100عام على رحيل لينين (5)


خليل اندراوس
الحوار المتمدن - العدد: 7896 - 2024 / 2 / 23 - 15:01
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


ان قيام لينين ورفاقه بتنظيم واصدار صحيفة " البرافدا" في ظروف قاسية، في ظروف القيصرية واستخدامها في تطبيق الاتجاه الثوري وفي تربية الجماهير سياسيا قد كان مثلا رائعا في تاريخ حركة العمال الأممية برمتها.

فكما قال لينين جريدة بدون حزب ممكن ولكن حزب بدون جريدة غير ممكن- وهذه المقولة جدلية تاريخية مهمة جدا لكل من يناضل من أجل تعميق وتثبيت وتطبيق الافكار التقدمية العلمانية الثورية الوطنية الأممية وترسيخ هذه المفاهيم بين جماهير الشعب عامة والطبقة العاملة خاصة.

في يونيو عام 1912 انتقل لينين الى بولندا، وعاش في مدينة كراكوف المتاخمة للحدود الروسية وأقام من كراكوف أوثق العلاقات والصلات بأسرة تحرير " البرافدا" وبنواب دوما (برلمان) الدولة الجديد الاشتراكيين الديمقراطيين والمنظمات الحزبية المحلية.

ونشرت صحيفة برافدا وحدها اكثر من 280 مقالا طويلا وقصيرا للينين. وقد تمكن الحزب باعتماده على " برافدا" والنواب البلاشفة في برلمان الدولة من ترسيخ نفوذه في المنظمات العمالية العلنية. وتمكن من ان يستميل الى صفه اي صف الحزب، الاتحادات النقابية للعاملين في التعدين وصناعة النسيج والطباعة.

وتم احراز نصر كبير أيضا في انتخابات صناديق تأمين المستشفيات للعمال. فقد تم انتخاب اكثر من 80% من اعضاء مجالس ادارة هذه الصناديق من قوائم البلاشفة. وقد شهد هذا كله على ان غالبية العمال النشطاء الواعين بالبلاد قد سارت خلف لينين والحزب الذي يضطلع بقيادته.

في آب 1914 اندلعت نيران الحرب العالمية الاولى وقد أشعلت نيرانها مجموعتان من البلدان الرأسمالية المتعادية فيما بينها. وكانت احدى المجموعتين برئاسة المانيا، والاخرى برئاسة انجلترا وفرنسا. وكانت روسيا القيصرية منضمة الى المجموعة الثانية التي أطلقت عليها تسمية "دول الائتلاف".

وكتب لينين في توصيف هذه الحرب: "ان المحتوى والأهمية الواقعية الوحيدة للحرب هي الصراع على الاسواق ونهب بلدان الغير والطموح الى قطع الطريق على الحركة الثورية للبروليتاريا والديمقراطية داخل البلدان والطموح الى استغفال البروليتاريا في كافة البلدان وتفتيتهم وتحطيمهم".

ولقد تذكر الكاتب الروسي الرائع العظيم مكسيم غوركي كلمات كان لينين قد قالها قبل نشوب الحرب العالمية الاولى بعدة سنوات:" فكروا: ما هو السبب الذي دفع الشبعى الى دفع الجياع الى مجزرة يقتلون فيها بعضهم البعض؟ هل لكم ان تذكروني بجريمة اخرى أكثر بلاهة وسوءا؟ ان العمال سيدفعون ثمن ذلك غاليا جدا، ولكنهم سينتصرون في نهاية المطاف، فهذه هي ارادة التاريخ".

ولقد حذر لينين مرارا وتكرارا من اعداد الرأسماليين للحرب العالمية الأولى. وأهاب بالأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في كافة البلدان ان تعمل على عدم اشتعالها. وفي حالة ما إذا اشتعلت نيران الحرب بالفعل ينبغي تفنيد وفضح اهدافها الحقيقية الغريبة تماما عن جماهير الشعب.

غير انه في الرابع من اغسطس عام 1914 انضم الاشتراكيون الديمقراطيون في البرلمان الالماني الى النواب البرجوازيين وصوتوا سويا معهم لصالح تقديم قرض للحكومة لشن هذه الحرب غير العادلة. وفي اليوم التالي تصرف الاشتراكيون الديمقراطيون في برلمانات دول الائتلاف على هذا النحو ونعني فرنسا وانجلترا وبلجيكا.

"لم أعد اشتراكيا ديموقراطيا منذ اليوم فلقد اصبحت شيوعيا". قال لينين هذه العبارة في الخامس من اغسطس بمجرد ان عرف نبأ ما حدث في البرلمان الالماني. لقد رأى لينين بأن هذه الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في اوروبا والتي دعمت حكوماتها ورأسمالييها في الاعداد للحرب العالمية الاولى بأنها خانت مبدأ التضامن الأممي بين كادحي العالم كله.

ولم يكن هناك سوى حزب البلاشفة عمل علانية ضد السياسة العدوانية للحكومة القيصرية. فقد رفض النواب البلاشفة في البرلمان الروسي التصويت لصالح منح القروض العسكرية. وقامت الطبقة البرجوازية في روسيا وباقي الدول الاوروبية بنشر الاكاذيب والاقاويل على البلاشفة بأنهم أي البلاشفة يتجاهلون مصالح الوطن وأنهم ليسوا وطنيين. وقام لينين في ذلك الوقت بنشر مقالة عنوانها "بصدد كرامة الروس الوطنية" شرح فيها معنى الوطنية الحقيقية. "هل نحن غرباء على مشاعر العزة الوطنية؟ كلا بالطبع! فنحن نحب لغتنا ووطننا.. فنحن نرى ونشعر أكثر من غيرنا بالقسر والنير والتنكيل الذي يمارسه جلادو القيصرية والنبلاء والرأسماليون ضد وطننا الرائع. ونحن نفخر أن هذا القسر قد قوبل بالتصدي من وسطنا من وسط الروس.. نحن نفيض بمشاعر العزة الوطنية لأن الأمة الروسية قد أثبتت أنها قادرة على أن تُعطي البشرية نماذج عظيمة للنضال من أجل الحرية وفي سبيل الاشتراكية".

وأبرز لينين بأن الوطنية لا تتمثل بتأييد القيصر والبرجوازية اللذان انكبا في المجزرة العالمية (الحرب العالمية الأولى). على الاستيلاء على الشعوب الاخرى ونهبها، ولكنها تتمثل في النضال ضد القيصر والبرجوازية.

وهذا ما قامت به الامبريالية العالمية من مجازر في الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب العالمية الثانية من خلال عشرات الحروب الامبريالية المحلية حول العالم والآن حرب النازيين في اوكرانيا ضد روسيا بهدف تمزيقها الى دويلات بموجب خطة استراتيجية امريكية نشر لها ودعا لها بريجينسكي أحد كهنة الحرب في الولايات المتحدة. وهذا ما تفعله الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة من خلال دعمها لحرب اسرائيل العدوانية ضد الشعب الفلسطيني والتي هدفها الاساس ليس الدفاع عن أمن اسرائيل، بل هدفها تغيير خارطة الشرق الاوسط خدمة لمصالح طبقة راس المال العالمي وراس المال الصهيوني، وفرض الهيمنة المطلقة على الشعوب العربية من الخليج الى المحيط ، والقضاء على القضية الكونية الانسانية العادلة للشعب الفلسطيني وحقه في اقامة دولته المستقلة بحدود 1967 وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وهذه الحقوق العادلة ليست بهدايا تُعطى للشعب الفلسطيني كما قال احد قادة اسرائيل الذي لا يستحق ان يُذكر اسمه بحبر قلمي.

لقد كان لينين يؤكد دائما على ان الوطني الحقيقي عليه ان يناضل ضد الحروب الامبريالية وانه ينبغي على كافة الوطنيين الحقيقيين في كل البلدان المُتحاربة ان يتخذوا موقفا مُماثلا للبلاشفة، ودعا لينين دائما الى التكاتف الأممي لكافة القوى التقدمية. وما يجري الان من تكاتف الشعوب في العالم في دعم الشعب الفلسطيني بشكل عام وخاصة في غزة لهو اقوى مثل في عصرنا الحالي على التكاتف الاممي لكافة احرار العالم.

في عام 1916 أصدر لينين كتاب بعنوان " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" وهذا الكتاب عبر بحق عن مواصلة وتطوير ابداعي لكتاب " رأس المال" الذي وضعه كارل ماركس.

قضى لينين في المهجر قرابة 15 عاما (باستثناء وجوده في بطرسبورغ ابان ثورة اعوام 1905 - 1907). وأصبح هذا العبء، عبء المهجر، لا يُطاق جدا بعد ان اندلعت شرارة ثورة جديدة في روسيا في شباط عام 1917.

وهي الثورة التي استطاع فيها الشعب الروسي المُنتفض انزال القيصر عن العرش. وكتب لينين في ذلك الوقت عندما كان في سويسرا: "لكم ان تتصوروا مدى هذا العذاب بالنسبة لنا الجالسين هنا في مثل هذا الوقت".

واستطاع لينين بمساعدة الاشتراكيين في سويسرا المحايدة خلال الحرب العالمية الاولى، الحصول على تصريح يسمح له بالسفر عبر المانيا والعودة الى روسيا. وعند عودته الى روسيا أكد لينين أهمية النضال من أجل انهاء المجزرة الامبريالية أي الحرب العالمية الأولى. وعندما وصل لينين الى محطة بيتروجراد القى كلمة قصيرة انتهت بالكلمات التالية: "لن يعود الماضي - فإلى الامام ايها الرفاق - تحيا الثورة الاشتراكية. في اليوم التالي بعد وصوله الى بيتروغراد (بطرسبورغ) اي بتاريخ 17 ابريل عام 1917 تحدث لينين أمام نشطاء البلاشفة في بيتروغراد وطرح موضوعات لخص فيها خطة النضال للانتقال من الثورة البرجوازية الديمقراطية (وهي الثورة التي حدثت في روسيا في فبراير عام 1917) الى الثورة الاشتراكية. وعرفت بـ "موضوعات ابريل".

أظهر لينين في بيتروغراد نشاطا فياضا. وخلال نشاطه أكد لينين على مشروع النضال في سبيل الانتقال من الثورة الديمقراطية - البرجوازية - التي أعطت السلطة للبرجوازية الى الثورة الاشتراكية التي من شأنها ان تضع السلطة في ايدي الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين.

في "موضوعات ابريل" طرح لينين مسألة قد تبدو شكلية بحته، ولكنها في واقع الامر ذات حدة سياسية كبيرة هي أنه اقترح تغيير تسمية الحزب واقترح لينين في الظروف التي ابتعدت فيها احزاب اشتراكية ديمقراطية كثيرة عن المثل العليا للاشتراكية وخانت مبدأ الوحدة الأممية، اقترح تسمية الحزب بالحزب الشيوعي وهي التسمية التي أطلقها عليه ماركس وانجلز.

(يتبع)