حول الجدلية الموضوعية للتطور الاجتماعي (3)


خليل اندراوس
الحوار المتمدن - العدد: 7645 - 2023 / 6 / 17 - 10:03
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


كان على ماركس وحده ان يدلل على ان الاحياء، وانقسام الوعي نفسه لا يمكن ان يأتي من الدعاية الاخلاقية أو الفلسفية، بل من ازالة الاستغلال الطبقي. ذلك لأن نهاية النضال الطبقي، وانقسام الانسانية على نفسها، يستطيع اعادة الانسجام الى الانسان وحلول عهد الوعي السعيد. غير أن ازالة النضال الطبقي لا يمكن ان تتم الا بالاستمرار في النضال الطبقي حتى النهاية.

ذلك لأن الثورة البروليتارية، ولا شيء غيرها، هي التي تُعيد الى الانسانية وحدتها التي تتمثل في البروليتارية والجماهير الشعبية، اذ تستعيد الطبقة العاملة وحلفاءها، في نضالهم الظافر ضد ظلم الطبقات المُستغلة وانحطاطها، الانسانية من أجلهم ويُحققون بذلك غاية الانسان. وهكذا تصبح الوسيلة مماثلة للغاية. والنضال وحده هو الذي يحول المناضبين.وانتصار الثورة الاجتماعية - الثورة الشيوعية - هي فجر الانسانية.

نضال الطبقات في المجتمع الرأسمالي موجود مستقلا عن ارادة الناس ولا يستطيع البروليتاريين توفير أسباب عيشهم الانساني الا بالنضال ضد المُستغل ضد طبقة راس المال.

معرفة الفلسفة الماركسية- اللينينية وممارستها على ارض الواقع تعمق الصراع العنيف ضد الفلسفة البرجوازية المعاصرة. وتعمق وتؤكد بأن النظام الرأسمالي نظام قديم متعفن وتؤكد انتصار الثورة الاجتماعية في المستقبل -تؤكد بأن الانسانية لا بد وأن تصل الى مملكة الحرية على الارض مملكة حرية الانسان والانسانية. فجذور الفلسفة الماركسية عميقة في الحياة وفي الواقع الموضوعي الاجتماعي وفي التطبيق. انها البوصلة، ويجب أن تصبح المرشد في الحياة اليومية وفي النشاط والنضال الطبقي اليومي.

ان المادية الديالكتيكية النظرة العلمية الثورية الى العالم تربي الايمان الراسخ بحتمية تطور المجتمع الرأسمالي المعاصر نحو مجتمع المستقبل من خلال ثورة اجتماعية تقضي على الملكية الخاصة وتعمل على اقامة الملكية العامة لوسائل الانتاج كأساس للمجتمع الاممي الشيوعي الجديد.

ان ماركس وانجلز قد قاما لأول مرة في تاريخ المادية باستكمال بناء قمتها،اي نشرها وبسطها على المجتمع.

" الوجود الاجتماعي يحدد الوعي الاجتماعي “أضف الى ذلك أن الفهم المادي الجدلي للتاريخي قد مكن ماركس وانجلز من تناول تطور المجتمع على انه عملية تاريخية طبيعية موضوعية.

وأظهرا القوانين الموضوعية للتطور المميزة للمجتمع وفهم تتابع الاستخلاف في سير التطور التاريخي للتكوينات الاجتماعية الاقتصادية واقامة الدليل على الطابع العابر للرأسمالية وحتمية مجيء الاشتراكية للاحلال مكانها، بوصف الاشتراكية أول طور للتكوين الشيوعي.

وفشل بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي لا يُلغي هذه الحتمية، ففشل بناء الاشتراكية قد يحدث مرة او مرتين او اكثر ولكن انتصارها في المستقبل امر حتمي موضوعي مادي جدلي تاريخي.

وهذه الحتمية هي لكون الطبقة العاملة السائرة على راس الكادحين جميعا، هي الطبقة التي تتمشى مصالحها الجذرية وأهداف نضالها بالكامل مع القوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي. والنضال والكفاح من قبل الطبقة العاملة والاحزاب الشيوعية يجب ان يكون من اجل استحواذ عقول الناس، وخاصة الطبقة العاملة وجماهير الشعب الواسعة خاصة في عصرنا الحاضر عصر الامبريالية العالمية المتوحشة. فالسلوك الاجتماعي للطبقات والشعوب بل لكل أنسان على حده، وادراكه للأمور الواقعة التاريخية الموضوعية في عصرنا يمثل وزنا كبيرا في ميزان التاريخ.

فكما كتب ماركس وانجلز في بيان الحزب الشيوعي "ان الشرط الاساسي للوجود والسيادة بالنسبة للطبقة البرجوازية هو تكديس الثروة في أيدي بعض الأفراد وتكوين الرأسمال وانماؤه.وشرط وجود الرأسمال هو العمل المأجور. والعمل المأجور يرتكز بصورة مطلقة، على تزاحم العمال فيما بينهم.

ورقي الصناعة الذي ليست البرجوازية الا خادما منفعلا له ومقصورا على خدمته يستعيض عن انعزال العمال الناتج عن تزاحمهم، باتحاد ثوري بواسطة الجمعيات. وهكذا ينتزع تقدم الصناعة الكبرى من تحت اقدام البرجوازية نفس الاسس التي شادت عليها نظام انتاجها تملكها. ان البرجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها، فهلاكها وانتصار البروليتاريا كلاهما امر محتوم لا مناص منه". (البيان الشيوعي ص 62).

فالشيوعي الحقيقي الدارس والمتعمق والممارس للفكر الماركسي من الناحية العملية يدفع الى الامام بادراك واضح من اجل احداث الثورة الاجتماعية لإدراكه الواضح لظروف حركة البروليتاريا ومسيرها ونتائجها العامة. وأحزاب الطبقة العاملة، خاصة في عصرنا الحالي، يجب ان تندد باي انحراف عن الفكر الماركسي اللينيني، وخاصة اذا ارتسمت معالمه، عندما يجب ابرازه والتنديد به، وذلك لكي تكون وحدة الحزب متينة وثورية وقادرة على احداث الثورة الاجتماعية وبناء مجتمع المستقبل مجتمع حرية الانسان والانسانية.

فالشيوعي الحقيقي عليه ان يناضل ويعمل من اجل التلاحم في كل واحد. فكما كتب لينين:" ينبغي علينا ان ندلل على تلاحم لا يكون شكليا وحسب، بل يمضي كذلك بعيدا في الاعماق" (لينين - ضد التحريفية دفاعا عن الماركسية .ص 218).من اجل خلق واقع جديد نضالي ثوري قومي اممي، يجعل اي رجوع الى الوراء مستحيلا.

وعندها ستصرخ الحياة نفسها قائلة بصرامة،" هنا الوردة فلترقص هنا - HIC RHODUS HIC SALTA-"(البيان الشيوعي ص143). وهنا بودي ان اقول بان الوحدة الوثقى بين النظرية والتطبيق هي استنتاج هام للغاية استخلص من نظرية المعرفة الماركسية لذلك مهم لا بل ضروري على كل يساري ثوري شيوعي أن يعمل من اجل الوحدة الوثقى بين النظرية والتطبيق.

فالماركسية هي فلسفة مادية جدلية تاريخية، وكما عرفها ورآها " ماركس وانجلز" طريقة جديدة لفهم الحياة الانسانية وتغييرها. الامر الذي يجعل من حق ومن واجب كل انسان ثوري بجمال الولاء للحياة ان يرقُب هذا التغيير بالكثير من اليقظة والاهتمام والممارسة النضالية الثورية على ارض الواقع. وهنا أذكر ما كتبه انجلز في كتابه " ضد دوهرنغ". وهو صياغة جوهرية جديدة للفهم المادي للتاريخ. وانطلاقا من الديالكتيك المادي يطور انجلز فكرة الحرية كضرورة مُدركة ويخرج باستنتاج يقول، انه بواسطة القوى المنتجة الحديثة فقط " يصبح من الممكن تحقيق مثل هذه الوضعية في المجتمع.. حيث يكون من الممكن ، لأول مرة، التحدث عن الحرية الانسانية الحقيقية، عن الحياة في توافق مع قوانين الطبيعة المُدركة"." هذه هي قفزة الانسانية من حكم الضرورة الى حكم الحرية".

وهذا يعني قفزة من حكم الضرورة العمياء الى حكم الضرورة المُدركة. يعني الانتقال من العفوية الى الوعي، ومن الخضوع الاعمى لقوانين الطبيعة العمياء الى السيطرة عليها، والانتقال النهائي الى المجتمع الانساني الحقيقي. وهنا أذكر أهم موضوعة ماركسية عن المستقبل! " يبدأ الناس ابداع تاريخهم بأنفسهم بكل وعي". وهنا أذكر ما قاله انجلز قبل سنة من وفاته، بأن التطور الحر للإنسان- هذا هو الهدف النهائي للتحول الشيوعي في المجتمع.

مبدعا الشيوعية العلمية ماركس وانجلز يؤكدان بأن اساس كل التحولات في المجتمع، ليس في تطور الوعي الانساني وإنما في نهاية المطاف، في تطور الانتاج المادي، وخلال التطبيق الثابت للفهم المادي الديالكتيكي للتاريخ في ادراك المستقبل، توصل انجلس الى رؤية التغير النوعي لدور الوعي الاجتماعي في مجتمع المستقبل كنتيجة للتطور التاريخي في التأثير المتبادل بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي.

ويتمثل الاظهار للديالكتيك في الفهم الواضح لكون تطور المجتمع - هو عملية تغييرات مترابطة لجميع جوانبه، اي جوانب المجتمع. على اساس تغيير جانبه المحدد الا وهو الانتاج المادي، ولهذا فمجتمع المستقبل يجب ان يتميز عن الحاضر ليس في مكوناته المنفردة، بل في جميع مكوناته، بدرجة أقل أو أكبر.

وهكذا فالنظرية الماركسية، عند تعميق انتشارها ومعرفتها وممارستها من قبل الطبقة العاملة تصبح قوة مادية، وعندما تتجسد هذه النظرية في الواقع والحياة. فالماركسية تقول بأن زوال نظام اجتماعي وقيام آخر مكانه أكثر تقدمية، لا يمكن أن يحدث من تلقاء ذاته، عفويا، حتى ولو تحولت علاقات الانتاج الى عائق للتقدم، وانما يجب لكي يحدث هذا تحطيم مقاومة الطبقات الرجعية ( في المجتمع الرأسمالي طبقة راس المال) التي تدافع عن علاقات الانتاج القديمة. وهذا هو المغزى التاريخي لنضال الطبقات المظلومة الثوري.

(في المجتمع الرأسمالي نضال الطبقة العاملة). انها تكنس من طريق التطور الاجتماعي، العقبات والحواجز التي تقيمها الطبقات الرجعية. ان النضال الطبقي (في النظام الرأسمالي الحالي نضال الطبقة العاملة د.خ) هو قوة التاريخ المحركة في جميع التشكيلات الاستغلالية. وبدون هذا النضال لا يمكن ان يجري تقدم اجتماعي في المجتمع الطبقي المتناحر. وهذا النضال يبلغ ذروته واقصى حدته من خلال الثورة الاجتماعية. أن التحطيم الجذري للنظام الاجتماعي ، الذي بواسطته يتحقق الانتقال من تشكيلة اجتماعية اقتصادية الى اخرى يسمى بالثورة الاجتماعية.

ان الطبقات المظلومة (في المجتمع الرأسمالي- الطبقة العاملة د.خ) هي القوة المُحركة الرئيسية لجميع الثورات الاجتماعية العظيمة عبر التاريخ. قال لينين "ان الثورات هي عيد للمظلومين والمستغلين وبفضل اشتراك الجماهير النشيط في الحياة السياسية تتطور الاحداث عنذاك بسرعة لا تُصدق. ويمكن تشبيه الثورة الاجتماعية بالعاصفة الرعدية المطهرة التي يصبح التنفس بعدها سهلا وطليقا. ان الثورات تكنس العقبات من طريق التقدم الاجتماعي ، وليس عن عبث أسماها ماركس بقاطرات التاريخ.

كتب ماركس يقول:" ان الفلاسفة كانوا فقط يُفسرون العالم بأشكال مختلفة، ولكن القضية هي في تغييره". والفلسفة الماركسية، بإعطائها صورة علمية عن العالم، وخاصة عن المجتمع الرأسمالي. وبكشفها عن قوانين التطور الاجتماعي تحولت الى سلاح روحي وفكري علمي للبروليتاريا. ان مؤسسي الماركسية، باستخدام الفلسفة المادية الجدلية التاريخية كأساس للبحث العلمي عن تطور المجتمع الانساني، حللا نظام الرأسمالية الاقتصادي تحليلا علميا جدليا شاملا وكشفا عن اسباب ونوابض الاستغلال الرأسمالي، وأثبتا بالحُجج العلمية الجدلية التاريخية حتمية هلاك التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية المتناحرة الاخيرة وهي الرأسمالية.

مراجع المقال:

-مدخل الى المادية الجدلية – موريس كورنفورث.

-لينين- الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية.

-ملامح المستقبل – انجلس والمجتمع الشيوعي – بغاتوريا.

-اصول الفلسفة الماركسية – جورج بوليستزر وجي بيس وموريس كافين.

-لينين ضد التحريفية دفاعا عن الماركسية.

-الناس والعلم والمجتمع – اعداد فريق من المؤلفين.

- اسس المعارف الفلسفية – افاناسيف.

-كتاب حكمة الماركسية – " الوجود يحدد الادراك".