في الذكرى ال 47 ليوم الأرض الخالد: نجدد العهد على مواصلة النضال والصمود في الوطن


خليل اندراوس
الحوار المتمدن - العدد: 7567 - 2023 / 3 / 31 - 15:00
المحور: القضية الفلسطينية     


يوم الارض انتفاضة فلسطينية حدثت في الثلاثين من شهر آذار عام 1976م، والتي هي انتفاضة شعب ضد سياسات اسرائيل الصهيونية العنصرية الشوفينية والتي سعت وتسعى الى محاصرة وتركيع الشعب الفلسطيني في اسرائيل لا بل وفي كل اماكن تواجد هذا الشعب المناضل والمكافح والصامد والذي لن يركع لا لقوة اسرائيل ولا لقوة الثالوث الدنس أي امريكا واسرائيل والسعودية الذي يحاول فرض ما يسمى صفقة القرن على الشعب الفلسطيني.

فأصبح يوم الارض مناسبة وطنية فلسطينية وأحد رموز وحدة الشعب العربي الفلسطيني في كل اماكن تواجده.

إن سياسات حكام اسرائيل منذ قيام دولة اسرائيل، تتصف بالتزلف والديماغوغية والشوفينية والعنصرية، وتخدم الامبريالية العالمية ومن اجل ذلك طبقوا سياسة خارجية عدوانية وفي داخل اسرائيل طبقوا سياسة عنصرية تنفي وجود الآخر تنفي وجود الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه القومية الانسانية العادلة.

يوم الارض لم يأتِ من فراغ، ولم يقرر دفاع عن الارض فحسب بل دفاعًا عن الوجود الفلسطيني على ارض فلسطين.

ففي يوم الارض انطلق شعبنا الفلسطيني كالمارد في انتفاضة تاريخية نستطيع ان نطلق عليها باسم "الانتفاضة الأم" فهي كانت نقطة تحول في مسيرة نضال جماهيرنا الفلسطينية، الأقلية الباقية في وطنها، رغم كل محاولات التدجين التي انتهجتها الحكومات العنصرية الإسرائيلية، فانتفاضة يوم الأرض غيرت بوصلة الخضوع للأمر الواقع، الى مسيرة نضال وكفاح والمحافظة على الهوية الوطنية لجماهيرنا العربية. كذلك أعطت زخما لشعبنا الفلسطيني والمستمر في كفاحه ونضاله حتى تحقيق النصر واحقاق حقوقه القومية الانسانية من خلال اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الى ديارهم ووطنهم.

فالنظام السياسي في اسرائيل عبارة عن مزيج من العسكرية والشوفينية والعرقية من الاكليركية والظلامية والدينية اللتين تعززان مواقعهما باستمرار وخاصة الآن في فترة حكم اليمين الصهيوني الفاشي برئاسة نتنياهو وحكومة فاشيين من بن غفير وسموطريتش وما لف لفهم، وهذا المزيج نراه اليوم يتغلغل في جميع الجوانب من حياة الدولة والمجتمع.

إن الايديولوجية الصهيونية والسياسة الخارجية الموالية للامبريالية بل الامبريالية والسياسة الداخلية الرجعية الشوفينية العنصرية حولت اسرائيل فعلا دولة من اشد دول العالم اغراقا في العنصرية. ومن أبشع سياسات التمييز العنصري داخل اسرائيل هي سياسة مصادرة الاراضي.

وهنا اذكر انه منذ قرار التقسيم بتاريخ 29 تشرين الثاني عام 1947 حتى 15 أيار عام 1948 قامت الحركة الصهيونية والتي اعلنت عن قبولها إفكا وبهتانا بقرار التقسيم، قامت بتنفيذ خطة حربية هجومية اعدوها سابقا عرفت بـ خطة دالت، كان هدفها احتلال اكثر مساحة من فلسطين بالقوة العسكرية، اضافة الى المساحة التي "وهبتها" الامم المتحدة للدولة اليهودية

بموجب قرار التقسيم.

فإعتراف الصهاينة بقرار التقسيم كان خدعة ومناورة ومؤامرة مارستها بريطانيا وكل الدول التي اعترفت بإسرائيل لأنها في نفس الوقت الى جانب احتلال الأرض مارست سياسة التطهير العرقي البربري الاجرامي وغير الانساني ورفضت تنفيذ قرار عودة اللاجئين. وبعد قيام دولة اسرائيل، بعد النكبة فُرض على الأقلية القومية الفلسطينية صاحبة الأرض والوطن، الحكم العسكري الذي استمر أكثر من 16 عاما، وظن حكام اسرائيل بأنهم يستطيعون تركيع الشعب الفلسطيني وتدجينه.

وهنا قبل النكبة وبعد النكبة كان الحزب الشيوعي مناضل مثابر وصامد ضد المؤسسة والحركة الصهيونية. وبعد أول أيار عام 1958، صمد الحزب الشيوعي داخل اسرائيل خلال وبعد الحرب الاستباقية العدوانية التي قامت بها اسرائيل ضد الدول العربية، عدوان حرب حزيران، وهنا أذكر تآمر الملك فيصل ضد جمال عبد الناصر مع المخابرات المركزية الأمريكية حيث نصح بتقطيع عبد الناصر إربا إربًا.

والقيادة المثابرة والمناضلة لشعبنا داخل اسرائيل خلال خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، أي الحزب الشيوعي والشرائح الوطنية الفلسطينية، استطاعت أن تبني الأساس السياسي الوطني الشعبي ليوم الأرض.

منذ قيام دولة اسرائيل، قامت المؤسسة الصهيونية الحاكمة بسن عشرات القوانين التي استولت بموجبها على ملايين الدونمات من أراضي الشعب الفلسطيني. ووضع حكام اسرائيل استراتيجية لتحقيق حلم القيادات الصهيونية والتي تهدف الى تهويد الجليل.

وفي سبعينات القرن الماضي بدأت السلطات الاسرائيلية تعد وتبرمج من أجل استكمال مشروع المصادرة الكبير في الجليل. ويكمن السبب المباشر لأحدث يوم الأرض قرار حكومة اسرائيل مصادرة نحو 22 ألف دونم من أراضي القرى العربية في منطقة الجليل وذلك بتاريخ 29 شباط 1976. والهدف من هذا القرار تحقيق مشروع أسمته السلطات الصهيونية العنصرية الشوفينية الاسرائيلية "مشروع تطوير الجليل، ولكن الهدف من هذا المشروع كان وما يزال تغيير الوضع الديمغرافي في الجليل، وفي نشرة وزارة الزراعة عام 1975 جاء ما يلي: ".. إن هناك مشكلة خاصة في الجليل، هي أقلية السكان اليهود بالنسبة للأقليات غير اليهودية، والتي تؤلف 70% من مجموع السكان".

بعد الكشف عن هذا المخطط الرسمي العنصري بدأ تحرك الشخصيات العربية المحلية بقيادة الحزب الشيوعي من أجل تشكيل هيئة تقود النضال دفاعا عن الأراضي. وبدأ العمل لتنظيم مؤتمر وطني كفاحي شعبي ضد مصادرة الأراضي. وهكذا عقد مؤتمر شعبي ضد مصادرة الأرض في الناصرة بتاريخ 15/8/1975 وفي هذا الاجتماع تم تأسيس لجنة الدفاع عن الأراضي.

وفي ذلك الاجتماع قدم طيب الذكر حنا نقارة بيانا موسعًا حول مشاريع المصادرة الجديدة للأرض موضحا أنها تستهدف 30 ألف دونم من الجليل، منها حوالي 17 ألف دونم من الأراضي الزراعية التي يمتلك غالبيتها مزارعون عرب ومصادرة 1,5 مليون دونم من أراضي النقب وألوف الدونمات الأخرى في المثلث.

وفي هذا الاجتماع التحضيري تم انتخاب لجنة ضمت قرابة 40 شخصية لمتابعة العمل من أجل الإعداد لمؤتمر الدفاع عن الأراضي.

وقررت هذه اللجنة التحضيرية عقد المؤتمر القطري العربي- اليهودي للدفاع عن الأرض في الناصرة بتاريخ 18-10-1975. وفي هذا الاجتماع تم انتخاب سكرتارية مصغرة لمتابعة التحضير للمؤتمر ضمت المحامي حنا نقارة، القس شحادة شحادة، المحامي محمد ميعاري، مسعد قسيس رئيس المجلس المحلي، يوسف خير رئيس مجلس البقيعة المحلي، الدكتور أنيس كردوش، الدكتور سليم منحولي، وصليبا خميس. وإقرار حكومة إسرائيل مشروع تهويد الجليل المذكور أعلاه قاد إلى إعلان الإضراب التاريخي في، 30/ آذار عام 1976.

ويستذكر السيد جمال طربيه أن المرحوم صليبا خميس هو الذي اقترح تسمية يوم الاضراب في 30 / آذار بـ "يوم الأرض".

وبمحاولة لإفشال وإلغاء الإضراب سعت السلطات من خلال عقد اجتماع في شفاعمرو لرؤساء السلطات المحلية بهدف اتخاذ قرار بإلغاء الإضراب.

وفي هذا الاجتماع استطاع القائد المناضل توفيق زياد إفشال هذا المخطط بالتعاون مع بعض رؤساء سلطات محلية أيدت ودعمت الإضراب وهم جمال طربيه، محمود نعامة، حنا مويس، أحمد مصالحة، محمد زيدان، مسعد قسيس، محمد مصطفى محاميد، أسعد يوسف، يونس نصار وأمين عساقلة.

وفي هذا الاجتماع حاول بعض المعارضين الاعتداء على المناضل توفيق زياد. ووقف أبو الأمين وصاح: "الإضراب ليس قراركم بل هو قرار الشعب".

وخلال هذا الاجتماع، اندفع القس شحادة شحادة خارج مبنى بلدية شفاعمرو حيث عقد الاجتماع، حيث رفض أن يقبل فكرة أنه يجب على لجنة الدفاع عن الأرض قبول قرار لجنة رؤساء السلطات المحلية بدلاً من الإصغاء مباشرةً إلى الناس. وعبر الشعب عن إرادته عندما علم الشباب عن موقف رؤساء السلطات المحلية الذين كانوا ينتظرونه، بدأوا بإلقاء الحجارة على مبنى البلدية وبعد ختام اجتماع الرؤساء في شفاعمرو، اجتمعت لجنة الدفاع عن الأراضي وأصدرت بياناً أعلنت فيه "إن إضراب الجماهير العربية يوم 30/3/1976، إحتجاجًا" على مصادرة الأراضي العربية في الجليل، والمناطق أخرى في البلاد سيجري في موعده المحدد".

وفي تلك الفترة قامت وسائل الإعلام الإسرائيلية الصهيونية بهجوم مركز على الحزب الشيوعي وعلى عضو الكنيست ورئيس بلدية الناصرة الشيوعي القائد توفيق زياد أبو الأمين.

وتلقى عدد من أعضاء اللجنة القطرية للدفاع عن الأراضي إشعارات بالحضور إلى مراكز الشرطة عشية يوم الإضراب كان بينهم القس شحادة شحادة وصليبا خميس والمحامي حبيب أبو حلو والمحامي محمد ميعاري.

في تلك الفترة كان الرفيق عمر سعدي يشغل منصب سكرتير منطقة الناصرة للشبيبة الشيوعية وكان يقوم بنشاط مثابر بين فروع الشبيبة ويحث الرفاق على التجند وتلبية نداء الإضراب في يوم الأرض. واستشهد في يوم الارض ستة شهداء هم خير أحمد ياسين من عرابة، خديجة قاسم شواهنة من سخنين، محسن طه من كفركنا، رجا أبو ريا من سخنين، خضر خلايلة من سخنين، رأفت علي من مخيم نور شمس واستشهد في الطيبة.

وأذكر هنا بأنه في نفس يوم الأرض عام 1976 أقام فرع الحزب الشيوعي في كييف عاصمة أوكرانيا اجتماعاً تضامنياً بحضور جمهور كبير من الطلاب العرب والروس وبتضامن وتنسيق مع الطلاب الفلسطينيين واذكر منهم الرفيق طلب عمر من الخليل وكاتب هذه السطور كان خطيب الاجتماع.

وبسبب المجزرة التي قامت بها حكومة اسرائيل في ذلك الوقت برئاسة رابين قدمت كتلة الحزب الشيوعي في الكنيست اقتراحا بنزع الثقة من الحكومة "بسبب الاعتداءات الدامية على العرب في يوم الاضراب الشامل".

وخلال جلسة التي عقدت بتاريخ 31/3/1976 صوت فقط النواب -الشيوعيون الاربعة من اجل نزع الثقة عن الحكومة مطالبينها بالإستقالة.

هذه الحقائق التاريخية تبرز الدور القيادي للحزب الشيوعي والقوى الوطنية في النضال والكفاح من اجل الدفاع عن الارض ووحدة الجماهير العربية الفلسطينية في ذلك الوقت بقيادة الحزب الشيوعي والقوى الوطنية، لم ترق للمؤسسات الصهيونية داخل اسرائيل وخارجها ولم ترق للدول الرجعية في عالمنا العربي.

لقد اثبتت جماهير شعبنا في يوم الارض تمسكا بأرضها ووطنها وطن الاباء والاجداد.

وسيبقى يوم الارض يوم الكفاح والصمود والتحدي حتى اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.

يوم الارض هو يوم رفض فيه الفلسطينيون داخل الخط الاخضر تكرار سيناريو نكبتهم عام 1948 بمصادرة دولة الاحتلال ارضهم عنوة.

وعبر قوانين عنصرية، وهذا النضال والكفاح والاحتكاك مع الاحتلال لن يتوقف، وسيتواصل عبر المقاومة الشعبية بكل اشكالها، خاصة في المناطق التي يتهددها الاستيطان الكولونيالي الصهيوني البربري المتوحش، ولا سيما الآن في الأغوار.

يوم الارض تأكيد على تمسك وصمود الانسان الفلسطيني بأرضه ووطنه.

يوم الارض تأكيد على مقاومة الاحتلال العنصري.

يوم الأرض كيد على إصرار الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه الوطنية والحرية والاستقلال.

فسلام الشعوب بحق الشعوب.