سلام الشعوب بحرية الشعوب


خليل اندراوس
الحوار المتمدن - العدد: 7854 - 2024 / 1 / 12 - 15:28
المحور: القضية الفلسطينية     


عندما امسكت قلمي لأكتب ذرفت الدمع من عيوني وشعرت وكأن دمي هو حبر قلمي، وقالت لي روحي "طويل كالمدى نفسي"، ولذلك مستمر بالكتابة لقناعتي وايماني بأن النضال والكفاح وممارسة الفكر الماركسي الثوري هو الطريق لبناء مجتمع المستقبل مجتمع حرية الانسان والانسانية.

انني أقدر مشاعر وآلام ومعاناة من فقدوا أولادهم ونسائهم ورجالهم خلال احداث 7 اكتوبر. فكاتب هذه السطور ضد قتل الابرياء بغض النظر عن اي انتماء طائفي او قومي، واتمنى أن يعيش كل انسان وشعب بسلام وأمان، فالأمن هو الحياة ولا حياة بدون أمن. وهنا لا بد وأن نؤكد النظرية الجدلية التي تقول بأن الارهاب الرسمي بأشكاله المختلفة من احتلال واستيطان كولونيالي، وحصار وتنكر للحقوق الانسانية الكونية العادلة للشعب الفلسطيني، لا بد وأن يخلق رفضا ومقاومة لهذا الواقع، والطريق الوحيد للخروج من الحرب والصراع هو النضال والكفاح، ورفع الصوت وليس الصمت، من اجل السلام العادل والدائم في فلسطين، لا بل في كل منطقة الشرق الاوسط لا بل والعالم، من خلال احقاق الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين، وهذا تنازل كبير من الشعب الفلسطيني الذي لا يطالب بحدود قرار التقسيم عام 1948.

وهنا اريد ان اذكر بأن الاعتراف بإسرائيل عام 1948 كان مشروطا بسماح اسرائيل للاجئين بالعودة الى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها في ذلك الوقت.

وخلال الأشهر الأخيرة تتحدث الولايات المتحدة عن الارهاب وتدعم اسرائيل في حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، فهذه الازدواجية والكيل بمكيالين من ميزات سياسة الولايات المتحدة على مدى عقود، وأكبر مثل على ذلك دعمها لسياسات الصهيونية العالمية واسرائيل، القاعدة الأمامية للإمبريالية العالمية في الشرق الأوسط.

فالولايات المتحدة مارست وتمارس الارهاب بأبشع صوره، لا بل هي صانعة الارهاب وداعمته على مستوى عالمي وخاصة في منطقة الشرق الاوسط، فالإمبريالية العالمية مُتصهينة وتدعم الايديولوجية العنصرية الشوفينية الصهيونية وتدعم اسرائيل كقاعدة امامية للإمبريالية العالمية في الشرق الاوسط.

وهنا اذكر ما كتبه ماركس في كتابه المسألة اليهودية حيث فند مفهوم القومية اليهودية قائلا:" انها قومية وهمية اذ انها قومية التاجر قومية رجال المال". وتابع قوله: "يجب ألا نبحث عن سر اليهودي في دينه، بل ابحث عن سر الدين في اليهودي الواقعي في المصلحة العملية والمنفعة الشخصية في المتاجرة والمال الذي أصبح بفضله قوه عالمية". وهذه المقولة والدراسة لماركس قيلت وكتبت قبل ظهور الحركة الصهيونية.

فالصهيونية العالمية تمثل طبقة راس المال ولهذا لها القوة السياسية والاقتصادية على مستوى عالمي ومصالحها وسياستها تتماثل وتتلاحم مع مصالح الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة، الداعمة بلا حدود لاسرائيل في حربها ضد شعب فلسطين في غزة وكل اماكن تواجده، التي حولت غزة الى مقبرة أطفال ونساء ورجال ابرياء وحولتها الى ارض غير صالحة للعيش والحياة.

وهذه الحرب العدوانية على غزة تذكرني باقوال بنيامين كادونما (عضو الكونغرس الامريكي سابقا) والذي قال: "من العادة على هتلر أن يسعى الى افنائنا بعد ان تبنى شعاراتنا الداعية للتطرف العنصري والتي يتغنى بها، وكأنها من مبتكراته الخاصة. فهل غاب عنه أن دعوته للعرق الممتاز والعنصر المختار هي من صميم عقائدنا وتقاليدنا؟". فمن يدعي بأنه الشعب الأرقى وشعب " الله المختار" وجهان لعملة واحدة. وللأسف استطاعت الصهيونية أن توظف ما جاء في التوراة والنظريات العرقية توظيفا سياسيا يخدم مصالحها ومصالح الامبريالية.

وفي هذه الظروف الصعبة التي تمر على شعوب المنطقة وخاصة الشعب الفلسطيني وكذلك الشعب الاسرائيلي، هناك ضرورة مُلحة تفرض على كل انسان أممي قومي، قومي أممي أن يُناضل من أجل السلام العادل والدائم في منطقة الشرق الاوسط، هذا هو الطريق الوحيد للخروج من هذه الكارثة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، والطريق الوحيدة للأمن والحياة للشعب الاسرائيلي. وعندها قد ننعم بأندلس جديد في الشرق الاوسط. وهنا اريد ان اذكر قادة المسيحية الصهيونية في الغرب بأن أحد تلامذة المسيح بطرس عندما دخل الى منزل قائد المئة (كورنيليوس) قال:" أنتم تعلمون انه محظور على اليهودي ان يُخالط أجنبيا أو يدنو منه أما أنا (فقد أراني الله ن لا أقول على أحد انه نجس أو دنس). ويضيف: "في الحقيقة قد علمت أن الله لا يحابي الوجوه بل ان من اتقاه في كل أمة وعمل الخير يكون مقبولا عنده". (أعمال الرسل - 10 - 34-35) وهذه الأقوال تقضي على مفاهيم شعب الله المختار، تلك المفاهيم والامتيازات، أي شعب الله المختار، لا بل الصهيونية العنصرية اليمينية التي يعطيها الله "النصر" على كل شعب لا يتبعه ويأمر بابادته كما كان يفعل " يهوشع" الذي ذكره احد القادة السياسيين في اسرائيل قبل الحرب على غزة.

وما يجري الان في غزة هو جريمة حرب وابادة شعب وللأسف استطاعت الحركة الصهيونية العالمية أن توظف الادارات الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة، والصهيونية المسيحية، لدعم سياستها ومطالبها واغراضها كما حصل في افغانستان والعراق وليبيا وسوريا، والسودان وفلسطين وخاصة الان في حرب الابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.فما يجري ان في غزة ليست حرب ضد "تنظيم" بل حرب ابادة ضد شعب.

وهنا اريد ان اذكر بأن الاسلام الحقيقي ايضا جرى على منهج الحرية والمساواة والسلام. فكما جاء في القرآن الكريم "يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، ان اكرمكم عند الله اتقاكم، ان الله عليم خبير". (الحجرات: 49/13). والآن تحت حجة اللاسامية تسعى الصهيونية الى طبع كل يهودي بالختم الصهيوني ولكن على مستوى عالمي فشلت الصهيونية في ذلك وخاصة الآن خلال حرب ابادة الشعب في غزة، حيث كان هناك في شتى انحاء العالم مظاهرات لمواطنين يهود تُدين حرب اسرائيل على غزة وتدعو الى ايقاف الحرب، وكذلك هنا في اسرائيل. ولكن للأسف الشديد غالبية الإسرائيليين أعماهم القناع الصهيوني عن رؤية الواقع المأساوي في غزة، عن رؤية الحقيقة.

وهنا اريد ان اذكر بان الوقائع التاريخية برهنت وتبرهن على ان عواقب برنامج المساعدات العسكرية متعددة النواحي التي تقدمها الولايات المتحدة للعديد من دول العالم وخاصة اسرائيل تؤدي الى التوتر في العلاقات بين البلدان الصغيرة وهي حافز لسباق التسلح، وهي في النهاية حق شكلي للدول الامبريالية بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الحاصلة على المساعدة وهذا ما يحصل في عالمنا العربي حيث توجد العديد من القواعد الامريكية في السعودية ودول الخليج العربي والعراق وسوريا وهذا يفسح المجال للولايات المتحدة والامبريالية المُتصهينة التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الحاصلة على المساعدة.

الولايات المتحدة هي التي أرست بداية انشاء الاحلاف العدوانية العسكرية، التي توحد جهود الدول الامبريالية على الصعيد الاقليمي والعالمي. تشكل منظمة الدول الامريكية عام 1947، كأداة للامبريالية الامريكية لأجل خنق نضال التحرر الوطني في أمريكا اللاتينية، وعقد معاهدة في آذار مارس 1948 بشأن تشكيل الاتحاد الغربي من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وفي الحال وضعت الولايات المتحدة الاميركية هذا الحلف تحت حمايتها وباشرت تشكيل حلف للدول الراسمالية على قاعدة أكثر اتساعا.

وهذا الحلف كان حلف شمال الاطلسي (الناتو) الذي أنشئ في نيسان 1949 وضم كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا والبرتغال والدانمارك والنرويج ولوكسمبورغ وكندا وفيما بعد تركيا واليونان (عام 1952) وجمهورية المانيا الاتحادية (عام 1955).

وبات حلف الناتو أداة بيد الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الامريكية، التي لأجلها جرى تحويل جميع البلدان الاخرى الأعضاء في الحلف الى مواقع متقدمة من اجل مرابطة القوات الامريكية واقامة الترسانات النووية والقواعد العسكرية، والى مقدمين للجنود والأسلحة واقامة الولايات المتحدة بعد ذلك العديد من الاحلاف مثل حلف "انزوس" وحلف "سياتو". ولقد كان انتاج هذه الاحلاف بمثابة نتيجة لسعي الولايات المتحدة الامريكية ودول امبريالية اخرى وبدعم صهيوني عالمي واسرائيلي في منطقة الشرق الاوسط، انطلاقا من سياسة "مواقع القوة"، بهدف احباط انتشار نضال التحرر الوطني في آسيا.

والهدف الآخر لذلك كان يكمن في استخدام بلدان آسيا، أراضيها ومواردها البشرية والمادية، لأجل حفاظ الولايات المتحدة على وضعها المُهيمن. وهذه السياسة الامريكية المؤيدة لاسرائيل في حرب الابادة الجماعية على غزة ليس فقط الدفاع عن أمن اسرائيل بل ايضا الحفاظ على وضعها المُهيمن في منطقة الشرق الاوسط وغرب آسيا، وتحدي ايران والمقاومة.

يعتبر الشرق الاوسط، واحدة من أكثر مناطق العالم قابلة للانفجار فيعد الحرب العالمية الثانية باتت هذه المنطقة عُرضة لتوسع الدول الامبريالية، وذلك بحكم جملة من الاسباب: اولا: ان احتياطات النفط المُنقب عنها في الشرق الاوسط تبلغ ثلثي احتياطات كل العالم الراسمالي "والعالم الثالث". ثانيا: تمر عبر الشرق الاوسط اقصر الطرق الهامة استراتيجيا التي تربط بين اوروبا وآسيا وأفريقيا (وقد تكون خطط ترحيل سكان غزة تهدف الى فتح هذا الطريق من الخليج والسعودية الى اسرائيل وقطاع غزة ومن ثم قبرص واليونان واوروبا.

ثالثا: ان مناطق الشرق الاوسط تعتبرها الدول الامبريالية الرئيسية بمثابة رؤوس جسور تقع مباشرة عند الحدود الجنوبية لروسيا ولذلك أقامت الولايات المتحدة داعش بهدف تقسيم العراق وتقسيم سوريا الى دويلات دويلة كردية، دويلة سنية ودويلة علوية على شواطىء سوريا ودويلة درزية على حدود اسرائيل خدمة للمصالح الاستراتيجية لاسرائيل والحركة الصهيونية في المنطقة.

اما اي دور تفرده الامبريالية العالمية، والصهيونية العالمية، لهذه المنطقة فيشهد على ذلك اعتراف احد رؤساء الولايات المتحدة الامريكية دويت ايزنهاور الذي قال في احد احاديثه الصحفية: "لا توجد في العالم منطقة اكثر اهمية، من وجهة النظر الاستراتيجية، من الشرقين الادنى والاوسط". ولذلك اراد بعض حكام اسرائيل في حربهم على غزة كما قالوا تغيير خارطة المنطقة، وسيفشلون في ذلك هم ومن وراءهم الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة والصهيونية العالمية.

فلا بديل عن الحل العادل للقضية الفلسطينية من خلال اقامة الدولة الفلسطينية بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، وفقط عندها ستنعم كل شعوب المنطقة بالأمان والحياة. فسلام الشعوب بحرية الشعوب.