المسمار الاخير في نعش الهيمنه الاميركيه


عدلي عبد القوي العبسي
الحوار المتمدن - العدد: 7201 - 2022 / 3 / 25 - 19:31
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

الصين و روسيا وحلفائهما يسعون الان الى تشكيل تكتل عالمي جديد من اجل السلم والتقدم وحريه الشعوب
في لحظه تاريخيه هي حقا لحظه مفصليه للتأسيس للنظام العالمي الجديد
وهو تأسيس يجري باقتدار وابداع نضالي مدهش تقدره وتحترمه جميع شعوب المعموره التي باتت تثق في قياده روسيا والصين وترى في روسيا والصين الان بمثابه المثال والنموذج للدوله المقاومه في وجه اله الهيمنه والغطرسه والتنمر الاستعماري الغربي
يحتاج هذا التأسيس قبلا الى خوض غمار معارك جيوسياسيه في الاقليم الاوراسي والعالم و تنفيذ سلسله من العمليات العسكريه والسياسيه والدبلوماسيه والاقتصاديه تحقق مفهوم الامن الجيوسياسي الشامل
اثناء معركتها العسكريه الراهنه من اجل الحفاظ على امنها والتي تمثل ايضا المسمار الاخير في نعش الهيمنه الاميركيه على العالم
بامكان روسيا استخدام ثقلها واهميتها في فرض العقوبات واحداث ازمات للدول المعاديه
لانها دوله مهمه تنتج وتصدر منتجات للعالم اجمع في قطاعات حيويه هامه
فهي تنتج وتصدر الطاقه (نفط وغاز وفحم )
وتنتج وتصدر
معادن ثمينه اهمها اليورانيوم المخصب والنيكل والماس
و تصدر الغازات النادره ومحركات الصواريخ و اللقاحات الفيروسيه و الاسلحه الفتاكه والقمح والاسلحه والاسمده والاستثمارات والسياحه
ويكفي ان تعلم ان
امريكا تعتمد على المحركات الروسيه سويوز في نقل الصواريخ الى الفضاء
بما فيها صواريخ سبايس اكس التي يملكها الملياردير الامريكي المخترع ايلون ماسك

وتعتمد على اليورانيوم المخصب المستورد من روسيا في تشغيل الكثير من مفاعلاتها النوويه
امريكا تعتمد على الغازات النادره زينون كريبتون بالاديوم وغيرها المستورده من روسيا
والنيون من اوكرانيا مدينه اوديسا
لتصنيع اجهزه الليزر الضروريه لتصنيع الرقائق الالكترونيه والتي هي ضروريه لتصنيع الاقمار الصناعيه والصواريخ والدبابات والطائرات والالواح الشمسيه والهواتف وغيرها من اجهزه التكنولوجيا الحديثه

اوروبا تعتمد على النفط والغاز والفحم الروسي وكذلك المعادن

دول الشرق الاوسط وافريقيا ودول اخرى تعتمد على امدادات القمح من روسيا واوكرانيا
الكثير من دول العالم تعتمد على استيراد الاسمده من روسيا للزراعه وانتاج الغذاء

بعض الدول تعتمد على الاسلحه الروسيه الفتاكه في تقويه جيوشها
بعض الدول في الشرق الاوسط تعتمد على السياحه الروسيه
الكثير من الدول تعتمد على اللقاحات الروسيه في مكافحه وباء كورونا ومتحوراته

لماذا قرر الغرب الاطلسي تدمير روسيا والصين ؟
الجواب بسيط جدا
لان روسيا والصين وحلفائهما قرروا اتباع استراتيجيه شامله تعمل على انهاء الهيمنه الامبرياليه الاميركيه على العالم و تحويلها الى مجرد دوله عظمى محصوره في الزاويه الشماليه الغربيه من العالم
دوله مسالمه منكفئه على ذاتها تكف اذاها وشرورها عن العالم
ومن جمله ما يسعون اليه انهاء عصر البترودولار والدولره
وانهاء دور المنظمات الدوليه الاقتصاديه والسياسيه الخاضعه للنفوذ الاميركي الاطلسي
وطرد اميركا والغرب من قارات العالم القديم عسكريا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا بحلول منتصف القرن الواحد والعشرين
والتاسيس لنظام عالمي جديد يقوم على اسس التعاون والتضامن الاممي و النديه والتكافؤ والمساواه والحريه للشعوب واحترام سياده الدول على قرارها وثرواتها

وقبل ذلك اتباع سياسه تقطيع الاناكوندا وهي طوق الحصار الثعباني الذي يحاول حلف النيتو ضربه حول المحيط الروسي والاوراسي الاوسع من كل الجهات
وما سياسات اميركا في افغانستان والعراق وايران وتركيا وبلاد الشام والبلقان والقوقاز وارابيا واوكرانيا وكازاخستان وناجورني كاراباخ و تركستان الصينيه واقليم اركان البورمي وكشمير و خراسان وبلوشستان ودول البلطيق الثلاث و بولندا
الا سلسله طويله تضم حلقات عديده من التآمر والتخريب الجيوسياسي ضد الصين وروسيا وحلفائهما
وكل المجموعه التي يمكن ان نسميها اوراسيا الكبرى


ثمه تصور مشترك لدى روسيا والصين عن عالم اكثر تقدما وانسانيه بديلا عن عالم التوحش الراسمالي الذي يقوده الغرب الاطلسي بزعامه اميركا
الاستعداد للمواجهه مع الناتو
وقد وجد هذان العملاقان الشرقيان في الاستفزاز الاطلسي في اوكرانيا وبحر الصين الجنوبي فرصه تاريخيه سانحه لدفع الناتو الى المواجهه غير المباشره عسكريا واقتصاديا وسياسيا
وهي المواجهه التي حتما ستفضي الى انقسام العالم من جديد الى معسكرين شرقي وغربي وخلق مبررات للقطيعه
مع الغرب الامبريالي المعتدي والدخول في مرحله منافسه جديده وسباق شامل لكتلتين عالميتين يتم عبره تحفيز الطاقات الذاتيه الكامنه للبلدين
وفق قانون التحدي والاستجابه
وروسيا الجديده ومعها الصين الجديده لديهما لقدره على خوض معركه التحدي هذه مع هذا الغرب الاستعماري المتنمر والظالم والفاسد
ولديهما القدره على تنفيذ عمليه الاطاحه بالنظام الدولي الاحادي المهيمن الذي تم تكريسه على مدى ثلاثه عقود من الزمن وتحقيق الانقلاب التاريخي المنشود
وهما لم يعملا ابدا في التاريخ المعاصر بشكل مفرد بل كانتا جزءا كبيرا مؤثرا من تحالف اممي ضخم اوسع
وهما ستنجحان فقط بمعيه حلفائهما الكبار الاخرين وهذا هو ما يؤكد عليه خبراء الجيوسياسه الروس والصينيين ويشيرون اليه مرارا
نعم في هذه اللحظه التاريخيه الحاسمه انما يتم التوقيع بشكل رسمي على مراسيم دفن الهيمنه العالميه الاميركيه احاديه القطب
ولهذا دلاله تاريخيه كبرى
فهذا التحول والانقلاب الجيوسياسي العالمي الذي نشهد فيه افول امبراطوريه الغرب الاستعماريه
التي يمثل حلف الاطلسي ذراعها العسكري التدميري
انما يعكس ضعفا شديدا في قوه التكتل الاستعماري في مختلف الجوانب سببته ازمه النظام الراسمالي الامبريالي العالمي الراهنه والتي يؤكد الكثير من العلماء والباحثين والمفكرين
انها باتت ازمه جذريه نهائيه
هذا النظام العالمي الذي يشكل التكتل الغربي مركزه الوحيد الان
في مقابل تكتلات طرفيه كبيره عملاقه وصغيره من القارات الثلاث تنمو بشكل متسارع وتتعاظم قوتها وتتصارع مع مركز هذا النظام وتتصادم معه سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتعمل بشكل تدريجي على تمزيق جسم النظام العالمي الحالي وازاحه مركزه الوحيد
لينبثق من رحم هذا النظام نظام عالمي جديد انتقالي الطابع
ليس فيه مركز واطراف وانما كتل واقطاب متعاضده متكامله ولها جيواستراتيجيه دوليه واحده
تقوم على تحقيق اهداف السلام العالمي والاخوه العالميه والتنميه للجميع و التعاون المتبادل على قاعده رابح رابح وعلى العكس من الشعارات الكاذبه عن هذه الاهداف التي ترفعها نخب الغرب الامبريالي التي تسعى الى تكريس هيمنه اوليجارشيه عالميه يتزعمها اشخاص بورجوازيين متنفذين اثرياء محدودي العدد ينتمون الى جغرافيا الغرب الاستعماري

ان فكره روسيا الامبرياليه او الصين الامبرياليه تبدوا ركيكه وغير مقبوله لدى الكثيرين ليس لاسباب عاطفيه وانما للاعتبارات التاليه
اولا لا توجد اليات للاستتباع والنهب الاقتصادي كما هو الحال مع الغرب الامبريالي
ثانيا هاتان الدولتان تقودهما نخبه بورجوازيه وطنيه تحافظان على هيمنه القطاع العام الحكومي بين القطاعات الاخرى
ثالثا لا تتدخل هاتان الدولتان في شئون الدول الاخرى سياسيا وعسكريا ولا تفرضان عليها سياسات معينه وان حدث هذا احيانا فانه يبقى محدود النطاق والتأثير
رابعا ان ناتج التفاعل الاقتصادي بين هاتين الدولتين العملاقتين والدول الاخرى المحيطه والحليفه والصديقه في معظم الحالات يؤدي الى تحقيق مستوى جيد من النهوض التنموي لتلك الدول الاخرى الكبيره و الصغيره ولا توجد هنا اليات التخليف اي الدفع الى الخلف كما هو الحال في العلاقه بين المركز الامبريالي الغربي والدول الطرفيه في العالم
ان طبيعه العلاقه بين الصين وروسيا وتلك الدول التي يشوبها مستوى معين من الاجحاف والاستغلال قد يوضحها مفهوم اخر غير مصطلح الامبرياليه
الذي يبدوا غير مناسب للاستخدام هنا

نظام انتقالي يتبعه نظام عالمي اجتماعي

ما تطمح اليه الصين وروسيا هو بناء اطار حوكمي عالمي عادل تتجمع وتنضوي فيه كتل واقطاب متعاضده متكامله فيما يشبه تأسيسا لنظام عالمي جديد
لكن هذا النظام ربما لن يكون هو النظام العالمي الذي سيستقر عليه الحال في القرن الواحد والعشرين
بل هو نظام انتقالي مؤقت سيفضي حتما خلال عقود قليله من الزمن
الى بناء نظام عالمي جديد اجتماعي (اشتراكي ديموقراطي ) الطابع
وما يجعله حتمي الحدوث هو الضرورات التي لامناص من التعامل معها للتخفيف من الازمه العالميه للنظام الراسمالي
حيث لا مفر من نشكيل نظام جديد اكثر عقلانيه و رشد في الانتاج والاستهلاك والتوزيع
تنخفض فيه الى حدود قصوى اليات الاستغلال والهيمنه والنهب لثروات الشعوب
وتتجسد فيه مبادئ التعاون والتكامل والنديه
نظام سيتم فيه التخلي تدريجيا عن مايلي
- سيروره التفاوت الحاد في الدخل والاستقطاب الداخلي للثروه والتمييز الاجتماعي الطبقي
والهيمنه الطبقيه

والاحتكار الطبقي البورجوازي للسلطه
- هوس النمو المفرط الغير منضبط و الاستهلاك المحموم وقيمه وثقافته
- الطاقه الاحفوريه المدمره للبيئه
- السياسات الاقتصاديه المسببه لكوارث تغير المناخ
- السباق المحموم للتسلح ومظاهر عسكره العالم
- الدعم القذر لجماعات الارهاب اليميني المتطرف النازي بشكلها العرقي والديني والقومي
- سياسات الهيمنه الاعلاميه الموجهه بالضد عن مبادئ الديموقراطيه الحقه

انه عالم جديد يولد الان هو عالم القرن الواحد والعشرين
و هذا العام سيكون هو عام الحسم العسكري
لفرض الواقع العالمي الجديد بالقوه المناوئه المقاومه لقوه المركز الغربي الاستعماري
وهو عام الجلوس على الطاوله لوضع الترتيبات والاقرار و الاعتراف بضروره السير في اولى خطوات التأسيس القانوني المؤسساتي
للنظام الدولي الجديد