إذا القاعدة تغولت


سعيد ناشيد
الحوار المتمدن - العدد: 4177 - 2013 / 8 / 7 - 09:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مع بدء ما يسمّى بالرّبيع العربي، توارى تنظيم القاعدة عن الأنظار، ولم تظهر له أعلام ولا علامات ولا أثر يُذكر، وظلّ متوارياً عن الثورتين التونسية والمصرية إلى غاية موعد الانتخابات. ثم ظنّ الكثيرون أن الصعود الانتخابي للإسلاميين في دول الرّبيع العربي سيحرم القاعدة من ورقة المظلومية التي كانت تُعول عليها، وستصبح أعمالها العدائيّة ضدّ الغرب بلا أدنى مبرر. لاسيما وأن صعود الإسلاميين في دول الرّبيع قد باركته أميركا وباركه الغرب ولم تر فيه إسرائيل أي مانع.
وبعد هذا، فقد قُتل ابن لادن ورُميت جثته في البحر ولم يُسجل أيّ احتجاج يُذكر. هكذا ظنّ الكثيرون أن صفحة القاعدة قد طويت إلى الأبد.

غير أن هذا التفاؤل لم يُعمّر طويلا، إذ سرعان ما عادت القاعدة إلى الواجهة عقب صعود الإسلاميين إلى الحكم في كل من تونس ومصر، وبسرعة قياسية اخترقت الحراك السوري وبدأت تسحب البساط من تحت أقدام الجميع، فحصدت ما زرعه الإخوان المسلمين الذين اضطروا في الأخير إلى «التراجع الجزئي» عن الانخراط في الثورة، وحصدت أيضا ما زرعه الشيخ السلفي عدنان العرعور والذي اضطر بدوره في النهاية إلى تغيير القميص حتى لا يخرج خاوي الوفاض، وبالموازاة، حصلت القاعدة على أكثر من موطئ قدم في كافة بلدان الرّبيع العربي، وبدأت تسْتأسد وتتنمّر وتتغوّل أكثر فأكثر. فظهر للجميع أنّ الرهان الأميركي على «الإسلام المعتدل» كان رهاناً خائباً.

خلال الأسبوع الأخير من الشهر الفارط، نجح تنظيم القاعدة في تدبير أربع عمليات هروب ضخمة من سجون أربع دول إسلامية مختلفة، وأفلح في تهريب مئات المقاتلين الجهاديين من داخل أشهر السجون وأشدها تحصينا في كل من العراق واليمن وليبيا وباكستان.

فعلى مدى زمني لا يتعدّى أربعة أيام، ومن خلال عمليات بالغة الدقة والخطورة، نجحت القاعدة في تنظيم عملية هروب أكثر من 500 سجين من سجن أبو غريب، وأكثر من 1200 سجين من أحد سجون بنغازي بليبيا، وأكثر من 60 سجينا من أحد سجون حضرموت شرق اليمن، وأكثر من 230 سجينا من أحد سجون مدينة ديرة الباكستانية والواقعة على الحدود مع أفغانستان. ما يجعل مجموع الهاربين في كل هذه العمليات يتجاوز 2000 مقاتل. وهو رقم يكفي لزعزعة الأمن والاستقرار في أي بلد كيفما كان. وبصرف النظر عما إذا كان هذا هو المقصود، فنحن أمام عمليات هروب هي الأكبر من نوعها في تاريخ تلك الدول، وتطرح أكثر من علامة استفهام حول قدرات تنظيم القاعدة بعد مرور أزيد من عام على حكم الإسلاميين.

كنا نعرف أنّ القاعدة تستطيع أن تفجر أيّ منشأة أو مقهى أو مستشفى أو مزار أو حتى مسجد، في الوقت الذي تقرره، لاسيما داخل دول فاشلة أو شبه فاشلة مثل ليبيا والعراق وسوريا واليمن؛ فالتفجير لا يتطلب أكثر من شخص أو بضعة أشخاص مستعدين لارتداء أحزمة ناسفة، وهذا ما توفره بيئة ثقافية تقوم أصلا على تمجيد غريزة الموت على حساب غريزة الحياة، لكن أن تنجح القاعدة في تهريب المئات من السجون التي هي مؤسسات يفترض أنها الأكثر تحصينا، فهذا يطرح أكثر من سؤال حول قدرة القاعدة على اختراق الأجهزة الأمنية لبعض الدول، وقدراتها اللوجستية على ضرب المؤسسات الأكثر تحصينا لهذه الدول في زمن متقارب.

بعيداً عن التكهنات، من الواضح أن تنظيم القاعدة قد انتقل من الوجود الافتراضي الذي اتسم به خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، إلى نوع من الوجود الواقعي على الأرض، مستفيدا في ذلك من تسامح الحكام الفاشلين بل تضامنهم، ومستثمرا المناخ الدعوي والتجييشي الذي أشاعه حكم الإخوان المسلمين.

غير أن للعنف القاعدي وجه آخر؛ فإن قيام مقاتلي القاعدة في تونس باغتيال ثمانية من عناصر الجيش التونسي مع ذبح ثلاثة منهم غدرا أثناء موعد الإفطار، وهو الجيش الذي حافظ على حياده ونزاهته بشهادة كل أطياف الشعب التونسي؛ وقيام نظرائهم في سوريا باختطاف نحو مئتي مواطن كردي في شمال سوريا قصد تأجيج نيران الحرب الطائفية؛ واختطاف الدولة الإسلامية في العراق والشام للكثير من المعارضين لنظام الأسد؛ والهجوم الغادر في شبه جزيرة سيناء على الجيش المصري والذي يحظى بتعاطف شعبي قلّ نظيره، فإن ذلك كله يجعلنا أمام عنف يزداد ضراوة لكنه يخسر في المقابل أي حاضنة شعبية ممكنة. وهذا ما سينهكه وينهك معه سائر فصائل الإسلام السياسي، ولو على حساب الأمن في بعض الأحيان.

العنف الديني مخيف فعلا، ومرعب أيضا، لكنه بعد ذلك شاهد إثبات على ساعة الفشل ودنو الأجل.