العلمانية المظلومة في المغرب


سعيد ناشيد
الحوار المتمدن - العدد: 4333 - 2014 / 1 / 13 - 13:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

يميل كثير من المثقفين المغاربة- على رأسهم المفكر الرّاحل محمد عابد الجابري- إلى رفض العلمانية أو على الأقل استبدالها بمفهوم العقلانية، بدعوى أنّ مجال صلاحياتها ينحصر في الغرب المسيحي (حيث الكنيسة) أو يطال المشرق العربيّ حصراً (حيث الأقليات). ورأيي أنّ هؤلاء يغفلون حقائق واضحة بصدد مسألة الأقليات الدينية:
أولاً، لا يخلو المغرب من أقليات دينية سواء أصلية كاليهود أو مستوطنة مثل المسيحيين.

ثانياً، لا ينعدم وجود أقليات مذهبية تعلن عن وجودها بالقدر الذي يسمح به المناخ العام، مثل الشيعة والبهائيين على سبيل المثال.

ثالثاً، بالمنطق الديني يبقى اللادينيون واللاأدريون والربوبيون أقليات دينية.

رابعاً، الفرد في مواجهة فقه الجماعة يصبح أقلية دينية، والمرأة في مواجهة فقهاء الفحولة تصبح أقلية دينية.

وأما بصدد السلطة الدينية فإنّهم يغفلون ما يلي :

أولاً، مقابل سلطة الكنيسة في الغرب عرف الإسلام في عصور انحطاطه سلطة لا تقلّ خطورة، هي سلطة النص الديني. ولسنا نقصد هنا فقط علاقتنا بالقرآن الكريم والذي تحتمل أحكامه التأويل أو التأجيل أو التعطيل، كما لا نقصد أحكام الحديث حصراً والتي تقبل التّرك في كل الأحوال، لكن المعضلة تكمن في نص آخر مرعب قطعيّ الدلالة قد يوظف لاستباحة الدماء وقطع الرؤوس، إنه الفتوى الدينية، وتحديداً فتاوى التكفير. وليس يخفي أن شهداء الفكر الإسلامي الذين أعدموا، من الجعد بن درهم وغيلان الدمشقي وجهم بن صفوان والسهروردي والحلاج وصولا إلى محمود محمد طه ومهدي عامل وحسين مروة وفرج فودة، أُعدموا جراء صدور فتاوى تكفيرية مكتوبة أو شفوية تدعمها السلطة أو جماعات تمثل مشروع سلطة.

ثانيا، إذا كانت وظيفة العلمانية كفعل تنويري هي تمكين الإنسان من الاستعمال الحر لعقله في مواجهة الحِجر الذي تفرضه سلطة الوصاية الدينية، فإن وظيفتها في الإسلام هي تحرير العقل من وصاية سلطة النص، وسلطة تفسير النص، وسلطة التكفير باسم النص، وهي السلاح الأشد فتكاً ضدّ التفكير الحر.

مقابل المثقفين المغاربة الذين يميلون إلى رفض العلمانية خطأ، يروج إسلاميو المغرب مقولة أن العلمانية ستقود إلى إلغاء إمارة المؤمنين، ومن ثمة فإنها الخطر الذي يتهدد مستقبل الملكية بالمغرب، وهذا مجرّد هراء.

إذ ليس يخفي أنّ العلمانية في بريطانيا لم تمنع الملك/ الملكة من أن يكون الحاكم الأعلى للكنيسة الأنكليكانية، وأن العلمانية في النرويج لم تمنع الملك/ الملكة من رئاسة كنيسة النرويج اللوثرية، وكذلك في الدنمارك وغيرها.

إنّ القليل من الخيال السياسي الخلاق يكفي لتصور ممكنات تفصيلية لغاية تنزيل العلمانية بنحو أكثر حداثة على كافة مناحي الحياة المغربية، وبحيث يصير أمير المؤمنين مؤسسة ضامنة لحرية كافة المؤمنين المغاربة بمختلف أديانهم ومذاهبهم، تحت شعار قرآني نتمنّى لو يُكتب بالخط العريض على أبواب كل مساجد وكنائس ومعابد المملكة المغربية: “لا إكراه في الدين”. ولا بأس بمثل هذا الإجراء؛ فإنّ الإنسان نسّاء بطبعه.