وضعت الحرب أوزارها 2_2


عدلي عبد القوي العبسي
الحوار المتمدن - العدد: 7577 - 2023 / 4 / 10 - 23:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الشعب اليمني انتصر في الحرب

هذا الجزء الثاني والاخير من المقالة
رأيت أن اكتبها بصيغة احتفالية انشائية لأن المقام هنا
هو مقام الاحتفال والفرح بالنصر والانجاز الحربي
وليس مقام نقد الأخطاء وذكر الإخفاقات كما كان حال الجزء الاول من المقالة
فهذا الجزء يختص بالنصر العسكري
ولا أتطرق فيه لجوانب التحليل العسكري فذلك ما لا اختصاص لي فيه
ولكن أنا هنا اعبر عن رأيي وانطباعاتي و أقرر واقعة الانتصار الملموس
غير عابئ بالمشككين ولا بالمؤامراتيين ولا بالحاقدين المناطقيين من اتباع الطائفية المضادة
أو من الخاسرين الذين يقفون في الطرف الآخر

نعم
وسط هذا الظلام الحالك

ظلام الفشل في الإدارة والتنمية ومكافحة الفساد وتحقيق السلم الاجتماعي
والغرق في العصبيات بأنواعها
كانت هنالك بقعة ضوء
وينبغي علينا أن نكون منصفين وحياديين وموضوعيين
لنسجل حقيقة المأثرة العظيمة والنجاح الأبرز
والمتمثل في الصمود في وجه الغزو ودحر الغزاة ومنعهم من الاستيلاء على عاصمة البلاد واقليمها الجبلي الكبير الممتد
والتمكن من استعادة أجزاء كبيرة كانت قد تعرضت للاحتلال في البيضاء والحديدة ومأرب والجوف
والاحتفاظ باجزاء واسعة من تعز
نعم حين نتحدث عن الحرب العسكرية نفسها
وفيما يخص انتصار الشعب وقواه العسكرية في جغرافيا الشمال المقاوم
سنقول فعلا لقد انتصر الشعب اليمني في هذه الحرب

وهي حرب وطنية بامتياز
ولا يمكنها أن تكون غير ذلك
انتصر فيها الشعب اليمني على العدوان الإمبريالي الأطلسي الرجعي الخليجي
الذي لا يمكن تسميته وتوصيفه بأوصاف أخرى
ولا يمكن على الاطلاق للطرف الآخر تبرير هذه الحرب العدوانية
وتسميتها بغير اسمها
بل نقولها وبكل ثقة لقد شنت الإمبريالية الأطلسية وحلفائها الرجعيين في المنطقة
حربهم على اليمن
مثلما اعتدوا على العراق وسوريا وليبيا
فما حدث في العراق وسوريا وليبيا من هجوم امبريالي رجعي
حدث مثله في اليمن ولكن بأساليب ووسائل وذرائع أخرى
ولم يكن لدى المعتدين الإمبرياليين وأذنابهم من مبرر ومدخل سوى تلك الشعارات والمبررات التي ساقوها اغتناما منهم لفرصة النزاع الحاصل وتلك الصراعات
الداخلية التي هم أيضا ساهموا بشكل كبير في إثارتها وتغذيتها
وللتذكير كانت الحرب على اليمن فكرة قديمة وهدفا قديماصرح به الديموقراطيون أواخر عهد كلينتون
تبدلت الأحوال والظروف وجاءت الفرص التي مكنتهم من التدخل وشن الحرب بالوكالة هذه المرة
مستخدمة اذنابها الاقليميين والمحليين
بل وتدخلوا هم أيضا مباشرة عبر الدعم اللوجستي الذي قدموه في الحرب وعبر ضخ الأسلحة بأنواعها
وعبر توفير الغطاء السياسي والإعلامي والخدمات الاستخبارية والمشاركة في التخطيط للكثير من المعارك
من خلال غرفة عمليات اقاموها في الجوار
هي حرب امبريالي رجعية بامتياز
حرب الأطماع الاستعمارية الجيوسياسية
حرب الحفاظ على النفوذ وإعادة التمكين والانتشار
هي ليست حربا من أجل استعادة ما اسمي بالشرعية ولا هي من أجل عيون الديموقراطية
أو سواد عيون عبدربه هادي
تماما مثلما كانت حرب طروادة ليست من أجل عيون هيلين
كما كان يظن الاديب طه حسين
بل هي حرب عدوانية ظالمة مدفوعة باطماع استعمارية واضحة بالأرض والثروة الهائلة والميزات الجيوسياسية
يكفي أن تعلم أن ثروات النفط والغاز والمعادن الثمينة وغيرها بالإضافة إلى ميزات الاقتصاد البحري
موانئ وجزر وأسماك
بل والمزايا الجيوسياسية ككل من ثروة وموقع استراتيجي وغيرها
كل هذه كانت السبب في اندلاع الحرب في ظل تسابق القوى الاستعمارية ورغبتها في الاستيلاء على البلد
الذي كان مخططا له أن يكون أهم محطات طريق الحرير الصيني وأبرز دول اوراسيا الكبرى
في الجنوب الغربي من اوراسيا
والجميع يعلم وقائع وحوادث كثيرة وشواهد كلها كانت تشير إلى دوافع الحرب الظالمة
بعيدا عن الأكاذيب الأميركية والخليجية والصهيونية والمزاعم والشعارات المخادعة
بشأن خطر بلدان المشرق الوطنية العظمى على دولة عربية صغيرة (اليمن ) واقعة في فك الأسد الأطلسي
الاستعماري
وهل هناك ماهو اخطر من المستعمرين والصهاينة وأذنابهم الخليجيين
عجبي

نعم واقع الحال وتقارير الخبراء ودراسات الباحثين ومقالات الكتاب في الغرب
واعترافات قيادات العدو بنفسها كلها تقول
لقد انتصر الشعب اليمني في هذه الحرب
انتصرت صنعاء
واندحر أعداؤها
وتمكن الشعب اليمني الصامد والبطل من خلال طلائعه المقاتلة وجنوده البواسل
من إلحاق الهزيمة بجيوش الغزو التي هبت من كل حدب وصوب تروم الاستيلاء
على الأراضي الجبلية المقاومة حيث يتركز معظم سكان اليمن
وحيث يوجد الجزء الحضاري التاريخي الأكبر والجغرافيا الأهم في الذاكرة اليمنية
هناك نجح الشعب اليمني في امتيازه التاريخي
وفي تكرار بطولاته
وكانت بقعة الضوء الوحيدة هي انتصار شعبنا اليمني
في الحرب العسكرية
وتمكنه من دحر الغزاة وعدم تمكينهم من الاستيلاء على
جغرافيا الصمود اليمني
في الإقليم الاكثر ممانعة وصمودا عبر التاريخ اليمني
وهو الذي يشكل قلب اليمن وخزانه الحضاري العميق
وأقصد به الإقليم الجبلي الغربي الممتد من صبر جنوبا إلى صعدة شمالا
وهو الذي شهد تاريخيا ظهور اقوى وأعرق الدول اليمنية
في العصرين القديم والوسيط
وشهد تاريخيا كل الانتصارات ضد الغزاة
حيث تمتع اغلب فترات تاريخه بنعمة الاستقلال الوطني
وهي ميزة تاريخية تتفرد بها اليمن (اليمن الجبلي ) على جميع بلدان العالم بدون استثناء

اليمن استحقت لقب مقبرة الغزاة
وبرهنت في الحرب الأخيرة على صحة هذه المقولة التاريخية

نعم
ها نحن نعلن الانتصار العسكري
بعد أن
فشل الغزاة في إخضاع صنعاء المقاومة
وإخضاع إقليم اليمن الأساس
واكتفوا باجزاء من الساحل والصحراء
ولكن تحت مرمى النار من قبل ابطال الجيش واللجان الشعبية
ووجودهم هذا لاشك مؤقت ومحفوف بالمخاطر
وهو وجود ذليل عاجز وخائف ومتوجس من اقتراب لحظة اندلاع حرب التحرير
على أيدي سكان الجنوب أنفسهم وبدعم من اشقاءهم في الشمال
تماما مثلما حدث في ستينات القرن المنصرم
و هذا لا شك يوم قريب
حتى وإن تأخر سنوات وسنوات
فهو بالمقياس الزمني التاريخي يوم قريب

نعم الغزاة فشلوا على مدار ثمانية عام
خسروا جميع معاركهم الحربية وتمرغت كرامتهم في الوحل
وهم اقروا بذلك واعلنوه مرارا وتكرارا
حتى جاء بيانهم الاخير يحمل مرارة الخيبة والحسرة
حيث أعلنوا أن الحل العسكري مستحيل
وان كسب المعركة أمام رجال اليمن وابطالها
هو ضرب من الوهم

نعم تجرأوا وفشلوا
كحال كل الغزاة في التاريخ
أما لماذا فشلوا
لانهم كانوا يقاتلون تحت راية الظلم والعدوان
لانهم غزاة ومرتزقة وقضيتهم غير عادلة
ولان الفلاح اليمني لا يقبل ابدا منطق الدخلاء
وساكنوا صنعاء المدينة يختزنون في ذاكرتهم ونفوسهم
حكمة وكرامة الفلاح اليمني الاصيل
الذي لا يقبل ابدا التفريط في الأرض
وسكان صنعاء من هم في أصولهم غير أبناء ذلك الريف اليماني الشامخ
وعندما أقول الغزاة فإنني اقصد
الدخلاء الذين يغزون الأرض اليمنية لاستباحتها
أما صراع اليمنيين مع بعضهم واختلافهم في السياسة والعقيدة والفكر
والثقافة الفرعية والتقاليد المحلية
وان تقاتلوا طمعا على صنعاء ورغبة في حكمها
فهم يمانيون إخوة اولا واخيرا
لكن اولئك الغزاة الأجانب الدخلاء باي حق وبأي منطق
يتدخلون ويهجمون ويحلون كضيوف غاصبين غير مرحب بهم

صنعاء وما حولها عصية
لا يليق بها إلا الاستقلال والكرامة الوطنية
والسيادة و امتلاك قرارها

كمركز تاريخي حضاري سياسي لكل بلاد اليمن

وصنعاء والأراضي الجبلية المحيطة بها من صعدة إلى صبر
قد خبرت تاريخيا محاولات كثيرة للغزو
من رومان و احباش و اتراك وغيرهم
وهؤلاء نجحوا في اقتطاع الساحل واجزاء من الأراضي السفلية
ساعدهم في ذلك عوامل عديدة جغرافية واجتماعية وثقافية
لكنهم لم ينجحوا في إخضاع صنعاء وأغلب المناطق الجبلية
الممتدة المحيطة بها
باستثناء فترات تاريخية قصيرة للحكم مصحوبة بتمردات عديدة
لم يهنأ فيها الغزاة
الذين ابتلعتهم صنعاء ولم يستطيعوا ابتلاعها
!!
نعم
الغزاة مهما كان لونهم وثقافتهم وفكرهم وهدفهم
ممنوع عليهم اقتحام اسوار صنعاء !
حتى اولئك الذين جاءوا متدثرين بشعارات ثورية قومجية
في الستينات
لم تقبلهم صنعاء !!
بسبب رعونتهم وغطرستهم
ولكونهم أيضا دخلاء من خارج الثقافة والقيم
ولكونهم في الأصل تلاميذ وليسوا أساتذة
!! في مدرسة الحضارة

وهذا أمر متوقع قبلا !
أن يفشل المتدخلون الغزاة
الذين يأتون خلسة وغدرا
يتدخلون بشكل فج واحمق
يأتون إلى أرض هي ليست لهم !


يأتون طامعين لا حق معهم ولا قضية عادلة تحركهم
يأتون راكبين أحصنة الغرور والصلف ووهم القوة
حتى يتعلمون الدرس المرير أن
صنعاء هي صنعاء ولا تقبل أن يعلمها أحد درسا في الحضارة
لا من جيرانها البدو ولا من صعايدة مصر أو قراصنة الافرنج
لم تقبل صنعاء حكم الاتراك لأنهم برابرة
قبائل بدوية محاربة لا حظ لهم في الحضارة
الاتراك وهم مسلمين فكيف ستقبل غزو الافرنج وأذنابهم من برابرة الصحراء العربان
هم حقا بدو وبرابرة
أما صنعاء وقبائلها فهي أراض حضارية صناعية زراعية
لآلاف السنين
وتاريخ طويل من الابداع الثقافي والفكري والفني والمعماري
صنعاء تقبلت بسهولة دخول الأديان السماوية
والدعاة والمصلحين والائمة
لكنها لفظت و اقصت بعنف كل همجي غازي جاء طامعا في الثروة والحكم

قمة السخف يا صاح
هو ماظننته ذات فجر ملعون
أن بالإمكان إلحاق الهزيمة بصنعاء
وتركيعها وتدنيسهاووطء أرضها

ولو سألت إنسانا عاديا في صنعاء في منتصف ال 2015
هل سيدخل الغزاة إلى صنعاء
لاجابك بكل ثقة
هذا من رابع المستحيلات
التاريخ يعلمنا ذلك
أجل ولم يحدث قط أن نجح اي مشروع اجنبي لإخضاع
واحتلال الأرض الجبلية الممتدة
حيث تقاتل الجغرافيا والعقيدة والقبيلة والثقافة
وقبل ذلك يقاتل التاريخ

الصعود إلى صنعاء من أجل إخضاعها غير ممكن
وصنعاء مكتفية لا تحتاج إلى دخلاء ليعلموها
كيف تحكم وتسوس أمورها وتدير شئونها
وعفوا
حتى حداثة الإمبرياليين الانجلوساكسون وأذنابهم من عربان الخليج
لا تصلح لصنعاء وريفها الجبلي الشاسع الممتد شمالا وجنوبا
صنعاء لها ابجديتها الحضارية العريقة المختلفة
وهي ستشق لنفسها حداثة مغايرة
لا تخلو من أصالة وحكمة صنعاء
في توليفة جيدة من الإصالة والمعاصرة

صنعاء مكتفية بانسانها المتحضر
وليست كما يظنها الجهلة
انطلاقا من أحكام ساذجة على قشور ومظاهر لا تعكس
جوهر صنعاء
صنعاء حضارة عريقة ضاربة في القدم
وانسان صنعاء
انسان ابي شامخ لا حدود لكبريائه
ولا نظير له في الاعتزاز والفخر والعشق لوطنه .