اية حيرت المفسرين: وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 7779 - 2023 / 10 / 29 - 16:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تقول سورة النساء
155 - فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا
156 - وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا
157 - وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا
158 - بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
159 - وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا

الآية 155 اعتبرت ناقصة وتكملتها: [لعناهم بسبب] نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ (الجلالين).
وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ: جاءت بغير حق خمس مرَّات، وبغير الحق تسع مرَّات. وجاءت في علاقة مع الأنبياء-النبيين خمس مرات كما هنا. وهذا يفيد وفقا لقانون المخالفة أن هناك قتلًا للأنبياء بحق، وهذا غير مقبول. ولذلك تفنن المفسرون في تبرير هذا الخطأ (أنظر مجدي حسين: معجم مشكلات القرآن، ص 42-43)

والآية 156 أيضا ناقصة وتكملتها: [ولعناهم بسبب] بِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا
يلصق التلمود البابلي بمريم علاقة جنسية مع روماني اسمه بنديرا نتج عنها المسيح

والآية 157 أيضا ناقصة وتكملتها: [ولعناهم بسبب] قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ.
والجملة الأولى تطرح مشكلة: قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ: كيف قال اليهود بأن المسيح رسول الله وهم لا يؤمنون به؟ وهل قالوه على وجه الإستهزاء؟
تفسير المنتخب للآيتين 157-158: وغضب الله عليهم بسبب قولهم مستخفين: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، والحق المستيقن أنهم ما قتلوه، كما زعموا وما صلبوه كما ادعوا. ولكن شُبِّه لهم، فظنوا أنهم قتلوه وصلبوه، وإنما قتلوا وصلبوا من يشبهه، وقد اختلفوا من بعد ذلك فى أن المقتول عيسى أم غيره، وأنهم جميعاً لفى شك من أمره. والواقع أنهم يقولون ما لا علم لهم به إلا عن طريق الظن، وما قتلوا عيسى قطعاً. بل رفع الله عيسى إليه وأنقذه من أعدائه، ولم يصلبوه، ولم يقتلوه والله غالب لا يقهر، حكيم فى أفعاله.
فيما يخص الجملة "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ" ذكر الماوردي ثلاثة تأويلات. أحدها: أنهم كانوا يعرفونه فألقى شبهه على غيره، فظنوه المسيح فقتلوه. والثاني: أنهم ما كانوا يعرفونه بعينه، وإن كان مشهوراً فيهم بالذكر، فارتشى منهم يهودي ثلاثين درهماً، ودلهم على غيره مُوهِماً لهم أنه المسيح، فشُبِّهَ عليهم. والثالث: أنهم كانوا يعرفونه، فخاف رؤساؤهم فتنة عوامِّهم، فإن الله منعهم عنه، فعمدوا إلى غيره، فقتلوه وصلبوه، ومَوَّهُوا على العامة أنه المسيح، ليزول افتتانهم به.
ويفهمه لوكسنبرغ عبارة وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ من السريانية ܐܬܕܡܝ ܠܗܘܢ بمعنى خيِّل لهم أنهم صلبوه، وليس بمعنى شبه له، أي أن من صلب هو شبيه للمسيح. واستعملت الآية م45-20: 66 فعل يُخَيَّلُ إِلَيْهِ.

وفي القرآن ثلاث آيات تتكلم عن وفاة المسيح:
م44-19: 33: وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا
هـ89-3: 55: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
هـ112-5: 117: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
وهذه الآيات الثلاث تناقض الاعتقاد الإسلامي بأن المسيح رفع ولم يصلب. ويذكر لنا إنجيل مرقس أن الرومان سخروا سمعان القيرواني لكي يحمل الصليب عن المسيح (مرقس 15: 21). ولكن الذي صلب هو المسيح حسب الأناجيل الرسمية. أما الاعتقاد في أن شخص آخر صلب مكان المسيح فقد كان منتشرًا لدى طائفة الغنوسيين (الغنوسية: حب المعرفة) التي كان مُنظرها باسيليديس في الإسكندرية في القرن الثاني الميلادي. وجاء في كتاب إيرينيوس عن فكر باسيليديس: "الأبَّ الذي بلا ميلاد ولا إسم ... أرسل ابنَه البِكرَ ... الذي يُدعَى المسيح ليعطيَ الخلاصَ لمن يؤمنون به، من سلطانِ الذين عمَلُوا العالمَ. لقد ظهر حينئذٍ على الأرض كإنسان ... وعمل المعجزات. ولِذا لم يعانِ هو نفسه الموتَ، بل سمعان، رجل معين من قيرنية مُجبَرًا حملَ الصليبَ بدلًا عنه، لِذا مُغَيِّرًا شكلَ هذا الأخيرِ من قِبَلِه لكي يُظَنَّ أنه يسوع، صُلِب من خلال الجهل والخطأ بينما تلقى يسوعُ نفسُه شكلَ سمعان، وواقفًا جانبًا ضحك عليهم لأنه كان قوة روحية ... لقد غيَّرَ شكلَه كما يودُّ، وهكذا صعد إلى الذي أرسلَه، ساخرًا منهم، بما أنه لا يمكن أن يوضَعَ في الأسر، وكان غيرَ مرئيٍّ للجميع". ونجد كلامًا مشابهًا في السفر الغنوسي المسمى الرسالة الثانية لشيث العظيم من مخطوطات نجع حمادي المكتشفة التي تعود إلى 350-400 م، ويبدو أنه من كتابات باسيليدس (الأبوكريفا المسيحية، ص 55)، كما في رؤيا بطرس (الغنوسية) باللغة القبطية (الأبوكريفا المسيحية، ص 59-60). ونقرأ في أعمال يوحنا المنحولة قول للمسيح بأنه ليس الذي هو على الصليب (أعمال يوحنا المنحولة، فقرة 99، النص العربي). ويذكر هنا أن ماني رفض أيضًا قصة صلب المسيح مثل القرآن، لأنه كان ذا طبيعة روحانية. وقد يكون قد أثر على القرآن في هذا المجال. ويرى لوكسنبرغ أن عملية الصلب وفقًا للقرآن تمت، ولكن لم تتم عملية القتل، بدليل "وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا"، دون أن يكرر "وما صلبوه". وهنا القرآن يرد على اليهود بإنهم وإن صلبوه لم يتمكنوا من قتله.

وبخصوص الآية هـ92-4: 159: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا
هذه الآية مبهمة: موت من؟ موت المسيح؟ أم موت الكتابي؟ (الطبري)، ومِن هنا القراءة المختلفة: قبل مَوْتِهِم. يؤمن بمن؟ بعيسى أم بمحمد؟
تفسير المنتخب: وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليدرك حقيقة عيسى قبل موته وأنه عبد الله ورسوله، ويؤمن به إيماناً لا ينفعه لفوات أوانه، ويوم القيامة يشهد عليهم عيسى بأنه بَلَّغَ رسالة ربه وأنه عبد الله ورسوله. وهنا القرآن يخالف الاعتقاد المسيحي بأن المسيح سوف يدين وليس يشهد: وإذا جاء ابن الإنسان في مجده، تواكبه جميع الملائكة، يجلس على عرش مجده، وتحشر لديه جميع الأمم، فيفصل بعضهم عن بعض، كما يفصل الراعي الخراف عن الجداء (متى 25: 31-32).

فما رأيكم زاد فضلكم؟
----------

مقتطف من كتابي
القرآن الكريم
بالتسلسل التاريخي وفقًا للأزهر
ويتضمن الرسم السرياني والكوفي والإملائي والعثماني مع علامات الترقيم الحديثة ومصادر القرآن وأسباب النزول والقراءات المختلفة والناسخ والمنسوخ والمعاني والأخطاء اللغوية والقراءة السريانية والعبرية
يمكن تحميل هذا الكتاب من هذا الرابط
https://www.academia.edu/66901372