أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - فراش حب : (غدي)















المزيد.....

فراش حب : (غدي)


لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)


الحوار المتمدن-العدد: 2858 - 2009 / 12 / 14 - 15:52
المحور: الادب والفن
    


لطالما تخيلت أنني فراشة ..لكن الفراشات عمرها قصير ، لم يمد الله في عمري إذا !! ..أتعبتني الحياة .
بعيني طفلة الخامسة رأيتهم و هم ينفصلون ..
قال لها : يلعن الدين الذي جمعني بك .
وأجابت : يلعن الحب...
رحلت ...لم أعد أذكر منها سوى شعرها البني الطويل ، و يوم رحلت بكيت و بكيت و ركضت خلفها ،فتعثرت على درجات المنزل السبع و أدميت ركبتيّ و جرحت يديّ الصغيرتين ،لكنها لم ترجع ، و لا هي التفتت لترى ثيابي الورديّة كيف استحالت .
لم أرها منذ ذلك اليوم ، منذ أكثر من عشرين عاما لم أرها ، قالوا إنها تزوجت و رزقت بأربع بنات ، و أنها ما زالت جميلة كالسابق ، لكنني لست في شوق إلى رؤيتها ، لا يربطني بها حاليا سوى تلك الدرجات السبع لمنزل طفولتي المسروقة ، و عبارات ساحرة ذلك المنزل أو ربته الحالية :
-(لمين بدك تطلعي ) ، نسخة عن أمك بالشكل و المضمون .
-احترمي نفسك يا (مدام) ، أين هو من يلقب أبي ؟
-تتطاولين على أبيك ، لو أن أخوتك هنا( لربوك) ...
-لا أخوة لدي...
********************************************

لطالما تخيلت أنني فراشة ، لكن الفراشات عمرها قصير ، لم يمد الله في عمري إذا !! .. ربما لأتذكر .
بعيني طفلة الخامسة رأيت عمي يوضب أغراضي و ألعابي ..
قال له : (حرام عليك) ، ترمي ابنتك و تتزوج بنت الكلب تلك ...
و أجابه : لست أرميها لشخص غريب ، أنت عمها و مثل أبيها .
رحلت أنا و عمي عن منزل الدرجات السبع ، و عنه ، لا أريد أن أذكره ...
قابلته بعدها لكنني لم أره ، لا يربطني به حاليا سوى ورقة رفع الوصاية في المحكمة ..قلت لهم :
-ارفعوا وصايته عني ..لا أب لي.
***********************************************

لطالما تخيلت أنني فراشة ، لكن الفراشات عمرها قصير ، لم يمد الله في عمري إذا !! .. لأتذكر...
بعيني طفلة الخامسة رأيت زوجة عمي ترفع يديها في وجهه ، و تصرخ :
-الخبز لا يكفي عيالك حتى تشاركهم هذه طعامهم .
-"هذه" هي ابنة أخي ، ليس ذنبها أن أمها تركتها ..لم يسألها أبوها قبل أن يتزوج.
-لتأخذها ابنة الكلب تلك إذا ...لماذا يحدث ما تريده هي و أنا أجن .
-يكتب الله لنا بها ثوابا.
-(بالناقص) ثواب ، أريد أن يحيا أولادي جيدا ، هذا هو ثوابي.
-كلمة لن تعاد ، هذه الطفلة أمانة في رقبتي ، و الذي لا يعجبه كونها كذلك (ينقلع)..الباب (بيفوت)جمل.
بثيابي المتسخة كنت أجلس في الزاوية ..أسمع و أبكي .لم أكن لأعي ما يحصل تماما ، لكنني كنت أدرك جيدا أنني منبوذة و أنهم لا يريدونني في هذا البيت ، و أن منزل طفولتي قد نهب أيضا من قبل الساحرة التي يعمل أبيها (كلبا)، و أصبحت أخشى الاقتراب منه حتى عندما العب في الشارع ..الشارع الذي لا أذكر منه سوى عبارات أهله: "هي بنت المطلقة .." و لا أريد أن أذكر أكثر.
**********************************************

لطالما تخيلت أنني فراشة ، لكن الفراشات عمرها قصير ، لم يمد الله في عمري إذا !! .. بالتأكيد لأتذكر.
بعيني طفلة الخامسة رأيتهم و هم يضربونها ، أدميت ابنة عمي من الضرب ، ضربها عمي ،ثم أخوها ، ثم أمها ..أمها ضربتها وهي تولول:
-(فلتانة) ..قمنا بتربيتك و تعبنا عليك حتى( تدوسي) على الدين .
لكن "سها" لم تجب ، و في الصباح التالي استيقظت و لم أجدها .
قالوا إنها رحلت ..هربت مع " مجد " الذي لم أكن أعلم عنه سوى أنه يعيش قرب البحر ..البحر الذي لا نراه من جبل العرب ،بل نتخيله دوما .
رحلت "سها " و لم أرها منذ ذلك اليوم ، لكنني مازلت أذكرها بلون بشرتها الأبيض ،و الشعر الأسود الطويل ، و العينين السوداوين اللطيفتين ، أذكر الشامة على جبينها ، و الندبة القديمة لجرح فوق حاجبها الأيمن .
أذكر كل ملابسها و أحذيتها و حليّها التي كانت تسمح لي بتجربتها ..أذكرها تقرأ لي القصص ، تأخذني في نزهاتها ...
أذكر كل تلك الثقة التي كانت تتحدث بها ، و الأهم من هذا كله.. أذكر أنني عندما مرضت يوما ناديتها "ماما" .
*************************************************

لطالما تخيلت أنني فراشة ، لكن الفراشات عمرها قصير ، لم يمد الله في عمري إذا !! .. تعلمت...
بعيني طفلة الخامسة رأيت زوجة عمي تبكي بعد رحيل "سها" :
-هربت مع رجل من غير بلد ..وضعت رأسنا في الوحل ، (ما حاجتنا أمك )..
-خالتي "سماح" هل هربت أمي أيضا مع "مجد "؟!
-اخرجي و العبي في الشارع .
خرجت و أنا أفكر "مجد " يعرف أين أمي ، ليتني سألته ، ياريت قلت له أن يعيدها لي ..لكنه لطيف ، ولطالما اشترى لي الحلوى و غزل البنات.. فلم يسرق أمي !
سها كانت تحبه ، أجزم أنها هي التي ركضت و لحقت به .شاطرة يا "سها" ، أنا (بدل ما الحق أمي و روح معها ..وقعت ع الدرج .).
بينما أنا ساهمة أمام الباب ، كان أطفال الحارة يضربون "ولاء " :
-أختك (داست) ع الدين ..لا أحد يحكي معك .
-سها كبيرة ، أكيد لم تشاهده ، و هي (تدعس) عليه (روحوا اسألوها) .
لكنهم لم يسألوا أحدا و نبذونا أنا و "ولاء" ، و أظن أن أصدقاء "بنان " - أخو سها الأكبر- قد نبذوه أيضا .
سألت عمي :
-(شو)يعني (داست )الدين ؟
- ابنة عمك المغضوبة نسيت أن طائفتنا هي الأفضل ، و ديننا هو أفضل دين على الأرض .
وللحب الذي كنت أكنه للملاذ الذي احتواني عندما نبذني أهلي ..كبرت مع فكرة أنني أحمل الدين الأفضل .
أعلم الآن فقط أننا جميعا في الشرق نكبر مع فكرة مماثلة ..ترجح وثنا و تحاكي العقل في سردابه الكسول ، لكنها لا تقترب من حجة منطقية.
أدرك اليوم أيضا أن أمي لم ترحل مع رجل من مكان آخر ، و أنها لو فعلت ، لما كانت طفولتي قد سرقت.
***********************************************

لطالما تخيلت أنني فراشة ، و ليس لكل الفراش عمر قصير.
بعيني طفلة الخامسة رأيته أول مرة ، بعينين بلون( الحبق ) تهتز رموشهما كنسائم صيفية باردة على وجه أسمر،وجه كسنابل القمح الناضجة ،تشبهه جميع الأساطير ، و لا يشبه أحدا.
بعيني طفلة الخامسة لا أزال أراه كأب ينهر ذكريات بشعة ,و أحزانا قديمة ..حلمي الذي يعدني بطفولة بديلة و أعده بحياة لعينيه ،طفلي الذي أبرّج له بالقمم ، أترقبه يدخل التاريخ ، و أعيش له .
"غدي" الذي أنار غدي بملايين الشموع ، و منح أيامي أسبابا للقدوم .
********************************************

لطالما تخيلت أنني فراشة ، لكن الله ما زال يمد في عمري لأرى الجانب الآخر من الحياة .
بعيني طفلتي التي هي في الخامسة ، بعيدة عن أرضها و عن أقربائها .
بعيني طفلتي التي إن أعدتها إلى جدها و أخوالها قتلوها و قتلوني معها .
بعينيها أرى الحياة وردية ، تتسخ ثيابها أحيانا لكننا نغسلها بدموع حزننا ، و فرحنا .
هنا في (قبرص ) و على هذه الأرض الغريبة التي هربت إليها لأتزوج شخصا حكم عليه القدر و التوريث ألا ينتمي إلى نفس طائفتي ..هنا أحسست لأول مرة في حياتي بالأمان .
لم تقتلني الغربة كما يقولون ، و لا هو قتل أخوتي أني وضعت رأسهم في الوحل كما يشاع .
************************************************

أمسيت بوجود "غدي " فراشة حب ملونة...



يتبع...



من مجموعتي القصصيّة (ما بقي من البحر...)صادرة عام 2006



#لمى_محمد (هاشتاغ)       Lama_Muhammad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسرار جنسيّة : (شرفكم وثنكم!)
- أسرار جنسيّة : (أطفال أنابيب!)
- مذكرات فراشة في بلاد العم سام (2)-حقوق الإنسان-
- مذكرات فراشة في بلاد العم سام (1)-دين الحب-
- مذكرات - قط - في بلد عربي(4)
- أسرار جنسيّة : للغيرة سلطان (2)
- مذكرات - قط - في بلد عربي(3)
- أسرار جنسيّة : للغيرة سلطان...
- مذكرات - قط - في بلد عربي(2)
- أسرار جنسيّة : قوس قزح
- مذكرات -قط-في بلد عربي
- أسرار جنسية: ثالوث
- أسرار جنسيّة : (وسواس جنسي)...
- أسرار جنسيّة :(حريم!!)
- أسرار جنسيّة :(صور ليست للذكرى!!)
- أسرار جنسية : سر (الحب والحزب الأول)
- أسرار جنسية: السر الرابع عشر (عماد)
- أسرار جنسية: السر الثالث عشر(رامي)
- سر الأسرار!!
- أسرار جنسية: السر الثاني عشر(ماهر)


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - فراش حب : (غدي)