هل هناك أخطاء لغوية في القرآن؟


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 6555 - 2020 / 5 / 5 - 17:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

هذا المقال بالصوت والصورة مع بعض التصرف: https://youtu.be/W5m1PtcXP1k

يقول القرآن: «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (61-41: 42). وفي آية أخرى: «قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» (59-39: 28).

من الصعب على المسلم المؤمن، عالمًا كان أو جاهلًا، تقبل مجرد احتمال أن القرآن قد يحتوي على أخطاء مهما كان نوعها. فهذه مسلمة المسلمات لا يمكن لأي مسلم التفريط فيها لأن ذلك إلغاء لمصدره الإلهي وتقويض للإسلام بأكمله وللمجتمعات المبنية على أسس دينية. ومن ينكرها منهم يعرض نفسه للخطر إذ يعتبر مرتدًا في نظر الشرع الإسلامي. ومن يرى منهم عيبًا في القرآن نسبه لقصور في عقوله وليس للقرآن. فالمسلم يتهم نفسه ولا يتهم قرآنه. وهذا ما جعل المسلمين يتشبثون بعدم تغيير إملاء القرآن لكي يتناسب مع الإملاء المتعارف عليه، أو ادخال علامات الترقيم الحديثة، لأن ذلك يعني انتقالًا إلى نص أفضل من النص الحالي وانتقاصًا من كمال الله.

وعامة ينظر المؤمن إلى لفظ القرآن وليس إلى معناه. فهو واثق بأن النص من عند الله ولا يمكن بأي حال من الأحوال وجود نقص فيه أو خطأ. فلماذا إذن يتعب نفسه؟ والقرآن يقول عن الله: «لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» (73-21: 23). وقد

جاء في كتاب المنتخب الصادر عن الأزهر التفسير الآتي لهذه الآية: «لا يُحاسب - سبحانه - ولا يُسأل عما يفعل، لأنه الواحد المتفرد بالعزة والسلطان، الحكيم العليم، فلا يخطئ في فعل أي شيء، وهم يُحاسبون ويُسألون عما يفعلون؛ لأنهم يخطئون لضعفهم وجهلهم وغلبة الشهوة عليهم».

وجاء في تفسير الكشاف للزمخشري (الذي يعتبر من المعتزلة الذين يحكمون العقل!): «إذا كانت عادة الملوك والجبابرة أن لا يسألهم من في مملكتهم عن أفعالهم وعما يوردون ويصدرون من تدبير ملكهم، تهيبًا وإجلالًا، مع جواز الخطأ والزلل وأنواع الفساد عليهم - كان ملك الملوك وربّ الأرباب خالقهم ورازقهم أولى بأن لا يُسأل عن أفعاله، مع ما علم واستقرّ في العقول من أن ما يفعله كله مفعول بدواعي الحكمة، ولا يجوز عليه الخطأ ولا فعل القبائح».

وعلى النقيض من المؤمن، يرى الباحث أن كل نص، مهما كانت قدسيته عند أتباعه، هو نص بشري يقبل الخطأ والصواب إما في مجال المضمون وإما في مجال اللغة. وفيما يخص الأخطاء اللغوية، يتعامل الباحث مع القرآن كما يتعامل مع كتاب رياضيات أو فيزياء. فهو لا ينظر إلى المضمون، بل إلى سلامة اللغة التي كتب بها هذا الكتاب. وقد تم أحيانًا تصحيح بعض أخطاء القرآن من خلال اختلافات القراءات. ولكن تلك القراءات زادت الطين بلة في بعض الأحيان، خاصة وأن بعض كلمات القرآن جاء فيها أكثر من عشر قراءات مختلفة ومتناقضة. وهناك من يرى ان القراءات جزء من الوحي اعتمادًا على المقولة بأن القرآن نزل على سبعة أحرف. وهذه مجرد حيلة لكيلا يتم الاعتراف صراحة بأن في القرآن أخطاء. والقرآن الذي بين أيدي المسلمين وفي الجوامع لا يتضمن هذه القراءات، بل قراءة واحدة. ولو قام أحدهم بتصحيح القرآن معتمدًا على تلك القراءات لما سمحت بنشره الدول العربية والإسلامية ولأعتبر تحريفًا للقرآن، وهو ما يعاقب عليه فاعله.

ويمكن تصنيف الأخطاء إلى عدة أنواع: الأخطاء الأخلاقية، والأخطاء العلمية (مثل الطبية)، والأخطاء التاريخية، والأخطاء الجغرافية، والأخطاء الحسابية، والأخطاء اللغوية. وفي كتابنا الأخطاء اللغوية في القرآن ركزنا على هذا النوع الأخير من الأخطاء لأن لها علاقة بترجمة القرآن. ونحن نفهم كلمة لغة بمعناها اليوناني الذي اشتقت منه: logos، وتعني الكلمة المفردة كما تعني الخطاب. وعندما نتكلم عن الأخطاء اللغوية في القرآن لا نقتصر على قواعد الصرف والنحو، بل نتطرق إلى كل ما يخص صياغة الخطاب. وقد قسمنا تلك الأخطاء إلى 11 نوع:

1) استعمال كلمات أو عبارات مبهمة
2) الأخطاء الإملائية
3) اختلاف القراءات واخطاء النساخ
4) استعمال كلمات بغير معناها ونظرية التضمين
5) ترتيب معيب لعناصر الخطاب ونظرية التقديم والتأخير
6) الأخطاء النحوية ونظرية الالتفات
7) تناقض النص القرآني
أ) تناقض الأحكام والناسخ والمنسوخ
ب) تناقض على مستوى الرواية
8) التكرار والتشتت والحشو أو اللغو
9) نقصان مبهم في الجملة ونظرية الحذف والتقدير
أ) ما ضاع من القرآن وما ليس منه
ب) نواقص القرآن ونظرية الحذف والتقدير
10) تفكك أوصال آيات القرآن
11) تقطيع معيب للآيات وغياب علامات الترقيم الحديثة

ويصل عدد أخطاء القرآن بأنواعها المختلفة إلى أكثر من 2500 خطأ أذكرها بصورة مبسطة ومختصرة في هوامش هذا الكتاب، مع روابطها على قدر الإمكان، معتمدًا خاصة على كتب التفسير. فمن يهمه المزيد من الشروحات يمكنه الرجوع لهذه التفاسير. وحسب علمي ليس هناك كتاب شامل متخصص في أخطاء القرآن اللغوية بصورة نقدية، بينما نجد كتبًا حول إعراب القرآن تعبر عن وجهة نظر مقدسي النص القرآني. ولا ندعي الشمول ولا العصمة فيما قمنا به، وكل أملنا أن تكون ملاحظاتنا إشارات على الطريق وبداية لعمل أوسع من قِبَل الباحثين، فهذا موضوع يستحق الدراسة والتعمق، بكل حيادية، بإعطاء الرأي والرأي الآخر.

ونشير هنا إلى ان اكتشاف الأخطاء ليس أمرًا سهلًا إمّا بسبب قدسية النص، أو التعود عليه، أو طريقة عرضه في الطبعات العربية دون تنقيط ودون فصل للفقرات. وأفضل أسلوب لاكتشاف الأخطاء مقارنة كتب التفسير والترجمات التي تمت للقرآن. فإذا اختلف المفسرون والمترجمون اختلافًا شديدًا فهذا دليل على وجود مشكلة في النص. وكما تقول الحكمة الشعبية: «إذا تخاصم اللصان ظهر المسروق». وهذا هو منهجي للكشف عن أخطاء القرآن إذ قمت بمقارنة عدد كبير من ترجمات القرآن بالفرنسية والإيطالية والإنكليزية خلال ترجمتي للقرآن في هذه اللغات، كما أنى اعتمدت على عدد كبير من التفاسير المعتبرة. وقد اشرت في الهوامش إلى هذه التفاسير.

وسوف اعود لكم في مقالي القادم لكي أكلمكم عن النوع الأول من الأخطاء اللغوية في القرآن، أي الإبهام:


مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books