الفاشية التكفيرية أو هذا يكفي


سعيد ناشيد
الحوار المتمدن - العدد: 4169 - 2013 / 7 / 30 - 17:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تعلن الشعوب أن لا تسامح مع الجريمة أيا كانت أقنعتها، وتواجه كل جريمة جديدة بانتفاضة عارمة ضدّ الإسلام السياسي بكافة تمثلاته وتوهماته.

عندما تقوم الفاشية التّكفيرية باغتيال أبرز المعارضين لدولة الإخوان أو لمشروعهم الموصوف أميركياً بالاعتدال، وعندما تقوم باغتيال الزعيم التّونسي شكري بلعيد والمعروف بمعارضته لحكم الإخوان، وعندما تعاود الجريمة بنفس الأسلوب والأداة لتغتال زعيماً تونسياً آخر- مع فارق في عدد الرصاصات- هو محمد البراهمي أمين حزب التيّار الشعبي والمعروف أيضاً بمُعارضته للترويكا الإخوانية، وعندما تقوم باغتيال الناشط الليبي المناهض للفرع الليبي للإخوان المسلمين ومنسق ائتلاف حركة 17 فبراير المحامي عبد السلام المسماري أثناء خروجه من صلاة الجمعة في مدينة بنغازي، وعندما تقوم بتصعيد الموقف في شبه جزيرة سيناء لأجل إعادة مرسي إلى الكرسي، في انتظار الأسوأ ما لم يتم تجفيف منابعها، فإن الفاشية التكفيرية من خلال كل ذلك قد قدمت ما يكفي من الأدلة على أنّ العلاقة بين الفاشية التكفيرية والإخوان المسلمين هي علاقة توزيع للأدوار، لا غير.
وأيضاً، عندما يسكت الإخوان المسلمون الموصوفون أميركياً بالاعتدال، عن عربدة التكفيريين الأفغان الذين يمنعون كل شيء حتى تعليم الفتيات، ويسكتون عن «جرائم الشرف» في كردستان، ولا يرون مانعا في منع المرأة السعودية من سياقة السيارة، ولا يكترثون بحملات مكافحة التحرش الجنسي ضد البنات في الشارع المصري، ويغلقون أفواههم أمام هدم التكفيريين لأضرحة تومبوكتو، ولا يقولون شيئا عن جرائم جبهة النصرة التي أساءت لصورة الثورة السورية إساءة بليغة، بدعوى أن ذلك ليس من القضايا ذات الأولوية أمام أولوية التمكين، فإنهم يستغلون تلك الفظائع لتسويق أنفسهم أمام الغرب باعتبارهم أخف الأضرار، دون أن يلزموا أنفسهم بأي هدف آخر عدا الوصول إلى السلطة.

بل أكثر من ذلك، عندما تنتشر الأعلام السوداء للقاعدة ولحزب التحرير ضمن المظاهرات المؤيدة للإخوان المسلمين، وضمن تجمعاتهم الخطابية، فإنهم بذلك يقدمون الدّليل على أن ما يجمعهم مع المتطرفين التكفيريين أكبر بكثير مما يفرقهم، وأن الخلافات التكتيكية الطفيفة لا تؤثر على وحدة الهدف الاستراتيجي الفارغ أصلا: دولة الخلافة من دون تحديد، وشرع الله من دون مضامين.

في واقع الحال، فإنّ جل الجماعات الإسلامية التي «انشقّت» عن الإخوان المسلمين، كانت ولا تزال تمثل نوعاً من جيش الاحتياط للجماعة الأم، وهي مكلفة على الأرجح بالعمليات القذرة، والتي تتراوح بين الابتزاز والتهديد والاغتيال.

لذلك كان تنامي المد الإسلامي متوازنا مع تنفيذ العديد من الاغتيالات في حق أبرز المثقفين والناشطين التقدميين، من مهدي عامل وحسين مروة وفرج فودة وعمر بنجلون إلخ.

لكن، وقتها كانت الشعوب تصدق أن المقتولين قُتلوا بتفويض إلهي بعد اتهامهم بالكفر، كان يكفي أن يحمل حامل السكين سبحة باليد الأخرى حتى يفلت من إدانة الناس، كان يكفي القناع السحري للدين حتى يبدو القاتل مظلوماً أمام أنظار الناس.

إنّما الجديد هذه المرّة، وما لم يكن في حسبان الفاشية التكفيرية، هو أن الشعوب لم تعد تتسامح مع الجريمة. لقد ولى زمن الاستحمار الديني.

من مصر إلى تونس وليبيا والبقية تأتي، لأوّل مرّة في تاريخ المنطقة تنفجر ثورات الشعوب في وجه الفاشية التكفيرية وجرائمها. تعلن الشعوب أن لا تسامح مع الجريمة أيا كانت أقنعتها، وتواجه كل جريمة جديدة بانتفاضة عارمة ضدّ الإسلام السياسي بكافة تمثلاته وتوهماته.

هذا ما سيشل سلاح التكفير في الأخير، هذا ما سيوقف نزيف الاغتيالات التكفيرية، هذا ما سيجعل للدماء حرمة قولا وفعلا، وهذا ما سيقول للذين يسترخصون الدماء باسم السماء: هذا يكفي.