100 عام على وفاة لينين (3)


خليل اندراوس
الحوار المتمدن - العدد: 7883 - 2024 / 2 / 10 - 10:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


وبحمية انهمك لينين في العمل لبناء الحزب الماركسي الثوري، حزب الطبقة العاملة. وقد أقام الروابط مع العمال المتقدمين في المعامل الكبرى في روسيا في ذلك الوقت. وجرت اعمال الحلقات الماركسية في بيوت العمال. وأحدهم كان العامل بابوشكين الذي أصبح فيما بعد من رجالات حركة العمال الروسية البارزين في ذلك الوقت والذي وصفه لينين بمفخرة الحزب وبالبطل الشعبي.

وقد قال بابوشكين يتذكر الدروس في حلقة لينين:" كانت المحاضرات شيقة، تتسم بطابع حي جدا ... وكنا جميعا راضين كل الرضا عن هذه المحاضرات، كما كنا نُظهر اعجابنا على الدوام بعقل المحاضر".

كان لينين يسعى لجعل التعاليم الماركسية مستساغة، مفهومة للعمال.

وفي عام 1894 تعرف فلاديمير ايليتش لينين بناديجدا قسطنطينوفنا كروبسكايا التي كانت تعمل معلمة في مدرسة الاحد المسائية العمالية فيما وراء بوابة النيفا. والتي حدثته كثيرا عن تلاميذها، وسألها لينين عن كل دقائق الامور والتفاصيل التي ترسم حياة ومعيشة البروليتاريين.

كان العمال يحبون لينين. اذ كان قريبا منهم، كان قائدا يتصف بشدة العناية والانتباه. وكانت محاضراته ودروسه تجذب عددا متزايدا من المستمعين.

وكان لينين أول من وضع أمام الماركسيين الروس في بطرسبورغ مهمة الانتقال من نشر الدعوة الماركسية بين فئة غير كبيرة من العمال المتقدمين الى الدعاية بين جماهير العمال الغفيرة وكان لينين يؤكد خلال محاضراته بأنه يجب على الحلقات الماركسية ان تحمل تعاليم ماركس الى جماهير العمال. يجب ان تتوحد هذه الحلقات الماركسية مع العمال وتيتعد للثورة.

وكان لينين أول من وضع أمام الماركسيين في بطرسبورغ مهمة الانتقال من نشر الدعوة الماركسية بين فئة غير كبيرة من العمال المتقدمين الى الدعاية بين جماهير العمال الغفيرة.

وقد قال لينين:" ما كنت راغبا في شيء رغبتي في ان تسنح فرصة الكتابة الى العمال، وما كنت تواقا الى سيء توقي الكتابة الى العمال."

وقد بين لينين في الكراسات والنشرات التي كتبها في ذلك الوقت بشكل واضح بسيط مما جعل هذه الكراسات والنشرات في متناول فهم القراء الاضعف استعدادا. وقد بين لينين في هذه الكراسات والدراسات والنشرات حالة العمال في روسيا في ذلك الوقت وحرمانهم من الحقوق والاستثمار الفظيع الذي يعرضهم اليه الراسماليون وبين بؤس جماهير الكادحين والمظالم التي ترزح تحتها. وشرح طرق نضال الطبقة العاملة في في سبيل تحررها. وكان من شأن هذه الدعاية أن مهدت لحركة اضرابية واسعة بين عمال بطرسبورغ.

وهكذا تشكل الاتحاد الثوري الذي سمي فيما بعد بـ " اتحاد النضال في سبيل تحرير الطبقة العاملة. " وكان " اتحاد النضال"قائما في بادىء الامر في بطرسبورغ وحدها وفيما بعد انتشرت فروعه في مدن اخرى في روسيا القيصرية لم يقتصر عمل فلاديمير ايليتش لينين على قيادة الحلقات فقد كان يمارس الكتابة نهارا وفي المساء وحتى في الليل احيانا. وكان الكتاب الذي يعمل في تأليفه مرعبا بالنسبة للرأسماليين. فهو يشرح للعمال كيف ينبغي النضال ضد سلطة الرأسمال وكيف ينبغي خوض هذا النضال بتنظيم اكبر. (المقصود هنا هو كتاب لينين "من هم " اصدقاء الشعب" وكيف يحاربون الاشتراكيين - الديمقراطيين؟". ) وسرعان ما انجز لينين تأليف الكتاب.

وقام الرفاق الماركسيون بطبعه يرا وتوزيعه على حلقات العمال. كان كتابه يدعو العمال الروس الى الثورة الشيوعية المُظفرة. ولم يكن احد قبله قد وجه الى العمال الروس مثل هذه الدعوة الجسورة. كان لينين في ذلك الوقت في الرابعة والعشرين من عمره وكان واسع الاطلاع وكان واثقا من ان العمال الروس سيحققون الثورة.

ومما قاله لينين لأحد العمال في ذلك الوقت (اسمه بابوشكين) عندما سمع منه بأن بعض العمال حطموا مكتب صاحب أحد المصانع وآخرين احرقوا سقيفة باب المدير، قال له لينين " كلا، ينبغي على العامل الواعي أن يناضل ليس بقبضة اليد" وكتبا معا أي لينين وبابوشكين منشورا أكدا فيه بأنه حان وقت النضال. وأنه ما من أحد يعتق العامل من العبودية ما من أحد. الا هو نفسه. وأن النضال يجب ان يُخاض لا بالقبضات. بل بالتنظيم. وكان أحد المناشير الدعائية الاولى التي يتم نشرها خلسة في ذلك الوقت.

وفي تلك الفترة عمق لينين مسألة الدعاية لأفكار الاشتراكية العلمية الى الدعوة المباشرة الداعية الى النضال من اجل الحقوق، أي الجمع بين الاشتراكية العلمية والحركة العمالية.

وكانت الكراسات والنشرات التي كتبها لينين في ذلك الوقت ذات شأن هام في نشر الدعاية الجماهيرية. ومما قاله لينين في ذلك الوقت:" ما كنت راغبا في شيء رغبتي في أن تسنح فرصة الكتابة الى العمال، وما كنت تواقا الى شيء توقي للكتابة الى العمال." (كتاب فلاديمير ايليتش لينين - ترجمة حياته موجوزة - دار الطبع والنشر باللغات الاجنبية - موسكو سنة 1960 ص 17).

وهذه الكراسات والنشرات التي كتبها لينين في ذلك الوقت كتبت بشكل واضح بسيط جعلها في متناول فهم القراء الاضعف استعدادا. وقد بين لينين في هذه الكراسات والنشرات حالة العمال وحرمانهم من الحقوق والاستثمار الفظيع الذي يعرضهم اليه الراسماليون، بين بؤس جماهير الكادحين والمظالم التي ترزح تحتها.

وشرح طرق نضال الطبقة العاملة في سبيل تحررها.

في ربيع 1895 سافر لينين الى خارج روسيا بناء على تكليف من الماركسيين في بطرسبورغ، وذلك بقصد اقامة الروابط مع جماعة "تحرير العمل" وبقصد الاطلاع على حركة العمال في اوروبا الغربية.

وعندما وصل الى سويسرا التقى بعضوين من اعضاء جماعة "تحرير العمل" - بليخانوف وأكسيلرود - واتفق معهما على التعاون في اصدار مجموعة مقالات بأسم "رابوتنيك" (الشغيل) وبعد ذلك سافر الى باريس وبرلين. وفي هاتين المدينتين حضر لينين اجتماعات العمال الفرنسيين والألمان ودرس حياة البروليتاريا في اوروبا الغربية. وفي باريس تعرف برجل من رجالات حركة العمال الفرنسية والأممية البارزين - بول لافارغ صهر ماركس.

وكان لينين شديد الرغبة في التعرف بزعيم البروليتاريا الأممية ومعلمها العظيم فريدريك انجلز، ولكن الأخير كان آنئذ طريح الفراش يعاني من مرض شديد الوطأة.

وبعد العودة من الخارج زار لينين، دون ان يمر ببطرسبورغ، فيلنو وموسكو وأوريخومو-زوبيفو، وأقام الروابط في هذه المدن مع الاشتراكيين الديمقراطيين (وهو الأسم الذي كانت تسمى به في ذلك العهد الماركسيون الثوريون). وقد حمل معه سرا مطبوعات ماركسية جرى توزيعها بين الاشتراكيين الديمقراطيين في بطرسبورغ والمدن الاخرى.

في 7 ديسمبر عام 1895 تم القاء القبض على لينين وتوقيفه لمدة عام كامل حيث زُج لينين في سجن بطرسبورغ وقضى اكثر من 14 شهرا في زنزانة منفردة، ولكنه استمر في نضاله الثوري حتى وهو سجين.

وقد وجد لينين السبل والوسائل لقيادة "اتحاد النضال" الماركسي حتى وهو في السجن حيث وجد سبيل الاتصال بالرفاق غير المعتقلين وكتب الرسائل والمناشير والكراسات وارسلها الى خارج السجن. وفي السجن كتب لينين أول مشروع برنامج للحزب الماركسي مرفقا بشرح.

كتب لينين الوثائق السرية بالحليب بين اسطر الكتب والمجلات. وكان يصنع من الخبز "محابر" صغيرة كان يأكلها بسرعة حين ظهور الحارس. وقد كتب فلاديمير ايليتش لينين يقول مازحا في احدى رسائله: "أكلت اليوم ست محابر".

وكانت رسائل لينين هذه تشف عن قوة معنوياته وعن ايمانه بانتصار الطبقة العاملة. بدأ لينين وهو في السجن كتابة مؤلفه الكبير " تطور الراسمالية في روسيا". ولجمع المادة اللازمة درس لينين مئات من الكتب والمجلات. وكان يضمن رسائله الى أهله قوائم الكتب التي يحتاجها في عمله. وكانت أخته أنا ايلينيتشا تحمل له هذه الكتب الى السجن وفي السجن وضع لينين لنفسه نظاما صارما. فقد كان يملأ كل نهار بالعمل ويزاول التمارين الجمبازية قبل النوم بانتظام. وقال لينين فيما بعد متذكرا تلك الايام :" كان يحدث أن لا يبقى في الجسم عضو لا يندعك، فيشيع في الجسم الدفء، حتى حين يشتد القر اشتدادا تتجمد معه كل زاوية في الزنزانة، يصبح النوم أهنأ جدا".

في 13 شباط 1897، اصدرت المحكمة في بطرسبورغ حكمها على لينين بالنفي الى سيبيريا الشرقية لمدة ثلاث سنوات. وفي أيار سنة 1897 وصل لينين الى قرية شوشينسكويه من قضاء مينوسينسك، بمديرية اليينيس، وهي القرية التي عينت له مكانا يقضي فيه مدة النفي. وفي ذلك الوقت كانت شوشيسكويه قرية سيبيرية نائية تبعد أكثر من 600 كم عن سكة الحديد.

كابد لينين الكثير من الحياة في هذا المكان القصي منفصلا عن العمل الثوري المباشر. ولكن ذلك لم يُضعف معنوياته، ولم يفقده نشاطه ومرحه. لقد عمل بجد ودأب ودرس بانتباه ظروف المعيشة في القرية السيبيرية وحالة الفلاحين. وقد أحاط سكان الناحية لينين بالاحترام والاجلال. بعد مضي سنة وصلت ناديجدا قسطنطينوفنا مروبسكايا الى قرية شوشينسكويه. اذ كانت قد اعتقلت ايضا في بطرسبورغ لقضية " اتحاد النضال في سبيل تحرير الطبقة العاملة" ونُفيت الى مديرية أوفا. ولكن سُمح لها أن تقضي مدة النفي في قرية شوشينسكويه بوصفها خطيبة لينين. حيث كان لينين صارحها بحبه لها اثناء وجودهما في بطرسبورغ في احدى الرسائل السرية المكتوبة بالحليب (باللبن). وعندما نُفي لينين الى سيبيريا طلب اليها ان تحضر اليه لكي يتزوجا. وكانت تحبه بعمق واخلاص فردت عليه مداعبة بموافقتها " ولا بأس".