تناقض القرآن: الجمع بيت الحرية والإكراه


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 7678 - 2023 / 7 / 20 - 16:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في أي خطاب كان، يمكن أن نكتشف تناقض على مستويات كثيرة مثل التناقض بين القرآن والمعطيات العلمية والتاريخية والرياضية، وهو عامة ما يبحثه المسلمون تحت بند الإعجاز كما هي العادة في كل ما يمس القرآن من قريب أو بعيد، بإعتبار أن القرآن كتاب الله، والله هو العليم الخبير بإمتياز. والكدح في هذه الصفات يخرج المسلم من الملة. وهذا لا نريد الخوض فيه. ولكن هناك تناقض على المستوى الفكري. ونذكر هنا على سبيل المثال وليس الحصر الجمع بيت الحرية والإكراه، والجمع بين المسؤولية الفردية والله يضل من يشاء، والجمع بين كرامة الإنسان والتمييز بين الناس على أساس الجنس أو الدين. ولن ندخل هنا في التفاصيل، مكتفين ببعض الأمثلة من آيات القرآن للتدليل على ذلك.
وفي هذا المقال سوف اعرض موضوع الجمع بين الحرية والإكراه
-------------
الجمع بيت الحرية والإكراه
-----------------
للاستدلال على سماحة الإسلام واحترامه للحرية الدينية يكرر المسلمون ليلًا نهارًا الآية
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّيْنِ (هـ87-2: 256).
وهناك آيات أخر يذكرها المسلمون للتدليل على الحرية الدينية، نذكر منها:
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (م62-42: 15)
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (م68-88: 21-22)
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (م69-18: 29)
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (هـ89-3: 20)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (هـ112-5: 105)
إلا أن مجلس وزراء العدل العرب التابع للجامعة العربية اعتمد عام 1996 القانون الجزائي العربي الموحد . وهذا القانون ينص على قتل المرتد في مواده التالية:
المادة 162 - المرتد هو المسلم الراجع عن دين الإسلام ذكرا كان أم أنثي بقول صريح أو فعل قاطع الدلالة أو سب الله أو رسله أو الدين الإسلامي أو حرف القرآن عن قصد.
المادة 163 - يعاقب المرتد بالإعدام إذا ثبت تعمده وأصر بعد استتابته وإمهاله ثلاثة أيام.
المادة 164 - تتحقق توبة المرتد بالعدول عما كفر به ولا تقبل توبة من تكررت ردته أكثر من مرتين.
المادة 165 - تعتبر جميع تصرفات المرتد بعد ردته باطلة بطلانا مطلقا وتؤول الأموال التي كسبها من هذه التصرفات لخزينة الدولة.
ونتساءل على أي أساس اعتمد هؤلاء الوزراء، وهم من علية القوم وممثلو العدالة في دولهم، على قتل المرتد رغم الآية «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّيْنِ» (هـ87-2: 256)؟ لنترك الكلام للمذكرة الإيضاحية التي تصاحب هذا القانون حتى لا نتهم بالتقول عليهم:
تناول الفصل السابع الردة والأصل في ذلك قوله تعالي: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (هـ89-3: 85).
وبينت المادة علي سبيل الحصر حالات رجوع المسلم ذكرا كان أم أنثي عن دين الإسلام ومنها سب احد الرسل دون تفريق بينهم
لقوله تعالي: كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (هـ87-2: 285)،
وقوله عز وجل: وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ (هـ92-4: 152)، وقول الرسول صلي الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه،
ولحديث: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير حق. اخرجه الشافعي واحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبي إمامة عن سهل عن النبي صلي االله عليه وسلم وهو في الصحيحين من حديث بن مسعود وعند مسلم وأبي داود من حديث عائشة رضي االله عنها.
وقد شرعت الاستتابة بقوله صلى الله عليه وسلم في حق قاطع الصلاة يستتاب ثلاثا والا قتل.
وقد روي عن أبي موسي انه دعا رجلا ارتد عن الإسلام عشرين ليلة أو قريبا منها فجاء معاذ بن جبل فقال لا اجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله، متفق عليه، ولان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال، هلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه وسقيتموه عله يتوب، اللهم أني لم احضر ولم ارض إذ بلغني، رواه الشافعي.
هذا وإما أموال المرتد التي كسبها بعد الردة فتصير لخزينة الدولة وتصرفاته فيها باطلة للإجماع علي ذلك والخلاف فيما كسبه قبل الردة فذهب مالك والشافعي والراجح في مذهب احمد أن جميع أمواله قبل الردة وبعدها تؤول لخزينة الدولة، إما أبو حنيفة فقد قال أن ما كسبه قبل الردة يصير بين ورثته المسلمين وما كسبه بعد الردة هو الذي يصير لخزينة الدولة وبهذا أخذت اللجنة.
وقد قُدِّمت عدة مشاريع في مصر تنص على قتل المرتد، وافقت عليها السلطات الدينية وعلى رأسها الأزهر. نذكر منها مشروع قدِّم في مايو 1977 ونشرته مجلة الإعتصام. وفي 6 أغسطس من نفس السنة نشرت الأهرام مشروع قانون ينص على قتل المرتد وافق عليه مجلس الدولة. وفي الأول من يوليو 1982 قدمت لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية المنبثقة عن مجلس الشعب المصري اقتراح بمشروع قانون العقوبات ينص في مواده 178-188 على قتل المرتد. وقد كرست المذكرة الإيضاحية صفحاتها 177 إلى 189 لتبرير هذه العقوبة، وذكرت فيما ذكرت الآية هـ87-2: 217: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. واللجنة المذكورة تضم نخبة من علية القوم نذكر منهم الإمام الأكبر شيخ الأزهر، ووزير العدل، ووزير الأوقاف، ورئيس جامعة الأزهر، وفضيلة المفتي، ورئيس محكمة النقض، ورئيس مجلس الدولة، والنائب العام، ورئيس إدارة قضايا الحكومة، ورئيس محكمة استئناف القاهرة، وعمداء كليات الحقوق، وعميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، ونقيب المحامين.
نضيف إلى ذلك أن غالبية قوانين الدول العربية ومشروع الأحوال الشخصية الموحد الذي اعتمده مجلس وزراء العدل العرب عام 1988 تنص على أن المرتد لا يحق له الزواج، وإن كان متزوجًا يبطل زواجه، ويفصل عن إمرأته ويسحب منه أبناؤه ويحرم من الميراث.
ونجد عقوبة الردة في شقيها الجنائي والمدني الآنفة الذكر عند كل الفقهاء المسلمين المعتبرين من جميع المدارس الفقهية. ومما سبق يمكن الإستدلال على أن النص القرآني متناقض على المستوى الفكري فيما يخص موضوع حد الردة.
----------
مقتطف من مقدمة كتابي
القرآن الكريم
بالتسلسل التاريخي وفقًا للأزهر
ويتضمن الرسم السرياني والكوفي والإملائي والعثماني مع علامات الترقيم الحديثة ومصادر القرآن وأسباب النزول والقراءات المختلفة والناسخ والمنسوخ والمعاني والأخطاء اللغوية والقراءة السريانية والعبرية
يمكن تحميل هذا الكتاب من هذا الرابط
https://www.academia.edu/66901372