أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - أزمة الإنسان واحدةٌ فوق المكان والزمان














المزيد.....

أزمة الإنسان واحدةٌ فوق المكان والزمان


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3022 - 2010 / 6 / 2 - 10:05
المحور: المجتمع المدني
    


مسرحية "أوديب وشفيقة"

يُسدَلُ الستارُ على مشهدين يفصلُ بينهما التاريخُ، مثلما تفصلُ بينهما الجغرافيا. على اليمين شابٌّ إغريقي عاش قبل قرون طوال في كورنثا اليونانية، يقفُ في ملابسه الملكية ويهتف في وجل ورعب: "مَن أكون؟"، وعلى اليسار شابةٌ من صعيد مصر، ابنة العصر الراهن، في ملابس قروية تهتف في أسى وفجيعة: "أنا مين؟" كلاهما بطلٌ لأسطورة شهيرة من الفولكلور الإغريقي والمصري، وكلاهما مأزومٌ بالبحث عن الأصل والهوية. كلاهما ضائعٌ دون جذر يحمي الفرعَ ويمنحه ثباته ولونه وهويته وصفاته. كيف اجتمع ما لا يجتمع في هذا العمل المسرحي "أوديب وشفيقة"، التي تُعرض الآن على مسرح الغد بالبالون؟
منذ العنوان ثمة تناقضُ مقصود وخلطٌ فنيٌّ في الزمن والجغرافيا. لكي تقول الرسالة إن الإنسانَ واحدٌ، وأزمته واحدةٌ عابرة الوقت وعابرة المكان، وعابرة اللغة واللسان. أزمة الهوية والانتماء، في حيرة أوديب الملك، وشفيقة الفقيرة في معرفة الأبوين. وكذا أزمة الشر الموجود في كل عصر ومكان، متمثلا تارة في الكاهن "نصّوب" الذي سيسرق أوديب رضيعًا من أبويه الملك والملكة، مُنذرًا من أنه حين يشبُّ سوف يقتل أباه ويدنّس بالعار مضجع أمه، كما عرفنا من مسرحية سوفكليس ومن الميثولوجيا الإغريقية (بتصرّف)، ومن جانب آخر الشر متمثلا في عمدة كفر الحناوي الذي يسعى للزواج من صبية من عُمر أحفاده بالقوة والنفوذ والتهديد، كما عرفنا من الحكاية الشعبية "شفيقة ومتولي"، (بتصرف أيضًا).
تُفتح الستارة على مقام سيدي الحناوي في القرية الصغيرة، وعلى اليسار مقهى بلدي صغير، وراقصةٌ من الغجر تؤدي رقصةً بوهيمية رعوية احتفالا بمولد الحناوي. ثم نتعرف على أصحاب المقهى، "نبيهة" و"شعبان"، وابنتهما المُتبناة الصبية الجميلة "شفيقة"، التي يودُّ عمدةُ القرية المتسّلطُ المزواجُ الزواجَ منها بأي ثمن، فتحاول الراقصةُ العرّافة إقناعها بشتى سبل الترغيب والترهيب دون فائدة. تتملك شفيقةَ الحيرةُ والعذاب مدة العرض لأنها تود أن تعرف أصلها وهويتها طوال. وفي يمين المسرح، ثم منصة مرتفعة، ستمثل مسرحًا داخل المسرح، عليها أزياء وديكور من العصر الإغريقي القديم، كرسي عرش يخصُّ الملك، وأريكة "تشيز لونج، تتكئ عليها الملكة، وتيجان وصولجان تخص المُلك. وفي منتصف المسرح، في بؤرة المشهد، مقام ولي الله، الذي يتبرّك الأهالي بلمسه والبكاء على ضريحه. هذا المزج بين الزمن والجغرافيا حيلةٌ مسرحية جديدة وذكية صنعها المخرج: عاصم رأفت، وكتبها المؤلف: أحمد الأبلج، يإتقان مدهش، ساهم بشكل أساسي في توصيل الرسالة للمتفرج، حول وحدة الإنسان ووحدة سؤاله الوجودي وأزمته مع الحياة، بصرف النظر عن الطبقة الاجتماعية والزمن والموقع المكاني.
عايدة فهمي وأمين عامر، يمثّلان مرّة صاحبة المقهى وزوجها، وبعد برهة هي مع أحمد أبو عميرة، الملكان العاقران اللذان يبحثان عن طفل نبيل الدماء ليورثاه عرشهما. وعلى الجانب الآخر، ناهد رشدي ومصطفى طلبة، الممثلة والمخرج وبعد برهة هما جيوكاستا ولاوس، ملكة "ثيبا" ملكها اللذان ينجبان لتوّهما طفلا لن يلبثا أن يفقداه بحيلة حقيرة زيّفها "نصوب/ شادي أسعد، ليسرقه منهما وبهبه للملك والملكة العاقرين ويقبض الثمن. الأداء على نصف المسرح الأيسر يتم بالدارجة المصرية الشعبية، وعلى الجانب الأيمن، الملكي، بالفصحى التي كأنما هي اللغة اليونانية القديمة معرّبةً. وبدايةً يُحسب للمثلين الانتقال الرشيق الواثب بين اللسانين العربي الفصيح، والدارج العاميّ. وحال الكلام عن العربية الفصحى وجبت تحية الممثلين جميعًا الذين لم نسمع منهم هنةً لغوية أو لحنًا نحويًّا أو صرفيًّا، وهو أمر بات مدهشًا لندرته الآن، حتى بين الأدباء القابضين على زمام اللغة وأسرارها، وكذا بين مذيعين القنوات الفضائية الذين أهانوا اللغةَ على خير ما تكون الإهانة! عادل رأفت/ أوديب، رضوى شريف/ شفيقة، محمد عبد الفتاح/ العمدة، جميعهم مع بقية الممثلين فهموا أدوراهم، وادركوا البعد التأريخي والوجودي لطبيعة الشخصيات التي يتلبسونها فخرج العمل راقيًا رفيع الطراز على نحو يستحق التحية والتقدير.
ذوبان الإنسان في سؤال الوجود ه تيمة تلك المسرحية الجميلة. قمة الهرم الطبقي/ الملك، وقاعه/ القروية، قمة الديمقراطية/ أثينا القديمة، قمة البطريركية/ صعيد مصر. استخدام الكهنوت في اللعب بعقول العامة: نصوب الإغريقيّ، الدجال المشعوذ في الصعيد. أوديب يخاطب الآلهة، شفيقة تخاطب مقام الحناوي. قصة الإنسان واحدة، في أثينا الملكية، وفي صعيد مصر البسيط. المصري اليوم



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درسُ سلماوي الصعب!
- يوميات قبطي، واحد م البلد دي
- مندور، ابنُ الزمن الجميل
- كتابٌ مخيف من ترجمة طلعت الشايب
- فاروق الباز، أيها المصريّ
- أن ترسمَ كطفل
- سعد رومان ميخائيل يرصّع اللوحات العالمية على جداريات دار الأ ...
- هزْلُهم... فنٌّ
- أعمدةُ الجمال، بين رسالة والساقية
- أن تصطادَ عصفورًا من النيل، فأنتَ إذن إبراهيم أصلان
- عاطف أحمد، فنانٌ من بلادنا
- الفنُّ تكسيرًا للصورة النمطية للعرب
- قرطبة مدينة الشعراء والتاريخ المزدوج
- كهاتين في الجنّة
- الشِّعرُ في طرقات قرطبة
- فاطمة ناعوت والسعي وراء تأنيث العالم
- لهو الأبالسة، وفنُّ القراءة
- هكذا الحُسْنُ قد أمَر!
- ساعةُ الحائط
- سهير المصادفة


المزيد.....




- مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة
- -حماس- تعلن تسلمها ردا رسميا إسرائيليا حول مقترحات الحركة لص ...
- تحتاج 14 عاماً لإزالتها.. الأمم المتحدة: حجم الأنقاض في غزة ...
- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - أزمة الإنسان واحدةٌ فوق المكان والزمان