أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - سعيدي المولودي - الإصلاح البيداغوجي الجديد وسحر المقاربات الجديدة















المزيد.....

الإصلاح البيداغوجي الجديد وسحر المقاربات الجديدة


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2632 - 2009 / 4 / 30 - 10:18
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


إن توظيف مفهوم الإصلاح البيداغوجي الجديد هنا، متعمد ومقصود لأن الأمر في الواقع يتعلق بإصلاح جامعي جديد ورؤية جديدة للتعليم العالي ولدور الجامعة ومهامها الرئيسية والهندسة البيداغوجية المتبعة، خاصة وأنه مرتبط وموصول بنصوص مرجعية تتضمن الدعوة الصريحة إلى الإصلاح وضرورة مراجعة المنظومة التربوية ببلادنا، وهذه النصوص هي:
1 ـ تقرير الخمسينية الذي أكد على الدور الهامشي للإشعاع الاجتماعي للمؤسسة الجامعية،وجمود وانغلاق أو انطواء البرامج والمناهج والبحث العلمي على ذاتها بشكل لم تعرف طريقها نحو التحيين، ومحدودية ارتباط التعليم العالي بسوق الشغل، والإقبال الواسع للطلبة على شعب الآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية والنفور من الشعب العلمية والتقنية، وتأخر البحث العلمي وانفصاله عن التنمية..(المغرب الممكن:ص116).
2 ـ الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية يوم 12 أكتوبر 2007 والذي دعا فيه إلى "بلورة مخطط استعجالي لتسريع وتيرة إصلاح التعليم" و"اعتماد الحلول الشجاعة والناجعة للمعضلات الحقيقية لهذا القطاع الحيوي"
3 ـ التصريح الحكومي المقدم من طرف الوزير الأول أمام مجلس النواب لتقديم البرنامج الحكومي يوم الأربعاء 24 أكتوبر 2007، الذي أكد فيه الالتزام بإطار برنامج عمل لإصلاح المنظومة التربوية يقوم على دعامتين أساسيتين: أولاهما إعداد برنامج استعجالي بهدف الرفع من وتيرة الإنجاز في بعض المجالات، وتطوير منظومة التربية والتكوين لتلبية حاجيات الإقلاع الاجتماعي والاقتصادي،.. والثانية إنجاز تقويم لحصيلة عشرية إصلاح نظام التربية والتكوين..؟
ومن القضايا التي اعتمدها التصريح في مجال التعليم العالي بهدف إيلائها الاهتمام الخاص وتوجيه الجهود نحو تحقيقها:
ـ تقوية التوجه إلى الشعب العلمية والتكنولوجية والمهنية لتستقبل الثلثين كما ينص على ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ليتأتى توسيع خارطة المؤسسات الجامعية في الميادين التقنية والتكنولوجية والهندسية..
ـ تنمية مسالك الإجازات المهنية في جميع مؤسسات التعليم العالي الجامعي ذات الاستقطاب المفتوح...
ـ دعم وتعزيز استقلالية الجامعات وتخويلها كامل اختصاصاتها الضرورية..
ويتقاطع التصريح الحكومي في بعض جوانبه مع ماورد ضمن برنامج حزب الاستقلال الانتخابي الذي يحدد مثلا ضمن المحور السابع (إدماج المغرب في مجتمع المعرفة والإعلام) أولوياته لتطوير سياسة التربية والتكوين وينص على مجموعة من الاختيارات منها: ( الانتقال من نظام الجامعة التقليدية إلى نظام جامعة مهنية قمينة بإنتاج كفاءات قادرة على سد النقص الحالي والمتوقع في التخصصات المستقبلية للاقتصاد المغربي ).
4 ـ تقرير المجلس الأعلى للتعليم الذي رصدت توصياته الكثير من الاختلالات البنيوية التي يعاني منها التعليم العالي،ومنها: أن الجامعة المغربية لا تستجيب لمتطلبات القطاع الخاص في ما يخص الكفايات والتأهيل المتخصص، وغير قادرة على الاستجابة للسياسات التنموية العامة ومتطلبات المحيط الاقتصادي، وجمود المناهج والبرامج التي ظلت وفية لطرائق التلقين والإملاء، وبعيدة كل البعد عن الطرائق البيداغوجية الحديثة.. وضعف وقصور المسالك الممهننة...
واللقاء بين منطلقات وتوجهات هذه المرجعيات بمختلف ينابيعها يرسم معالم الوضع عبر هذه العناصر:
ـ إخفاق السياسات التعليمية المتبعة وفشل سلسلة الإصلاحات العشوائية التي شهدتها الجامعة المغربية بالأساس والمنظومة التعليمية على وجه العموم.
ـ ضرورة إعادة النظر في البرامج والمناهج التعليمية على صعيد التعليم العالي وتطويرها بما يتلاءم وحاجيات المجتمع المتجددة.
ـ ضعف التوجه نحو المهنية أو التخصصات العلمية والتقنية وتراجع الإقبال عليها، على الرغم من أنها تجسد المجال الأصيل والوحيد لمواجهة معضلات التعليم.
ـ تحميل العلوم الإنسانية والاجتماعية مسؤولية الأوضاع المقلقة والمتأزمة التي يعيشها التعليم العالي وضرورة تحجيم دورها وإعادة ترتيب موقعها داخل مسارات التعليم العالي.
وهي عناصر موجهة تحكمت في بناء استراتيجية المخطط الاستعجالي. ومعروف أن هذا المخطط مر بمرحلتين إعداديتين،وتشكلت مقوماته وعناصره من خلال صيغتين: الأولى هي الصيغة التي أعلن عنها في دجنبر2007 )البرنامج الاستعجالي(2009 ـ 2011) وتضمنت أجرأة هدفين رئيسيين هما: تمتين ورفع وتيرة الإصلاح، وتثمين الإصلاح واستيعاب الدينامية الناتجة عنه. وتم ارتهان تحقيق الهدفين بمجموعة من الإجراءات والمشاريع المزمع إنجازها، وانصبت صيغة البرامج والمشاريع المقررة التي تضمنتها بوجه عام على التعليم ما قبل الجامعي بكل مراحله.
أما الصيغة الثانية فأعلن عنها في يونيو 2008 وأخذت اسم" من أجل نفس جديد لإصلاح منظومة التربية والتكوين، مشروع البرنامج الاستعجالي 2009 ـ 2012: التقرير التركيبي"، وعمليا فإن هذه الصيغة اعتمدت التقرير الأول للمجلس الأعلى الصادر سنة 2008 موجها لها، إذ أن مقتضياتها تمحورت حول المجالات الأربع التي اعتبرها التقرير ذات أولوية حاسمة في مجال التربية والتكوين، وتنبني هذه الصيغة على ثلاثة محاور: الأسس والمبادئ الموجهة للبرنامج الاستعجالي،عرض المشاريع والتدابير المحددة لهذا الهدف، العدة التدبيرية الضرورية لضمان قيادة المشاريع عن قرب...
وقد تم توزيع المشاريع المحددة عبر أربع مجالات هي: إلزامية التعليم إلى غاية 15 سنة، تشجيع وحفز روح المبادرة والتميز في الثانوي التأهيلي والجامعة، معالجة ومواجهة الإشكالات الأفقية للمنظومة التربوية، ووسائل النجاح، وضمن هذا الجزء نجد حضورا للتعليم العالي والجامعة من خلال مشروعين هما المشروع رقم 13 والمشروع رقم 14 بحيث يشكل نصيب الجامعة في البرنامج الاستعجالي ما يناهز 8% من مشاريعه.
ويتعلق المشروع رقم 13 ( ولنتذكر دلالات الحظ العاثر لهذا الرقم) بتحسين العرض التربوي في التعليم العالي، ويضع هدفا له الارتقاء بالمردود الداخلي للتعليم العالي وتطوير قابلية اندماج الخريجين في سوق الشغل وتوفير ظروف ملائمة للتكوين وإيواء الطلبة، ويرتبط تحقيق هذين الهدفين بمجموعة من الإجراءات والتدابير منها أساسا: تنمية العرض التربوي في التعليم العالي بصورة أفضل لمواكبة حاجيات سوق الشغل، وهو ما يتوخى تحقيق الملاءمة بين التكوين الجامعي وحاجات الشغل من خلال اعتماد أو تطبيق ثلا ث إجراءات:
ـ تقليص الولوج و الحد من قبول الأعداد الكثيفة للطلبة في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح..
ـ إعادة تنظيم المسالك في هذه المؤسسات بهدف مهننتها لتجعل الطلبة أكثر قدرة وأكبر قابلية للاندماج في سوق الشغل، وتطوير الإجازات المهنية للتوجه نحو القطاعات التي تعاني من نقص اليد العاملة...
ـ تطوير الشراكة مع الفاعلين المهنيين عن طريق إنشاء تكوينات تعاقدية متخصصة بين الجامعات والقطاعات المعنية بالمجال التقني والمهني.
أما المشروع 14 فيتعلق بتشجيع البحث العلمي، والهدف منه هو تشجيع طاقات الابتكار والإبداع في مجال البحث العلمي والتقني وتوجيه البحث العلمي أكثر نحو حاجيات المحيط السوسيواقتصادي، أما الإجراءات المحددة لتحقيق هذا الهدف فيمكن إيجازها في ما يلي:
ـ سن قانون خاص بالباحث، يتم الفصل فيه بين الأستاذ ( المدرس) والباحث، والذي سيشمل فقط العاملين في البحث العلمي.
ـ تمويل البحث العلمي عن طريق إقرار تسهيلات ضريبية لحفز المقاولات على الاستثمار في مجال البحث..
ـ التركيز في مجال التمويل على مشاريع البحث التي تستجيب للحاجيات السوسيواقتصادية والبرامج التنموية.
غير أن أقوى التدابير التي يقوم عليها المشروع رقم 13 هو إعادة تنظيم المسالك ذات الولوج المفتوح بهدف مهننتها، وتنفيذا لهذا الإجراء تمت صياغة المقاربات الجديدة لمسالك الإجازة في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، وإعادة النظر بشكل شبه كلي وجذري في كتلة الهندسة البيداغوجية التي تم اعتمادها قبل ست سنوات. و عمليا فإننا في الحقيقة أمام خلفيتين خطيرتين متداخلتين ومترابطتين تعبران عن فحوى ومحتوى هذا الإجراء وأبعاده، تتمثل أولاهما في الهجوم على مفهوم الجامعة بمعناها العام،ورغبة الإجهاز على دورها الفكري والتاريخي والحضاري، والتشكيك في مبادئها القيمية السامية، وثانيتهما إرادة أو شهوة اجتثاث واستبعاد العلوم أو الدراسات الإنسانية من المجال، وترسيخ منظور لا جدوى استمرار عدد من التخصصات في حقل العلوم الإنسانية في الجامعة المغربية.
وفي العمق فإن الخلفيتين تحيلان بالقوة والفعل لقاعدة توجه واختيار سياسي واقتصادي بدأ يتشكل بقوة ، ويقوم على منطق تغليب البعد الاقتصادي للتعليم العالي والنظر للمؤسسات الجامعية كشركات أو مقاولات، على حساب البعد الأكاديمي والثقافي والفكري لها أي اعتبار الجامعة ومؤسساتها حقلا لصناعة المعرفة وتطوير أدواتها.
ومن المؤكد أن العلوم والدراسات الإنسانية في جامعاتنا في ظل الوضع القائم تعاني من تدهور وعجز وقصور يجعلها مجرد أشتات متفرقة من المعرفة معزولة بعضها عن بعض، وغير قادرة على مواجهة الكثير من التحديات التي تواجه التعليم العالي وتعوق إمكاناته وقدراته في القيام بدوره المفترض في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعاني من الجمود وعدم المرونة، ولكن كل هذا لايبرر اجتثاثها وحتميات الاستغناء عنها، بقدر ما يستوجب إيلاء الاعتبار لخصوصياتها المعقدة وتطوير أدواتها ومناهجها لتؤدي مهماتها على الوجه الأكمل.
وتستند المذكرة التوجيهية المدعمة لهذه المقاربات إلى آليات تضليلية تقدم من خلالها هذه المقاربات كخلاصات لمسلسل إخضاع الإصلاح البيداغوجي الذي انطلق منذ سنة 2003 لعمليات تقييم ذاتي أنجزته مختلف الجامعات، دون أن يتم تحديد طبيعة هذا التقييم والكيفيات التي تم بها والطرائق التي اعتمدت فيه، وشكل شجرة هذا التقييم وجذورها وفروعها في مختلف الجامعات المغربية، وطبيعة النتائج التي انتهى إليها وتميزاتها، وإن كانت الإشارة تحيل إلى أن خلاصات هذا التقييم هي ذاتها الخلاصات والتوصيات التي أقرها المجلس الأعلى في تقريره السنوي لسنة 2008، أي أن الجداول كلها، القادمة من بعيد تتجمع في خطوة واحدة أو مصب نهائي وأخير. وبطبيعة الحال فإن هذه الخلاصات تقضي بإعادة تنظيم مسالك الإجازات في الشعب ذات الاستقطاب المفتوح، وقص أجنحتها لكي تقلع عن الطيران وتأخذ صعودها في هوة الهبوط نحو الإقصاء والاستغناء عن دورها.
كما أن عدة التضليل من جهة ثانية تقرر أن هذه المقاربات تم طرحها على بساط النقاش والدرس خلال يوم وطني نظم لهذه الغاية يوم 05 فبراير 2009 شاركت فيه الفعاليات الجامعية من رؤساء جامعات وعمداء مؤسسات جامعية ورؤساء الشعب ومنسقي المسالك حيث تم تثمينها وإغناؤها بمجموعة من التوصيات، وكأن الدنيا ضاقت في عيون صناع هذه المقاربات ليقفوا عند حافة استعادة السياقات والمحطات ذاتها التي اجتازتها صيغ الإصلاح البيداغوجي الحالي الذي خرج إلى حيز الوجود من ركامات ندوات وطنية كانت تغويها العجلة و الاعتماد على السرعة النهائية والثقة العمياء في عادات التصفيق والتواطؤات غير المحسوبة.
أما مشروع هذه المقاربات فيقوم عل هذه العناصر:
ـ تنظيم وإعداد المسالك وفق مسارات مهنية، وكل مسلك يجب أن يضم مسارين تكوينين مهنيين على الأقل في الفصلين الخامس والسادس.
ـ إعادة صياغة مضامين التكوين اعتمادا على مقاربة الكفايات ( المعبود الجديد) فكل طلب اعتماد مسلك يجب أن يتضمن توصيف الكفايات المراد تحصيلها.
وتوظيف لفظ الكفايات الساحر هنا له دلالاته العميقة في ما يحيل إليه من حيث هو المبدأ الموجه وأداة الخلاص ومن حيث هو قيمة خالقة تعيد ترتيب التعليم العالي وتمنحه شكله الفعال، كما يؤشر إلى منظور معروف يتبنى رفض ضرب من التعليم هو التعليم الذي يقوم على تلقين وشحن المعارف وتكديسها لدى المتعلمين على حساب المهارات التي تمكنهم من الاندماج في واقعهم الاجتماعي..
ـ إعادة صياغة المسالك ووحداتها بحيث يشمل كل مسلك على جذع طني مشترك بين الجامعات عل مستوى الفصول الأربعة الأولى وعلى مستوى وحدات التقوية ووحدات التكوين الأساسي.
ـ ضرورة اعتماد جزء من التكوين على التدريس بلغات أجنبية خصوصا الفرنسية والإنجليزية.
وتحمل المقاربات في صلبها أيضا إجراءات أخرى ومبادئ تخص المناهج والبرامج يمكن إجمالها في الآتي:
ـ تجاوز الأسلوب الكلاسيكي في التدريس القائم على المحاضرات والإملاء..
ـ إلزام الأساتذة بإعداد دروس جديدة تتلاءم وآفاق المقاربة الجديدة لمسالك الإجازة..
ـ تقليص الدروس وتوزيعها إلى فروعها الثلاثة المعروفة: الدروس النظرية والتطبيقية والتوجيهية واستثمار الحصص وفق هذا التوزيع.
أما المواد والعناصر التي تشملها كل وحدة في كل مسلك فإنها تخضع لقوة تبديل تبدو أحيانا خرقاء ولا يبدو أنها تستند إلى معايير علمية أكاديمية موضوعية، بقدر ما يبدو إقحامها عشوائيا ومزاجيا في أحسن الأحوال وقد لا تمتلك أية جاذبية في حقل التربية والتعليم.
وعلى هامش هذه المقاربات يمكن التأكيد على سياق هذه الملاحظات:
ـ إن هذه المقاربات تكرس بمزيد من الوضوح هيمنة الوزارة الوصية وتحكمها في برامج التعليم العالي،وخيار التدخل والضغط لفرض هذه البرامج وقواعدها الخاصة، إذ أن صيغة المقاربات إلزامية ولا طريق للإفلات من قبضتها، وما تمنحه المذكرة التوجيهية من هامش مرونة يسمح فقط بتغيير وحدة أو وحدتين على مستوى الجذع الوطني المشترك، وهو هامش محكوم بضرورة الحفاظ على الطابع المتجانس للمسلك، والتجانس بالطبع يفرض الانحياز وضرورة التقيد بمنظور الوزارة الوصية ومشروعها.
وإقرار هذا الإجراء في الواقع هو مصادرة صريحة لحقوق الأساتذة الباحثين وواجباتهم وتطاول على مهامهم، إذ أن المادة الرابعة من المرسوم رقم:2.96.793 بتاريخ 19 فبراير 1997 في شأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي تحدد الأدوار الرئيسية للأساتذة الباحثين في مهام المساهمة في إعداد برامج التعليم والتكوين والسهر على تنفيذها، والقيام بتحيين مضامين ومناهج التعليم متى استلزمت الحاجة ذلك..، وهو ما يعني أن تعليمات المذكرة التوجيهية تتطاول على مهام الأساتذة الباحثين وتسحب البساط من تحت أقدامهم.
ـ إن المقاربات تتأسس في الواقع على تجاهل تام و مقصود، للتراكمات الفعلية الإيجابية والسلبية التي رسخها الإصلاح البيداغوجي الحالي منذ تطبيقه سنة 2003، ورغم أن طريقة الاشتغال التي توسلتها تبدو وكأنها تستثمر هذه التراكمات إلا أن التعمق في إدراك الخلفيات الموجهة تفيد العكس تماما، إذ أنها لا تقوم على مسآلة جريئة لفرضيات الإصلاح والآليات التي اعتمدها ، ولا تتبنى مسآلة طرق التنفيذ ووسائل التطبيق، وكذا مسآلة النتائج والغايات والأهداف، والعوائق التي فتحت أبواب الإخفاق.
ـ إن المقاربات تتبنى موقف إدانة العلوم الإنسانية والاجتماعية بشكل عشوائي وبلا تبصر، وكأن هذه العلوم هي المسؤولة عن الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها مجتمعنا، وهو موقف مرفوض، إذ كان ينبغي لهذه المقاربات أن تؤسس تصورا جديدا لدور العلوم الإنسانية وأهدافها وأن تتولى تسخيرها واستثمار فاعليتها لإحداث التيغيرات الحقيقية في منظومة التربية والتكوين وفي المجتمع أيضا، وأن تشعل النور بدل أن تلعن الظلام.
ـ إن المقاربات تنتصر بشكل فج لمنطق مهننة كل المعارف والقيم التعليمية، وتحويل المهمة الأساسية للتعليم العالي للمهنية، في حين أن الرسالة الرئيسية للتعليم العالي هي توفير التربية والتكوين من منظور استراتيجي عميق،طويل الأمد، وليس التكيف أو الخضوع لحاجيات سوق الشغل ومقتضياته المتغيرة، ومن ثمة فإن غاية هذه المقاربات تكمن في محاولة جعل المؤسسات الجامعية أسيرة مشيئة وأيديولوجية السوق واضطهاد أو احتكار الرأسمال والمصالح الآنية لمؤسسات و شركات ومقاولات تتحكم في خياراتها التعليمية والتربوية، ومن شأن هذا أن يلغي الكثير من الإمكانات المعرفية والأكاديمية للجامعة.
ـ استبعاد الأساتذة الباحثين وإقصاؤهم من الميدان، ومن فعل المساهمة والمشاركة في صياغة هذه المقاربات انطلاقا من خبراتهم وتجاربهم وممارساتهم ، وإلزامهم فقط بإعداد البطاقات التقنية وضبط المواصفات الخاصة والدقيقة لمواد وعناصر ووحدات ومسالك لا دور لهم في اختيارها أو اقتراحها، أو صياغة معمارها النظري وأبعاده القريبة والبعيدة .
والحقيقة أنه كان لزاما على خالقي وصانعي هذه المقاربات أن يصوغوا تلك البطاقات الوصفية لأنهم وحدهم يمتلكون الآليات التأسيسية والتصورات الناجعة لها.
ـ إن هذه المقاربات تصب اهتمامها الكلي على الأسلوب التربوي، أي التعلق بالشكل والطريقة أكثر من المضمون، وهو على ما يبدو تصور ضيق للمشكلات والقضايا التربوية، إذ أن فعل المقاربة بالكفايات ليس هو جوهر المعضلة التي يعاني منها تعليمنا، بل الأمر يتعلق بغياب سياسة وإستراتيجية تعليمية وطنية شاملة تضع التعليم العالي ضمن أولوياتها كأداة من أدوات التغيير الاجتماعي، وعنصرا فاعلا في تحقيق شخصية وخصوصيات وهوية المواطن المغربي، وإذا كانت الغاية هي صياغة نظام تربوي بمقدوره أن يجعل الجامعة أكثر اقترابا من متطلبات المجتمع أفلا يبدو من المفيد اعتماد أكثر من نموذج تربوي لتحقيق هذا الهدف، بدل الاقتصار على نموذج واحد،لا شريك له .
ـ تعليق غير ضروري:
يبدو أن الارتباك آخذ بخناق صناع هذه المقاربات، فقد تم، مثلا، الترويج لصيغة أولى لمسلك الدراسات العربية تضمنت في الفصلين الخامس والسادس (مسار التكوين) اقتراح تدريس اللغات الشرقية: الفارسية والعبرية، غير أن التطورات التي شهدتها العلاقات المغربية الإيرانية على ما يبدو دفعت واضعي المقاربات إلى تعديل الصيغة بالسرعة الممكنة،وإعداد أخرى جديدة تم حذف اللغات الشرقية منها بالمرة، وتعويضها باللغات الفرنسية والإنجليزية، وبذلك تضع المقاربات "الجديدة" نفسها في خدمة خيارات الدبلوماسية "الجديدة".



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مروج الذهاب
- المشي بحالتنا
- الذكريات والحجارة
- -ثيسوراف- ( الخطوات)
- لاقصائد
- مدونة الأهواء الشخصية
- حوليات متأخرة
- -حالة استثناء معلنة في سوق الشهادات الجامعية العليا.-
- غزة -المعصوبة العينين-
- ثيمدلالين
- حاشية حديثة إلى الكاهنة داهية
- حصريا بالمغرب:- شهادة الإعفاء من الشواهد الجامعية العليا-
- ترقية الأساتذة الباحثين و-الشبكة العنكبوتية-
- دلالات المكان في مجموعة - قمر أسرير- للشاعر محمد علي الرباوي
- عيون(6)
- عيون(5)
- عيون(4)
- عيون(3)
- عيون(2)
- عيون


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - سعيدي المولودي - الإصلاح البيداغوجي الجديد وسحر المقاربات الجديدة