100 عام على رحيل لينين - صفحات من حياته (2)


خليل اندراوس
الحوار المتمدن - العدد: 7875 - 2024 / 2 / 2 - 22:18
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


كتبت أنا ايلينيتشا لا- اوليانوفا- يليزارفا، شقيقة فلاديمير ايليتش لينين، بعد عدة اعوام من اعدام الكسندر، (أخ لينين الذي اُعدم):" ان موت الكسندر كان هالة الحريق الثوري الذي أضاء طريق أخيه فلاديمير (لينين) السائر على دربه.".

وهنا لا بد وان اذكر بان لينين قرأ خلال دراسته في ثانوية العلوم الكلاسيكية بسيمبرسك، حيث حاز على العديد من مكافآت الدرجة الاولى، الكثير من الكتب وتعمق بدراسة مؤلفات كبار الكتاب الروس ومنهم: الكسندر بوشكين،ميخائيل ليرمونتوف وايفان توروغينيف ونيقولاي نكراسوف وميخائيل سالتيكوف - شيدرين وليون تولستوي.ولمؤلفات الديمقراطيين الثوريين فيساريون بيلينسكي والكسندر غيرتسين ونيقولاي تشيرنيشيفسكي ونيقولاي دوبروليوبوف وديمتري بيساريف بما في ذلك مؤلفاتهم التي كانت تعتبر ممنوعة في ذلك الحين، مكان هام بين الكتب التي قرئها.

تكونت سجايا فلاديمير ايليتش ونظراته بتأثير التربية العائلية، وبتأثير ما قرأ من الادب الروسي التقدمي، وكذلك كنتيجة لتأملاته في الحياة المحيطة. فطغيان الحكومة القيصرية وتعسف كبار ملاكي الاراضي والراسماليين وبؤس العمال والفلاحين وحرمانهم من الحقوق، كل ذلك قد أفعم قلب الشاب بالحقد على الظالمين وبالأسى للمظلومين.

وقد تبدت ميول لينين الثورية مذ كان تلميذا في الصفوف العليا من المدرسة الثانوية. وذات يوم قال له مدير المدرسة محذرا وهو يعيد اليه وظيفة الانشاء: " وما هي هذه الطبقات المظلومة التي تكتب عنها هنا، وما هو مكامها هنا ؟".

وعندما قرأت هذه الفقرة في الكتاب عن فلاديمير ايليتش لينين تذكرت أهمية التربية العائلية وتأملات الحياة المحيطة بكاتب هذه السطور عندما كنت في الصف السادس ابتدائي وبعد ان مررت تجربة نفي الوالد عام 1958 وقلت في احد الدروس باني ساكون مخلصا لفلسطين فقام أحد المعلمين في ذلك الوقت حيث كان الحكم العسكري ما زال يخيف ليس فقط المعلمين، بل يدفع البعض لغناء الاغنية الوطنية داخل البيت بصوت منخفض،بأن صفعني وطلب مني الخروج من الصف.وبعد انتهاء الدرس توجه لي ذلك المعلم ومعه اخرين يحذروني من هذا القول. وعندما عدت الى البيت تلقيت الدعم المعنوي والمساندة من الوالد والوالدة.

واذكر ايضا عندما قال احد معلمي المدرسة الثانوية في الصف الحادي عشر بأنه لم يكن هناك تطهير عرقي عام 1948 طلبت منه ان يترك الصف. وبعد ذلك أتى مدير المدرسة الذي كان يهوديا عراقيا وأيضا أخرجته من الصف.

هذه الذكريات تؤكد اهمية وتاثير تربية العائلة،وتاثير التربية الحزبية من خلال قراءة الصحافة الحزبية في ذلك الوقت - الغد - الجديد والاتحاد واخلاص وصمود الاهل وخاصة الوالد بعد نفيه الى صفد عام 1958 وصموده ورفاق اخرون عام 1967. كان بالنسبة لي مدرسة كاملة.

وهنا اريد ان اذكر بأن لينين بعد اعدام اخيه ، رسخ الخطب عزمه على تكريس حياته للنضال الثوري. وقد انحنى اجلالا لما أظهر أخوه من الرجولة وانكار الذات ورفض، مع ذلك الطريق التي اختارها. فالشاب اوليانوف (لينين) كان يعتبر النضال ضد الحكم القيصري الظالم المطلق بوسيلة قتل بعض ممثلي السلطة القيصرية وحتى القيصر نفسه نضالا مغلوطا لا يمكنه ان يبلغ الهدف.

وقد قال:" لا لن نسلك هذه الطريق، ينبغي ان نسير في طريق اخرى". ولهذا اخذ لينين يبحث عن طريق اخرى لتحرير الكادحين. وأذا كان الشاب يعد نفسه للنشاط الثوري، أعار العلوم العلوم الاجتماعية انتباها خاصا واتجه الى دراستها بعمق. (وهنا اريد ان اذكر بان كاتب هذه السطور درس الطب في كييف وكنت اهتم بدراسة الماركسية، مما دفع الرفيق الصادق الكبير د. اميل توما ليقول في لقاء للطلاب الذين درسوا في الدول الاشتراكية أن يقول أتمنى ان يقوموا الطلاب بدراسة الفلسفة الماركسية الى جانب دراستهم لموضوع تخصصهم كما يفعل الرفيق خليل.

وهذا الموقف والكلام يرافقني ويدفعني اكثر فاكثر نحو دراسة الفلسفة الماركسية اللينينية وكلي قناعة بأن من يتعمق بهذه الدراسة ويمارسها على ارض الواقع باخلاص وتفاني بعيدا عن الذاتية ومن خلال نشاطه السياسي والاجتماعي والثقافي والمهني ... يخدم الشعوب والطبقات المظلومة ويخدم حزبه ويخدم حزبه ويخدم الثورة، يخدم بناء مجتمع المستقبل مجتمع حرية الانسان والانسانية.

تخرج لينين من مدرسته عام 1887 حائزا على الميدالية الذهبية وانتسب في اب 1887 الى كلية الحقوق في جامعة قازان خلال تواجد لينين في جامعة قازان اتصل بالطلاب الطلائعيين ذوي الميول الثورية. وفي اوائل كانون الاول (ديسمبر ) سنة 1887 طُرد من الجامعة واعتقل لاشتراكه النشيط في اجتماع الطلاب وفيما بعد روى لينين حديثه مع آمر مخفر الشرطة الذي رافقه الى السجن. فقد قال له الشرطي بلهجة الواعظ:" ما بالكم لا تتمردون ايها الشباب. أمامكم جدار!" فأجاب الطالب أوليانوف (لينين):" جدار لكنه عفن فما ان تزغد حتى ينهار!".

وهكذا سلك فلاديمير ايليتش طريق النضال الثوري ضد الحكم القيصري المطلق شابا في السابعة عشرة من العمر.

في ذلك الوقت أُبعد لينين من الجامعة الى قرية كوكوشينكو في مديرية قازان. ومنذ ذلك الحين اصبح تحت مراقبة البوليس. وقد انصرف لينين الى القراءة مدة وجوده في القرية الصغيرة البعيدة مكملا دراسته بنفسه.

وبعد مضي سنة سمح للينين بالعودة الى قازان. وقد سعى لينين لدخول الجامعة من جديد، وطلب اذنا بالسفر الى الخارج لمواصلة التحصيل. غير أن السلطات القيصرية لم نلب طلبه اذ كان في قائمة "المشكوك في ولائهم".

وفي ذلك العهد كانت توجد في قازان جملة من الحلقات الماركسية السرية كان قد نظمها فيدوسييف، وهو واحد من الماركسيين الثوريين الروس الاوائل. وقد تعرف لينين باعضاء هذه الحلقات وانتسب الى احداها.

انصرف لينين الشاب بكليته الى دراسة الماركسية. وقد كتب لينين فيما بعد شارحا جوهر الماركسية بقوله: " ان مأثرة ماركس وانجلز العظمى ذات الطابع التاريخي العالمي تتلخص في كونهما قيد بينا للبروليتاريين في جميع البلدات دورهم ومهمتهم ورسالتهم: في أن ينهضوا الاول للنضال الثوري ضذ راس المال، وان يوحدوا حولهم في هذا النضال جميع الكادحين والمستثمرين".وفي الماركسية بالذات راى لينين الشاب السلاح الفكري الذي يمكن للطبقة العاملة الروسية، متى ملكته، ان تبلغ تحررها وانتصار النظام الاشتراكي وقد اصبح لينين ماركسيا بالفكر والممارسة والتحم بالطبقة العاملة.

في خريف عام 1889 انتقل لينين الى سمارا (مدينة كويبيشيف حاليا) وعاش فيها اربع سنوات ونصف السنة. وقضى هذه السنوات في العمل الدائب والدراسة.

واستمر لينين يدرس مؤلفات ماركس وانجلز بجد. وبما ان هذه المؤلفات بمعظمها لم تكن مترجمة الى اللغة الروسية، انصرف لينين الى دراسة اللغات الاجنبية، ولا سيما الالمانية .وقرا مؤلفات كارل ماركس وفريدريك انجلس بالالمانية.

وفي تلك السنوات نقل لينين الى اللغة الروسية مؤلفا من اهم مؤلفات الماركسية له طابع البرنامج،ونعني " بيان الحزب الشيوعي" الذي وضعه كارل ماركس وفريديريك انجلز. وقد قرئت الترجمة في حلقات الشباب الثوريين.

في غضون سنة ونصف درس لينين بصورة مستقلة جميع البرنامج المعد لأربع سنوات. وفي عام 1891 ادى بنجاح باهر امتحانات معهد الحقوق لدى جامعة بطرسبورغ ونال شهادة الدرجة الاولى. وابتداءا من سنة 1892 اصبح لينين يزاول المحاماة في محكمة منطقة سمارا. غير ان هذا العمل لم يكن اكثر من ستار للنشاط الثوري الذي انصرف اليه لينين بكليته. نظم لينين في سمارا اول حلقة ماركسية كان لها تأثير كبير على الشبيبة الثورية. وقد اذهل في ذلك الحين اعضاء الحلقة بعمق اضطلاعه على الماركسية وبقوة ايمانه وبراعته في جذب الانصار واتصل لينين بالماركسيين في مدن الفولغا الاخرى.

كان للسنوات التي قضاها لينين في سمارا اهمية كبرى من وجهة نظر نشاطه المقبل. ففي هذه المدينة قد تكون ايمانه الماركسي الشيوعي وتبلور غدا لينين مواصلا لقضية ماركس العظمى. ولكن سمارا وهي مدينة من مدن الاقاليم كانت اضيق من ان تتسع لعمل لينين الثوري. كان لينين يتوق الى مركز صناعي كبير تتركز فيه جماهير فيه جماهير البروليتاريا - الطبقة العاملة - وتوجد فيه امكانيات اكبر لنشر النضال الثوري.

وفي آب (اغسطس) سنة 1893 غادر لينين سمارا متوجها الى بطرسبورغ. كانت بطرسبورغ في ذلك الحين مركزا من المراكز الكبرى لحركة العمال. وكانت توجد فيها حلقات ماركسية سرية تنشر تعاليم ماركس وانجلز بين العمال.

وقد انتسب لينين الى حلقة من هذه الحلقات، وانصرف الى العمل الثوري بفائق الهمة والحمية.وكان انئذ في الثالثة والعشرين من سنيه. ولكنه اصبح ماركسيا ثوريا كامل التكوين. ان عميق اضطلاع لينين على الماركسية وبراعته في تطبيقها على الظروف الروسية، وايمانه بان قضية العمال قضية لا تقهر وكفاءاته التنظيمية الكبرى قد جعلت منه قائدا للماركسيين في بطرسبورغ دون منازع.

كان لينين اول ماركسي روسي تقدم بالفكرة العظمى القائلة بتحالف الطبقة العاملة والفلاحين التحالف الذي لا يمكن بدونه اسقاط القيصرية وكبار ملاكي الاراضي والبرجوازية، ولا يمكن بدونه اقامة سلطة الطبقة العاملة ، وبناء المجتمع الجديد الشيوعي. وقد دافع لينين عن هذه الفكرة وطورها طيلة حياته. ووضع لينين امام الماركسيين في روسيا مهمة في منتهى الاهمية مهمة توحيد الحلقات الماركسية المنفصلة بعضها عن بعض وانشاء حزب ثوري واحد من شأنه ان يقود حركة العمال.

وفي غضون السنوات العديدة التالية ناضل دون كلل في سبيل تحقيق هذه الفكر. ونشر سرا كتاب " من هم اصدقاء الشعب" وكيف يحاربون الاشتراكيين - الديموقراطيين ؟". وقد كان لهذا الكتاب دور كبير في النضال ضد الشعبية، وبين للثوريين الروس، للطبقة العاملة الطريق الوحيد الصحيح ، طريق النضال الثوري المثابر والانتصار.