آية الحمير (2)


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5693 - 2017 / 11 / 9 - 12:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

عودة إلى آية الحمير
------------
جاءت آية الحمير في سورة لقمان. تقول هذه السورة في الآيات 12-19:
وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ
.
تحمل سورة لقمان الرقم 31 في القرآن المتداول
وتحمل الرقم 57 بالتسلسل التاريخي
مما يعني انها سورة مكية. واسم السورة مأخوذ من الآية 12 المذكورة اعلاه
.
جاء في سيرة إبن هشام أن محمدًا دعى الشاعر سويد بن صامت إلى الإسلام، فأجابه فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِي، فَقَالَ لَهُ النبي: وَمَا الَّذِي مَعَكَ؟ قَالَ: مَجَلَّةُ لُقْمَانَ - يَعْنِي حِكْمَةَ لُقْمَانَ - فَقَالَ لَهُ النبي: اعْرِضْهَا عَلَيَّ، فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ هَذَا لَكَلَامٌ حَسَنٌ، وَاَلَّذِي مَعِي أَفَضْلُ مِنْ هَذَا، قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ الله عَلَيَّ، هُوَ هُدًى وَنُورٌ. فَتَلَا عَلَيْهِ النبي القرآن، وَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا لَقَوْلٌ حَسَنٌ. ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قتلته الْخَزْرَج (http://goo.gl/57brz4).
.
ولقمان غير معروف في العهد القديم وقد يكون احيقار الوزير الأشوري الذي ينسب إليه كتاب حكم احيقار المكتوب بالآرامية ويُقدّر أنه عاش في نينوى في زمن الملك سنحاريب (705-681 ق.م.) والملك اسرحدون (680-669 ق.م.). ونجد إسمه في العهد القديم في سفر طوبيا (1: 21-22؛ 2: 10؛ 11: 19؛ 14: 10). أنظر فريحة، أنيس: أحيقار حكيم من الشرق الأدنى القديم، جامعة بيروت الأمريكية، منشورات كلية العلوم والآداب، بيروت 1962.
.
بخصوص تكريم الوالدين يقول احيقار: «لا تجلب عليك لعنة أبيك وأمك وإلا فإنك لن تفرح بنعمة بنيك» (فريحة: احيقار حكيم من الشرق الأدنى القديم، رقم 24، ص 74)
.
وبخصوص الحمير، يقول احيقار: «يا بني، انظر بعينيك إلى أسفل واخفض صوتك وتطلع إلى تحت. فإنه لو كان المرء يستطيع أن يبني بيتا بالصوت العالي المرتفع لكان الحمار يستطيع أن يبنى دارين في يوم واحد» (فريحة: احيقار حكيم من الشرق الأدنى القديم، رقم 6، ص 70).
.
وهناك شبه بين حكم احيقار والآية هـ87-2: 282 التي تقول:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
يقول احيقار: «يا بني، لا تعطي لأحد اموالك دون كتابتها ودون شاهد، وإلا سوف ينكرها فتصبح متحسرًا» (النص الأرمني في Histoire et sagesse d Ahikar l Assyrien رقم 191، ص 268)
.
واكرام الوالدين نجده أيضا في الآية هـ66-46: 15
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
ونجده في الآيتين م57-31: 14
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
زنجده في الآية هـ85-29: 8
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
.
وقضية الشرك ليست في حكم احيقار، ولكن نجدها في العهد القديم:
«وإِن أَغْراكَ سِرًّا أَخوكَ، إبن أُمِّكَ، أَوِ ابنُكَ أَوِ ابنَتُكَ أَوِ امرَأتكَ الَّتي في حِضنِكَ، أَو صَديقُكَ الَّذي هو كنَفْسِكَ قائلًا: هَلُمَّ نَعبُدُ آِلهَةً أُخْرى لم تَعرِفْها أَنتَ وآباؤُكَ مِن آِلهَةِ الشعوبِ الَّتي حَوالَيكمُ القَريبَةِ مِنكم والبَعيدةِ عنكم، مِن أَقاصي الأَرضِ إِلى أَقاصيها، فلا تَرْضَ بِذلك ولا تَسمَعْ لَه ولا تَعطِفْ عَينُكَ علَيه ولا تبقِ علَيه ولا تَستُرْ علَيه، بلِ اقتلْه قَتْلًا. يَدُكَ تَكونُ علَيه أَوَّلًا لِقَتلِه، ثُمَّ أَيدي سائِرِ الشَّعبِ أَخيرًا. ترجُمُه بِالحِجارةِ فيَموت، لأَنَّه حاوَلَ أَن يُبعِدَكَ عنِ الرَّبِّ إِلهِكَ ألَّذي أَخرجَكَ مِن أَرضِ مِصرَ، مِن دارِ العُبودِيَّة. فيَسمعُ كُل إِسْرائيلَ ويَخافُ فلا يَعودُ يَصنعُ مِثلَ هذا الأَمرِ المُنكَرِ في وَسْطِكَ» (تثنية 13: 7-12).
ونجد نصا مشابها في العهد الجديد:
«مَن كانَ أَبوه أو أُمُّه أَحَبَّ إِلَيه مِنّي، فلَيسَ أَهْلًا لي. ومَن كانَ ابنُه أَوِ ابنَتُه أَحَبَّ إِلَيه مِنّي، فلَيسَ أَهْلًا لي» (متى 10: 37)
«مَن أَتى إِلَيَّ ولَم يُفَضِّلْني على أَبيهِ وأُمِّهِ وامَرأَتِه وبَنيهِ وإِخوَتِه وأَخواتِه، بل على نَفسِه أيضًا، لا يَستَطيعُ أَن يكونَ لي تِلميذًا» (لوقا 14: 26).
.
وفي أسباب النزول:
قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وَقَّاص، وذاك أنه لما أسلم قالت له أمه حَمْنَةٌ: يا سعد، بلغني أنك صبوت، فوالله لا يُظِلّني سقف بيت من الضِّحِّ والرِّيح، ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد وترجع إلى ما كنت عليه. وكان أحب ولدها إليها، فأبى سعد، وصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل بظل حتى خُشي عليها، فأتى سعد النبي، وشكا ذلك إليه، فنزلت هذه الآية، والتي في لقمان (57-31: 14)، والأحقاف (66-46: 15). عن أبي عثمان النَّهْدِي، أن سعد بن مالك، قال: كنتُ رجلًا برًّا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لَتَدَعَنَّ دينك هذا، أَوْ لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتُعيَّر بي فيقالَ: يا قاتل أمه. قلت: لا تفعلي يا أُمَّه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. قال: فمكثت يومًا وليلة لا تأكل، فأصبحتْ قد جهت. قال: فمكثت يومًا آخر وليلة لا تأكل، فأصبحت وقد اشتد جهدها. قال: فلما رأيت ذلك قلت: تعلمين والله يا أمَّه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا، ما تركت ديني هذا لشيء؛ إن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي؛ فلما رأت ذلك أكلت. فنزلت هذه الآية
.
ويظهر هنا ان القرآن حشر قصة الشرك التي اخذها من التوارة في قصة لقمان.
.
سوف اعود في مقال لاحق إلى ما ذكره المفسرون بخصوص آية الحمير.
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb