الناس ام الشعب


عدلي عبد القوي العبسي
الحوار المتمدن - العدد: 7129 - 2022 / 1 / 7 - 12:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في تفضيل استخدام كلمه (ناس ) بدلا من كلمه (شعب )
لدى بعض الكتاب و المفكرين اليساريين دلاله على ذلك التحول الفكري باتجاه
استدماج بعض من طروحات فكريه ليبراليه حديثه بخصوص مفهوم الشعب
باعتباره مفهوما قديما يتم تجاوزه حاليا بمصطلحات افضل كالجمهور او الناس
فمصطلح الشعب يحيل على علاقه الاستبداد بالكتله الغفل او القطيع (في الممارسه الفعليه )
في انظمه ومجتمعات الاستبداد الاسيوي او انظمه ومجتمعات الاستبداد الشمولي الحديث التي مثلت بهذه الدرجه او تلك استمرارا لبقايا موروث الاستبداد ونزعاته المقيته
وقد اصبحت كلمه شعب كلمه مقيته لدى عشاق ( النخبويه البورجوازيه ) مثلما هم يمقتون ايضا معظم طروحات وافكار كل السياسيين الشعبويين الديماغوجيين بمختلف تلاوينهم ومواقعهم في الطيف السياسي من يسار او يمين
حيث تستخدم كثيرا كلمه (شعب ) ويتوجه الخطاب الديماغوجي الى ( الشعب ) بما هو (توهما ) كتله متجانسه في الخصائص
الاجتماعيه والانثروبولوجيه مع تهميش واضح للتباينات الموجوده او تغافل لحقائق صارخه تتحدث عن وجود التنوع الثقافي والاثني و الايديولوجي و الطبقي
و تعاظم ظاهره صعود التجمعات الجماهيريه المتنوعه النشطه العابره لحدود الايديولوجيا والطبقه والقوميه والعرق و الدين والديموغرافيا و الجغرافيا

هي ظاهره (صعود الجمهور ) بتعبير المفكر اليساري انطونيو نيغري في كتابه الشهير الذي الفه اواخر التسعينيات

وقد لعبت ثوره المعلومات والاتصالات دورا كبيرا مؤثرا في نشوء هذه الظاهره حيث اصبح الفضاء الافتراضي ومنصاته منطلقا لتجمعات جماهيريه نشطه على الارض و مركزا لتنسيق وتنظيم نشاط جمهور شديد التنوع ومن خلفيات مختلفه يلتقون في ساحتين الاولى افتراضيه كوكبيه
والثانيه على ارض الواقع في مدينه ما او بلده في بلد ما ويحملون افكارا ومطالب اجتماعيه يساريه ديموقراطيه في الغالب

هنا يتلاشى حضور الشعب بما هو كتله بشريه متجانسه الخصائص القوميه والاثنيه والثقافيه
يجمعها فكر واحد وتنظيم واحد وتقاليد ثقافيه وسياسيه واحده وهي (على قلب رجل واحد ) كما يقال في لغتنا العربيه الفصحى

اذا مفهوم الشعب وتوجيه النداء الى الشعب كان مفهوما وتقليدا سائدا ابان الثورات العلميه التقنيه السابقه وفي المرحله السابقه من الحداثه
حيث كانت تسود ظواهر الخطاب القومي البورجوازي والتصنيع و سياده الدوله وسلطه الشعب
وتعاظم استخدام هذا المفهوم لدى الدول الشموليه الفاشيه والقوميه و الستالينيه
ولدى دول التحرر الوطني في ما سمي بالعالم الثالث

وقل كثيرا استخدامه في الوقت الحالي باستثناء ما نشاهده من الانبعاثات الراهنه ل تيارات اليمين الشعبوي المتطرف كنتيجه لاخفاق النظام الراسمالي العولمي وكوارثه المجتمعيه المفرزه

يحبذ هؤلاء الساسه الشعبويون استخدام كلمه ( شعب ) كوسيله سحريه لاستقطاب الجماهير ودغدغه مشاعرها القوميه والشوفينيه
وفي الغالب هم يتجهون لكتله بشريه متباينه و يوهمون بالخداع والتحايل ان ثمه تجانس وتشابه
على سبيل المثال استخدام مصطلح امه بنفس المدلول كما يفعل السيد ترامب بخطابه الى ما اسماه بامة MAGA
مثل هذا الخطاب الذي يتجاهل حقائق ومتغيرات العصر والتحولات الاجتماعيه الناشئه بفعل تاثير الثورات العلميه التقنيه
يسبب ضرارا كبيرا على التماسك الاجتماعي ويولد الانقسام ويفاقم النزاع داخل المجتمع الديموقراطي الاميركي المتنوع بوصفه مجتمع مهاجرين يتسم بالتنوع
ويعرض المكتسبات الديموقراطيه للخطر

ولكن ماذا عن استخدام كلمه (شعب ) لدينا
وماذا في ظروف بلداننا المتأخره اجتماعيا الفقيره

اقول فيما يخصنا نحن وبما اعتدنا عليه من تصور موروث لمفهوم الشعب باعتباره كتله اجتماعيه بشريه في بقعه جغرافيه ما ، شبه متجانسه في الخصائص الاجتماعيه الطبقيه والانثروبولوجيه الثقافيه
عاده ماكنا نشير به الى مجموع طبقات الشعب الكادح والقوى المنتجه الكادحه من العمال والفلاحين وشرائح من الطبقه الوسطى تمثل اغلبيه سكانيه في بلد ما
ولكون ان مجتمعاتنا وبلداننا لا زالت متأخره ولم تستكمل انجاز المهمات الوطنيه الديموقراطيه ولم تلتحق بركب الحداثه الا قليلا
وايضا لكون خصائص التشابه اكبر بكثير من خصائص التباين
فلا حرج عندنا كيساريين ولا ضيق
ولا مانع من استخدام كلمه (شعب ) في حياتنا السياسيه والثقافيه على ان ننزع عن هذا المفهوم اي متعلقات او موحيات او مضامين رجعيه شعبويه قوميه فاشيه او شبه فاشيه .