فتاح الخطأ وبريطانيا الصواب


عدلي عبد القوي العبسي
الحوار المتمدن - العدد: 7135 - 2022 / 1 / 13 - 23:24
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

اليوم يصادف ذكرى استشهاد المناضل الثوري التقدمي الكبير القائد المؤسس عبد الفتاح اسماعيل
الشهيد في الاحداث المشئومه ١٩٨٦ (احداث ١٣ يناير ) في مدينه عدن والتي راح ضحيتها ابرز قاده الحزب الاشتراكي اليمني
والذي كان هو الحزب الحاكم في الدوله الثوريه الماركسيه الوحيده في العالم العربي ماسمي ب دوله جمهوريه اليمن الديموقراطيه الشعبيه
وعبد الفتاح اسماعيل لمن لا يعرف هو ابرز قاده ثوره ١٤ اكتوبر التحرريه وهو قائد الجبهه الفدائيه في عدن ضد الاحتلال البريطاني البغيض
بل هو منظر هذه الثوره اليمنيه الاكتوبريه المجيده ١٩٦٣ ثوره التحرر الوطني في جنوب اليمن ضد الاحتلال البريطاني الذي دام اكثر من مائه وثلاثين عام
و فتاح ماركسي لينيني ينحدر من اصول حركيه وكان عضوا فاعلا في حركه القوميين العرب التي تحولت فيما بعد الى الجبهه القوميه مطلع الستينيات ( حزب الثوره الاكتوبريه ) بعد ان غادرت مواقع النهج الفكري الفاشي باتجاه الناصريه منتصف الستينيات ثم الى الماركسيه اللينينيه اواخر الستينيات
و فتاح هو مؤسس الحزب الاشتراكي اليمني الذي جاء نتاج عمليه حواريه طويله امتدت طوال سنوات السبعينيات بين التنظيمات الثوريه الثلاث : الجبهه القوميه لتحرير الجنوب التي قادت الكفاح المسلح في الجنوب ضد المستعمر (حركه قوميين عرب تحولت الى الماركسيه اللينينيه ) و الطليعه الشعبيه (بعثيون تحولوا الى الماركسيه اللينينيه ) واتحاد الشعب الديموقراطي (ماركسيه لينينيه اسسه مطلع الستينيات الاستاذ والمناضل الكبير عبد الله باذيب الذي هو بمثابه الاب الروحي للثوره اليمنيه والوحده اليمنيه وهو معلم فتاح واكبر المؤثرين فيه )
و عبد الفتاح اسماعيل هو ابرز المناضلين والسياسيين اليمنيي الداعين والعاملين من اجل تحقيق الوحده اليمنيه وكان يراها وحده تقوم على اسس ديموقراطيه شعبيه ثوريه
وحده تلعب الجماهير الشعبيه الكادحه عبر طليعتها الثوريه الدور الابرز في صناعتها وبناء دولتها الثوريه المنشوده
لعب فتاح دورا كبيرا في تحقيق التقارب بين ابناء الشمال والجنوب خاصه المناضلين والمثقفين وعموم الكادحين
وكسب بفضل نضالاته وتضحياته وافكاره المبدئيه النيره قلوب وعقول المستنيرين والبسطاء من ابناء الشعب اليمني واصبح هو القائد السياسي اليمني الاكثر شعبيه في تاريخ اليمن المعاصر
وضع امام الاجيال الثوريه دليلا مرشدا للعمل الثوري لانجاز المهام الوطنيه الديموقراطيه الخمس مستلهما بذلك
فكر لينين العظيم
فتاح فضح وكشف مساوىء وزيف العهد الاستعماري وبين استنفاده تاريخيا وعدم جدوى بقاء الاستعمار الذي اثبت تعطيله للمسار التنموي الحقيقي لليمن الذي كان ينبغي احتذاؤه في عصر الجماهير الثوريه وعصر نهوض الشرق العظيم
كان بحسه الثوري منذ بواكير ايام شبابه يستشرف قرب اوان نهايه النفوذ الغربي الاستعماري ويتصرف على هدي من ثقه ابناء ذاك الزمان بحتميه انتصار المد الثوري الاشتراكي في نهايه المطاف مهما كانت الصعوبات والعقبات
وهو صاحب المقوله الشعريه المغناة ( ياقافله عاد المراحل طوال وعاد وجه الليل عابس )
عبد الفتاح كان شاعرا موهوبا رثاه صديقه الشاعر العربي الكبير ايمن ابو الشعر في قصيده مشهوره
ورثاه ابو الشعراء الكلاسيكيين العرب عبد الله البردوني الذي قال عنه انه يسبق زمنه بخمسين عاما اي بحساب زمني بسيط
الاستاذ الراحل البردوني هنا يتنبأ بأن فتاح سيعود في منتصف الثلاثينيات بثوب جديد بمعنى ان التجربه الاجتماعيه الثوريه ستنشأ مجددا من دون اخطاء ومن دون اي شوائب تظهر ك صبيانيات يساريه بلهاء او تجنحات يمينيه عمياء

قال البردوني في وصف ( مصطفى) يقصد فتاح
مصطفى يا كتابا من كل قلب تألف ويا زمانا سيأتي يمحو الزمان المزيف
فعنده ان كل زمان خلا فتاح هو زمان مزيف
وقوله غايه في الصدق والحكمه

وفي قصيده اخرى يقول ويتساءل
لماذا الذي كان مازال يأتي لأن الذي ( سوف يأتي ) ذهب
لاحظ هنا تعاقب الانظمه وركز معي عند عباره ( سوف يأتي )
وما افهمه انا هنا هو اننا بصدد المراحل الزمنيه التاليه : الذي كان عهدا بائدا ثم الذي اتى بعده ويشبهه كتسويه مرحليه انتقاليه ثم الذي جاء نقيضا ثوريا اتى وذهب بفعل ثوره مضاده ثم الذي مازال يأتي ويعود بفعل الثوره المضاده ويجدد نفسه ثم الذي ذهب وسيعود ثانيه بقوله سوف يأتي كحتميه تاريخيه
هكذا فهمت هذا البيت بينما فهمه غيري فهما اخر بسيطا لا يحتمل برأيهم كل هذا التعقيد والتتابع المتعدد
وقد اكون على خطأ والمعنى في بطن الشاعر

نعود ونقول
فتاح كان على حق في معظم طروحاته وتصوراته على الاقل في الخطوط العريضه لما يجب ان يكون عليه المسار الثوري واتجاهه في بلد متأخر اجتماعيا متحرر يعاني من مشاكل وموروثات جمه
قد يكون فتاح كما يقال ساهم فعلا في الاخطاء السياسيه والانحرافات اليساريه واليمينيه في تجربه الحزب والدوله
لكن مخاوفه كانت حقيقيه وبرهن عليها الزمن
وايا يكن الحال فدوره الكبير النضالي والتنويري وتضحيته العظيمه وفكره المتقد تجعل منه مصباحا للهدى في ليل التخبط والضياع ضياع البوصله
والبوصله تعطلت فعلا عند من ابتعد عن نهج فتاح بالرغم من المحاولات التصويبيه والمراجعه للاخطاء التي حدثت في زمن المراجعه وما بعده

و من حسن حظ فتاح انه رحل مبكرا قبل ان يرى ذل وانكسار المتخاذلين من قياده وقواعد حزبيه غفيره العدد ومن حسن حظه انه مضى قبل فقدان الحزب للبوصله وفقدان هويته الاجتماعيه الطبقيه والعلميه الفكريه والنضاليه الثوريه
وقبل اضمحلال الحزب ودخوله الان غرفه الانعاش مع تفجر الحرب العدوانيه الامبرياليه الرجعيه على الوطن عام ٢٠١٥
نعم هذه هي الحقيقه المؤسفه ضاع الحزب وضاع معه الوطن اليمني بكله
ولا رجعه لليمن الا برجعه الحزب

وفي اليوم التالي لرحيل فتاح بدأ المسار الطويل البطئ لعوده بريطانيا التي طردها فتاح
وحرر ارض اليمن من رجسها ونجاستها
الذين تآمروا وقتلوا فتاح في الداخل والخارج كانوا هم قناطر العوده
وعوده بريطانيا تحدث الان بشكل تدريجي مخيف بمساعده من بناتها (اميركا والسعوديه والامارات واسرائيل ) هي الخطأ الفرانكنشتايني الاكبر في التاريخ المعاصر
ثمه وطنيون حقا سياسيون ومثقفون وجنود سيجابهون هذه العوده وسيدفعون حياتهم كثمن من اجل منع عودتها
والشعب اليمني هو المنتصر حتما في نهايه المطاف حتى لو تحققت هذه العوده البغيضه
باشكال ناعمه خبيثه وبثوب شيطاني لعين

كان فتاح كلامه اصوب بكثير من كلام بريطانيا
وكان لسان حال المبرطنين الموهومين انذاك من عباد بريطانيا وخدمها يتغنى في كل مناسبه او حدث بعباره (كلام يا بريطانيا )
وبريطانيا هذه الكارثه التي جاءت الينا من ماوراء البحار في ازمنه الغفله تحاول العوده في زمن ثوره المعرفه وزمن عوده المد الثوري وعوده نهوض الشرق
ثمه سباق ماراثوني ضخم بين الصين وبريطانيا حول من يأتي الينا اولا
يأتي صديقا امميا ثوريا مساعدا للتنميه كالصين واوراسيا
او يأتي غازيا نهابا مخربا مفرقا مفتتا لوحده البلاد ونسيجها الاجتماعي كبريطانيا وبناتها

وبريطانيا هي ابنه سفاح الرأسمال والاستعمار
وهي معقل الماسونيه وحصنها الحصين
مغروسه هي في ثقافه العديد من الشرائح والفئات الاجتماعيه على مر اجيالها المتعاقبه وحاضره في الاذهان بوعي اولا وعي لديها كمثال يحتذى و نموذج تسعى الى استعادته وتحلم
به صبح مساء
هي مسيحهم الجديد الذي يتكلم الانكليزيه (حسب مقاله الاستاذ المناضل باذيب الشهيره التي اودت به الى السجن )
ستعود ثانيه بهم وبصنع ايديهم وحالهم دائما هو الركض خلف ثوبها الملكي الطويل كاطفال يتامى يتوسلون
عودتها ورعايتها لهم ويحلمون برجعه ثانيه لها كي تخلصهم من البرابره قبائل الشمال
ستعود على اكتافهم هؤلاء الحمقى
احفاد السلاطين والمشائخ والعائلات المعدنيه (العدنيه ) بقايا الاقطاع والبورجواز
والداعمون من ارض المهجر
عندهم لا بأس من عودتها فهذا زمن الاعتذار وزمن الخجل من افعال الثوار القومجيين الشيوعيين الاغبياء
هي بريطانيا هي الاساس وهي بدايه التحضر وهي المدينه فكيف نجازيها بالجحود والنكران
وهي الفرصه والقنطره الوحيده الموصله بالعصر والحضاره وهي النعمه العظيمه فكيف نبطر بها ؟!