الخوف من الأنبياء الجدد (4)


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5492 - 2017 / 4 / 15 - 20:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

سبق ان نشرت مقالا http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=537496
عن كتاب صديقي استاذ الرياضيات
ريمون نجيب شكوري: صحوتي الفكرية
الذي يمكن تحميله مجانا من احد الرابطين التاليين
https://goo.gl/0X3tkS أو https://goo.gl/yibrQu
أو من موقعي
http://sami-aldeeb.com/livres/330563683.pdf
كما يمكن الحصول عليه ورقيا من موقع امازون https://goo.gl/wvUdQM
.
وقد ارسل لي اليوم الرسالة التالية التي سمح لي بنشرها:
.
الأخ الفاضل الدكتور سامي الذيب
تحيات ملؤها العطر
إنني أفهم وأتفهم أن إضفاءك لقب ”نبي“ على نفسك لم يكن هدفه سوى سلخ القداسة والعصمة عن كلِ أولِئك الأنبياء الذين يجَّلُهم ويعظِّمهم البشر طوال التاريخ. الحقيقة إني أعتبر إضفاءك هذا اللقب أحد وسائلك البارعة في معالجة الأمور الحساسة. وقد أبديتُ إعجابي بها أمام معارفي وأصدقائي إذ كنتُ أقول لهم دائماً أنك تمتلك أسلوباً بارعاً في معالجة تلك الأمور كبراعة مصارع محترف للثيران في تفادي قرون ثور هائج
ولا يُخفى أن رعاع جميع الأديان لا يختلفون كثيراًعن قطيع ثيران هائجة
لكن دعوتك في الآونة الأخيرة الى إنتخاب ”نبي“ جديد جعلتني أُراجع وجهة نظري. فأرجو أن تسمح لي أن أعبر عن رأيي في دعوتك
إني أتفق معك في أن العالم في حاجة الى ثورةٍ تنفجر في داخل النفوس، ثورة تهشم الأُطرَ الفكريةَ السائدة. لكنني مع ذلك لا أتفق معك في أن تكون تلك الثورة مقصورة فقط على العالم الإسلامي. إذ ينبغي ألَّا ننسى أن المشاكل التي تواجه العالم الإسلامي نابعةٌ جزئياً إن لم يكن كلياً الى العالم الغربي. وبالرغم من أن الدول الغربية تدَّعي محاربة الإرهاب إلا أن سياساتِها تؤدي على المدى البعيد ــ حسب رأيى ــ الى عكس ما تدَّعيه. إذ تؤول الى إيقاظ المتطرفين المصابين بڤيروس الدين من سباتهم الفكري ليتشبثوا بالنصوص الداعية الى الكراهية والتعويل عليها بأعمالهم الإجرامية. ونتيجة الى ذلك تقوم تلك الدول ــ بوعي أو من دون وعي (وأرجح أن يكون بوعيها) على إستنبات الإرهابِ والشدِّ من أزره. ولا أظن أن رأيي غريب عنك فقد طرحتُه في
”صحوتي الفكرية“
عندما أقرأ تعابيرك في طرح قضيتك أجدها كلمات بليغة فى الدعوة الى حكومة أُسميِّها عالمية ذات دستور مرتكز على لائحة حقوق الإنسان وعلى قوانين تضمن أن ترثَ الأجيالُ القادمة كوكباً صالحاً للحياة.
ليس في نيتي أن أتناول في هذه الرسالة موضوع إمكانية أو عدم إمكانية وجود في الوقت الراهن مثل تلك الدولة اليُـتـوپـية على أرض الواقع. إنما أود التركيز على ما بدى لي أن إهتمامك مُنْصَبٌ أكـثر على إسباغ لقب ”نبي“ على رئيس تلك الدولة الضبابية. إذ أنك أكَّدتَ على وجوب إحتواء دستورها نظاماً لإنتخابه بأسلوب دوري ديمقراطي شبيه بما يُتَّبع حالياً في الدول الغربية.
صديقي وعزيزي دكتور سامي
ينبغي الإدراك أن مفردات اللغة لا يمكن تغيير معني المفردات بِسَنِّ قوانين. الأسدُ يبقى حيواناً مفترساً حتى ولو وضعنا ألف قانون بأنه حيوان أليف. فيجب إذن أن ننعش ذاكرتنا بمعنى كلمة ”نبي“
يظهر بين عصر وآخر إنسان ذو شخصية فذة ونادرة تتمازج فيها تناقضات وتضاربات من الحكمة والهلوسة ومن الإستقامة والدجل وتمتلك إحساساً مفرطاً الى ما يحتاج مجتمعُه من تغيير فيما يسوده من قيم أو تقاليد أو أحكام غير منسجمة مع مستجدات العصر. هذا الإنسان لا يأخذ مسؤولية أمور مجتمعه على عاتقه فحسب بل يُعَمِّق ويُؤجِّج مشاعر مواطنيه بتلك الحاجة ويعمل بإستماتة وتضحية لتحقيق التغيير المطلوب معتمداً على جميع الوسائل المتاحة له ومدعياً بأنه هو على إتصال بقوى غيبية فوق بشرية تأمره بإجراء التغيير والتي بدورها تُرسل وعوداً من خلاله بمكافأة مَنْ يَتَّبِع الى ما يدعو اليه وبعقاب مَنْ لا يتبعها. وهذا الإنسان ـــ إذا توافرت ظروف إجتماعية ودولية ونجح نجاحاً باهراً في مسعاه بحيث صار له أتباع كُثْر يُقَدَّرون بالملايين وإذا إستدامتْ نجاحاته دهوراً طويلة ـــ عندئذ وفقط عندئذ يُنعت بأنه نبي
إذن ليس الكلام عن إنتخاب أو الترشيح لإنتخاب نبي سوى أنه تلاعب بالألفاظ. تلاعب لا يخدم أي هدف. يكفي ما ورثنا من أنبياء. فقد تشرذم البشر إمَّا بسببهم مباشرةً وإمَّا بسبب أتباعهم الى شراذم وفئات متكارهة ومتباغضة وآحياناً متحاربة، وزن مزيداً منهم في القرن الحادي والعشرين يزيد الطين بلة. بل علينا أن نجد مواطن الخلل في مجتمعاتنا لا أن تبحث عن أنبياء جدد
يظهر لي ــ من ملاحظاتي الخاصة ــ أن معظم الناس يعتقدون أن الأعمالَ الإرهابية التي تنفذها فئات من البشر ورد الفعل عليها من فئات أُخرى ناتجةٌ من إتِّباعِ تلك الفئات تعاليم أنبيائهم المنصوص عليها في الكتب التي يقدسونها ومن الإقتداء بالسلوك الشخصي لأولئك الأنبياء. لا يمكنني أبداً نكران أن لتعاليم الأنبياء وللإقتداء بسلوكهم دوراً في ذلك. ولكني لا أعتقد أنه العامل الأساسي لها. إنما عاملها الفاعل الرئيسي ــ حسب إعتقادي ــ هو العمليات المبرمجة التي تُجريها جميع الأديان (وخاصة التوحيدية) على عقول بلايين البشر منذ سني الطفولة في غرس تقديسٍ متطرفٍ وتبجيلٍ مفرط لأنبيائهم ولرموزهم الدينية وفي العمل في الوقت نفسه على إستنبات الكراهية للفئات الأُخر
لابد أن تنتج تلك البرمجة بعض المتطرفين الذين يسهل إستغلالـَهم من قِبَـلِ رجال الدين المتسيسين ورجال السياسة المتفقهين إستغلالاً يخدم أغراضهم الذاتية أو السياسية
مما لا شك فيه أن الذين يقومون حالياً بالأعمال المقززة الداعشية وأولئك الذين قاموا بالإبادات العرقية البشعة في دويلات يوغسلافيا السابقة هم تتاج تلك البرمجة
أني لا أكتب لك هذه الرسالة كي أُثْنيك عن مسعاك إنما كي أوضح اليك موقفي منها
ملاحطة
لا مانع لدي من آن تنشر رسالتي في موقع الحوار المتمدن إذا إرتأيتَ ذلك وأن ترد عليها إذا أعجبك.
ريمون
.
هنا انتهت الرسالة. فما رأي قارئاتي وقرائي؟
.
ادعموا حملة "الترشيح لنبي جديد"
http://www.ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=919
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb