أنا أتَّهمكم أيُّها الأمريكيُّون


سعيد ناشيد
الحوار المتمدن - العدد: 3854 - 2012 / 9 / 18 - 16:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

نعم، أتّهمكم أيها الأمريكيون، أتهمكم في هذه الهمجية الدينية التي يقوم بها المسلمون أمام سفاراتكم في تونس ومصر وليبيا واليمن والسودان وباكستان. ربما لا تدرون كم هي مهينة لنا هذه المشاهد، حين نتسلق حيطان سفاراتكم على مرأى من الملأ الذين ينظرون، حين نحرق ونسرق ونرفع أعلاما سوداء ونرقص رقصة القراصنة العميان، ثم نشهر سيوفاً صدئة في وجه طواحين الهواء صائحين الله أكبر. لستُ أخفي خجلي ووجلي من نفسي ومن مرارة العار الذي أتجرّعه جرّاء همجيتنا المخيفة. لكني أتهمكم أكثر ما أتهم تخلفنا نحن المسلمين. بالتأكيد نحن قوم متخلفون إلى حد الحضيض أو الدرك الأسفل من الحضارة والتحضر، لكني أتهمكم أنتم أولاً، وأنتم بالأولى، وأنتم بالذات، وهذه أدلتي :
أولا؛ جريمة الحادي عشر من شتنبر/ أيلول 2011، نفذها حوالي تسعة عشر إرهابياً، بينهم خمسة عشر سعوديا، ليس بينهم أيّ أفغاني، ولا ضمنهم أي عراقي. مع ذلك قفزتم إلى أفغانستان بحثا عن عدالة على هامش العدالة، وعَبْر مناورة كبرى حوّرتم الاتجاه، ثم دمّرتم العراق وضيّعتم كل الفرص، وأعدتم الشرق الأوسط مرّة أخرى إلى نقطة الصفر، وإلى أصل الداء. في المقابل، تركتم الداء بلا شفاء، لم تعيروه اهتماما يُذكر. لقاء ماذا؟ لقاء جرعات من الذهب الأسود. منبع الداء، كما أنكم تعلمون يا أبناء العم سام، هو أرض الكهنوت السلفي والحقد الطائفي. وليس يخفى عنكم شيئاً عن الرّؤوس المُقَنَّعة التي تدير أخطبوطاً دعوياً ومالياً يتألف من مئات الآلاف من الدّعاة والوعّاظ والخطباء والإعلاميين، من المغرب إلى اندونيسيا.
ثانيا؛ تواطأتم مع غرور إمبراطور دويلة قطر، ووضعتم كل البيض في سلّة التيار السلفي المتشدد في ليبيا على حساب المشروع الحداثي، وهكذا فعلتم مع التيار الإخواني في مصر. بدعوى ماذا؟ بدعوى أن الجهلة أكثر شعبية وأقل ذكاء، وبالتالي أكثر قابلية للترويض وتجنيد الشعوب لأجل أجندة كونية كبرى.
ثالثا؛ أنتم الذين اصطلحتم على " المجاهدين الأفغان " باسم المقاتلين من أجل الحرية، إبان حرب النجوم. وأنتم من خلق الملاك الساقط من سماء النجوم، أسامة بن لادن، وأنتم من يسمح اليوم بتفريغ فائض العنف السلفي السعودي وتصديره إلى خارج حدود أرض الحرمين، صوب اليمن في السنوات الماضية، حيث السلاح والقات ولا ثروات. على طريقة " من هلك هلك، ومن نجا فلَك ".
رابعاً؛ راهنتم على الهوس الديني كعامل من عوامل ترويض الوعي وفق نظرية المحافظين الجدد ( ريشارد بيرل، بول وولفوويتس... )، وكفرصة لتعويض الفراغ الناشئ عن انهيار دولة الرعاية الاجتماعية. وهي ذات القناعة التي آمن بها صديق الأغنياء نيكولا ساركوزي.
نعم، إنه وجه من أوجه الغباء الغربي أيضاً، أعلم هذا؛ أليس يقال إن المال يعمي البصيرة !؟ لعله الغباء الرأسمالي على وجه التحديد. غير أني لم أكن أظنّكم تساومون بكل المبادئ التي أرساها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية، مبادئ الدستور الأمريكي ووثيقة الاستقلال وإعلان حقوق فيرجينيا (هل تتذكرون؟)، كل هذا لقاء ماذا؟ لقاء حفنة من المال الوسخ.
بالتأكيد، ليست هذه هي أمريكا التي يباركها الرب !