معركتنا.. من أجل إسلام مدني


سعيد ناشيد
الحوار المتمدن - العدد: 4347 - 2014 / 1 / 27 - 16:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أحياناً لا تخلو مواقفنا من قسوة أثناء نقد التخلف الديني المستحكم في أذهان حكامنا والمستشري في وجدان شعوبنا، لكن هكذا هي قناعتنا أوّلاً: إنّ معركتنا ضدّ إسلام السلطة هي معركة من أجل إسلام الفطرة، وإنّ معركتنا ضدّ الإسلام الأيديولوجي هي معركة من أجل الإسلام الرّوحي، وإنّ معركتنا ضدّ الإسلام السياسي هي معركة من أجل الإسلام المدني، وإنّ معركتنا ضدّ إسلام “القدامة” هي معركة من أجل إسلام الحداثة، وإنّ معركتنا ضدّ إسلام العنف والخوف والتخلّف هي في الأول وفي الأخير معركة من أجل إسلام الحياة والحب والحرية. وندرك تماماً أن بين هذا وذاك حرب بقاء قد لا يكون فيها البقاء للأصلح بالضرورة. وعلى هذا النحو من النباهة نبني مواقفنا ونخوض معاركنا.
ولسنا نشكّ قيد أنملة في أنّ المعركة ضدّ الإرهاب التكفيري هي بالأساس معركة الذّوق الجميل والحس السليم والذّكاء النّبيل، ومن ثم فإنّها معركة التّنوير الشّعبي ضدّ سياسة التجهيل والتتفيه والتسطيح. لماذا؟

لأنّ مجتمعاً ذوقه بدائيّ وحسّه بدويّ وذكاؤه متبلد يُمثل بيئة حاضنة لآفات العنف والخوف والتطرّف. لذلك نؤكد مرة أخرى بأنّ تنمية قدرات الشعوب على التّفكير والتواصل والإبداع وعلى تدبير النقاش العمومي، حتى وإن أزعج ذلك بعض الحكام، فإنه حصن حصين ضدّ غرائز الكراهية والتعصب، سواء تعلق الأمر بمجتمعات ديمقراطية تبتغي حماية ديمقراطيتها من التدهور كما حدث لألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين، أو كان الأمر متعلقا بمجتمعات لا تزال تلتمس طريقها المتعثر نحو الديمقراطية.

في الرئاسيات الفرنسية لعام 2002، وعقب مرور اليمين المتطرف بقيادة لوبين الأب لأوّل مرّة في التاريخ إلى الدور الثاني من الانتخابات، كان ذلك زلزالاً كبيراً استنفر مفكري فرنسا لأجل حماية إرث الحداثة والتنوير. وُقعت مئات العرائض وألقيت مئات المحاضرات وفتحت وسائل الإعلام أبوابها لمحاورة المثقفين الذين يكلمون الشعب بلغة الشعب. في تلك الأثناء اختار الفيلسوف الفرنسي مشيل أونفراي اختياراً أكثر فاعلية: استقال من الوظيفة العمومية وتفرغ لإنشاء جامعة شعبية للتنوير الشعبي. وقد لقي من الجميع تشجيعا وتحفيزا كبيرين. لكن لا ننسى أيضا أن من حسن حظ الرجل أنه يعيش في بلد لا يتحسس فيه رجل السلطة مسدسه حين يسمع عبارة: أنا أفكر.

معركتنا ضدّ الإرهاب التكفيري ليست معركة شُرطة ومخابرات وجيش، إنّها معركة المفكرين المعلمين، أولئك الذين يعلمون الشعب أن يفكر بدل أن يكتفوا بالتفكير نيابة عنه كما يفعل المثقفون المكتبيون ورجال الدين، أولئك الذين يعلّمون الشعب أن يتكلم بدل أن يكتفوا بالكلام نيابة عنه كما يفعل الحزبيون والنقابيون، أولئك الذين يحرصون على إيقاظ شعلة التفكير عند الناس، يفعلون ما كان يفعله سقراط والسقراطيون وما لا يفعله إلا القليلون، أولئك الذين يعلمون الشّعب دون الوقوع في فخ الخوف من هذه الكلمة: الشعب. بدون هؤلاء لا شيء ممكن.