لهذه الأسباب قرّرت أن أتوقّف عن الكتابة


سعيد ناشيد
الحوار المتمدن - العدد: 4023 - 2013 / 3 / 6 - 22:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

رسالة إلى قرّائي وأَصدقائي :

لهذه الأسباب قرّرت أن أتوقّف عن الكتابة

ليس سهلا أن يتخذ الكاتب قراره بالتوقف عن الكتابة وهو في أوج عطائه. وها أنا أفعلها الآن بعد أن ضاق بي الخناق وطفح الكيل وبلغ السيل الزبى، وقد أحاطت بي المكائد وحاصرتني مصائد الخبث من كل جانب ومن جانب من يُفترض أنهم حماة الديار.

هائل هو حجم المكر المجاني الذي جابهني بلا سبب وجيه أو بلا وجه سبب. بل، أوصدت في وجهي كل الأبواب بلا استثناء، وسُرقت مني نجاحات كثيرة بلا حياء. بل، حتى ذلك التعيين البسيط الذي أمضاه لي وزير من الوزراء لأعمل صالحاً في إدارة إحدى الإصلاحيات اختفى فجأة من سراديب الوزارة بلا مبرر. بل، حُرمتُ من أكثر من منصب مستحق بشهادة المعنيين بالأمر، ولم أصرخ حتى لا أبدو صغير النفْس قصير النفَس. بل، منذ زهاء خمس سنوات لم تعد أي وسيلة إعلام مغربية تستضيفني، وقد كنت ضيفاً عزيزاً عليها ذات يوم. بل، حتى نسخ الكتب التي نشرتها خارج المغرب والأبحاث التي شاركت في إنجازها لم أعد أتوصل بها؛ إذ هناك من يحجزها لأسباب خافية. ومرّة بعد كل مرّة أنسى أو أتناسى لغاية أن أستمر في الكتابة، وأمني نفسي بأن قدر الكاتب أن يكتب حتى في أسوأ الظروف.

كل ذلك تحملته مسترشداً بالحكمة القائلة، "الضربة التي لا تقتلني تزيدني قوّة". لكن ما لا يمكنني أن أتحمله ولا أن أصبر عليه أو أن أكابده هو ما وقع مؤخراً حين نجح عميل استخبارت مغربي معروف ( م- خ ) في رفع دعوى كيدية ضدي. ورغم تخلفه عن كل الجلسات بلا استثناء وعدم تقديمه لأي شاهد أو دليل، إلا أن المحكمة حكمت عليّ بغرامة قدرها حوالي أربعة آلاف دولار. الأنكى والأدهى والأدعى للأسى أن إجراءات الحجز على حسابي المصرفي قد تبدأ قريباً أو بسرعة قياسية، ولا غرابة ! فقد صدق من قال : ما دمتَ في المغرب فلا تستغرب.

ولأن رصيدي، حتى في أوج ازدهاره، لا يتخطى عتبة ست مئة دولار، فمعنى ذلك أنهم قد يحجزون مداخيلي من كتابة المقالات لمّدة عامين أو يزيد. ما يعني حرباً قذرة ليس فقط على قلمي وإنما على قوت عيالي. وهذا ما لا يمكنني تحمله.

صحيح أني وطّنت نفسي على مواجهة كل الاحتمالات. وهذا ما أكدته أكثر من مرّة على صفحتي بالفايسبوك. غير أني لم أكن أتوقع أن تمتدّ بعض الأيادي إلى قوت العيال. هذا مؤلم وبكل المقاييس.

أعرف أن الكثير من الدوائر التكفيرية ستبتهج لقراري بالتوقف عن الكتابة مصدقة بأن الله قد استجاب لأدعيتها وصلواتها ولَعناتها أيضاً، وسيبتهج كل من ضاق درعا بقلمي الصغير عن سوء نية أو سوء تقدير. أي نعم وألف نعم، ليهنؤوا ما شاؤوا؛ فإن الذي فعل كل هذا قد أفلح في شلّ قدرتي على الكتابة. وهكذا كان قراري : لن أعود إلى الكتابة قبل أن أجد بلداً بديلا أو ملاذاً آمنا أو يقضي الله أمره.

في انتظار ذلك، سيبقى آخر مقال كتبته هو "إنهم يذبحون الإسلام"، وسيبقى آخر كتاب ألّفته هو "الحداثة والقرآن"، وهو الآن عند منشورات الجمل بألمانيا قبل صدوره المنتظر.

ليس بعد القول الأخير من قول آخر سوى أن أشكر كل دور النشر ومراكز البحث ومؤسسات الإعلام التي فتحت لي أحضانها وسط تقلبات مرحلة حافلة بالمخاوف والآمال : دار الطليعة في بيروت، منشورات الجمل في ألمانيا، موقع الأوان في تونس، صحيفة السفير في لبنان، صحيفة الحياة في لندن، موقع المصلح في بريطانيا، وأخيراً موقع 24 الإماراتي الرّائد صدقاً وحقاً في مجابهة الإعلام الظلامي لكل من قطر والسعودية وأخواتهما. والشكر موصول لكم يا كل أصدقائي الأعزاء وقرائي الأوفياء على عطفكم النبيل وتعاطفكم الجميل. لن أنساكم.

قد نلتقي يوماً وقد لا نلتقي.