سعيد ناشيد في برنامج حواري حول اليسار الفرنسي و الإسلام


سعيد ناشيد
الحوار المتمدن - العدد: 1985 - 2007 / 7 / 23 - 11:09
المحور: مقابلات و حوارات     

دفاعا عن العيش المشترك
احتفاء بصدور كتاب اليسار الفرنسي و الإسلام، قام برنامج ديوان، والذي يعده وينشطه الأستاذ الباحث و الإعلامي المقتدر المختار العبدلاوي، في حلقة يوم الإثنين 9 يوليوز 2007، باستضافة مؤلف الكتاب سعيد ناشيد. و لأجل مناقشة الموضوع فقد تم استدعاء كل من الأستاذ عبد المجيد الإنتصار، وهو مفكر و ناشط في مجال التربية على المواطنة، إلى جانب الأستاذة فوزية برج، مدرسة الفلسفة و فاعلة جمعوية.

و فيما يلي تفاصيل هذا اللقاء الحواري:



المختار العبدلاوي:

سيداتي سادتي، طاب مساؤكم.

موضوع حلقتنا اليوم هو كتاب اليسار الفرنسي و الإسلام لمؤلفه الباحث سعيد ناشيد، و يحضر معنا للمناقشة كل من الأستاذ عبد المجيد الانتصار و الأستاذة فوزية برج، فأهلا بكم جميعا في هذه الحلقة.

أبدأ بالسؤال حول مسألة لفتت انتباهي و تتعلق بتسمية منشورات دفاتر عائلية، و هي المؤسسة التي تتكفل بنشر مؤلفاتكم، فما دلالات هذه التسمية و ما علاقة الفكر بالعائلة؟



سعيد ناشيد:

في البداية أود أن أتوجه بالشكر الصادق إلى طاقم البرنامج، و ذلك لما أتاحوه لي من فرصة طيبة لمجالسة نخبة من أساتذة التنوير بالمغرب، من قبيل الأستاذ المختار العبدلاوي و الأستاذ عبد المجيد الانتصار، كما أتوجه بالشكر إلى الأستاذة فوزية برج لأنها، في زحمة انشغالاتها استطاعت أن توفر وقتا للقراءة ووقتا للحضور و المساهمة في النقاش.

أما بالنسبة لمنشورات دفاتر عائلية، فإنها تحمل أولا و قبل كل شيء قيمة في ذاتها، من حيث أن الفكر هو انتماء إلى الأرض، الحضارة و التاريخ، و إمكانية ذلك الانتماء هي أساسا إمكانية الوعي الذي يتشكل داخل العائلة ، خاصة وأن الأمر يتعلق بالنسبة لي بأكثر من عائلة و إنما بمدرسة أنشأها و رعاها والدي، في ظروف اجتماعية صعبة، لكنه ابتغى أن يجعلها منارا للفكر الحر والتفكير الصادق، وأتوقع أننا بالأسلوب الذي نشتغل به داخل دفء العائلة سنحاول أن نملأ أكثر من فراغ نراه داخل المشهد الثقافي المغربي.



المختار العبدلاوي

الأستاذ سعيد ناشيد، عندما قرأت الكتاب، وهو فعلا جدير بالقراءة، وغني بالقضايا والإشكالات بالغة الأهمية، إلا أنني لاحظت بأن مواقف اليسار الفرنسي من الإسلام يبدو وكأنها تمثل جزءا فقط من مجموع الكتاب، ومع ذلك فقد اخترت اليسار الفرنسي والإسلام عنوانا للكتاب، كما لو أنك تريد أن تعرف الكل بالجزء، فما هي دلالات هذا الاختيار؟



سعيد ناشيد

هذا السؤال هو فرصة لكي أوضح بأن عنوان الكتاب، اليسار الفرنسي والإسلام، هو تكثيف لكم هائل من الملفات والقضايا المتشابكة في وضعنا العالمي الراهن، ذلك أن الإسلام، ومن دون شك، يستدعي اليوم ملفات شائكة وراهنية، من قبيل الإرهاب، الهجرة، الضواحي،الأقليات، ونحو ذلك، فضلا عن ما تحيل إليه جغرافية الإسلام من قضايا وصراعات في الشرق الأوسط، ومن أسئلة حول مستقبل العلاقات الأورومتوسطية، ومسألة حوار أو صدام الحضارات.

وحين نتحدث عن اليسار الفرنسي، فإننا نجد أنفسنا أمام تجربة أطرت أسئلة الفلسفة المعاصرة طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، كما أننا سنجد أنفسنا أيضا أمام أهم الحركات الاجتماعية التي غيرت مجرى الفكر السياسي الأوروبي، وفرضت عليه أسئلة فلسفية جديدة حول مصير الحضارة الإنسانية، من قبيل حركة ماي 68 ، وحركة العولمة البديلة اليوم.

وباختياري للتقابل بين كل من اليسار الفرنسي والإسلام، فإنما كان قصدي في هذا الكتاب، توجيه رسالة بالغة الأهمية، وتكمن في أننا نحن المسلمين، نمثل كثلة بشرية كبيرة، أزيد من مليار مسلم في العالم، قد نشعر بالقلق، بالحيف، أو حتى بالغضب بالنظر إلى مساحات الظلم الإنساني وتغليب قانون القوة على قوة القانون، إنما الحل لن يكون بالانزواء والتقوقع حول الذات، إن إمكانية أن نحقق لأنفسنا العيش الكريم، و الذي لن يختلف اثنان حول مضمونه حين نهتم بالمضامين و ليس بالشكليات، لن تكون إلا من خلال الانتماء إلى المستقبل الذي يجب أن نساهم ونشارك رفقة الآخرين في صناعته، ومن خلال الانخراط في الحركات الاجتماعية النقدية، التي يحفل بها عالم اليوم، من حركات مناهضة للحروب، وأخرى تقاوم النتائج السلبية للعولمة الرأسمالية... وقد تطرقت في الكتاب إلى تجربة حركة أهالي الجمهورية في فرنسا باعتبارها إحدى النماذج الماثلة أمام أعيننا، لإمكانية انخراط الأقليات المسلمة في أوروبا دفاعا عن قيم الأنوار، العقل، والعيش المشترك، ودفاعا عن وحدة المصير الإنساني و المواطنة الكونية، بدل الانطواء على الذات.



المختار العبدلاوي

السيد عبد المجيد الانتصار، لاشك أنك بعد قراءتك لكتاب اليسار الفرنسي و الإسلام، قد خرجت بانطباعات و بأفكار أساسية ، فهل يمكنكم أن تتحدثوا عن أهم انطباعاتكم حول الكتاب ؟



عبد المجيد الانتصار

أشكرك في البداية على إتاحة الفرصة للمساهمة في برنامج ثقافي ما أحوجنا إلى برامج أخرى مثله، كما أشكرك على الدعوة لمناقشة هذا الكتاب بالذات.

وقبل أن أعود إلى السؤال، أود أن أؤكد بأنني بدوري قد أثارتني مسألة منشورات دفاتر عائلية، و أود أن أضيف إلى ما قاله الأستاذ سعيد ناشيد، بأني أنظر إلى الأمر أيضا من الزاوية التي تمثل دائرة اهتمامي، حيث أننا أمام عائلة لا تقوم فقط مقام مؤسسات النشر، وهو ما أراه محمودا، و إنما هي تحيل أيضا إلى دور العائلة في تحقيق مقاصد التربية على المواطنة، بمعنى أننا أمام عائلة هي قدوة لكل العائلات ، و طبعا فأنا أعرف أب العائلة، المشرف على السلسلة، الأستاذ المكي ناشيد، إنه أستاذ لعلوم التربية، و هو أمر يعني ما يعنيه.

أما عن سؤالكم، فأنا أرى بأن الموضوع الذي تناوله الأستاذ سعيد ناشيد، في كتابه اليسار الفرنسي و الإسلام، هو موضوع راهني و إشكالي، و هنا نجد الميزة الأساسية لإنتاج سعيد ناشيد.

أما الميزة الثانية فإنها تكمن في أننا أمام كتاب يحقق الكثير من أنماط المتعة، إذ يمكنني أن أتحدث عن متعة قراءة كتاب يجد فيه القارئ الحدث، التوثيق و التحليل، يجد فيه النقذ و التساؤل، ويجد فيه تصنيفا دقيقا للحركات و التيارات الإجتماعية في فرنسا.

يمكنني أن أتحدث أيضا عن متعة الكتابة، إذ يبدو لي جليا و كأن الكاتب يكتب بمتعة قصوى أثناء الكتابة، و أكاد أجزم بأن المؤلف سعيد ناشيد يجد متعة كبيرة و هو يصيغ أفكاره كتابة، و أحيانا تكاد تشعر و كأنك تقرأ لمؤلف فرنسي، و ذلك بسبب التفاصيل الدقيقة التي يزخر بها الكتاب حول الأحداث، المواقف و التيارات داخل الساحة الفرنسية.

أنه كتاب يطرح أيضا قضايا و يحفل بإشكاليات تهم المواطن الفرنسي، فلا شك أن هذا الأخير يهتم بأسئلة الإسلام في فرنسا، يهمه أن يعرف ما أسماه سعيد ناشيد بالعلاقة بين تراث الأنوار و إرث الاستعمار.



المختار العبدلاوي

أستاذة فوزية، هناك عدد من القضايا التي تناولها الكتاب تتعلق بالحجاب، بالضواحي، بالهجرة، بالهوية... فما الذي يميز مقاربة الأستاذ سعيد ناشيد لهذه القضايا عن التناول الإعلامي و الصحفي؟



فوزية برج

أود في البداية أن أشكركم على حسن الاستضافة و الدعوة للمشاركة في هذا البرنامج الحواري، ديوان، و بالخصوص لمناقشة هذا الكتاب الهام ،اليسار الفرنسي و الإسلام، كتاب يتناول قضايا، وقائع ، أحداث و مواقف بالغة الأهمية، و يتناولها وفق منظور يستحضر أهمية التفكير الفلسفي في جعلنا نرقى في مستوى فهمنا للوقائع و تعاطينا مع الأحداث، لكي لا نبقى حبيسين للتعاطي السطحي مع الأحداث و الظواهر، و إجمالا يمكنني أن أقول بأن القيمة الأساسية للكتاب ، تكمن في قدرته على الربط بين المفاهيم و المعاش.



المختار العبدلاوي

و في هذا الإطار يراودني سؤال أساسي:

ان من يقرأ هذا الكتاب سيجد أن الأستاذ سعيد ناشيد يدافع عن الإسلام و المسلمين في فرنسا، لكنه في نفس الوقت، و بنفس القوة و الحماس، يدافع عن العلمانية إلى الحد الذي يبدو فيه و كأنه من أبناء الثورة الفرنسية، فكيف يمكن التوفيق بين إسلام حي، يعبر عن هوية و عن خصوصية معينة، داخل دولة علمانية و ذات تقاليد علمانية؟



سعيد ناشيد

عندما قمت بتفحص الخطاب الفرنسي حول الإسلام، أي مجمل ما يقوله المسئولون الفرنسيون و الفاعلون الإعلاميون و الاجتماعيون حول الإسلام، وجدت أنهم يكادون يجمعون على أن الجمهورية الفرنسية معرضة لتهديد دائم بسبب الإسلام وصعوبة اندماج المسلمين داخل فرنسا، و قد و جد هذا الخطاب آذانا صاغية عقب الأحداث الإرهابية في كل من نيويورك، مدريد و لندن.

ما حاولت أن أدافع عنه، هو أكثر من مجرد إنصاف للمسلمين في فرنسا، و الذين هم أبعد ما يكونون قدرة و إرادة على تهديد العلمانية في فرنسا، و إنما كان همي الأساس هو أن أبين أن هناك فعلا تهديد ضد مبادئ الجمهورية الفرنسية، إلا أن هذا التهديد هو نابع، في معظم الأحيان، من أولئك الذين يعتبرون أنفسهم حراس العلمانية في فرنسا، إنهم، و كما حاولت أن أبين ذلك في الكتاب، أول من ينحني أمام محاولات الكنيسة للعودة إلى الحياة السياسية.



المختار العبدلاوي

إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يجعل الإسلام في فرنسا مخيفا بالنسبة للبعض؟ هل هو المضمون العقدي للإسلام؟ هل هي التأويلات و التمثلات التي تقدم باسم الإسلام؟ هل هو الفقر و الأمية اللتان تنتشران في ربوع العالم الإسلامي، بحيث يتحول الإسلام لدا البعض إلى إيديولوجية للمستضعفين؟ أم ماذا؟



سعيد ناشيد

تتجلى إحدى النتائج المباشرة لظاهرة الإرهاب العالمي، في رواج الخطاب الذي يقول بوجود خطر إسلامي يهدد أوروبا، و قد هيمن هذا الخطاب على الديار الفرنسية سيما منذ انتخابات 2002 ، إلا أن انتخابات 2007 كانت مناسبة ظهر فيها للجميع أن تدهور العلمانية في فرنسا قد يكون بسبب هيمنة إيديولوجية نيكولا ساركوزي، علما بأن الرجل هو من أبرز الداعين إلى التراجع عن قانون 1905، وهو القانون المؤسس للعلمانية الفرنسية، و ذلك من أجل أن تتمكن الدولة من تمويل المؤسسات الدينية، و نظرا أيضا لما يعتقد أن للدين دورا أساسيا في المحافظة على الأمن و الاستقرار الاجتماعيين.

و لا ننسى أيضا بأن المهاجرين و المتحدرين من الهجرة، و هم في غالبيتهم العظمى مسلمون، قد صوت معظمهم لفائدة اليسار في فرنسا، و هو الأمر الذي لا يخلو من دلالات قوية.



المختار العبدلاوي

أوردت في الكتاب نصا لأندريه مالرو يقول بالحرف "إن القرن الواحد و العشرين إما أن يكون قرنا دينيا أو لن يكون" ، على ماذا استند مالرو في هذه القولة و التي تبدو لنا اليوم و كأنها كانت نبوءة متبصرة؟



عبد المجيد الانتصار

قبل أن أعود من أجل التعليق على قولة أندريه مالرو، أريد أن أنبه إلى أمر هام، و هو أن ظن القارئ قد يكون ظنا كبيرا بأن السيد سعيد ناشيد يدافع عن الإسلام أو أنه يدافع عن معتقدات المسلمين، لكن الأمر لا يخلو من خدعة قد يقع فيها القارئ الذي يستعجل الأحكام قبل أن يتتبع تفاصيل الكتاب، إن ما يدافع عنه المؤلف ليس شيئا آخر غير الصدق في القول، الأمانة العلمية و التحليل المتروي ، المتريث و المنصف، فضلا عن قيم العقل و العيش المشترك.

أما بخصوص قولة أندريه مالرو حول أن القرن الواحد و العشرين سيكون قرنا دينيا ، فربما يبدو و كأنها نبوءة بالنظر إلى صعود الظاهرة الدينية اليوم ، لكن ما أود أن أقوله كتعليق هو أننا كنا نتمنى أن يكون القرن الواحد و العشرين قرنا دولوزيا كما تنبأ بذلك مشيل فوكو، و هو يتحدث ذات مرة عن دولوز.



المختار العبدلاوي

في دوحة المتعة، و المتعة من دون مبالغة هي رديف لمحتويات الكتاب،كما سبق أن قال الأستاذ عبد المجيد الانتصار، هناك مسألة أساسية أفضل عدم إغفالها، فلقد تحدث الكتاب عن ما بعد الحداثة، ولعل إحدى أهم المواضيع المطروحة اليوم هي الإسلام في الغرب، فكيف جاءت مقاربة كل من الحداثة و ما بعد الحداثة لإشكالية الحضور الإسلامي في الغرب؟



سعيد ناشيد

لا أخفي عليكم بأن الهم الأساس الذي أحمله، هو أنني أحاول قدر الإمكان، المساهمة في إعداد أرضية ثقافية قادرة على مجابهة خطاب ما بعد الحداثة، هذا الأخير الذي أعتبره خطابا ساهم في تدهور قيم التنوير، و هي قيم نحتاجها اليوم كمغاربة و نحن نصبو إلى إنجاز ما درجنا على تسميته بالمشروع الحداثي الديمقراطي، فربما لخطاب ما بعد الحداثة سياقه و مبرراته في الواقع الأوروبي الذي أعقب الحربين العالميتين الأولى و الثانية، لكنه في الواقع خطاب قد انتهى إلى ما أصطلح عليه بالعدمية، إنه خطاب قد جعل القرن العشرين يبدو بالفعل، كما ردد البعض، و كأنه القرن الذي انتهى إلى لاشيء.

و بالمناسبة فإنني أريد أن أعيد القول بأن أزمة اليسار اليوم في أوروبا، هي أيضا أزمة خطاب مابعد الحداثة، و الذي وجد رواجا له داخل عموم اليسار الأوروبي، و اليسار الجذري في فرنسا على وجه الخصوص.



المختار العبدلاوي

سؤال مركز:

تطرق الأستاذ سعيد ناشيد إلى دور بعض المنظمات المسيحية في مناهضة ظاهرة العولمة الرأسمالية، فهل بإمكاننا أن نرى تيارات إسلامية و منفتحة، تستطيع أن تتجاوز الإطار الخاص لتنخرط في نضال عالمي من قبيل حركة العولمة البديلة؟



فوزية برج

يتوقف كل ذلك على وعي المسلمين بأن تدهور قيم الحداثة في عالم اليوم، لم ينته إلى تحسين وضعهم و موقعهم، و إنما قاد بدل ذلك إلى مزيد من تكريس حالة الانهيار و الإنحطاط.

لكن على اليسار، في المقابل أن يستعيد مرتكزاته الأساسية، وهي البعد العقلاني، البعد الإنساني، و البعد الإجتماعي.



عبد المجيد الانتصار

لقد أجاب سعيد ناشيد عن السؤال بدقة، و ذلك حين راح يدعو المسلمين إلى الانخراط في الحركات الاجتماعية النقذية إلى جانب اليسار.



المختار العبدلاوي

شكرا لكم على هذه المساهمة الطيبة.