فهم جديد لصيام رمضان - دافيد بلحسن


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5972 - 2018 / 8 / 23 - 16:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ملاحظة عامة - سامي الذيب
------------------
بعد عرض شريط فيديو طويل سجلته بالفرنسية مع ديفيد بلحسن https://youtu.be/V9ruX1BocZA حول الصيام اليهودي والمسيحي والإسلامي، طلبت منه عرض أهم ما جاء فيه ليتم ترجمته ونشره باللغة العربية. وقد نشرت مقاله بالفرنسية https://wp.me/p1gLKx-kiG واعطيكم هنا ترجمة لهذا المقال مع بعض التصرف وحصولي على موافقته.
والمعلومات التي يقدمها ديفيد بلحسن غنية جدا وجديدة تقلب رأسًا على عقب مفهوم المسلمين والباحثين الغربيين لرمضان. واترك لكم الحكم على ما ذكره بأنفسكم، راجيا اعطائي رأيكم في الموضوع دون انفعال عاطفي.
.
دافيد بالحسن باحث مستقل، متخصص في علم أصول الكلام étymologue وكاتب أفلام وثائقية، درس اللغات الشرقية الحية والعلوم السياسية في جامعة السوربون وعلم الآثار والجغرافيا في جامعة حيفا، وحاليا اسجل معه حلقات حول اللغة العبرية في القرآن، وله كتابان بالفرنسية: https://goo.gl/ R4aQLK
إسرائيل الحب وخيبة الأمل: قصة طريق ايديولوجي
الكراهية الآن؟ : مفهوم الصهيونية والفلسطينية، سبع مطبات الصراع

________________________________________

صوم رمضان والحداد اليهودي على تدمير اورشليم القدس: هل هناك صلة بينهما؟
--------------------------------------------------
.
رمضان والصيام في القرآن
-----------------
كلمة رمضان كلمة يتيمة في القرآن، أي لم يأتي ذكرها إلا مرة واحدة في سورة البقرة الآية 185 ضمن سياق غامض وعبارات مبهمة إلى حد ما. وهو امر مدهش عندما نعرف محورية هذا الصوم في الممارسات الإسلامية، حيث يعتبر واحد من "الأركان الخمسة" للإسلام.
وسورة البقرة هي السورة الثانية في القرآن ولكنها السورة 87 بالتسلسل التاريخي، تقع في بداية العصر المدني، أي بعد هجرة محمد واتباعه من مكة نحو الشمال إلى مدينة يثرب التي قام بمحاصرتها، وكانت معقلا لغالبية من اليهود الناطقين بالعبرية والآرامية. وقد سميت لاحقا المدينة، وهي كلمة ارامية وتعني مدينة القضاء.
.
وتجدر الإشارة إلى أن كلمة صيام لم يتم ذكرها في القرآن المكي إلا مرة واحدة وفي معنى الصيام عن الكلام وذلك في سورة مريم:
"فكلي واشربي وقري عينا فاما ترين من البشر احدا فقولي اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا".
أي لا علاقة له بالصيام بالمعنى المتعارف عليه. مما يعني ان القرآن لم ينظم الصيام في العهد المكي وأن المسلمين لم يصوموا من عام 610 إلى 622.
.
وأول مرة ذكر الصيام كان في سورة البقرة في الآيات التالية
183 - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
184 - أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
185 - شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
.
وواضح من الآية الأولى ان القرآن فرض الصيام على المسلمين كما على الذين من قبلهم. ولكن ما هو هذا الصيام الذي فرض على الذين من قبلهم؟ هنا علينا ان نتعرض لمعنى آية رمضان.

معنى كلمة رمضان
--------------------
كلمة رمضان من الآرامية ( رمص) ومنها دخلت في عبرية المشنا، ولا ذكر لها في التوراة، وتعني الجمرة والآتون والحر الشديد (انظر تلمود القدس، كتاب السبت 6، 4). مما يعني ان اصلها رمصان ... وتم تنقيطها خطأ في القرآن فأصبحت رمضان. علمًا ان التنقيط دخل القرآن متأخرا ولا وجود له في المخطوطات القديمة.
وقد سمي شهر رمضان (رمصان) لوقوعة في احر أوقات السنة وفقا للتقويم القمري - الشمسي، أي التقويم الذي يضيف شهرا كل بضع سنين لكي يوازي التقويم القمري التقويم الشمسي الذي يقل عنه 11 يوما، كما كان يفعل اليهود والعرب قبل الإسلام. وهكذا يقع دائما رمضان في وقت الحر.
وبما ان القرآن حذف شهر النسيئ في سورة التوبة الآيتين 36 و 37، أصبح التقويم الإسلامي فقط قمري وعدد الأشهر 12 شهرا دون إضافة... ولذا يقع رمضان في فصول مختلفة من ضمنها فصل الشتاء... وهو تناقض واضح. ولكن ما الهدف من حذف شهر النسيء؟ هل لكي يتم الأنفصال عن اليهود؟ ليس هنا مجال بحث هذا الموضوع.
.
معنى كلمة شهر
----------
تقول الآية 185:
"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"
جاءت كلمة شهر في التوراة. فنقرأ على سبيل المثال في سفر القضاة الفصل الثامن الآية 26:
"كان وزن اقراط الذهب التي طلب الفا وسبع مئة شاقل ذهبا ما عدا الاهلّة والحلق واثواب الارجوان".
واضح من هذه الآية ان كلمة شهر لا تعني عدد الأيام بل نوع من الزينة بشكل هلال. فكلمة شهر تعني أصلا أول ظهور القمر بشكل هلال. ثم بعد ذلك تم استعمال كلمة شهر للدلالة على عدد أيام.
.
وقد جاء ذكر لهذا المعنى في تفسير الطبري: "الشهر فـيـما قـيـل أصله من الشهرة، يقال منه قد شهر فلان سيفه إذا أخرجه من غمده فـاعترض به من أراد ضربه، يشهره شهراً وكذلك شهر الشهر إذا طلع هلاله، وأشهرنا نـحن إذا دخـلنا فـي الشهر".
وجاء في لسان العرب: "والشَّهْرُ القَمَر، سمي بذلك لشُهرته وظُهوره ... وفي الحديث: صوموا الشَّهْرَ وسِرَّه؛ قال ابن الأَثير: الشهر الهلال، سُمِّي به لشهرته وظهوره، أَراد صوموا أَوّل الشهر وآخره.... والعرب تقول: رأَيت الشهر أَي رأَيت هلاله".
وجاء في مقاييس اللغة: "والعرب تقول: رأَيت الشهر أَي رأَيت هلاله".
.
فيكون معنى الآية 185
"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"
"هلال رمضان الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الهلال فَلْيَصُمْهُ"
.
وكان اليهود يعتمدون على رؤية هلال القمر لمعرفة بداية الشهر. وهذا يتطلب شهادة شاهدين وفقا للمشنا اعتمادا على الآية 15 من الفصل 19 من سفر التثنية:
"لا يقوم شاهد واحد على انسان في ذنب ما او خطية ما من جميع الخطايا التي يخطئ بها. على فم شاهدين او على فم ثلاثة شهود يقوم الامر".
ووفقا للمشنا يتوجه الشاهدان إلى الكهنة في المعبد في القدس ليدلوا بشهادتهم، وعند التأكد من قولهما يقدمون لهما مأدبة فخمة يتبعها صيام للشاهدين لمدة يوم أو يومين ويتم اعلان بداية الشهر بالأبواق (الشوفار) وتقديم التضحيات الحيوانية إلى المذبح. وبعد تدمير الهيكل الثاني في القدس، حلت محل شهادة الشاهدين حسابات فلكية. لكن تيارات يهودية استمرت لعدة قرون على العادة القديمة. وحتى اليوم، ما زال اليهود القرائيون يعتمدون شهادات شهود العيان. والجماعات الناشطة اليهودية تتمرن على معاينة الهلال على أمل إعادة بناء الهيكل في القدس عند مجيء المسيح.
.
وتجدر الإشارة إلى أن مشاهدة الهلال لا يدوم إلا 15 إلى 20 دقيقة ثم يختفي في الأفق وراء غروب الشمس. ويلاحظ هنا العلاقة بين كلمتي الشاهد والمشاهدة. ويلاحظ هنا ان رؤية هلال رمضان سهلة في حالة وقوعه في احر أوقات السنة إذ إن السماء غير مغطاة بالسحب. بينما إذا وقع رمضان في الشتاء، هنا تصبح رؤية الهلال صعبة بسبب السحب.
.
وما سبق قوله له علاقة بآية صيام رمضان. فالقرآن يقول: "فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ". أي أن الصيام مفروض فقط على من يشاهد الهلال. فكلمة شهر هنا لا تعني 30 يوم بل هلال رمضان. وهذا يدل على أن الصيام لم يكن مفروضا أصلا إلا على من كان شاهدا على رؤية هلال رمضان.. وهذا يتفق مع تعاليم اليهودية إذ كان الصيام مقتصرا على الشهود لمدة يوم أو يومين، ولكن تحول الأمر إلى عادة جماعية وامتد لعدة أيام بخصوص صيام آب الذي يذكر بهدم الهيكل ومدينة اورشليم القدس. ومن هنا جاء في الآية 184 "أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ". فالقرآن هو لم يحدد صيام كل أيام رمضان. بل "أياما معدودات".
.
وإليكم بعض التفاصيل بخصوص صيام اليهود لنرى أوجه التشابه بينه وبين صيام المسلمين لكي نفهم الآية 183:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"
.
صيام اليهود وصيام رمضان
-----------------
في اليهودية صيامان

ا1) صيام يوم الغفران والذي يصادف العاشر من شهر تشرين في التقويم اليهودي، وهو تذكير بتطهير مكان التضحية في الهيكل بعد إعادة بنائه وكتكفير عن الآثام. ويسمى يوم الغفران، وقد جاء ذكره في سفر اللاويين الفصل 32 الآية 27: "أَمَّا العاشِرُ من الشَّهرِ السَّابعِ هذا، فهو يَومُ التَّكْفير، يَكونُ لَكم مَحفِلاً مُقَدَّساً تُذَلِّلونَ فيه أَنفُسَكم وتُقَرِّبونَ ذبيحةً بِالنَّارِ لِلرَّبّ". وهذا الصيام هو ما يسمى بصيام عاشوراء الذي صامه محمد واصحابه حسب المصادر الإسلامية اسوة باليهود. وواضح ان تسمية عاشوراء لها علاقة بالرقم العاشر.
.
2) صيام اليوم العاشر من شهر آب في التقويم اليهودي، وهو حداد على هدم الهيكل ومدينة اورشليم القدس من قبل جيوش نبوخذ نصر ملك بابل في القرن السادس قبل الميلاد وفي المن الروماني عام 70 بعد الميلاد في نفس الشهر. وكان الشهود يبدؤون الصيام عند رؤية الهلال في بداية شهر آب، وفي اليوم العاشر كان كل الشعب يصوم. وبعد انتهاء الصيام كان يحق أكل اللحوم. وهو ما يذكرنا بعيد الفطر الذي ينهي صيام رمضان عن المسلمين. ولكن هناك تيار متزمت يهودي يصوم كل العشر أيام وبعضهم كل شهر آب حدادا على هدم الهيكل. وكان صيامهم يمتد من طلوع الشمس إلى غيابها يكما يفعل المسلمون.
.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن شهر آب هو أحر شهر في الصيف كما هو الأمر مع رمضان كما يشير معنى الكلمة. مما يعني ان شهر آب يوافق شهر رمضان بخصوص الطقس فهما أحر شهران في السنة. وشهر رمضان هو الشهر الخامس في التقويم العربي قبل الإسلام كما أن آب هو الشهر الخامس في التقويم اليهودي وفقا للتوراة. فشهر رمضان عند العرب قبل الإسلام يوافق تمامًا شهر آب عن اليهود. ولم يصبح شهر رمضان في التقويم الإسلامي الشهر التاسع إلا عشر سنين بعد الهجرة. وواضح من الآية 185 أن صيام رمضان له علاقة بصيام آب كحداد على هدم الهيكل. وبرهان ذلك أن الآية 183 تقول "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".
.
ويربط القرآن بين صيام رمضان ونزول القرآن: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ". وهذا يشبه ربط بعض اليهود بين الصيام ونزول التوراة على موسى، إذ وفقا للتوراة قام موسى بالصيام أربعين يوما وأربعين ليلة قبل استلام التوراة من الله على جبل سيناء (سفر الخروج الفصل 34 الآية 28). ولكن ليس هناك في التوراة أي امر بالصيام اسوة بموسى أو كذكرى لنزول التوراة. والربط الحقيقي هو بين صيام رمضان وصيام شهر آب الذي هو حداد على هدم الهيكل. والانتقال من صيام الشاهد على رؤية هلال كما في المشنا إلى صيام شهر كامل هو امتداد لصيام تيار متشدد يهودي يصوم شهرا كاملا حدادا على هدم الهيكل ويسمون فرقة الحداد على صهيون.
.
ماذا على المسلمين عمله؟
----------------
والآن ماذا على المسلم أن يفعل إن أراد ان يكون أمينا مع نص وروح القرآن؟
1) إن كان شاهد عيان لظهور هلال شهر رمضان، عليه أن يصوم أياما معدودات: يوم أو يومين
2) إذا لم يكن نفسه شاهد عيان لظهور هلال شهر رمضان، فيمكنه الصيام اختيارًا
3) إن شاء ان يتشبه بشاهد رؤية هلال شهر رمضان، يمكنه ان يصوم اليوم التالي لرؤية لهلال
4) إن شاء يمكنه أن يفعل كما يفعل اليهود بأن يصوم من أول شهر رمضان إلى العاشر من رمضان
5) إذا أراد المزايدة على طريقة فرقة الحداد على صهيون فيمكنه الصيام شهرًا كاملًا. ولكن عليه أن يتذكر الآية: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" (سورة البقرة 2:185).
.
والصيام 29 أو 30 يوم من الفجر حتى غروب الشمس في الصيف عذاب في ذاك الزمان وفي أيامنا حتى بالنسبة للأصحاء. ولذلك على المسلمين إعادة قراءة ما تقوله بالضبط الآيات القرآنية عن الصيام بتمعن كما يفعل في البحث عن هلال رمضان حتى لا يتم الاعتماد بشكل أعمى على المفسرين أو تلاعبات المسلمين اللاحقين الذين أرادوا تحرير القرآن من تأثير التيار اليهودي التلمودي أو من سبق القرائيين والفرق النصرانية اليهودية
.
دافيد بلحسن