آية حيرت المفسرين - وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 7758 - 2023 / 10 / 8 - 19:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تقول الآيتان 71-72 من سورة هود
وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (م52-11: 71)

تفسير الآية 71 من سورة هود
-------------------
تفسير الطبري:
يقول تعالـى ذكره: { وَامْرأتُهُ } سارّة بنت هاران بن ناحور بن ساروج بن راعو بن فـالغ، وهي ابنة عم إبراهيـم. { قائمَةٌ } قـيـل: كانت قائمة من وراء الستر تستـمع كلام الرسل وكلام إبراهيـم علـيه السلام. وقـيـل: كانت قائمة تـخدم الرسل وإبراهيـم جالس مع الرسل.

وقوله: { فَضَحِكَتْ } اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله { فَضَحِكَتْ } وفـي السبب الذي من أجله ضحكت.
فقال بعضهم: ضحكت الضحك الـمعروف تعجبـاً من أنها وزوجها إبراهيـم يخدمان ضيفـانهم بأنفسهما تكرمة لهم، وهم عن طعامهم مـمسكون لا يأكلون
وقال آخرون: بل ضحكت من أن قوم لوط فـي غفلة وقد جاءت رسل الله لهلاكهم
وقال آخرون: بل ضحكت ظناً منها بهم أنهم يريدون عمل قوم لوط.
وقال آخرون: بل ضحكت حين بشرت بإسحاق تعجبـا من أن يكون لها ولد علـى كِبَر سنها وسنّ زوجها
وقال بعضهم: إن هذا من الـمقدّم الذي معناه التأخير، وكأن معنى الكلام عنده: وامرأته قائمة، فبشَّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فضحكت وقالت: يا ويـلتا أألد وأنا عجوز.
وقال آخرون: بل معنى قوله: «فضحكت» فـي هذا الـموضع: فحاضت.
وقال آخرون: بل ضحكت سروراً بـالأمن منهم لـما قالوا لإبراهيـم: لا تـخف، وذلك أنه قد كان خافهم وخافتهم أيضاً كما خافهم إبراهيـم فلـما أمنت ضحكت، فأتبعوها البشارة بإسحاق.
وقال بعضهم: الضحك: العجب
وأولـى الأقوال التـي ذكرت فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى قوله: «فضحكت»: فعجبت من غفلة قوم لوط عما قد أحاط بهم من عذاب الله وغفلته عنه.
وإنـما قُلْنا هذا القول أولـى بـالصواب لأنه ذكر عقـيب قولهم لإبراهيـم: لا تـخف إنا أرسلنا إلـى قوم لوط. فإذْ كان ذلك كذلك، وكان لا وجه للضحك والتعجب من قولهم لإبراهيـم: لا تـخف، كان الضحك والتعجب إنـما هو من أمر قوم لوط.

تفسير الرازي
---------
قال تعالى: { وَٱمْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ } يعني سارة بنت آزر بن باحورا بنت عم إبراهيم عليه السلام، وقوله: { قَائِمَةً } قيل: كانت قائمة من وراء الستر تستمع إلى الرسل، لأنها ربما خافت أيضاً. وقيل: كانت قائمة تخدم الأضياف وإبراهيم عليه السلام جالس معهم، ويأكد هذا التأويل قراءة ابن مسعود { وَٱمْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ } وهو قاعد.
ثم قال تعالى: { فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ } واختلفوا في الضحك على قولين: منهم من حمله على نفس الضحك، ومنهم من حمل هذا اللفظ على معنى آخر سوى الضحك.
أما الذين حملوه على نفس الضحك فاختلفوا في أنها لم ضحكت، وذكروا وجوهاً:
الأول: قال القاضي إن ذلك السبب لا بد وأن يكون سبباً جرى ذكره في هذه الآية، وما ذاك إلا أنها فرحت بزوال ذلك الخوف عن إبراهيم عليه السلام حيث قالت الملائكة: { لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } وعظم سرورها بسبب سروره بزوال خوفه، وفي مثل هذه الحالة قد يضحك الإنسان، وبالجملة فقد كان ضحكها بسبب قول الملائكة لإبراهيم عليه السلام { لاَ تَخَفْ } فكان كالبشارة، فقيل لها: نجعل هذه البشارة بشارتين، فكما حصلت البشارة بزوال الخوف، فقد حصلت البشارة أيضاً بحصول الولد الذي كنتم تطلبونه من أول العمر إلى هذا الوقت وهذا تأويل في غاية الحسن.
الثاني: يحتمل أنها كانت عظيمة الإنكار على قوم لوط لما كانوا عليه من الكفر والعمل الخبيث، فلما أظهروا أنهم جاؤا لإهلاكهم لحقها السرور فضحكت.
الثالث: قال السدي قال إبراهيم عليه السلام لهم: { أَلا تَأْكُلُونَ } قالوا: لا نأكل طعاماً إلا بالثمن، فقال: ثمنه أن تذكروا اسم الله تعالى على أوله وتحمدوه على آخره، فقال جبريل لميكائيل عليهما السلام: «حق لمثل هذا الرجل أن يتخذه ربه خليلاً» فضحكت امرأته فرحاً منها بهذا الكلام.
الرابع: أن سارة قالت لإبراهيم عليه السلام أرسل إلى ابن أخيك وضمه إلى نفسك، فإن الله تعالى لا يترك قومه حتى يعذبهم، فعند تمام هذا الكلام دخل الملائكة على إبراهيم عليه السلام، فلما أخبروه بأنهم إنما جاؤا لإهلاك قوم لوط صار قولهم موافقاً لقولها، فضحكت لشدة سرورها بحصول الموافقة بين كلامها وبين كلام الملائكة.
الخامس: أن الملائكة لما أخبروا إبراهيم عليه السلام أنهم من الملائكة لا من البشر وأنهم إنما جاؤا لإهلاك قوم لوط طلب إبراهيم عليه السلام منهم معجزة دالة على أنهم من الملائكة فدعوا ربهم بإحياء العجل المشوي فطفر ذلك العجل المشوي من الموضع الذي كان موضوعاً فيه إلى مرعاه، وكانت امرأة إبراهيم عليه السلام قائمة فضحكت لما رأت ذلك العجل المشوي قد طفر من موضعه.
السادس: أنها ضحكت تعجباً من أن قوماً أتاهم العذاب وهم في غفلة.
السابع: لا يبعد أن يقال إنهم بشروها بحصول مطلق الولد فضحكت، إما على سبيل التعجب فإنه يقال إنها كانت في ذلك الوقت بنت بضع وتسعين سنة وإبراهيم عليه السلام ابن مائة سنة، وإما على سبيل السرور. ثم لما ضحكت بشرها الله تعالى بأن ذلك الولد هو إسحق ومن وراء إسحق يعقوب.
الثامن: أنها ضحكت بسبب أنها تعجبت من خوف إبراهيم عليه السلام من ثلاث أنفس حال ما كان معه حشمه وخدمه.
التاسع: أن هذا على التقديم والتأخير والتقدير: وامرأته قائمة فبشرناها بإسحق فضحكت سروراً بسبب تلك البشارة فقدم الضحك، ومعناه التأخير.
الثاني: هو أن يكون معنى فضحكت حاضت وهو منقول عن مجاهد وعكرمة قالا: ضحكت أي حاضت عند فرحها بالسلامة من الخوف، فلما ظهر حيضها بشرت بحصول الولد، وأنكر الفراء وأبو عبيدة أن يكون ضحكت بمعنى حاضت، قال أبو بكر الأنباري هذه اللغة إن لم يعرفها هؤلاء فقد عرفها غيرهم، حكى الليث في هذه الآية { فَضَحِكَتْ } طمثت، وحكى الأزهري عن بعضهم أن أصله من ضحاك الطلعة يقال ضحكت الطلعة إذا انشقت.
واعلم أن هذه الوجوه كلها زوائد. وإنما الوجه الصحيح هو الأول.

تفسير الماوردي
-----------
{ وَامْرأَتُهُ قَائِمَتٌ فَضَحِكَتْ } وفي قيامها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها كانت قائمة من وراء الستر تسمع كلامهم، قاله وهب.
الثاني: أنها كانت قائمة تخدمهم، قاله مجاهد.
الثالث: أنها كانت قائمة تُصَلّي، قاله محمد بن إسحاق.
{ فَضَحِكَتْ } فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني حاضت، قاله مجاهد والعرب تقول ضحكت المرأة إذا حاضت، والضحك الحيض في كلامهم،
والثاني: أن معنى ضحكت: تعجبت، وقد يسمى التعجب ضحكاً لحدوث الضحك عنه،
الثالث: أنه الضحك المعروف في الوجه، وهو قول الجمهور.
فإن حمل تأويله على الحيض ففي سبب حيضها وجهان:
أحدهما: أنه وافق وقت عاتها فخافت ظهور دمها وأرادت شداده فتحيرت مع حضور الرسل.
والقول الثاني: ذعرت وخافت فتعجل حيضها قبل وقته، وقد تتغير عادة الحيض باختلاف الأحوال وتغير الطباع.
ويحتمل قولاً ثالثاً: أن يكون الحيض بشيراً بالولادة لأن من لم تحض لا تلد.
وإن حمل تأويله على التعجب ففيما تعجب منه أربعة أقاويل:
أحدها: أنها تعجبت من أنها وزوجها يخدمان الأضياف تكرمة لهم وهم لا يأكلون، قاله السدي.
الثاني: تعجبت من أن قوم لوط قد أتاهم العذاب وهم غافلون، قاله قتادة.
الثالث: أنها عجبت من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها، قاله وهب بن منبه.
الرابع: أنها تعجبت من إحياء العجل الحنيذ لأن جبريل عليه السلام مسحه بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار، قاله عون بن أبي شداد.
وإن حمل تأويله على ضحك الوجه ففيما ضحكت منه أربعة أقاويل:
أحدها: ضحكت سروراً بالسلامة.
الثاني: سروراً بالولد. الثالث: لما رأت ما بزوجها من الورع، قاله الكلبي.
الرابع: أنها ضحكت ظناً بأن الرسل يعملون عمل قوم لوط، قاله محمد بن عيسى.

-------------
مهما يكن، فالأيتان 71-72 من سورة هود تناقضان الآيتين 28 و 29 من سورة الذاريات
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ* فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (م67-51: 28-29).
ولم أجد تفسير لهذا التناقض

فما رأيكم زاد فضلكم؟
----------

مقتطف من كتابي
القرآن الكريم
بالتسلسل التاريخي وفقًا للأزهر
ويتضمن الرسم السرياني والكوفي والإملائي والعثماني مع علامات الترقيم الحديثة ومصادر القرآن وأسباب النزول والقراءات المختلفة والناسخ والمنسوخ والمعاني والأخطاء اللغوية والقراءة السريانية والعبرية
يمكن تحميل هذا الكتاب من هذا الرابط
https://www.academia.edu/66901372