الفاشية الاميركية


عدلي عبد القوي العبسي
الحوار المتمدن - العدد: 7949 - 2024 / 4 / 16 - 15:50
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

وضعت الحرب العظمى الثانية اوزارها في منتصف الاربعينات ، وانتهى بعد سكوت المدافع واحصاء الخسائر الفادحة للدول المتحاربة الكبرى وانهياراقتصادها وانحسار نفوذها ، عالم ونظام باكمله ، عالم بات قديما بعد ان استمر قرونا من الزمن، كانت تهيمن فيه قوى الاستعمار التقليدي (بريطانيا وفرنسا ) على الكثير من مصائر دول وشعوب العالم ، ليبدأ بعد هذه اللحظة التاريخية الانعطافية الاتفاق على ترتيبات النظام الدولي الجديد ، الذي صعدت فيه قوى جديدة على خشبة المسرح السياسي الدولي ، هما :اميركا والاتحاد السوفييتي .
وهما الدولتان الرئيسيتان في الحرب العالمية الثانية ، اللتان اخذتا على عاتقهما القضاء على شر النازية المستطير ، الذي هدد باستعباد بعض شعوب العالم واذلالها وتطهير بعضها عرقيا واستتباع اخرى واستخدامها .
كان من الواضح لدى اغلب المثقفين والنخب السياسية والفكرية من شتى المشارب الفكرية والسياسية ،باستثناء (الاخوان المسلمين وبعض البعثيين الفاشيست المبتدئين آنذاك ) في معظم مجتمعاتنا العربية ومجتمعات الجنوب العالمي والشمال ايضا أن النازية خطرها اكبر على البشرية ، وجنونها اعظم وشرها اكثر فتكا ودموية !.
يعلمنا الفكر العلمي الثوري ، أن الحرب العالمية الثانية ، هذا الحدث التاريخي الاسود الرهيب ، كان تعبيرا تاريخيا مكثفا وصادما عن لحظة الجنون الامبريالي ، وانفلات الامبريالية من عقالها وتطاحنها وصراعها الدامي العالمي العنيف مع بعضها البعض (صراع الضواري الامبرياليات ) وأن الامبريالية الالمانية لم تكن سوى اكثرها جنونا وانحطاطا ولاعقلانية !!
وفي خلفية هذا الانفجار عند قراءتنا لجذوره ومسبباته المختلفة، نجد صراعا طويلا استمر لعقود من الزمن ،وابتدأ بشكله الحاد في العهد البسماركي ، منذ مطلع ليل الامبريالية في ثمانينات القرن التاسع عشر ،وقد ظل يتصاعد ويتفاقم حتى انفلتت الارادات الغاضبة للبورجوازيات العتيقة والناشئة ، وتصادمت بشكل عنيف في الحرب العالمية الاولى ،وليتم بعد ذلك ترحيل المشكلات وتوارث الحقد والرغبة في الثأروتزايد الاحتقان السياسي والاجتماعي وتعاظم الاطماع في الثروة والموارد و تزايد الاطماع في الهيمنة واوهام التوسع بلاحدود !! مع تزايد القدرات التكنولوجية الحربية وقبل كل هذا استفحال الازمة الاقتصادية للدول الامبريالية وتنامي الرغبة الشديدة في الخروج منها بشتى السبل الغير مشروعة طبعا !.
لم يكن هناك ، بل ومن المستحيل آنئذ أن يكون هناك اي توافق على صفقات تسوية وصيغ كوكبية ونظام عالمي توافقي ، يحفظ هذه المصالح البورجوازية الدولية المتضاربة الغير مشروعة طبعا ، ويرتب المجال الكوكبي من اجل اقتسام ثروات الشعوب والاسواق ومناطق النفوذ العالمي ، ليحدث انفجار اخر عظيم للازمة ،اي بعد عقود قليلة من الانفجار الاول( قيام الحرب العالمية الثانية )، والذي مثل لحظة بلوغ الذروة في مستوى فشل النظام الراسمالي الامبريالي ولاعقلانيته ووحشيته ، وذروة السقوط الاخلاقي والفشل الحضاري للغرب الاستعماري الامبريالي المعاصر وانكشاف كذبة عقلانية وانسانية الراسمالية في زمنها الامبريالي .
هذا الجنون العالمي الغير مسبوق ،و المدفوع بالاطماع المادية الاستعمارية ،هو افراز طبيعي لمأزق النظام الراسمالي الامبريالي المتوحش، و تأكيد واضح لصحة التوقعات العلمية الماركسية اللينينية العظيمة ،عن وحشية وبربرية النظام الراسمالي الامبريالي وحتمية الصدام وعن المصير الاسود المرتقب للامبرياليات المتنافسة والمتصارعة لحظة الذروة في صعود الازمة الراسمالية الامبريالية ،وهو هنا مصير الاقتتال الدامي العنيف، المدجج بتكنولوجيا الدمار الواسع ،وهوالصراع الذي ارتكبت فيه مذابح جماعية مهولة !!!قضى فيها العشرات من الملايين ،لكثير منهم اوروبيين ،من اصحاب العرق الواحد !!!.
بعد انتهاء حفلة الدم العالمي !،التي اقامها ابناء الحضارة والمدنية (الامبريالية ) !! ،والتي لا مثيل تاريخي لها في الدموية والبربرية والجنون حتى في العصر المغولي !!،
سرعان ما انتهى ايضا عهد التحالف الهش المؤقت الاميركي (الديموقراطي الروزفلتي ) السوفييتي ضد النازية الهتلرية ،ليبدأ عهد الحرب الباردة ،وليكتشف العالم اجمع ان الحليفين السابقين المؤقتين (تحالف المصلحة والبراجماتية والضرورة المؤسسة على ضرورة دحر العدوالنازي المشترك المرعب و المدمر ) بينهما الكثير والكثير من موجبات العداوة ومسببات الصراع السياسي الحاد ، وان هناك فاشية كامنة مختبئة في قلب المؤسسات العسكرية والامنية والسياسية للدولة الاميركية الامبريالية ، وهي الفاشية التي كشرت عن انيابها واظهرت نفسها بوضوح مع قصف مدينتين يابانيتين بالقنابل النووية ،
ولم لا والنظامين السياسيين والدولتين العظميين ومصالحهما وتوجهاتهما هما من حيث الاساس الاجتماعي الطبقي والثقافي والفكري والاخلاقي على طرفي نقيض، والتناقض بينهما هو تناقض تناحري رئيسي ، وشتان ما بين دولة وطنية ثورية انسانية اممية تحررية حتى لو كان الحكام فيها مثقفون ثوريون بيروقراطيون لكنها في العموم تخدم مصالح البروليتاريا والفئات الكادحة وتحرر الشعوب ولا اطماع استعمارية لها ، نقول شتان ما بينها وبين دولة اخرى معادية لها دولة عظمى اخرى تقع في النصف الثاني الغربي من العالم ، دولة امبراطورية بورجوازية فاشية تخدم مصالح الطبقة الفاسدة الثرية المترفة طبقة اللصوص، وهي الطبقة البورجوازية ذات الاطماع التوسعية الامبريالية والتي يتموضع في القلب منها فئات اجتماعية اوليغارشية، من الاثرياء اللصوص الفاسدين المستغلين مصاصي دماء الشعب و المتحكمين واسعي النفوذ داخل مفاصل الدولة ومؤسساتها المختلفة اغلبهم ذوي خلفية ايديولوجية رجعية لها ملامح فاشية او فاشيات مغلفة من نوع اخر ،
هذه الدولة الامبراطورية العظمى الاستعمارية ، هي دولة فاشية من نمط ما ، وملامح فاشيتها تجدها في افكار وتوجهات وسياسات ذلك الخليط الفكري الثقافي العقائدي السياسي ، من الصهيونية المسيحية الافنجيلية في التجمعات والمؤسسات الاجتماعية والسياسية المحافظة الدينية والجمهورية وتجدها في قطعان المحافظين الجدد في مؤسسات الدولة وفي المجتمع المدني والذين ينبثون في صفوف اجنحة وتيارات داخل الحزبين الجمهوري والديموقراطي وتجدها في الماسونية ايضا ، تحديدا في تجمعات اثريائها المليارديرات ابرزهم روتشيلد وسوروس وروكفلر واخرين كثر، من ذوي النفوذ والتحكم الكبيرالعالمي في الاقتصاد والاعلام والسياسة والمهووسين بفكرة الحكومة العالمية الامبريالية والذين يتخفون خلف الشعارات البراقة للتنويرالليبرالي والتنوير اليهودي الاصلاحي ويستبطنون عن قصد عند البعض او حتى لاشعوريا عند البعض الاخر تصورات ومفاهيم وافكار واهداف ضرورة هيمنة العنصر اليهودي على العالم وتفوق اليهودي على الاغيار بحسب النصوص الدينية اليهودية التحريفية وهؤلاء في كثير من سياساتهم وانشطتهم الخفية والمعلنة يقدمون شتى انواع الدعم لكل البرامج الفاشية المطروحة في المشهد السياسي الاميركي والعالمي ويدعمون توجهات وسياسات الحركة الصهيونية وكيانها الاغتصابي المحتل وتجد الفاشية ايضا في جماعات المحافظين المسيحيين واليهود العنصريين من دعاة العرقية البيضاء المغلفة باوهام الاصطفاء الالهي والتفوق والنقاء البيولوجي و التي تمثل الترامبية احدى تنويعاتها الاخيرة والمحدثة )
كل هذه انماط من التنظيم والفكر والثقافة والسلوك ، تندرج ضمن طيف الفاشية واشباهها بالمفهوم الواسع لها ،لا بالمعنى الاصطلاحي العلمي الدقيق !
وهكذا بعد تعاظم اتساع نفوذها وانتشارها الجغرافي والاجتماعي والمؤسسي في اميركا طيلة السنوات السبعين لصعودها الكارثي الى ساحات المشهد الدولي والمسرح التاريخي المعاصر تجدها تشكل بشكل تضافري روافد الارهاب الفاشي الاميركي الذي يعد كما هو واضح استمرارية تاريخية الى حد ما للفاشية الالمانية (ومن اللافت وجود تلك الارومة الانثروبولوجية والعرقية والثقافية المشتركة والفكرية والقيمية لهما تعود الى البربرية الجرمانية القديمة والقروسطية بشكل اوضح .
ومن ابرز تلك التوجهات والسياسات والقيم الفاشية التي كان ولا يزال نهج ممارستها قائما ، على شعوب الجنوب العالمي : العسكرة والتوسعية و العنصرية و مزاعم التفوق والاصطفاء الديني والعرقي وانماط من التفكير التاريخي الدارويني الاجتماعي وسياسات الاستتباع ونشر المغالطات التاريخية وانماط من التفكير الاورومركزي وازدراء التخلف و ثقافة الكراهية و صناعة الحروب وافتعالها وخلق التبريرات الكاذبة الدينية والقومية والانسانية المزعومة لها
بالاضافة الى ممارسات القمع الديكتاتوري وارهاب الدولة على الشعوب وعلى الحلفاء وعلى شعبها وبوليسيتها في معظم الاوقات والازمنة وتجدها صريحة ايضا في المكارثية التي تتجدد على الدوام وتمارس على المعارضين والخصوم والناصحين في الداخل الاميركي وفي ارجاء العالم كله من اتباع الفكر العلمي الثوري وتجدها في طيف واسع من انواع الارهاب والقمع الفكري الناعم والخشن وفي استراتيجيات التلاعب والتأثير والتوجيه في عقول البسطاء وفي صناعة الرأي العام وتشكيله بحسب مصالح واكاذيب النظام ومصالح الدولة الامبريالية وفي اشكال من تمجيد الزعامة سواء تجاه الفرد او الجماعة في اغلب اوقات التاريخ الاميركي الفاشي ابتداء من مونرو الى ترومان الى نيكسون وكيسنجر الى ريجان وبوش ومعهما جماعة المحافظين الجدد وصولا الى ترامب لاحظوا مثلا عبارات وكلمات كثيرة في الخطاب الاميركي الرسمي والشعبي عن اميركا المباركة والاباء الاوائل وارض الاحلام والرسالة الاميركية والتحضر الاميركي ونهاية التاريخ وقيادة العالم الحر والعولمة وو في مقابل دونية الشعوب والاعراق البربرية الاخرى وتلمس وجودها في حشد هائل من الثيمات الفكرية والتصورات الفلسفية الاستعلائية المنبثة في الالاف من الاعمال السينمائية الاميركية وفي الصور النمطية التي يراد التكريس لها في اذهان المتلقين عن ثنائية الخير الاميركي وشر الاغيار!!!
هو لاشك خطاب فاشي بامتياز يقبع في قلب الهوس الامبراطوري و يجد جذورا له في قصص الغزوات التوراتية البربرية ليوشع بن نون وفي اسفار التوراة المحرفة!!.
والتي تقوم على فكرة انكم الشعب المختار والرب يريد لكم الاستحواذ وتملك الارض وتطهيرها من الاميين الاغيار الاشرار من اتباع الهلاك والشيطان اصحاب النفوس النجسة ،، الخ من تلك السخافات التي لا يقبلها عقل او منطق ويرفضها الضمير الانساني وتأنف منها الفطرة الانسانية السوية .
هي فاشية وخطاب كراهية عدواني يتغذى من الهرمدة وقصص النهاية الاسطورية ومن تطهرية بلهاء لاناس بعيدين تماما عن الطهارة الدينية والانسانية وافعالهم وقصص واساليب حياتهم وتاريخهم يؤكد بعدهم عنها الا من رحم ربي من القلة القليلة المستضعفة منهم !
هي فاشية العصرالراهن ، التي تؤكدها تلك التوجهات العدوانية العالمية والهجمات البربرية الامبريالية على الشعوب و التي لم تتوقف حتى الآن ، طمعا في الثروة والنفوذ ورغبة في التحكم والهيمنة والاستعباد (يؤكد ذلك هوس تطويق العالم بكم هائل من القواعد العسكرية والاقمار الصناعية والمراكز التجسسية و الشبكة المعلوماتية والقنوات الاعلامية ومراكز الابحاث والثقافة المعادية والموجهة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب !!.
و في العمق والقلب من كل هذه المؤسسات والمنظومات ، تجد جوهرا ثقافيا وفكريا اسودا مظلما شيطانيا في الافكار والتصورات والقيم هي ثقافة الكراهية وثقافة الاستغلال وثقافة تمجيد القوة وعبادة المال التي يتوارثونها جيلا بعد جيل .
نحن اذن بصدد ،فاشية امبريالية تنتج سلسلة لا تنتهي من الحروب الاستعمارية الدموية على كل شعب مقاوم شريف مستضعف ، والتي كان يتم دائما تبريرها بالعناوين الدينية الواهمة الكاذبة اوالانسانية والحضارية البراقة .
وهي حروب شاهدنا وسمعنا عن فضائعها ومذابحها وعبثيتها كما في كوريا وفييتنام وافغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن وفلسطين وو
مسلسل من حفلات الدم التي لن تنتهي تاريخيا ،الا بزوال النظام الراسمالي الامبريالي العالمي.
وفي ختام مقالة الرأي هذه، اود ان الفت انتباه عزيزي القارئ الى اهمية التفكير والنظر في ذلك التشابه الكبير بين الثقافتين السائدتين ومنظومات القيم عند المتحالفين الحبيبين الدولة الاميركية ودويلة الكيان الصهيوني غير الشرعي وهو ما يعكس حقيقة تاريخية ومصداقية واضحة عن الدور الوظيفي والامتداد و كون الكيان الصهيوني في الامر الواقع هو ولاية اميركية ومستوطنة احتلال اغتصابية وشركة عسكرية اميركية كبرى .