القرآن يتضمن نصوصا ليست من القرآن وفقا لبعض المسلمين


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 7681 - 2023 / 7 / 23 - 21:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

المقال مسجل في https://youtube.com/live/8rs0a9DzNkY

----------------------

القُرْآن الكِتَاب المُقَدَّس الوحيد غير المحرف!؟
===========================
يَتَّهِم المُسْلِمُون اليهود والنَّصَارَى بتحريف كتبهم، معتمدين على عِدَّة آيات من القُرْآن، منها الآيات هـ55-6: 91؛ هـ87-2: 75؛ هـ87-2: 79؛ هـ87-2: 159؛ هـ87-2: 174؛ هـ89-3: 78؛ هـ89-3: 199؛ هـ92-4: 46؛ هـ92-4: 154؛ هـ112-5: 13؛ هـ112-5: 41. أمَّا فيما يَخُص القُرْآن، فهم يَعْتَبِرونه الكِتَاب المُقَدَّس الوحيد الَّذي لَمْ يتم تحريفه، معتمدين على الآية التَّالِيَة:
م54-15: 9 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
جاء في تَفْسِير الزَّمخشري :
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ» رد لإنكارهم واستهزائهم في قولهم «يَا أَيُّهَا الَّذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ» (م54-15: 6) ولذلك قال إنَّا نحن، فأكد عليهم أنَّه هو المُنْزَل على القطع والبتات، وأنَّه هو الَّذي بعث به جبريل إلى محمد وبين يديه ومن خلفه رصد، حَتَّى نزل وبلغ محفوظًا من الشَّياطين وهو حافظه في كل وقت من كل زيادة ونقصان وتحريف وتبديل، بخلاف الكُتُب المُتَقَدِّمة فإنَّه لَمْ يَتَوَلَّ حفظها. وإنَّمَا استحفظها الرَّبانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيًا فكان التَّحريف وَلَمْ يَكِل القُرْآن إلى غَيْر حِفْظِه. فإن قلت فحين كان قوله إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ردًّا لإنكارهم واستهزائهم، فكيف اتصل به قوله وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ؟ قلت قد جعل ذلك دليلاً على أنَّه مُنْزَل من عنده آية لأنَّه لو كان من قول البشر أو غَيَّر آية لتَطَرَّق عليه الزِّيادة والنُّقصان كما يَتَطَرَّق على كل كلام سواه.
وجاء في تَفْسِير الأزهر :
وإنَّه لأجل أن تكون دعوة النَّبي بالحق قائمة إلى يوم القيامة، لَمْ نُنَزِّل الملائكة، بل أنْزَلنا القُرْآن المستمر تذكيره للناس، وإنَّا لحافظون له من كل تغيير وتبديل أو زيادة أو نُقصان حَتَّى تقوم القيامة.
وجاء في التَّفْسِير المُيَسَّر المعتمد من السُّعُودِيَّة :
إنَّا نحن نزَّلنا القُرْآن على النَّبي محمد، وإنَّا نتعَهَّد بحفظه مِنْ أنْ يُزاد فيه أو يُنْقَص منه، أو يضيع منه شيء.
ولكن ما مدى صحة الادعاء بأن القرآن محفوظ من أي تغيير وتبديل أو زيادة أو نُقصان؟

تكفير من يقول بنقصان أو زيادة في القُرْآن
===========================
يُتَّهَم عَامَّةً الشِّيعة بأنَّهم يقولون بأن القُرْآن مُحَرَّف. ولذلك نجد حملة من التَّيار السُّنِّي ضدَّهم. وأنقل هُنَا فقرة من كِتَاب مؤلفه سنيّ المذهب عنوانه الشِّيعة وتحريف القُرْآن:
يا أَبْنَاء الشِّيعة الاثْنَي عشرة: إن الإيمان بصِحَّة القُرْآن الكَرِيْم أصل من أصول الدِّيْن وأركانه، والكافر به ولو بحرف من حروفه فقد كفر به وبأصل من أصول الدِّيْن، وإنَّ عَدَم الإيمان بِحِفظ القُرْآن وصيانته يَجُر إلى إنكار القُرْآن وتعطيل الشَّريْعَة الَّتي جاء بها رسول الله لأنَّه حينذاك يُحْتَمل في كل آية من آيات القُرْآن الحكيم أنَّه وقع فيها تبديل وتحريف، وحين تقع الاحتمالات تبطل الاعْتِقَادات والإيمانِيَّات، لأنَّ الإيمان لا يكون إِلَّا باليقينِيَّات وأمَّا بالظِّنِّيَّات والاحتمالات فلا يكون .
ويضيف هذا الكِتَاب: «صرح كبار علماء السُّنَّة أن من إعْتَقَد أن القُرْآن فيه زيادة أو نقص فقد خرج من دين الإسلام». ويَسْتَشْهِد في هذا الخصوص بعدد من فقهاء المُسْلِمِين الَّذِين يَعْتَبِرون أن من يعتقد ذلك هو كافر.
ويعتقد عَامَّةً المُسْلِمِين بأن كل ما في القُرْآن هو من القُرْآن. وأن القُرْآن محفوظ من التَّحريف، فلا زيادة ولا نقصان فيه. هذا منطلق عقائدي لا يعيره الباحث أي اهتمام ويُخَالِف ما جاء في المصادر الإسْلامِيَّة ذاتها. فبعضٌ من السُّنَّة والشِّيعة يُقِرُّون بأن في القُرْآن سورًا وآيات ليست من القُرْآن وأن سورًا وآيات ضاعت من القُرْآن. هذا ما سأعرضه فيما يلي.

ما ليس من القُرْآن
============
ابن مسعود يقصي الفاتحة والمعوذتين
-----------------------
هُنَاك من اعْتَبَر أنَّ بَعْض السُّوَر أو بعض الآيات ليست من القُرْآن، ولذلك قام بحذفها من مصحفه.
فقد أنكر عبد الله بن مسعود على لجنة عُثْمَان إضافة المعوذتين إلى القُرْآن (أي سورتي الفلق والنَّاس، وهما آخر سورتين وِفْقًا لترتيب مُصْحَف عُثْمَان هـ113-20 وهـ114-21، وكذلك الأمر مع الفاتحة (أي السُّوْرَة م5-1). فيكون عدد سور مصحف ابن مسعود 111 سورة بدل 114 سورة يَتَضَمَّنها مصحف عُثْمَان . ويقول السُّيوطي حول هذا الموضوع:
إنَّ ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوذتين من القُرْآن، وهو في غاية الصُّعوبة، لأنَّا إن قلنا إن النَّقل المتواتر كان حاصلًا في عصر الصَّحابة بكون ذلك من القُرْآن فإنكاره يوجب الكُفْر. وإن قلنا لَمْ يكن حاصلًا في ذلك الزَّمان فيلزم أن القُرْآن ليس بمتواتر في الأصل .
ويشار هُنَا إلى أنَّ مصحف ابن مسعود كان واسع الانتشار في الكوفة وقد رفض تسليم مصحفه لحرقه معتبرًا ان نصه أفْضَل من نص زيد بن ثابت وأنَّه كان يجب اختياره لجمع القُرْآن بدلًا من زيد، فقد أصبح مسلمًا في مكة قبل مولد زيد. ويخبرنا اليعقوبي: «جمع عُثْمَان القُرْآن وألفه، وصيَّر الطِّوال مع الطِّوال، والقصار مع القصار من السُّوَر، وكتب في جمع المصاحف من الآفاق حَتَّى جمعت، ثُمَّ سلقها بالماء الحار والخل، وقيل أحرقها، فَلَمْ يبق مُصْحَف إِلَّا فعل به ذلك خلا مُصْحَف ابن مسعود. وكان ابن مسعود بالكوفة، فامتنع أن يدفع مُصْحَفه إلى عبد الله بن عامر، وكتب إليه عُثْمَان: أن أشخصه، إنَّه لَمْ يكن هذا الدِّيْن خبالًا وهذه الأمة فسادًا. فدخل المسجد وعُثْمَان يخطب، فقال عُثْمَان: أنَّه قد قدمت عليكم دابة سوء، فكلمه ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عُثْمَان، فجزّ برجله حَتَّى كُسر له ضلعان». ويظهر أن مُصْحَف ابن مسعود استمر موجودًا حَتَّى عام 389 هجرِيَّة حَيْث تم حرقه بعد فتنة بين الشِّيعة والسُّنَّة ببغداد. ويقول السَّرخسي في المبسوط: «ونحن أثبتنا التَّتابع بقِرَاءَة ابن مسعود فإنَّها كانت مشهورة إلى زمن أبي حنيفة حَتَّى كان سليمان الأعمش يقرأ ختمًا على حرف ابن مسعود وختمًا من مُصْحَف عُثْمَان والزِّيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور» .

المعتزلة وسورة المسد
-------------
ويقول المعتزلة بأن سورة المسد (م6-111) ليست من القُرْآن. فقد كان عمرو بن عبيد إمام المعتزلة يتمنى ويقول: «وددت أنني أحك سورة تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ»، لأن المعتزلة كانوا قَدَرِيَّة، وهذه السُّوْرَة نزلت عَلَى أبي لهب وهو ما يزال حيًّا ومُخَاطَبًا بالدَّعوة، وفيها إخبار بأنَّه من أهل النَّار .

الخوارج وسورة يوسف
---------------
ويقول الخوارج أن سورة يوسف (م53-12) أَيْضًا ليست من القُرْآن، وهذا القول يُنسب إلى طائفتين منهم هما العجاردة والميمونِيَّة، وحُجَّتهم في هذا أن القُرْآن جاء بالجد، وسورة يوسف اشتملت على قصص الحب والعشق .

آيات طويلة في سور آياتها قصيرة
----------------------
يُلاحَظ وجود آيات طويلة ضمن سور آياتها قصيرة، يُمْكِن اعتبارها دخيلة على القُرْآن، فهي بمثابة تفاسير رُبَّمَا أُضِيْفَت للنَّص القُرْآني لتوضيح الآيات السَّابِقة لها. منها الآيات التَّالِيَة: هـ3-73: 20، م4-74: 31، م5-1: 7، م13-103: 3، م23-53: 23، هـ23-53: 32، م27-85: 10، م27-85: 11، م28-95: 6، هـ44-19: 58، هـ47-26: 227، هـ55-6: 91 و93، م56-37: 102، م56-37: 158، م64-44: 37، هـ66-46: 15، هـ66-46: 35، م83-84: 25.

رشاد خليفة يحذف آيتين من القرآن
----------------------
ابتدع الدُّكتور رشاد خليفة من القُرْآنيين فكرة الإعجاز العددي للقُرْآن إعْتِمَادًا على الرَّقم 19، الَّذي جاء في الآيات التَّالِيَة:
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ م4-74: 27
لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ م4-74: 28
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ م4-74: 29
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ م4-74: 30
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ م4-74: 31
وقد استقبل المُسْلِمُون نَظَرِيَّته هذه بالتَّزمير والتَّطبيل والتَّهليل. إِلَّا ان حساباته اصطدمت بآيتين أفسدتا عليه نَظَرِيَّته، هما الآيتان التاليتان:
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ م113-9: 128
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ م113-9: 129
فقام بحذفهما من ترجمته الإنْكْلِيزِيَّة للقُرْآن . وبرر موقفه من هاتين الآيتين كما يلي:
ان كلمة الله تتكرر 2298 مرَّة في القران وهذا الرقم من مضاعفات الرقم 19 ولو جمعت أرقام الآيات التي نجد فيها كلمة الله تجد انها 118123 وهذا الرقم ايضا من مضاعفات الرقم 19، ولكننا إذا قبلنا هاتين الآيتين الأخيرتين من سورة التوبة لوجدنا ان النظام العددي للقران سوف ينهار .
وقد تبنَّى نفس الفكرة تلميذه التُّركي اديب يوكسل في ترجمته الإنْكْلِيزِيَّة، مضيفًا الآيتين دون ترقيم وواضعًا مُلاحَظة بأنَّهما ليستا من القُرْآن . ونشير هنا إلى أن عبارة عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ قد قرئت بصورة خاطئة والصحيح تِسْعَةَ عِشَر، جمع كلمة عشيرة، بمعنى فئات او صفوف. فالملائكة عند الشرقيين تسع رتب وطغمات ܬܓ̣ܡܐ تِغمِهْ.

----------
مقتطف من مقدمة كتابي
القرآن الكريم
بالتسلسل التاريخي وفقًا للأزهر
ويتضمن الرسم السرياني والكوفي والإملائي والعثماني مع علامات الترقيم الحديثة ومصادر القرآن وأسباب النزول والقراءات المختلفة والناسخ والمنسوخ والمعاني والأخطاء اللغوية والقراءة السريانية والعبرية
يمكن تحميل هذا الكتاب من هذا الرابط
https://www.academia.edu/66901372