آية حيرت المفسرين - وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 7723 - 2023 / 9 / 3 - 22:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تقول سورة البقرة الآية 40:
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
ما معنى
وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ؟

عندما قمت بترجمة هذه العبارة للغات الفرنسية والإنكليزية والإيطالية وقعت في حيرة كبيرة
أنظر في هذا الخصوص حيرة أكثر من 50 ترجمة إنكليزية
https://www.islamawakened.com/quran/2/40/default.htm

وهذه الحيرة ناتجة عن وجود آيات قرآنية أخرى تتكلم عن الوفاء بالعهد من طرف المتعهد:
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ م74-23: 8
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ هـ87-2: 177
بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ هـ89-3: 76
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ هـ113-9: 111

الآية 40 من سورة البقرة عند المفسرين
تفسير المنتخب
40- يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى تفضلت بها عليكم أنتم وآباؤكم بالتفكير فيها والقيام بواجب شكرها، وأوفوا بعهدى الذى أخذته عليكم وأقررتموه على أنفسكم، وهو الإيمان، والعمل الصالح، والتصديق بمن يجيئ بعد موسى من الأنبياء، حتى أوفى بوعدى لكم وهو حسن الثواب والنعيم المقيم، ولا تخافوا أحداً غيرى، واحذروا من أسباب غضبى عليكم.
تفسير الجلالين
{يَٰبَنِى إِسْرٰءيلَ } أولاد يعقوب {ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أي على آبائكم من الإنجاء من فرعون وفلق البحر وتظليل الغمام وغير ذلك بأن تشكروها بطاعتي {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى } الذي عهدته إليكم من الإيمان بمحمد {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } الذي عهدته إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة {وَإِيَّٰىَ فَٱرْهَبُونِ } خافونِ في ترك الوفاء به دون غيري.
الزمخشري
والعهد يضاف إلى المعاهِد والمعاهَد جميعاً. يقال أوفيت بعهدي، أي عاهدت عليه كقوله: { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } [التوبة:111] وأوفيت بعهدك: أي بما عاهدتك عليه. ومعنى {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى } وأوفوا بما عاهدتموني عليه من الإيمان بي والطاعة لي، كقوله: { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ } [الفتح:10]، { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَـٰهَدَ ٱللَّهَ } [التوبة:75]، { رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } [الأحزاب:23]، {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على حسناتكم

وإن فهمنا هذه الآية بهذا الأسلوب يكون المعنى: إن توفوا بعهدي أوف بعهدكم. وكأن وفاءه سبحانه للعهد متوقف على على وفاء هؤلاء وهي مسألة مشكوك فيها وكأنه سبحانه لن يوفي بعهده إن لم يوفوا هم. فلماءا علق وفاءه بوفائهم الذي لن يحدث؟

والطريق الأسهل لحل هذه المشكلة هو اعتبار هذه الآية فيها تقديم وتأخير، والصحيح
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِكم أُوفِ بِعَهْدِي وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
مما يعني أن الآية "مخربطة"، أو كما يسميها الأستاذ مجدي حسين: آية مقلوبة.
ونظرية التقديم والتأخير معروفة عند المفسرين، وهناك قرابة مئة آية فيها تقديم وتأخير (مخربطة) ذكرتها في هوامش طبعتي العربية للقرآن
ومن يود المزيد يمكنه الرجوع للمصادر التالية:
المسيري: "دلالات التَّقديم والتَّأخير في القُرْآن الكَرِيْم"
شيخون: "أسرار التَّقديم والتَّأخير في لغة القرآن الكريم"
السُّيوطي: "الإتقان في علوم القُرْآن"
مَكِّي بن أبي طالب القيسي: "مشكل إعراب القُرْآن"
تفسير ابن عاشور: "التَّحرير والتَّنوير"
الإسكافي: "درة التنزيل وغرة التأويل"
حميد: "التَّقديم والتَّأخير في آيات القرآن المتشابهة لفظًا"
الطيار: "الآيات المتشابهات"
حسين: "إعادة بناء الجملة القرآنية" و"الجملة القرآنية المقلوبة"

فما رأيكم زاد فضلكم؟
----------

مقتطف كتابي
القرآن الكريم
بالتسلسل التاريخي وفقًا للأزهر
ويتضمن الرسم السرياني والكوفي والإملائي والعثماني مع علامات الترقيم الحديثة ومصادر القرآن وأسباب النزول والقراءات المختلفة والناسخ والمنسوخ والمعاني والأخطاء اللغوية والقراءة السريانية والعبرية
يمكن تحميل هذا الكتاب من هذا الرابط
https://www.academia.edu/66901372