100 عام على رحيل لينين (6)


خليل اندراوس
الحوار المتمدن - العدد: 7917 - 2024 / 3 / 15 - 16:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


كان لينين يعيش بتواضع كلي، مُكتفيا باللباس البسيط والأثاث البسيط. ولكنه لم يقتر قط في الانفاق على الكتب وعلى المكتبات التي كان يعمل فيها دائما، وكانت لديه في بيته كثرة من الكتب والجرائد والمجلات بمختلف اللغات. وكان لينين كيفما كانت ظروف حياته، يعمل على الدوام بدأب ويحسن توزيع وقته وتنظيمه. والى جانب النشاط العملي الكبير في قيادة حركة العمال الثورية، انصرف لينين الى الدراسة النظرية للماركسية باجتهاد. وكان يدرس بعمق ودأب المطبوعات العالمية التي تتناول تطور الحياة الاجتماعية في شتى البلدان. وكان يهتم بالكتب التي تبحث شؤون الاقتصاد، والتكنيك والصناعة والاقتصاد الزراعي، وحركة الطبقة العاملة التحريرية الثورية في البلدان الرأسمالية، ونضال الشعوب المظلومة في المستعمرات والبلدان التابعة، والشؤون الاخرى. وقد انفق لينين الكثير من الجهد والوقت في دراسة مؤلفات مؤسسي الماركسية العطيمين كارل ماركس وفريديريك انجلز. وقد قالت ن.ق. كروبسكايا زوجة لينين في مذكراتها بأن "لينين قد قرأ المرة بعد المرة مؤلفات ماركس وانجلز لكي يتصور بصورة أوضح عصر الثورة الاشتراكية وسبلها وتطورها".

وكان لينين اول ماركسي كشف كنه العصر الجديد الذي دخله المجتمع البشري فقد بين لينين في مبحثه الكبير " الامبريالية أعلى مراحل الراسمالية" أن الراسمالية في بداية القرن العشرين، قد دخلت مرحلة جديدة في تطورها، مرحلة الاستعمار.

وقد وصف لينين الاستعمار بأنه الرأسمالية الاحتكارية. تناول لينين في كتاباته ودراساته ومؤلفاته مسألة امكانية انتصار الثورة البروليتارية بطريقة جديدة. فقد كان الماركسيون فيما مضى يعتبرون أن انتصار الثورة الاشتراكية في بلاد واحدة أمر مستحيل. وكانوا يحسبون ان الثورة لا يمكن ان تنتصر الا في وقت واحد في جميع البلدان الرأسمالية او في معظم هذه البلدان. وقد بين لينين استنادا الى معطيات التطور الرأسمالي الجديدة ان هذا الحكم اصبح غير مُطابق للواقع.

وقد استنتج ان الثورة البروليتارية، في عصر الامبريالية تستطيع الانتصار بادئ بدء في عدد غير كبير او حتى في بلاد راسمالية واحده مأخوذة على حده. وهنا أذكر بأن لينين قال ايضا:" بأن الاشتراكية في دولة واحدة لا يمكن ان تنتصر بدون دعم حركات تحرر شعوب الشرق".

دعم لينين بصورة مفصلة في مؤلفه "الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية" نظريته عن الثورة الاشتراكية، ولم تلبث الحياة ان أكدت صحة تعاليم لينين العبقرية.

خلال التحضير للثورة الاشتراكية (ثورة اكتوبر عام 1917 خ.ا.) قام لينين بصورة ملحة بطرح مسألة موقف حزب الطبقة العاملة من الدولة البرجوازية وكذلك مسألة ما ينبغي للدولة أن تكون عليه حين تتسلم البروليتاريا السلطة. وقد أعطى لينين أجوبة على هذه الأسئلة في مؤلفه "الدولة والثورة" وقد وضعه في خريف سنة 1917 في مخبئه. (قاد لينين من مخبئه بعد ان كان ملاحقا من قبل الحكومة المؤقتة بعد انهيار القيصرية الروسية المؤتمر السادس لحزب البلاشفة الذي التأم في اةاخر تموز (يوليو) سنة 1917 في بيتروغراد. وانتخب المؤتمر لينين رئيسا فخريا. وأقر المؤتمر جميع اقتراحات لينين واتخذت هذه الاقتراحات صفة قرارات حزبية. ووجه المؤتمر الحزب وجهة تحضير الانتفاض المسلح واسقاط سلطة البرجوازية وكبار ملاكي الاراضي في ذلك الوقت خ.ا.).

في هذا المؤلف رد لينين تعاليم الماركسية بشأن الدولة الى نصابها وكشف عن التحريفات الانتهازية، للاشتراكيين - "الثوريين" والمناشفة الذين تحولوا بصورة نهائية الى ملحقات الحكومة البرجوازية الانتقالية في ذلك الوقت (تموز 1917). وطور لينين في هذا المؤلف لفكار ماركس وانجلز عن الدولة وديكتاتورية البروليتاريا طبقا للظروف التاريخية الجديدة في روسيا والعالم الامبريالي خلال الحرب العالمية الاولى، ووضع التعاليم الماركسية عن الاشتراكية والشيوعية.

ان مؤلف لينين هذا سلح الحزب البلشفي والطبقة العاملة بفهم واضح لما ينبغي ان تكون عليه دولة العمال والفلاحين وللبرنامج الذي ينبغي لسلطة السوفييت ان تحققه.

في تلك الفترة كان وضع روسيا ما ينفك يتفاقم. اشتد الخراب، واشتد نقص الخبز واللحم والسكر وأحدق خطر المجاعة. وكان غلاء المعيشة في تصاعد مستمر وكانت البرجوازية تتعمد تشديد الخراب أملا منها، كما أعلن ممثلوها بوقاحة، أن تخنق الثورة "بيد الجوع العجفاء". (وهذا ما تفعله اسرائيل الآن لا بل الامبريالية العالمية من خلال تجويع الشعب الفلسطيني في غزة بهدف تركيع الشعب وليس الانتصار على تنظيم حماس. ولكن الشعب الفلسطيني لن يركع ولن يكون سلام ليس فقط في الشرق الاوسط لا بل وفي العالم الا بإحقاق الحقوق الانسانية الكونية العادلة للشعب الفلسطيني من خلال اقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس خ.ا.).

وكان لينين في ذلك الوقت يتتبع مكائد أعداء الثورة. التي كان يُخطط لها حزب البلاشفة وقد نبه لينين من خلال نشاطاته وكتاباته الحزب والشعب الى أن البرجوازية وكبار ملاكي الاراضي والضباط الرجعيين الروس في ذلك الوقت يحضرون مؤامرة على برنامج الثورة التي كان يُحضر لها الحزب البلشفي (ثورة اكتوبر 1917)، ودعا لينين الى اليقظة والاستعداد للوقوف بوجه هؤلاء الأعداء. وقد وقع ما تنبأ لينين وقامت البرجوازية الروسية في ذلك الوقت بمحاولة للتنكيل بحزب البلاشفة. فتنفيذا لأوامر الاستعماريين الروس والطبقة البرجوازية الروسية واصحاب راس المال الأجانب، نظم الجنرال كورنيلوف في 25 آب (اغسطس) عصيانا معاديا للثورة وزحف بجيوشه على بيتروغراد.

وكان يريد تحطيم القوى الثورية وخاصة الحزب البلشفي. والاستيلاء على السلطة في يديه وتنصيب نفسه ديكتاتورا عسكريا بدعم الغرب الامبريالي. وهذا ما يفعله الغرب الامبريالي وخاصة الولايات المتحدة من خلال دعم المدعو نافالني الذي توفاه الله في الفترة الاخيرة والذي يتبنى مواقف الغرب الامبريالي في دعم النازية في اوكرانيا من خلال مواقفه التي تتهم روسيا بانها سبب هذه الحرب وليس حلف الناتو والنازيين الجدد في اوكرانيا وعلى رأسهم زيلينسكي والذي وصل الى السلطة بدعم الملياردير اليهودي الصهيوني ايغور، وهذف هذه الحرب النازية ضد روسيا تفسيم روسيا الى دويلات، بموجب الخطة الاستراتيجية التي وضعتها الولايات المتحدة منذ ثمانينات القرن الماضي (خطة بريجينسكي د.خ ).

وفي ذلك الوقت اي لآب عام 1917 ترأس حزب البلاشفة نضال الجماهير الشعبية ضد عصيان كورنيلوف وتم تحطيم عصيان كورنيلوف المدعوم من طبقة راس المال الروسي والاجنبي الامبريالي في غضون بضعة أيام. واتضح للعمال بخبرتهم أن لينين، ان البلاشفة هم الوحيدون الذين يدافعون حقا وصدقا عن مصالحهم الأساسية. وانعطفت الجماهير الشعبية بقوة نحو البلاشفة واخذت تنتخبهم في مجالس السوفييت. في ذلك الوقت كان لينين في مخبئه بفنلندا، وكان مطلعا على تفاصيل الوضع في روسيا في ذلك الوقت. ان عميق اضطلاع فلاديمير ايليتش لينين على الماركسية وبراعته الفائقة في تطبيقها على النضال العملي قد ساعداه على تبين كنه الاحداث بسرعة وعلى رسم الطريق الصحيح لنشاط الحزب، وعلى رسم استراتيجية الحزب وخطته. وضع لينين امام لجنة الحزب المركزية بحزم مهمة الاستعداد العملي للانتفاض المُسلح وللاستيلاء على السلطة.

وبناء على ارشادات لينين طرح الحزب من جديد شعار "كل السلطة لمجالس السوفييت" .هذا الشعار الذي كان بمثابة نداء الى الانتفاض المسلح على الحكومة البرجوازية والى ديكتاتورية البروليتاريا. وقد أيد هذا الشعار في ذلك الوقت اكثر من 250 مجلسا من مجالس السوفييت في البلاد. وكان لينين مضطرا الى اعطاء ارشاداته عن طريق الرسائل والتذاكر والمقالات وفي اواسط ايلول (سبتمبر) أرسل لينين من فنلندا الى اللجنة المركزية والى لجنتي الحزب في بيتروغراد وموسكو رسالتين:" يجب على البلاشفة ان يأخذوا السلطة" " والماركسية والانتفاض المُسلح". وقد كتب لينين يقول:" بوسع البلاشفة ومن واجبهم بعد ان أصبحوا الأكثرية بمجلسي السوفييت في العاصمتين.. ان يأخذوا سلطة الدولة في أيديهم".

وذكر لينين في مقالته " لقد استقرنت الأزمة" بعد أن قيم الاحداث الجارية في روسيا القيصرية في ذلك الوقت من كافة جوانبها: " لقد استقرنت الأزمة. لقد جرى الرهان بمستقبل الثورة الروسية كله". ان انتظار المؤتمر الدوري للسوفييتات كما اقترح البعض، يكون معناه اتاحة الفرصة للحكومة لحشد قوات يعول عليها " انتظارا" لليوم المحدد للانتفاضة بغباء". وبحث لينين في هذه المقالة وغيرها من المقالات الصادرة في اوكتوبر عام 1917 تناسب القوى الطبقية في البلاد، واخذ يكرر المرة تلو الاخرى: ان انتصار الثورة الاشتراكية مضمون. وبالفعل فقد سارت الطبقة العاملة الروسية وراء البلاشفة، وكثر تواتر الاعمال المناهضة للحكومة البرجوازية المؤقتة في ذلك الوقت ايضا بين طبقة الفلاحين ورفض اسطول البلطيق كله الخضوع للحكومة المؤقتة. وأصبح 14 الف جندي من حامية موسكو البالغ قوامها 15 الفا يؤيدون البلاشفة. وتم اثناء اجتماع اللجنة المركزية اصدار قرار:" عرض اقتراح على لينين لكي يصل الى بيتروغراد (حيث كان في ذلك الوقت في فنلندا خ.ا.) حتى تتوفر الصلة الوثيقة الدائمة".

وفي 7 تشرين الاول (اكتوبر) انتقل لينين سرا من فيبورغ الى بيتروغراد، وجعل يشرف مباشرة بنفسه على تحضير النتفاض المسلح. في 10 تشرين الاول (اكتوبر) بحثت مسالة الانتفاض المسلح في جلسة لجنة الحزب البلشفي الشيوعي المركزية. والقى لينين في هذه الجلسة تقريرا اكد فيه ان ساعة استلام البروليتاريا - الطبقة العاملة - وفقراء الفلاحين للسلطة قد ازفت واتخذت لجنة الحزب المركزية قرار لينين التاريخي بتنظيم الانتفاض المسلح وجعلت هذا القرار اساسا لنشاطها العملي. وفي هذه الجلسة جرى انتخاب مكتب سياسي على رأسه لينين.

وفي 16 تشرين الاول (اكتوبر) القى لينين تقريرا اخر في جلسة موسعة عقدتها اللجنة المركزية وحضرها ممثلو منظمات العمال. وطُلب بإلحاح البدء بالانتفاض على الفور. وحصل لينين على تاييد اكثر الحضور. وفي نهاية الجلسة جرى انتخاب مركز ثوري - عسكري لقيادة الانتفاض - الثورة يتألف من بوبنوف ودزرجينسكي وسفيردلوف وستالين وأوريتسكي.

وهنا اريد ان اذكر بانه في تلك الفترة حنق لينين واستاء جدا عندما قرأ بعد ذلك بيوم واحد في احدى الصحف ما نشره كامينيف وهو من اعضاء اللجنة المركزية عن خطط اللجنة واعلن انه هو وعضو آخر باللجنة المركزية اسمه زينوفيف لا يوافقان على الانتفاضة المسلحة التي يعد لها حزب البلاشفة.

ولم يكن بالامكان تصور خيانة اكبر من نشر القرار السري للجنة المركزية ومن ثم نقله الى الاعداء. وللاسف العديد من الاحزاب الشيوعية وخاصة الحزب الشيوعي السوفييتي عانت من خيانات كهذه واكبر مثل على ذلك بان احد مستشاري غورباتشوف كان عميلا للسي آي اي - CIA.

(يتبع)