تناقض القرآن - الجمع بين كرامة الإنسان والتمييز بين الناس على أساس الدين والجنس


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 7680 - 2023 / 7 / 22 - 20:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في مقال سابق، ذكرت أن في أي خطاب كان، يمكن أن نكتشف تناقض على مستويات كثيرة مثل التناقض بين القرآن والمعطيات العلمية والتاريخية والرياضية، وهو عامة ما يبحثه المسلمون تحت بند الإعجاز كما هي العادة في كل ما يمس القرآن من قريب أو بعيد، بإعتبار أن القرآن كتاب الله، والله هو العليم الخبير بإمتياز. والكدح في هذه الصفات يخرج المسلم من الملة. وهذا لا نريد الخوض فيه. ولكن هناك تناقض على المستوى الفكري. ونذكر هنا على سبيل المثال وليس الحصر الجمع بيت الحرية والإكراه، والجمع بين المسؤولية الفردية والله يضل من يشاء، والجمع بين كرامة الإنسان والتمييز بين الناس على أساس الجنس أو الدين. ولن ندخل هنا في التفاصيل، مكتفين ببعض الأمثلة من آيات القرآن للتدليل على ذلك.
وفي هذا المقال سوف اعرض موضوع الجمع بين كرامة الإنسان والتمييز بين الناس على أساس الدين والجنس
-------------

الجمع بين كرامة الإنسان والتمييز بين الناس على أساس الدين والجنس
=============================
نقرأ في آية مكية: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (م50-17: 70). وجاءت عبارة بني آدم سبع مرَّات كلها مكية. وقد استعمل بدلا منها عبارة «يا أيها النَّاس» عشر مرَّات في آيات مكية وعشر مرَّات في آيات مدينة، بينما استعمل عبارة «يا أيها الَّذِين آمنوا» 90 مرّة كلها في آيات مدنية. وهكذا تم تغليب المؤمنين على بني آدم وعلى الناس.
وتم التفريق بين البشر على أساس الإيمان. لا بل أنه وصف غير المؤمنين بأنهم انعام ودواب، مجرِّدًا إياهم من صفة الإنسانية:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (م39-7: 179).
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (م42-25: 44).
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (هـ88-8: 21-22).
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (هـ88-8: 55).
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (هـ95-47: 12).
وقد اعتبر القرآن غير المؤمنين نجس ومجرمين:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا (هـ113-9: 28)
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (م2-68: 35)
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (م39-7: 40)
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (م55-6: 147)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (م75-32: 22)
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (هـ113-9: 66)
وقد سن القرآن على فريضة الجهاد "حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ" (هـ87-2: 193). أي حتى يتحول الناس جميعًا للإيمان. مفرِّقًا يين اهل الكتاب الذين تحكمهم خاصة الآية 29 من سورة التوبة:
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
والمشركين الذين تحكمهم خاصة الآية 5 من نفس السورة:
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
واعتمادًا على هاتين الآيتين وآيات أخرى يرى الفقهاء إنذار غير المسلمين من أهل الكتاب معطين لهم ثلاثة خيارات:
- التحول للإسلام. عندها تصبح دارهم دار إسلام ولهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم نفس الواجبات.
- وإذا رفضوا التحول لإسلام، يفرض عليهم الجزية والخضوع للسلطة الإسلامية.
- وإن رفضوا الخيارين السابقين، يقوم المسلمون بمقاتلتهم حتى انتصار جيوش المسلمين، مع ما يتبع ذلك من سبي النساء والأطفال واسترقاقهم وسلب الأموال وقتل الرجال، باستثناء الرهبان الذين لا يشاركون في الحرب ضد المسلمين.
وإذا لم يكونوا من اهل الكتاب، أي انهم مشركون، فلا خيار لهم إلا بين التحول للإسلام أو السيف. إلا ان هناك فقهاء يسمحون بقبول الجزية من المشركين عن غير طيبة خاطر، بسبب ضعف المسلمين، مع امكانية قتلهم في أي وقت عندما يتمكنوا من ذلك. ولهذا تم ابادة قرابة 80 مليون هندوسي وهدم عدد كبير من معابدهم، تطبيقًا للأحكام الإسلامية. وتعتبر هذه أكبر جريمة ابادة في التاريخ البشري .
ولن ندخل هنا في موضوع الجهاد الذي كرسنا له كتابًا استعرضنا فيه نصوص أكثر من 70 مفسر معتبر.

وَلَمْ يفرق القُرْآن المَكِّي بين الرَّجل والمرأة، على العكس من القُرْآن المَدَنِي. قارن على سبيل المثال بين الآية: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (م70-16: 97) والآية: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» (هـ92-4: 34). ويُلاحَظ في هذا المجال أن آيات الميراث التي تعطي للمرأة عَامَّةً نصف ما تعطي للرَّجل في الميراث (انظر مَثَلًا هـ92-4: 11 و176)، والآية الَّتي تجعل شهادة المرأة تساوي نصف شهادة الرَّجل (هـ87-2: 282)، وآيات القصاص والعقوبات وآيات القتال، ومن ضمنها آية السَّيف وآية الجزية (هـ113-9: 5 و29) اعتبرها الفقهاء ناسخة لما سبقها.


----------
مقتطف من مقدمة كتابي
القرآن الكريم
بالتسلسل التاريخي وفقًا للأزهر
ويتضمن الرسم السرياني والكوفي والإملائي والعثماني مع علامات الترقيم الحديثة ومصادر القرآن وأسباب النزول والقراءات المختلفة والناسخ والمنسوخ والمعاني والأخطاء اللغوية والقراءة السريانية والعبرية
يمكن تحميل هذا الكتاب من هذا الرابط
https://www.academia.edu/66901372