أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - الثالثُ المرفوع، وغير المرفوع














المزيد.....

الثالثُ المرفوع، وغير المرفوع


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3056 - 2010 / 7 / 7 - 22:51
المحور: حقوق الانسان
    


أمٌّ تسرق رغيفًا من أجل إطعام طفلها الجائع. هل نضعُ تصرفَها في خانة اللصِّ السارق، أم في خانة المضطّر النبيل، الذي ضحى بنفسه من أجل إنقاذ روح بريئة؟ لن نحددَ أبدا إجابةً واحدة (نقيّة). لأن الشقّين موجودان كليهما في هذا السلوك! الخِسّةُ والعُلوّ. كيف يجتمعُ نقيضان في سلوك واحد؟ ألا يهدمُ هذا أحدَ مبادئ السببية التي أقرّها المنهج الأرسطيّ؟ وأقصد هنا مبدأ عدم التناقض القائل إن الشيء الواحد لا تجتمع فيه صفتان متناقضتان في آن. كذلك مبدأ الثالث المرفوع، أو الوسط الممتنع، الذاهب إلى أن لا قيمةَ وسطى بين الصدق والكذب، فكلُّ قضية إما صادقةٌ وإما كاذبة.
ستواجهنا هذه الإشكالية دائما في كل ما يتعرض للوجود والإنسانيات في تعقيداتها الكبرى. انتبه الفنانون والشعراء والروائيون والمسرحيون خصوصًا إلى تلك المفارقة فصنعوا أعمالهم الكبرى. قضية سرقة جائع رغيفًا استلهمها فيكتور هيجو في رواية "البؤساء" قائلاً في مقدمتها: "تخلق العاداتُ والقوانينُ في فرنسا ظرفًا اجتماعيًّا هو نوع من الجحيم البشري، فطالما توجد لامبالاة وفقرٌ على الأرض، فإن كتبًا كهذا الكتاب ستكون دائمًا ضرورة". روايته تلك انتقدتِ الظلمَ الاجتماعيّ والفقر والعوز المرير في فرنسا القرن التاسع عشر بسبب حروب التناحر على السلطة في الفترة ما بين سقوط نابليون العام 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس-فيليب العام 1830. القارئُ، دون شك، تعاطف طيلة الوقت مع جان فالجان، الطفل الجائع، الذي سرق رغيفًا ليأكل، فدخل السجن تسعة عشر عامًا ليخرج منه مجرمًا حقيقيًّا، لولا التقائه قسًّا نبيلاً آواه وأكرمه، ثم سامحه بعدما غافله فالجان وسرق شمعدانه الفضيّ، ثم برّأه من تهمة السرقة لكي ينجيه من السجن مجددً. هنا، بفضل ذكاء القس وصفائه الروحي، يتحول اللصُّ الآثم إلى كائن كريم نبيل يظلُّ يقدم يد العون للآخرين حتى وفاته. المهم هنا أن القارئ تعاطف مع فالجان حتى قبل أن يتحول في كهولته إلى رجل طيب. يعني تعاطفنا معه لصًّا!
الإشكالية الدرامية نفسها استلهمتها التراجيديات الإغريقية قبل خمسة وعشرين قرنًا من الآن. خطايا الأبطال الذين تحدّوا الآلهة. سوفوكليس في مسرحيته الفاتنة "أنتيجونا" يطرح علينا أزمة الفتاة الجميلة التي حاولت دفن جثمان أخيها الصريع، فيما أراد كريون أن تنهش جسدَه الجوارحُ لأنه خان الوطن. قال هيجل عن هذه المسرحية إن سوفوكليس وضعنا أمام مذنبيْن. أنتيجونا أذنبت في حق الوطن، وكريون أذنب في حق رابطة الدم. ومثل أنتيجونا نجد برومثيوس في الميثولوجيا اليونانية. ذاك الذي رفض أن يستأثر كبيرُ الآلهة زيوس بالنار حارمًا منها البشرَ. فخطف الشعلةَ من السماء ووهبها للإنسان، ثم نال عذابَه الأبديَّ الأشهر، إذ ظلتِ النسورُ تنهشُ كبدَه الذي كلما فني نضجَ غيرُه لتنهشه الجوارحُ مجددًا، وأبدًا.
كذلك أوقعنا النرويجيُّ هنريك إبسن في تلك الأزمة الوجودية ذاتها في "بيت الدمية". نورا، صاحبة أشهر صفقة باب عرفها التاريخ. حيّرتِ النقادَ والقراءَ معا. وصفها البعضُ بالجسارة والقوة حين تركت كلَّ شيء وراءها رافضةً أن تكون "دُمية" جميلةً في يد رجل. واختارت أن تكون كائنًا حرًّا وإنسانًا مسئولاً. واعتبر هؤلاء تلك المسرحيةَ بمثابة أول صرخة نسوية في التاريخ الأدبيّ تطلق ثورة من أجل تحرر المرأة وعدم خضوعها. وفي المقابل رآها البعضُ امرأة مهزوزة مهلهلة الشخصية أضعف من أن تقوم بثورة. والأخطرُ أن هؤلاء وسموها بالخسّة وعدم النبالة بسبب توسّلها طريقًا ملتوية للحصول على المال من أجل إنقاذ زوجها من مرضه الخطير. الطريق الملتوية التي قصدوها هي لجوءُها إلى صديق الأسرة المحامي كروجشتاد للاستدانة منه بعدما زوّرت توقيع أبيها على إيصال الأمانة. فيقوم كروجشتاد بتهديدها بإفشاء سرها لزوجها هيملر، الذي شُفي بفضلها، إن لم تسانده في أن يعدل زوجها، مدير البنك، عن قرار فصله لأنه يسيء استخدام صداقته له كمرؤوس للزوج. يعلم الزوج بفعلة الزوجة فيعنفها ويقرر إنهاء حياتهما الزوجية خوفًا على سمعته. على إنه حين يستوثق من أن الوغد كروجشتاد سحب تهديده بإذاعة السر، بل وأرسل لهما الوثيقة المزورة، الدليلَ الوحيد على الجريمة، يحاول استرضاء زوجته، لكنها، مصدومةً فيه، تهجر البيت مخلّفةً وراءها صفقة هزّت أركان الدنيا. يرى المنتقدون أن التي تقدم على جريمة تزوير لا يمكن الوثوق بقدرتها على القيام بمثل هذه الثورة الاجتماعية من رفضها موقع الدمية إلى حيث آماد أرحب من الحرية.
ولم يقل التاريخُ كلمته النهائية أبدًا. ولن يقول. محكمةُ الضمير تُبرّئ الأمَ السارقة رغيفًا لابنها، وتبرّئ جان فالجان وأنتيجونا وبرومثيوس ونورا، سوى إن محكمةَ القانون والعُرف والتشريع تجرمهم جميعًا، بل وتضعهم في سلة واحدة مع اللصوص والمجرمين والسفاحين العُتاة. ولن نحدد أبدًا أين يكمن الخطأ وأين يكمن الصواب. كلاهما موجود بقوة في كل فعل. حيثُ النقاءُ التام لا وجود له على الأرض. تلك محنةُ الإنسان








#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لأن معي أتعاب المحامي
- أزمة الإنسان واحدةٌ فوق المكان والزمان
- درسُ سلماوي الصعب!
- يوميات قبطي، واحد م البلد دي
- مندور، ابنُ الزمن الجميل
- كتابٌ مخيف من ترجمة طلعت الشايب
- فاروق الباز، أيها المصريّ
- أن ترسمَ كطفل
- سعد رومان ميخائيل يرصّع اللوحات العالمية على جداريات دار الأ ...
- هزْلُهم... فنٌّ
- أعمدةُ الجمال، بين رسالة والساقية
- أن تصطادَ عصفورًا من النيل، فأنتَ إذن إبراهيم أصلان
- عاطف أحمد، فنانٌ من بلادنا
- الفنُّ تكسيرًا للصورة النمطية للعرب
- قرطبة مدينة الشعراء والتاريخ المزدوج
- كهاتين في الجنّة
- الشِّعرُ في طرقات قرطبة
- فاطمة ناعوت والسعي وراء تأنيث العالم
- لهو الأبالسة، وفنُّ القراءة
- هكذا الحُسْنُ قد أمَر!


المزيد.....




- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...
- جامعات أميركية تواصل التظاهرات دعماً لفلسطين: اعتقالات وتحري ...
- العفو الدولية تدين قمع احتجاجات داعمة لفلسطين في جامعات أمري ...
- اعتقالات بالجامعات الأميركية ونعمت شفيق تعترف بتأجيجها المشك ...
- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - الثالثُ المرفوع، وغير المرفوع