عشرون وساما على صدر ماركس

بالاستفاده من ثمار التطور الحاصل في العلوم الطبيعيه والاجتماعيه منتصف القرن التاسع عشر
وفي لحظه تاريخيه انعطافيه تهيأ فيها المفكرون و الاكاديميون لانقلاب ثوري فكري حفز ه وسرع من حدوثه انقلاب علمي معرفي معزز بالتطور التكنولوجي الصناعي و بروز سلسله من النظريات العلميه الطبيعيه في االكون والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والرياضيات
انقلاب في بنيه التفكير العلمي الفلسفي صنعته التحولات الاجتماعيه الاقتصاديه الناتجه عن الثوره البورجوازيه في الغرب و الانقلاب الثوري العلمي التكنولوجي الصناعي المذهل وبروز البروليتاريا الصناعيه على مسرح التاريخ في هذه الفتره
فجاء بالضروره
كانعكاس جدلي ابداعي على مستوى الفكر الفلسفي والفكر التاريخي الاجتماعي والفكر السياسي
وتبلور على هيئه انقلاب علمي فكري ثوري في فهمنا للظواهر الاجتماعيه الانسانيه وفي فهمنا للتاريخ وفي ادراكناواستيعابنا بشكل فعال لحقيقه ما يجري في حياه مجتمعاتنا المعاصره كبشر منتجين
ككائنات اجتماعيه عاقله مفكره منتجه قطعت اشواطا كثيره في مسيره التجاوز والتطور الارتقائي الجدلي بعيدا جدا عن الحاله الحيوانيه البدائيه الاولى
برزت الماركسيه اذا كثمره نضوج النقاشات العلميه الفلسفيه في الغرب التي احتدمت خلال تلك الفتره الذهبيه على خلفيه الاكتشافات العلميه والفتوحات المعرفيه الكبرى
التي اطاحت بعرش الكثير من التصورات والمفاهيم السابقه التي سادت لقرون طويله من الزمن
لهذا لم يكن من المستغرب بروز حاله الاستيعاب العلمي الواقعي الموضوعي المبدع الخالي قدر الامكان وضمن المتاح من اي مفاهيم وتصورات مثاليه ساذجه
وهي المهمه تلتي تصدر لها العالم والمفكر والفيلسوف والمناضل العبقري كارل ماركس من خلال دراسه تلك المعطيات العلميه والاجتماعيه الاقتصاديه الجديده القائمه ومعالجتها وتحليلها بطريقه مبدعه وفي ضوء مكتسبات التطور المعرفي الابيستمولوجي الذي احدثه الفيلسوفان العظيمان هيجل وفيورباخ
قاده ذلك الى اكتشاف علمي جديد هو التفسير المادي الجدلي للتاريخ
وبلوره اسس المنهج العلمي الفلسفي الذي نتج عنه دخول علوم الاجتماع والفلسفه والتاريخ، والاقتصاد طورا جديدا
هو طور المقاربه العلميه الموضوعيه الدقيقه لظواهر الفكر والكون والمجتمع
وعلى اساس من هذا المنهج العلمي توصل ماركس بالمشاركه مع رفيقه العالم والفيلسوف والمناضل فريدريك انجلز الى صياغه اسس علم التطور الاجتماعي وتحليل بنيه النظام الراسمالي واكتشاف قوانينه
وصياغه اسس البرنامج العلمي الثوري لتحويل المجتمع تحويلا ثوريا
على ضوء من منهجيه التفكير العلمي الجديده و الفتح القاري المعرفي الذي احدثته الماركسيه
وعلى هدي من تراث التفكير الانساني واستلهام التراث الثوري العظيم واستيعاب دروس الثورات البورجوازيه ضد الاقطاع وما حدث بعده من الانتفاضات الشعبيه ونضال البروليتاريا المتصاعد في سبيل الانعتاق والتحرر من الاوضاع المأساويه التي
خلقها هذا النظام الجديد الذي قادت اليه الثورات البورجوازيه في المجتمعات الاوروبيه الغربيه وكذا بالتالي في سائر ارجاء العالم.
و ماركس الذي ساهم من خلال نشاطه الفكري العلمي الابداعي التنويري
ونشاطه السياسي والتنظيمي في الارتقاء بنوعيه نضال الحركه العماليه الثوريه العالميه
لم يكن نبيا مبشرا يقدم وعودا بالخلاص ولا فيلسوفا طوباويا يثرثر حول غائيات وقوانين واليات وقوى وهميه متخيله كما يظن او يروج جهلا او خبثا الكثيرون في زمنه والازمان التي تلت حتى اليوم
وانما كان مفكرا مبدعا و عالما عبقريا وفيلسوفا من الطراز النادر
ومناضلا شجاعا صلبا في سبيل تحرر البشريه المستضعفه من الظلم والاستغلال والطغيان والاستكبار
استخدم نعمه العقل والعلم والخيال المبدع و الذكاء والحس الانساني الرفيع في استبصار طريق الخلاص للبشريه في العصر الحديث
التي وجدت نفسها في نير اسوأ نظام عبودي طغياني في التاريخ
مآسيه ومساوئه وويلاته وكوارثه التي ينتجها فوق احتمال البشر
ويكفي ان تلقي نظره سريعه على مآسي القرن التاسع عشر ومأسي القرن العشرين
ومآسي قرننا الحالي لتكتشف كم كان ماركس عظيما صادقا واضحا مبدعا عبقريا
من خلال ما اثبتته الاحداث والوقائع والتطورات من صدق توقعاته العظيمه وطروحاته واستنتاجاته العلميه المدهشه عن ازمه الرأسماليه و تآكلها و الاتجاه العام في طريق التجاوز صوب نظام عقلاني وانساني
ان ما قام به ماركس يشبه تماما ذلك الرجل الواقف عند منعطف الطرق ويرشدك الى الطريق الصحيح
التي تسلكها للوصول الى مدينه الانسان والحريه
بعد ان وقف على تله مجاوره واستبصر الافق البعيد حيث لم يتبين المساللك البعيده فهذا صعب عليه
ولكنه تمكن من رؤيه المدينه العظيمه قابعه هناك عند اخر هذه الطريق التي مبتدأها هاهنا ونهايتها هناك
سيقول قائل ولكن يشبه هذا ما فعله الانبياء والفلاسفه من قبل
نعم هذا صحيح ولكن من دون جغرافيا عرقيه بوصلتها الاطماع الضيقه او يوتوبيا حالمه بوصلتها الهذيان الفارغ في الفضاء و من دون اوهام العقل التي وقع في فخها السابقون
وانما هو تحرر للبشريه الكادحه المنتجه جمعاء التي وطنها هو كوكب الارض
حيث مملكه الانسان والمصير المشترك بلا حواجز او عصبيات او حدود وحيث مملكه العمل المتحرر من الحاجه مملكه العقل والابداع والفرديه المتحرره المتفتحه
حيث التحرر الكائن بقوه العلم واراده النضال
هذا هو ماركس صاحب المعرفه الموسوعيه والقدرات الذهنيه العظيمه والخصائص الطبيعيه الانسانيه المدهشه
ما قام به هواستبصار عظيم تجده في المستقبليات بل هو اول استشراف علمي للمستقبل
والركيزه الاولى لهذا العلم وان شئت يمكنك القول ابداع هو اقرب الى الخيال العلمي
المتوقع جدا حدوثه بل والمؤكد حدوثه في المستقبل القريب
وليس هو من هو اساء الفهم او وقع في فخ التفكير المادي التاريخي المبتذل كما يقول السذج فليس هذا منهجه
ولا هذه هي عقليته بل كان هو ابرز من حذر من هذا الفخ.
وان كان قد وقع في هذا الفخ بعض التلاميذ فهذا شأنهم وليس شأنه
وبخصوص مخططه العلمي قد يسأل الكثيرون

هل اعطاكم الرجل الخبير المجرب خارطه طريق مبسطه عامه
تشير الى الاتجاه ومبتدأ الطريق وبعض العقبات والتضاريس
التي ستلاقونها!؟
نعم ، هذا ما فعله بالضبط .
هو لم يعرف التفاصيل المتعلقه بالمسالك القريبه والبعيده
فهذا لم يكن بوسعه بل هو في وسع مستكشفو المسار
فلوحه المجتمع والكون والانسان وما فيها من تضاريس وظواهر وعلاقات وقوانين
فرعيه وكل خرائطها التفصيليه متروكه للعلماء المختصين في سائر المجالات المعرفيه
وهذا ما هو بوسعهم ان يفعلوه وما هي مهمتهم التي هم منوطون بها وعلى ضوء كشاف العلم والمنهج العلمي في دروب ليليه معتمه.
وماركس فضلا عن ذلك هو القادم من رحم استشعار عذابات الانسانيه الكادحه المستضعفه
وهو المحامي والفيلسوف والصحافي صاحب الكلمه الحره الشريفه ابتداء
وكم هو جميل ان يقول البعض ان المحامين في العصر الحديث اربعه اولهم ماركس
ويقصدون ماركس محامي العمال ولينكولن محامي العبيد وغاندي محامي المنبوذين
لكن ماركس كان اكبر من هذا بكثير لكل ما ذكرناه سابقا
وكم كانت تضحيته كانسان مناضل تعرض لانواع شتى من العسف والحصار والتشويه والازدراء
وقبل ذلك كم كان انسانا نبيلا في شخصيته نزيها متواضعا محبا للناس
وهو لما احدثه من تأثير عظيم امتد عبر اجيال من الزمن

ومن خلال تحول افكاره الى قوه ماديه عظيمه بعد اعتناق الجماهير لها
و عبر ثورات اشتراكيه وثورات تحرر وطني امتدت الى ارجاء شاسعه من المعموره
لكل ما سبق استحق ماركس وبجداره لقب معلم البشريه المعاصره
وسيظل هكذا الى قرون قليله قادمه.
ولقد رأينا كيف انشغل وتمحور اغلب المفكرون والفلاسفه والعلماء العظام من بعده وعلى امتداد قرن ونصف
حول قضاياه التي اثارها ومفاهيمه وتصوراته ونظرياته وفتوحاته العلميه
جميعهم انشغلوا به وداروا من حوله المريدون والخصوم.
فهو العابر للقوميات والثقافات والطبقات و الاجيال والازمنه والجيندر
و هو في ذلك لم يكن وحده وانما معه رفيقه انجلز وتلاميذه الذين تعلموامنه بعد وفاته وابرزهم لينين
لاجل كل هذا نفتخر به و نسترشد بمنهجه ونسير على الطريق التي ارشدنا بالسير عليها
له المجد كل المجد خالدا وحيا في قلوبنا وقلوب وعقول الاجيال القادمه.