أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - مسرحية -العميان--أشعرُ بالقمر فوق يدي














المزيد.....

مسرحية -العميان--أشعرُ بالقمر فوق يدي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3083 - 2010 / 8 / 3 - 17:25
المحور: الادب والفن
    


مسرحية من فصل واحد تنتمي لمدرسة "مسرح العبث" Absurd، كتبها موريس ميترلنك (1862- 1949)، وهو البلجيكي الوحيد الذي حصد نوبل للآداب عام 1911. شخوصُها ثلاثةُ عشر إنسانًا وكلبٌ واحد. رجالٌ ستة، وستُّ نساء، ورضيع. ثلاثة من الرجال عميان منذ الولادة، ما يسميهم المعجمُ العربي "أكْمَه، والجمع: كُمْه"، وثلاثة فقدوا البصرَ في طفولتهم. العمياواتُ الستُّ، ثلاثٌ منهن عجائزُ يُصَلّين طوالَ الوقت، وعمياءُ هي الأكبر سنًّا بين الجميع، وأخرى شابّة فاتنة، السادسةُ معتوهة، تحمل طفلاً رضيعًا. المكان: غابةٌ شمالية موحشةٌ تغطيها سماءٌ خافتةُ النجوم. على اليمين يتكئ كاهنٌ على شجرة عليه سيماءُ الموت، وفي اليمين العميان جالسون على الصخور وجذوع الأشجار، في ملابس فضفاضة موحّدة. الزمان: غير محدد، يصلح لأن يكون أي عصر. الحركة المسرحية منعدمة، فالشخوص، رجالا ونساء، جالسون على خشبة المسرح طوال العرض تقريبًا دون حراك. وهنا يسقط أحد أركان الدراما هو الحركة، ليكون البطلُ الوحيد هو الصوت/الحوار.
يبدأ الحوارُ بأن يسأل أحدهم: "ألم يعد بعد؟" فنفهمُ أن أولئك العميان ينتظرون منذ زمن شخصًا ما، ومع توالي الحوار ندرك أن هذا المُنتظَر لابد من حضوره، لأن في وجوده إنقاذًا لوجودهم. في انتظار ذلك المجهول يتطور الحوارُ بين الشخوص فاقدي البصر لنتعرف على مأساتهم خطوةً خطوة. أولئك المأزومون بالعاهة يعيشون في ملجأ للعميان. وقرر الكاهن العجوز اصطحابهم إلى البحر ليستمتعوا بالشمس يوم عيد الجزيرة، قبل هبوط الشتاء الثقيل بغيومه وصقيعه وعواصفه وأمطاره. ذلك الشتاء الذي يزيد ظلمتَهم كثافةً. وعند وصولهم إلى شاطئ البحر يخبرهم أنه ذاهبٌ لشراء خبز وماء للطفل. ثم لا يعود أبدًا. حينما يفقد أولئك، الذين غادرتهم عيونُهم، الدليلَ الوحيدَ المبصر، ويتركهم في مكان مجهول، تكون أداتُهم الوحيدة للتواصل مع العالم هي آذانهم، فيبرز الحوارُ بوصفه الحواسَّ جميعًا والخيطَ الأوحد الذي يعلّقهم بالحياة ويخفف قليلا من وطأة خوفهم وعتمتهم الأبدية. مع تطور البناء الدراميّ، يكتشف العميان أن الكاهن فارقته الروحَ، ليتحول إلى جثمان يرقد عند الشجرة البعيدة. يتحول خوفهم رعبًا وقد بدأوا يدركون أنهم فقدوا طريق الخلاص، وليس بوسعهم العودة إلى الملجأ. يبدأ الطفلُ في الصراخ، فيظنون أنه رأى شيئًا مخيفًا. فهو المبصر الوحيد بينهم. يفترضون إذًا أن بكاءه دليلُ وجود أمل جديد.
فِعلُ الانتظارُ، إن كان الانتظارُ فِعلاً، هو العملُ الوحيد الذي يصنعه الشخوص! وفي أثناء انتظارهم يتكلمون ويسردون ذكرياتهم، يُظهرون وجلهم حينًا، ويبتسمون حينًا، ويراودهم بصيصُ أمل حينًا، ويقبضُ اليأسُ على أرواحهم أحيانًا كثيرة. يدور حديثهم معظم الوقت عن "الوقت"، مرور الزمن، هل الوقت عصرًا، أم هبط المساء ليتحول ظلامُهم ظلاميْن؟
ينتظرون الكاهن الذي جاء بهم إلى هنا ليتركهم لمصيرهم الغامض. يقول واحدهم: " لقد جاء يخبط على ذراعي خلال نومي قائلا: ’هيا، انهضوا، انهضوا، حان الوقتُ لأن الشمس عالية في السماء‘– هل كـان ذلك حقيقيًّا؟ لستُ ادري لأنني لم أرَ الشمسَ أبدًا." فيردُّ آخر: "أما عني، فقد رأيتُ الشمسَ حينما كنتُ صغيرًا جدًّا." فتردُّ العمياء العجوز: "وأنا أيضًا، منذ سنوات طوال! حين كنتُ طفلةً، ولكنني لم أعد أذكر شكلها." يقول أكمهُ: "لماذا يريد أن نخرج كلَّ مرة تشرقُ فيها الشمس؟ مَن يشعر بذلك؟ لا أعرفُ أبدًا إذا كنتُ أتنـزه في ساعة الظهر أو عند منتصف الليل!" فيجيب آخر: "أفضّل الخروجَ ساعة الظهر! أشكُّ عندئذ أنه هناك كمًّا كبيرًا من الضوء! وأن عينيّ تبذلان جهدًا كبيرًا حتى تتفتحا." فيقولُ آخر: "كان يمكن أن يقودنا إلي الشمس في الساحة! وهكذا، نحتمي وراء الأسوار؟ فلا يمكننا الخروج في هذه الحال، كما أنه لا خوفَ هناك حين يكون الباب مغلقاً!"
يحاولون التكّهن بالوقت، فيقول أحدهم: "أتصور أنه الليل. حين تشرق الشمسُ، أرى خطًّا أزرقَ تحت جفنيّ؛ مرّةً رأيتُ خطًّا منذ زمن بعيد. أما الآن فلا شيء سوى العتمة." فيجيب آخر: "أما أنا، فأدركُ أن الساعةَ قد تأخرت عندما أجوع، وأنا الآن جائع." يقول أحد الكمه: "انظروا إلى السماء ربما تبصرون شيئًا!" يرفع الجميع رؤوسهم نحو السماء، باستثناء الثلاثة الكُمْه، يستمرون في النظر إلى الأرض. وتهتفُ العمياءُ الشابّة: "أشعرُ بالقمر فوق يدي."، فيقول الأعمى الأكبرُ سنًّا: "أتصور أن هناك نجومًا، فأنا أسمعُها."، فيجيبُ آخر: "لا أسمعُ إلا صوتَ تنفسنا!" ثم تهبطُ طيورُ الليل على أوراق الشجر فيقول أحدهم: "أنصتوا! أنصتوا! ما الذي يتحرك فوقنا؟ ماذا تسمعون؟" فيجيب آخر: "حدث شيءٌ بيننا وبين السماء."
يستمرون في حيرتهم، حتى يقودهم الكلبُ إلى جثمان الكاهن، فيتملكهم الرعب من المجهول، ثم يحاولون الاستدلال بالطفل الوحيد الذي يرى، لكنه لا يقدر أن يحكي عما يرى. وتنتهي المسرحيةُ بأن تهتفُ العمياء العجوز: "الرحمةَ!" ثم سكون مخيف، ويجهشُ الطفلُ بالبكاء على نحو يائس.
المسرحية تحمل العديد من الإسقاطات السياسية والاجتماعية تصلح لوقتنا الراهن رغم كتابتها منذ عقود بعيدة. غيابُ الدليل، وغيابُ القائد، وغيابُ الخيط الواصلُ بالحياة، ثم الانتظار الأبديّ لكل هذا الذي لا يأتي، دونما حراك، وعلى نحو شديد السلبية.
عُرضَت المسرحية في القاهرة مؤخرًا على مسرح مكتبة إمبابة الثقافية، التابعة لفرع ثقافة الجيزة، من إخراج محمود عطية. يذكر أن جميع أبطال المسرحية من المعاقين حركيًّا وذهنيًّا، وهذا يضفي على العرض بُعدًا إنسانيًّا فاتنا، ويخرج من أولئك طاقاتهم الخبيئة التي لا حدود لها.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جبل راشمور في الشيخ زايد
- متشوّقون للجمال
- عقيدتُك ليست تعنيني
- محمود سلطان، الإعلاميُّ الجميل
- تثقيفُ البسطاء في ثقافة الجيزة
- صديقي المبدع، بهيج إسماعيل
- عبدةُ الزهور الجميلة
- الثالثُ المرفوع، وغير المرفوع
- لأن معي أتعاب المحامي
- أزمة الإنسان واحدةٌ فوق المكان والزمان
- درسُ سلماوي الصعب!
- يوميات قبطي، واحد م البلد دي
- مندور، ابنُ الزمن الجميل
- كتابٌ مخيف من ترجمة طلعت الشايب
- فاروق الباز، أيها المصريّ
- أن ترسمَ كطفل
- سعد رومان ميخائيل يرصّع اللوحات العالمية على جداريات دار الأ ...
- هزْلُهم... فنٌّ
- أعمدةُ الجمال، بين رسالة والساقية
- أن تصطادَ عصفورًا من النيل، فأنتَ إذن إبراهيم أصلان


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - مسرحية -العميان--أشعرُ بالقمر فوق يدي