدكتورة سعاد مسكين تحفر عميقا في متخيل القصة المغربية القصي
...
-
**هواجس و تساؤلات حول الكتابة القصصية في المغرب
-
المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين
-
لغتيري يوقع رواياته في معرض الكتاب بالدارالبيضاء
-
مغرب جديد يصنعه شباب 20 فبراير
-
لماذا يجب النزول إلى الشارع يوم 20 مارس للتظاهر؟
-
أيام معتمة- للكاتبة المغربية البتول محجوب أو عندما تشع الكتا
...
-
لماذا سأنزل غدا إلى الشارع من أجل التظاهر؟
-
رواية -الحافيات- للأديبة دينا سليم أو عندما تتخذ المرأة من ج
...
-
أدباء وكتاب يتحدثون ل(الزمان) عن درجة الجرأة في الكتابة
-
الاحتفاء بالشخصية في المجموعة القصصية- الأب دحمان- للقاص الم
...
-
السعدية باحدة مبدعة من الزمن الجميل*
-
العوالم الافتراضية في الكتابة القصصية عند القاص المغربي محمد
...
-
إيقاع الصورة الشعرية في -ظلي بقعة حبر -للشاعرة التونسية عائش
...
-
كتابات ساخرة قصص قصيرة جدا لجميل حمداوي -تقديم مصطفى لغتيري.
-
وقفة تأملية عند -دموع فراشة- للقاص حميد ركاطة
-
مصحف أحمر رواية الثورة و الجنس المثلي و توحيد الأديان
-
-خبز الله- لعمر علوي ناسنا أو ولادة جيل جديد من القصاصين في
...
-
مليون توقيع من أجل جامعة مغربية فعالة و مبدعة و متنورة
المزيد.....
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|