أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - البحث عن إسرءيل:مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرءيل الكتابية (1-1)















المزيد.....



البحث عن إسرءيل:مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرءيل الكتابية (1-1)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 7440 - 2022 / 11 / 22 - 02:32
المحور: القضية الفلسطينية
    


ترجمة: محمود الصباغ
استهلال:

البحث عن إسرءيل التاريخية هو العنوان الرئيسي الذي اختارته جمعية الأدب الكتابي الأمريكية Society of Biblical Literature سنة 2009 لنشر مقالات اثنين من أهم الباحثين الآثاريين الإسرائيليين: إسرائيل فنكلشتين (أستاذ مادة علم الآثار في جامعة تل أبيب، وأستاذ كرسي مادة آثار إسرائيل في العصرين البرونزي والحديدي، والمدير المساعد لعمليات التنقيب في مجدو. له العديد من المقالات المنشورة في المجلات المتخصصة في علم آثار الشرق الأدنى بالإضافة إلى العديد من الكتب(لعل أشهرها المعروف للقراء العرب : "التوراة المكشوفة") وعميحاي مزار (أستاذ علم الآثار في الجامعة العبرية في القدس، وأستاذ كرسي آثار إسرائيل، يعمل سلسلة تقارير عن عمليات التنقيب في تل البطش (تمنة) ومشروع وادي بيسان الآثاري، لا توجد كتب أو منشورات له مترجمة إلى اللغة العربية).
ثمة عوامل عدة جعلت من مواد هذه الكتاب حقيقة واقعية (بمعنى الضرورة)، لاسيما طريقة ترتيب وتحرير واستعراض المقالات وتسليط الضوء على الاختلاف في المقاربات الآثارية -وتأويلها- للمؤلفين، ولعل أهم هذه العوامل يتمثل في حاجة الدوائر الأكاديمية "الغربية" إلى توليفات وفرضيات جديدة عن التاريخ "الكتابي" المبكر لإسرءيل (في العصر الحديدي، إن لم يكن قبل ذلك) بعد فشل جميع المحاولات السابقة في "خلق" حقائق إسرءيلية على الأرض الفلسطينية، سواء على صعيد معطيات الثقافة المادية، أم على مستوى تفسير وتأويل المصادر والتقاليد الكتابية، وغير الكتابية المشرقية باعتبارها أحداث وقعت ذات يوم ضمن فضاء المشهد التاريخي الفلسطيني الخاص والمشهد التاريخي الشامي بصورة أشمل. هذه الحقائق ما زالت تشكل حالة سجال ونقاش داخل الأكاديميا المرتبطة بآثاريات سوريا وفلسطين و"التاريخ الإسرءيلي" ونصوص العهد القديم بحيث أصبحت النتائج المتحصل عليها من طبيعة إشكالية وشائكة و"غير مفهومة" في بعض الأحيان بسبب الانحياز الإيديولوجي واللاهوتي والاستقطاب والصياغة الموجهة المتطرفة ( يميناً أو يساراً) لهذه القضايا والمسائل ذات الصلة.
وتظهر مقالات الكتاب على هيئة مناظرات بين الباحثين تبدو ظاهرياً، كأنها تعبر عن وجهات نظر معتدلة ومتقاربة، تستقصي معطيات الثقافة المادية، والتقاليد الكتابية، ونصوص الشرق الأدنى، ذات العلاقة المحتملة، في البحث التاريخي عن إسرءيل القديمة في العصر الحديدي أو الفترات السابقة. وسوف يتعرف القارىء شيئاً فشيئاً على وجهات نظر مختلفة حول أصول هذا البحث "التاريخي"، تعطي وزنا مختلفاً لهذه الخطوط الثلاثة من الأدلة، أي الثقافة المادية، والتقاليد الكتابية، ونصوص الشرق الأدنى ذات الصلة، حيث يضع الباحثان في الحسبان الصلة التاريخية المهمة، وكذلك التفسير المقدم لحقبة معينة أو حدث معين أو شخص معين من الماضي. ويقع الكتاب في ستة فصول؛ يتضمن كل فصل محاضرة لكلا الباحثين. وتكمن أهمية الكتاب في أنه ظهر في وقت كان النقاش على أشده بين التيارات البحثية الميدانية والأكاديمية حول تاريخ إسرءيل القديمة وتفسير/ تأويل "السرديات التاريخية" في النص الكتابي وفقاً لمعطيات الثقافة المادية لفلسطين خصوصا وبلاد الشام والمشرق عموماً، وتعقيدات البحث بسبب غياب الشواهد الأثرية والنصية على مرويات النصوص الكتابية، وهذا يعني أن الإصرار على تقدير كيان يدعى "إسرءيل" يستوجب بالضرورة استدعاء النص الكتابي كشاهد وحيد على هذا الكيان، حيثيصر الآثاريون الكتابيون على التأكيد بأن من يستغني عن النص الكتابي في سياق كتابة إسرءيل، هو كمن يتنازل عن "روح المؤرخ" في النظر إلى النص (الكتابي) بعناية من أجل الوصول إلى حقيقة المعلومات التي يقدنها هذا النص، ويشبه هذا وجهة نظر عميحاي مزار هنا حين يعطي النص الكتابي قيمة كمصدر للمعلومات "التاريخية" أكبر من تلك التي يعطيها فنكلشتين فيما يتعلق بالبيانات الأثرية.
ويبدأ فنكلشتين مقالته الافتتاحية باستعراض موجز لطبيعة العلاقة التي تربط علم الآثار والنص الكتابي بالدراسات الحديثة. ويبدأ بمراجعة نقدية للنشاط الأكاديمي "الكتابي" منذ القرن التاسع عشر مستعرضاً الفرضية الوثائقية للعالم الكتابي الألماني "يوليوس فلهاوزن"؛ ثم يعرج على دراسات القرن العشرين ليصل إلى نتيجة تقول بوجود مدرستين متعارضتين وهما المدرسة الألمانية والمدرسة الأنجلو-أمريكية، حيث ينظر إلى هذه الأخيرة باعتبارها مقاربة محافظة أساساً لا يلعب علم الآثار في سياقها إلا دوراً داعماً فقط للقراءة المتواترة للنص الكتابي أو كما يصفها فنكلشتين "إعادة كتابة لفظية معاصرة كلمة بكلمة على وجه التقريب للقصص الكتابي". ومن هنا يلمح ولو بصورة جزئية إلى "تعثر " علم الآثار الكتابي من حيث مساهماته في توسيع نطاق مجال علم الآثار، وينهي استعراضه بملخص ونقد للمدرسة الثالثة والأكثر حداثة " المدرسة التنقيحية Minimalism" التي تقول -حسب وصفه- أن "التاريخ الكتابي يفتقر تماماً لأي أساس تاريخي، كما أن هذا التاريخ تركيب مختلق بدرجة كبيرة، أو هو تاريخ متخيل بمجمله وفقاً لدوافع لاهوتية تعود إلى الفترة التي تم تأليفه فيها، أي الحقبة الفارسية أو الهلنستية، على أبعد تقدير، أي بعد قرون عدة من زمن وقوع الأحداث المزعومة. و يرى هؤلاء التنقيحيون -و الكلام دائما لفنكلشتين- أن الكتاب [المقدس] في أحسن حالاته لا يحتوي سوى على القليل من المعلومات (التي هي بالأساس غامضة وغير موثوقة) عن إسرءيل القديمة. و يلحظ تقاطع المسوحات الأثرية ودراسات التوطن والسجلات التاريخية غير الكتابية، مع التقاليد الكتابية في العديد من النقاط المتعلقة بالمسائل الجغرافية والتاريخية المتصلة بالعصر الحديدي. (يطرح أمثلة على ذلك بنقش تل دان وذكر حزائيل ملك آرام دمشق وظهور اسم "بيت داود" في النقش وهو يتساءل (ساخراً) إذا ما كان هذا التلاقي مجرد محض صدفة أم لا
ولا تنقصه الجرأة حين يعتبر أن علم الآثار هو الشاهد الحقيقي الوحيد زمنياً على الأحداث الموصوفة ذات الصلة للبحث في النص الكتابي، لاسيما تلك المتعلقة بالأطوار التكوينية لتاريخ إسرءيل المبكر، بسبب من أن المعلومات التي يذكرها الكتاب عن تلك الفترة تخضع لهيمنة المواضيع اللاهوتية والإيديولوجية للمؤلفين وعصورهم، وبالتالي ليس أمامنا سوى مساءلة الثقافة المادية للاستدلال على تلك النصوص. ويستشهد بثلاثة أمثلة لمساهمة علم الآثار في البحث عن إسرءيل التاريخية في عصورها الأولى. فيتحدث أولاً، بالدليل الأثري، حول أهمية شيلوه (خربة سلوان؟) في نهاية القرن الحادي عشر ق.م وبداية القرن العاشر ق.م، واضمحلالها خلال الفترة التي أعقبت العصر الحديد الثاني، ثم ينتقل للحديث عن دلائل مجتمع يعود لأزمنة العصر الحديدي الأول عاشت فيه جماعات مهاجرة "العابيرو" كانت تتجول على تخوم المناطق الحضرية النامية، في حين أن هذه المناطق نفسها في حقبة العصر الحديدي الثاني تمتعت بكثافة سكانية عالية ترافقت مع اختفاء تلك الجماعات المهاجرة. ويستحضر ،أخيراً، معطيات الثقافة المادية التي توثق بروز المدينة الفلستية غات (موقع تل الصافي) في القرن التاسع ق.م أو قبل ذلك، ثم اختفائها عن مسرح الأحداث في سياق القرنين التاليين، ليستنتج مؤكدا على قدم أجزاء من القصص الواردة في العهد القديم عن هذه الأمثلة الثلاثة، الأمر الذي يتيح له تعميم صياغة لاحقة حفظت في التقاليد الكتابية لأساطير أقدم وحكايات وذكريات كانت بمثابة النواة للقصص التي دونت من قبل مؤلفي الكتاب التي تعكس طبقات متعددة ووقائع متعددة من ماضٍ أبكر، وهي بدورها دمجت جيدا وفي أزمنة مختلفة بإيديولوجية مؤلفي النصوص الكتابية اللاحقين لتبدو معزولة. ولذلك يقترح فنكلشتين من وجهة نظره المنهجية بوجوب قراءة التاريخ الكتابي عبر ما يرشح من نقطة الالتقاء، والتي هي برأيه فترة جمعه في المرحلة المتأخرة من الحقبة الملكية؛ وعلى الأرجح في عهد الملك يوشيا وليس الفترات المتأخرة الفارسية أو الهلنستية كما يقترح التنقيحيون، أو أوائل القرن العاشر كما تشير إلى ذلك تقليدياً المدرسة الأنجلو-أمريكية, نظراً لأن الأدلة الآثارية -بزعمه- تشير إلى أن هذه الفترة؛ أي فترة الملك يوشيا، هي فترة النمو الهائل ليهوذا نحو إقامة دولة كاملة "تامة" وانتشار القراءة والكتابة وبالتالي يمكن لهذه الفترة أن تزودنا بمعلومات وافرة عن الحياة الاجتماعية والتاريخية بطريقة تسمح لنا بإعادة كتابة التاريخ المبكر لسوريا بصورة عامة، وفلسطين بصورة خاصة.
فيما يلي لمن يهتم القسم الأول من الفصل الأول ويتضمن محاضرة فنكلشتين التي يتطرق فيها إلى العلاقة بين علم الآثار والكتاب [المقدس] والتيارات الرئيسية الثلاثة (من وجهة نظره) ذات الصلة، في حقل الدراسات التاريخية المتعلقة بـ "إسرءيل الكتابية القديمة".
.....
ملاحظة: أينما ترد كلمة "إسرءيل" بهذا الشكل، فإن القصد منها المملكة القديمة التي يصفها العهد القديم، ويرى أنها كانت قائمة في فلسطين في وقت ما من القرن العاشر ق.م، وتم اختيار هذا الرسم في كتابتها لتجنب الخلط" المقصود من قبل البعض" بينها وبين الكيان السياسي القائم حالياً في فلسطين، الذي يسمي نفسه إسرائيل. ويعود للباحث الفلسطيني الراحل د. زياد منى الفضل في وضع هذا التمييز في اللغة العربية "على غرار التمييز الموجود في اللغات الأوروبية المعاصرة".
.....
الفصل الأول: إسرءيل التاريخية بين علم الآثار والكتاب العبري.
الحقيقة في التنقيب: علم الآثار والكتاب/ إسرائيل فنكلشتين
شهدت السنوات القليلة الماضية ظهور حالة جدل واسعة ركزت على إشكالية المملكة المتحدة [مملكة داود وسليمان "الكتابية"-المترجم]،كما تركز بعض من هذا الجدل، بطريقة ما، على مسألة "صحة" السرديات التاريخية الكتابية برمتها. وكانت مسألة تاريخية السرد الكتابي قد طغت، لعقود عدة، سواء على الفضاء البحثي الأكاديمي أو الفضاء العام على حد سواء، إن كان لجهة صلة هذا السرد بإسرءيل القديمة، أو لجهة قدرة علم الآثار على مساهمته في التوصل إلى فهم أفضل للنص [الكتابي]. ومن الجدير ذكره هنا، أن تشكيل وصياغة هذه السجالات لم يحدث ضمن أطر بحث أكاديمي لعلم الآثار والدراسات الكتابية فحسب، وإنما أيضاً ضمن سياق السيرورات التاريخية والثقافية في مجتمعنا. وينبغي الإشارة هنا إلى أن رحى معركة الدراسات البحثية الأكاديمي المتعلقة بتاريخ إسرءيل القديم، دارت، بادىء ذي بدء، بين أوساط المدرسة الفكرية المحافظة maximalist - بمن فيهم الباحثين الآثاريين الكتابيين الكلاسيكيين- من جهة، وبين الباحثين المتخصصين في النقد الكتابي العالي، من جهة أخرى [بمعنى نقد الأصول التاريخية للنص-المترجم]. وانضم إلى جوقة السجال هذه، بحلول تسعينيات القرن الماضي، اتباع المدرسة التنقيحية minimalist الذين يرفضون منح أية قيمة للتاريخ الكتابي في سياق دراسة تاريخ كنعان- إسرءيل، خلال أزمنة العصر الحديدي. وأود التعامل هنا، بعيداً عن تبعات تنخرط بأي سبر من طبيعة تفصيلية لتاريخ البحث، مع إيجابيات وسلبيات كلا المعسكرين -المحافظين والتنقيحيين- ومن ثم سأنتقل للتدليل على وجهة نظري الخاصة ممثلة لما يمكن وصفه بصوت الوسط. فخلال القرنين السابقين -التاسع عشر والعشرين- صمدت، إزاء التحديات، العديد من الأطروحات الرئيسة لعلماء النقد العالي -من وجهة نظري- كما تطلب الهجوم، في العقود الماضية، على الفرضية التوثيقية وعلى نموذج التاريخ التثنوي Deuteronomistic History بعض التعديلات الواجب إجراؤها على تلك الأطروحات باعتراف الجميع، بيد أن مثل هذا الهجوم لم يقدم، بدوره، نموذجاً تصورياً مقنعاً يسمح له بالحلول محل هذه النماذج التي مازالت -باعتقادي- قادرة على تزويدنا بمقاربة تاريخية وأدبية متماسكة، إلى حد ما، عند التطرق لقضايا معينة تتعلق بالنص الكتابي مثل البنية والزمن ونمط الحياةSitz im leben .
صعود و سقوط المعسكر المحافظ
اقتفى معسكر المحافظين، في قراءته للنص الكتابي عن تاريخ إسرءيل، السبيل الذي أراده لنا المؤلفون القدماء لقراءة النص، أي باعتباره سجلاً موثوقاً لتاريخ إسرءيل ومروياً ضمن ترتيب زمني يتسلسل من الأقدم إلى الأحدث. ويقر هؤلاء أن مواد الكتاب، سواء كانت أسفار موسى الخمسة (الخماسية Pentateuch) أو التاريخ التثنوي، وصلت إلى صياغتها وشكلها النهائيين في زمن متأخر نسبياً من تاريخ إسرءيل. في حين يزعم البعض الآخر بأن القرنين العاشر/ التاسع ق.م هما التاريخ المحتمل لبلورة الكثير من مواد أسفار الخماسية، كما يميلون إلى محاججة تنظر بجدية إلى إسهام المحررين المتأخرين لكل من أسفار موسى والتاريخ التثنوي عن طريق دمج أدبيات مبكرة وحتى مصادر مكتوبة أقدم من ذلك. علماً أنه قد يكون صحيحاً استمرار عدد قليل من أتباع هذا المعسكر في محاولة تحديد "فترة الآباء" في سياق الألفية الثانية ق.م، أو تفسير دمار معظم مدن العصر البرونزي الحديث كنتيجة لغزو الإسرءيليين لبلاد كنعان، أو قراءة رواية الخروج على خلفية الدولة الحديثة في مصر، كما قرأها ومازال يقرؤها العديد، و فوق كل هذا سوف يتشبث دعاة هذا المعسكر بصورة المملكة الكتابية المتحدة. ومن أجل هذا، تحدى أتباع المعسكر المحافظ، في البداية، علم الآثار على أمل إيقاع الهزيمة بأمثال يوليوس فلهاوزن من علماء النقد العالي. وما انفك وليم أولبرايت، وأتباعه من بعده (وتلامذته في وقتنا الحالي) يروّجون للفكرة القائلة بإمكانية علم الآثار القيام بإثبات صحة الكتاب وخطأ الباحثين النقديين بآن معاً. وللتدليل على ذلك أخضعت بعض المرويات الكتابية كعزو كنعان [من قبل الإسرءيليين] والمملكة المتحدة العظيمة لسليمان للمزيد من البحث والدراسة، غير أن علم الآثار، في حقيقة الأمر، لم يتبوأ مركز الصدارة في هذا السجال، بل استخدم فقط لدعم نظرية مسبقة التصور، الأمر الذي أدى به إلى لعب دور داعم في تقديم أدلة منمقة عن تاريخ هو حديث في جوهره، وهو على الأغلب إعادة كتابة لفظية للقصص الكتابية كلمة بكلمة، وبذلك عزز باحثو المدرسة المحافظة عمليات إعادة البناء التاريخي والآثاري، الذي لا يمتلك أي سند حقيقي على صعيد اللقى الآثارية وهو ما أوقعهم في فخ الجدل الدائري.
ولعل أحد أفضل الأمثلة على عمليات إعادة البناء التاريخي والآثاري [للنص الكتابي] هو البحث عن عصيون جابر، فقد دفع البحث عن سليمان العظيم بالآثاري نيلسون غلويك إلى التنقيب، في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، في موقع تل الخليفة، وهو عبارة عن تل صغير يقع على الطرف الشمالي من خليج العقبة على الحدود الحديثة بين الأردن وإسرائيل. قام غلويك بتحديد الموقع على أنه ميناء عصيون جابر الذي أطلق منه سليمان البعثات التجارية إلى الأراضي البعيدة الغريبة كما يذكر النص الكتابي. وكشف غلويك عن الكثير في الموقع ،كما فصل اللقى الأثرية إلى خمس مراحل من النشاط تؤرخ من القرن العاشر ق.م إلى التاسع ق.م، وطابق كل منها حسب الإشارات الكتابية لعصيون جابر وإيلات. وجعل لكل سلالة حاكمة ورد ذكرها في الكتاب مكاناً في السوية الأثرية فيما يتعلق بنشاط الموقع في تلك الحقبة في خليج العقبة، فقام، بناء على ذلك، بتفسير بقايا السوية الأولى -بما في ذلك ما وصفه بفتحات المداخن وأقنية الهواء ووسائد النفخ اليدوية والبواتق الفخارية وغرف الأفران- كدليل على الصناعة الضخمة لصهر النحاس في عهد الملك سليمان. ليس هذا فحسب، بل حلّق غلويك [في خياله] عالياً حين وصف عصيون جابر بأنها "بيتسبرغ فلسطين" والملك سليمان بـ "ملك النحاس وقطب النقل البحري، وأمير التجار والمعماري العظيم".
لم تكن هذه الصورة الرومنسية المتخيلة -كما اتضح لاحقاً- سوى ضرب من الخيال، ووهم مرغوب فيه يتكأ على نصوص الكتاب عوض عن التركيز على الدليل الأثري الحقيقي الفعلي. ومن خلال دراسة شاملة للقى الأثرية لم يتم العثور مطلقاً على أي دليل لأنشطة صهر في الموقع، أما "البواتق" فقد ثبت أنها كسر لأوانٍ فخارية مصنوعة يدوياً ومن إنتاج محلي، ولم تكن ثقوب المداخن" سوى ثقوب لعوارض خشبية تعفنت منذ زمن بعيد، كما عثر على القليل من اللقى المعدنية- إلا أنه في الحقيقة لا يوجد أي دليل على صناعة صهر نشطة. وليس بأقل أهمية من ذلك ما يشار إليه بوضوح عن زمن تأسيس الموقع في أواخر القرن الثامن أو أوائل القرن السابع ق.م. وفي حقيقة الأمر لم يكن هذا الموقع قرب خليج العقبة، يزيد عن كونه مجرد كثبان رملية في عصر سليمان التاريخي في القرن العاشر ق.م. أي، ببساطة، لاوجود للتوضع الطبقي [الستراتيغرافي] المتعاقب للملوك ومراكزهم الصناعية. وعند تقصي البحث لإظهار المشكلة الثانية التي وقع فيها أتباع معسكر المحافظ [أي تلك التي لها علاقة بالجدل الدائري] فهناك ثمة مثال توضيحي جيد يمكن العثور عليه لدى مناقشتنا للتفسير الآثاري للقى مدينة جزرGezer ، حيث يناقش وليم ديفر، التلميذ المخلص لأولبرايت، أو التيار المحافظ والمنقب في موقع جزر، بأن محاولات إعادة بناء تاريخ المملكة السليمانية المتحدة العظيمة إنما جاء وفقاً لأدلة أثرية صلبة تستند بدورها على دراسة دقيقة لفخار العصر الحديدي: "يشتمل الفخار الذي عثر عليه في الطبقة المدمرة (أي جزر) على أشكال مميزة صقيلة ومطلية وذات أيدي وعديمة الأيدي، تعود للقرن العاشر ق.م.. ولذلك، وعلى أساس الخلفيات الفخارية المقبولة عموماً.. وليس على أساس القبول الساذج لقصص الكتاب.. نحن نؤرخ جدران وبوابات السوية الثالثة Gezer Field III لمدينة جزر إلى منتصف وأواخر القرن العاشر ق.م". وهنا يشير ديفر إلى واحدة من أبرز نتائج الحفريات التي تمت في جزر، والمقصود بها إمكانية استخدام الأواني الفخارية المذكورة كـ "شماعة" لتأريخ طبقات القرن العاشر ق.م، ولكن إذا كانت هذه الفخاريات لا تشير إلى تاريخ محدد، فكيف نسبت، إذن، إلى القرن العاشر ق.م؟
من الواضح أنه تم تأريخها وفقاً للمكان الذي اكتشفت فيه -في سوية أثرية تربط عادة بالبوابة المرتبطة بدورها بالملك سليمان وفقاً لإشارة وردت في الإصحاح التاسع من سفر الملوك الأول:" 15 وَهذَا هُوَ سَبَبُ التَّسْخِيرِ الَّذِي جَعَلَهُ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ لِبِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِهِ وَالْقَلْعَةِ وَسُورِ أُورُشَلِيمَ وَحَاصُورَ وَمَجِدُّو وَجَازَرَ." [تشير نسخة الكتاب في تعريفها لكلمة " القلعة" Millo- המלוא ملو بأنه (ردم من التراب يدعم تلة صخرية تحمل الهيكل والقصر، انظر سفر الملوك الأول على حاشية شرح الآية السابقة ص 630 .نسخة جمعية الكتاب المقدس في المشرق. طبعة دار المشرق، الطبعة السادسة 2000 -المترجم].و هذه مسالة واضحة لمنطق البرهان الدائري. والشيء ذاته ينطبق على مقولة أن بعض المؤلفات العظيمة في التاريخ الكتابي تمت في القرن العاشر ق.م. فيجادل بعض من الباحثين بأن بعض مصادر الخماسية (المصدرJ) والعديد من قصص الفترة المبكرة للسلالة الداودية في أسفار صموئيل كتبت في أورشليم في فترة المملكة المتحدة، أو بعدها مباشرة، وهو العصر الذي ينظر له هؤلاء البعض بأنه عصر التنوير العظيم وتدوين المصنفات الأدبية الكبرى، وتستند نظريتهم على الوصف الكتابي لمملكة سليمان الساحرة بما في ذلك الإشارة إلى وصف بلاطه -ولايخفى هنا أيضاً منطق البرهان الدائري. إلا أن علم الآثار يظهر، كما ناقشت ذلك في عديد من المرات والمناسبات بأن النشاط التأليفي الذي قد يكون له أهمية ما ظهر في أورشليم فقط مع بروز يهوذا كدولة كاملة تامة في أواخر القرن الثامن ق.م، أي بعد قرنين من الزمن المفترض للملكة المتحدة. وإذن، وبإيجاز، أعاد الباحثون المحافظون، وحتى الآثاريون من بينهم، بناء إسرءيل وفقاً للنص الكتابي. ولم يكن لعلم الآثار سوى الدور المساند فقط، وهذا فيما أعتقد هو السبب -خلافاً لتصريحات البعض من أتباع هذه المدرسة- في عطالة علم الآثار الكتابي "الكلاسيكي" قياسا بفضاء علم الآثار الأرحب في كل حقل بحثي تقريباً، وفي فهم أهمية علم الآثار البيئي، على سبيل المثال، وفي قبول قيمة المقارنات الأنثروبولوجية و الإثنوغرافية في العلوم الآثارية وفي عرض دراسات العلوم الدقيقة. وهو السبب أيضاً في عدم انحدار كبار باحثي علم آثار العالم الحديث من مدرسة علم الآثار الكتابي. ويجول في ذهني العديد من العلماء الأمريكيين والبريطانيين العظام أمثال: فلانيري Flannery، بينفورد Binford، أدامز Adams، رينفرو Renfrew، بريدوود Braidwood.
صعود وسقوط المدرسة التنقيحية
يرى العلماء الكتابيين المحدثين الذين يوصفون بالتنقيحيين أو التفكيكيين، في مادة العصر الحديدي التاريخية في الكتاب على أنها تأليف متأخر يعود للفترة الفارسية أو حتى الهلنستية، أي ما بين القرنين الخامس والثاني ق.م. كما يشدد هؤلاء على أن هذه المادة هي محض تأليف خيالي إلى حد كبير لا تخلو من دوافع لاهوتية للفترة التي كتب فيها، وهي الفترة التي تلت بعدة قرون من زمن وقوع الأحداث المزعومة التي تتحدث عنها، وإذن فهو-أي الكتاب- يحتوي على مجرد معلومات غامضة، وغير موثوقة، حول الأصول والتاريخ المبكر لإسرءيل. وتعبر قوة استمرارية السرد الكتابي، كما يراه هؤلاء، عن شهادة تدل على المهارة الأدبية لمؤلفيه الذين دمجوا الأساطير القديمة والحكايات الشعبية والسجلات الخيالية والسرديات الخرافية وبعضاً من الذكريات عن حقائق تاريخية (حوالي القرن التاسع ق.م، إلى أوائل القرن السادس ق.م) في ملحمة واحدة عن الردة والإخلاص. فيرى فيليب ديفز، على سبيل المثال، في تجميع الكتاب على أنه عملية طويلة امتدت خلال العصرين الفارسي والهلنستي، وأخذت الصورة النهائية للمرويات في التشكل في يهوذا الحشمونية في القرن الثاني ق.م. ويصور ديفيز مؤلفي الكتاب كطائفة ذات توجه إيديولوجي تخدم نخبة المعبد، وقد اقتفى أثر إيديولوجيتهم بالعودة للأهداف السياسية لكهنة يهوذا العائدين من المنفى في العصر الفارسي. وبما أن هذه النخبة المعينة من قبل الفرس أطاحت بالقيادة المحلية ليهوذا، فهي بحاجة إلى "خلق" تاريخ يضفي الشرعية على حكمها. فقامت تلك الطائفة من الكتبة في أورشليم بتجميع الحكايات الشعبية والذكريات الغامضة ونسجوا منها، بمهارة فائقة، تاريخ وهمي بالكامل يشدد على مركزية أورشليم، ومعبدها، وعبادتها، وكهنتها، وهذا بدوره كان بدعة كاملة صممت لتأسيس أسطورة "قومية" عن الأصول.
ووفقاً لهذه الفرضية "فالتاريخ" الكتابي ليس فقط تاريخ لا أساس له "من الناحية التاريخية" فحسب، بل يمثل أيضاً بروباغاندا قوية ومركزة قدمت لجمهور ساذج قصة موضوعة عن الآباء والخروج والغزو، والعصر الذهبي المجيد لداود و سليمان. ويقبل الباحث الكتابي توماس طومسون بفكرة وجود "إسرءيل التاريخية" المتأخر جداً والخيالي كلياً على وجه التقريب. وهو يعاود تفسير الأدلة الأثرية لإعادة بناء مجتمع متعدد الإثنيات في فلسطين في العصر الحديدي، دون أي هوية دينية أو عرقية مميزة على الإطلاق. ويناقش طومسون بوجود خليط غير متجانس من السكان توزعوا بين المراكز الجهوية في أورشليم والسامرة ومجدّو ولخيش ومدن أخرى. وعزز هؤلاء مكانة أبطالهم المحليين وعبدوا مجموعة كبيرة من بانثيون آلهة الشرق الأدنى القديم. وعمد مؤلفو الكتاب إلى تحريف ذلك الواقع، بما يملكون من لاهوت صارم وشديد التماسك لمعنى ومفهوم الخطيئة والخلاص القومي.
وتمثل هذه الآراء، بالمجمل، القضايا التي تتمحور حولها سجالات التنقيحيين بخصوص انعدام الدليل الأثري على وجود المملكة المتحدة وأقل من ذلك بكثير انعدام أي دليل على وجود تاريخي لشخصية مثل داود، فكليهما -المملكة المتحدة وداود- جزء من أسطورة دينية وضعها بالكامل مؤلفين يهوذيين في العصرين الفارسي والهلنستي. ولهذه النظرة التجديدية، عن انعدام القيمة التاريخية للكتاب، تناقضاتها الخاصة سواء الأثرية منها أو المنطقية. فأولاً كان تأثير معرفة القراءة والكتابة والنشاط الكتابي الواسع في أورشليم خلال الفترة الفارسية وبداية الفترة الهلنستية أقل بكثير مما كانت عليه في القرن السابع ق.م، كما أشار إلى ذلك العالم الكتابي وليم شيدنفيد، ومن غير الوارد افتراض قيام مجموعة صغيرة، عاشت في القرن الخامس أو الرابع أو حتى الثاني ق.م. في معبد بلدة، تقع بعيداً في جبال يهوذا، بتأليف كتاب يحتوي تفاصيل طويلة وغير اعتيادية حول تاريخ وشخوص وأحداث عن "إسرءيل" المتخيلة في العصر الحديدي دون استعمالهم لمصادر قديمة.
ويبدو العدد الكبير من قوائم الأسماء وتفاصيل التنظيم الإداري الملكي في مملكة يهوذا التي تم تضمينها في التاريخ التثنوي غير ضروري من أجل كتابة تاريخ محض أسطوري. وعموماً، إذا كان هذا العديد من الأسماء وتلك التفاصيل كلها مبتدعة أو مصطنعة فإن مصادفتها مع الوقائع المبكرة أمر يدعو للدهشة. لقد أكدت الحفريات والمسوحات الأثرية على أن العديد من القوائم الجغرافية الكتابية -مثل حدود المناطق والقبائل في المملكة- تتقاطع بشكل كبير مع أنماط التوطن ومع الوقائع التاريخية للقرنين الثامن والسابع ق.م. ومما له أهمية في هذا الصدد ما أظهره العالم الكتابي باروخ هالبيرن، عن العدد الكبير نسبياً من السجلات التاريخية غير الكتابية -السجلات الآشورية بشكل رئيس- التي تؤكد أحداث الفترة الممتدة من القرن التاسع وحتى القرن السابع ق.م. كما وردت في الكتاب: مثل الإشارات إلى عُمْري في نقش ميشع وآخاب وياهو في نقوش شلمنصر الثالث وحزقيا في نقوش سنحاريب ومنسى في سجلات آسر حدون وآشور بانيبال وهلم جرا. وليس بأقل أهمية من كل هذا، الحقيقة التي أشار إليها اللغوي آفي هوروفيتش بأن الكثير من مادة التاريخ التثنوي كتبت بعبرية الملكية المتأخرة التي تختلف عن عبرية ما بعد المنفى.
ومن الأهمية بمكان ملاحظة الجهد الكبير الذي استثمره أصحاب المقاربة التنقيحية في تقصي المزاعم التي تقول بعدم تاريخية داود و سليمان -مؤسسي سلالة أورشليم-، ويرى أصحاب هذا الرأي أيضاً بأن شخصيات مثل إبراهيم وموسى ويوشع وداود وسليمان لم تذكر في أي نص خارج النص الكتابي. لذلك ينبغي النظر إليهم كشخصيات أسطورية. بيد أن هذه الحجة تلقت في منتصف تسعينيات القرن الماضي ضربة كبيرة عندما تم اكتشاف قطع نقش تل دان البازلتي المكتوب باللغة الآرامية، والذي يحتفي، على الأرجح، بحزائيل ملك آرام دمشق، الذي تذكره النصوص الكتابية والنقوش الآشورية كشخصية بارزة لعبت دوراً هاماً في أواخر القرن التاسع ق.م، و سجلت معاركه ضد إسرءيل في سفري الملوك الأول والثاني. ورغم أن نقش النصر هذا يتكون من شظايا بازلتية فقد أظهر منظراً فريداً للسياسة المضطربة في المنطقة أثناء القرن التاسع ق.م. فهو يصف، من وجهة نظر آرامية، الصراع الإقليمي بين دمشق وإسرءيل في القرن التاسع ق.م، ويسجل الهجوم الانتقامي للملك الآرامي حزائيل ضد أعدائه الجنوبيين (حوالي 840 ق.م) الذي استطاع فيه -على حد زعمه- قتل ملك إسرءيل وحليفه ملك "بيت داود bytdwd". وهي المرة الأولى التي يظهر فيها اسم "داود" في أي مصدر معاصر خارج الكتاب، بعد نحو قرن من حياته المفترضة. ومن المرجح أن النقش يحدد، علاوة على ذلك، أسماء اثنين من الملوك المتأخرين الذين ورد ذكرهما في النص الكتابي -يورام ملك إسرءيل وأحازيا ملك يهوذا- والأهم من ذلك استعمال حزائيل مصطلحاً شائعاً في وقته وهو تسمية دولة (يهوذا) باسم السلالة المؤسسة لها (أو المهيمنة عليها) "بيت دود"، مثلما وصف الآشوريين، تماماً، المملكة الشمالية بعبارة "بيت عُمْري bit omri ".
رؤية المشهد بمنظار معسكر الوسط
يقف بين أنصار المحافظين والتنقيحيين، أصحاب الرأي الثالث- الذين أنتمي إليهم والذي يقعون في الوسط بين الفريقين- مبتعدين عن أي من القطبين السابقين، ويحاول ممثلو هذا الرأي موائمة تاريخ المملكة المتأخرة (أو السبي) مع جزء كبير من أسفار موسى وجزء أكبر من التاريخ التثنوي، وبالتالي يعترف معسكر الوسط بقيمة هذه النصوص في احتفاظها بأدلة، على درجة معينة من الموثوقية، بخصوص تاريخ إسرءيل في فترة المملكة [المتحدة]، إلا أنهم يرون في هذه القصص -كما هي في النص- كاحتياجات على درجة عالية من التأقلم وذات طابع إيديولوجي للمجتمع خلال فترة جمع هذه القصص. ومن ثم يقع الاختلاف الهام بين معسكر الوسط والمحافظين في ميل أتباع الوسط لقراءة النصوص في الاتجاه المعاكس لترتيبها الرسمي، بدءً من المرجع الآمن لفترة التجميع والقراءة وباتجاه الخلف -تاريخ رجعي histoire régressive كما دعاها المؤرخ الفرنسي العظيم مارك بلوخ من أتباع المدرسة الحولية Annales. وهذا لا يعني أن هذه النصوص عديمة القيمة التاريخية، بل هي ،في الحقيقة، تعنى بصورة رئيسية وفي كثير من الحالات في الفترات التكوينية لتاريخ إسرءيل القديم، كما تزودنا بمعلومات أكثر تاريخية عن المجتمع والسياسة للمؤلفين أكثر مما تزودنا به الأزمنة التي يصفونها.
وبناءً على ذلك، سوف أنظر إلى أجزاء كبيرة من أسفار موسى والتاريخ التثنوي، بآن معاً، كمصدر تمويل الإطار الإيديولوجي للبرنامج السياسي ليهوذا فيما بعد، في أزمنة عصر الملكية. وأشير هنا إلى فكرة عموم إسرءيل pan-Israelite التي ظهرت للسطح في شكلها الكامل، حسب فهمي، للمرة الأولى في ذلك الوقت. لقد قيل بأن الملوك الداوديين هم الورثة الشرعيون الوحيدون لملك أرض إسرءيل المهزومة ولقيادة بني إسرءيل الذين ما زالوا يعيشون في تلك الأراضي، وينبغي لعبادة كل الإسرءيليين أن تتركز في معبد أورشليم. وعلى هذا النحو، تحمل النصوص الكثير من العمق الإيديولوجي على الصعيدين السياسي واللاهوتي. ويمثل الملوك الداوديين وجهة نظر فصيل واحد من نخبة المجتمع "اليهوذي" (ليس لدينا أدنى فكرة فيما إذا شكل هذا الفصيل أغلبية في وقت من الأوقات في زمن الحقبة الملكية اللاحقة). وهم بكل تأكيد لا يمثلون المملكة الشمالية أو ما دعاه مورتون سميث منذ عدة سنوات "الحزب التوافقي" في يهوذا. وجلّ ما يمكننا تخيله أو تصوره، هو كم سيكون تاريخ إسرءيل مختلفاً فيما لو كتب من قبل مؤلفين من المملكة الشمالية، أو من قبل الفصائل الأخرى من المجتمع اليهوذي. وكيف سيكون شكل هذا التاريخ لو قيض له الوجود. ولا يمكننا أن نقرأ، دون تمحيص، معالجة الفترات القريبة في تأريخها لفترة جمع نصوص التي تحمل مثل هذا المضمون الإيديولوجي العالي. والمعالجة الكتابية "للقرن الآشوري" في تاريخ يهوذا هي خير مثال على ذلك، كما أكده المؤرخ الكتابي نداف نعمان منذ مدة طويلة. لقد حكمت يهوذا في معظم هذه الفترة من قبل ثلاثة ملوك: أب وابن وحفيد. الأول آحاز، وقد وصف بالآثم، وأحد الذين تعاونوا مع الآشوريين، وساوم على استقلال يهوذا. ووصف ابنه، حزقيا، بأنه ثاني أكثر الملوك الصالحين في سلالة داود وبطل استطاع الوقوف، بحزم وشجاعة، ضد آشور. علماً أن المؤرخ التثنوي بذل جهداً خاصاً لإخفاء حقيقة أن يهوذا كانت لاتزال تحت السيطرة الآشورية لسنوات عدة بعد الإنقاذ "الإعجازي" لأورشليم من قبضة سنحاريب. ويرد وصف الحفيد منسّى الذي حكم يهوذا لأكثر من نصف قرن بأنه الأكثر شراً من بين جميع المرتدين، ورأس جميع الأشرار. ويضع المحرر التثنوي، الذي عاش في فترة السبي، مسؤولية سقوط أورشليم على عاتقه بشكل لا يقبل الجدل.
بيد أن علم الآثار يقدم لنا قصة مختلفة تماماً، أو، على الأقل، وجهة نظر مختلفة كلياً عن وجهة النظر اليهوذية Judahite. لقد حفظ آحاز يهوذا من مصير مرير مشابه لمصير الملكة الشمالية، وقام بدمجها في الاقتصاد الآشوري، وقادت سياسته إلى تمتع يهوذا بازدهار غير مسبوق ونمو ديموغرافي مثير في يهوذا وأورشليم. كما توسعت أورشليم، في عصره، باتجاه التل الغربي. وشاركت يهوذا، على ما يبدو، في التجارة العربية بقيادة الآشوريين، مما نتج ازدهار لمنطقة وادي بئر السبع. وفي المقابل، كان اختيار حزقيا باتخاذ قرار التمرد المتهور ضد آشور مسؤولاً عن الأحداث التي أدت إلى الخراب المطلق ليهوذا، كما يدلل علم الآثار على حجم هذه الكارثة. وكشفت مواقع التنقيب في سهل شفيلة ووادي بئر السبع كلها تقريباً عن أدلة تتعلق بالتدمير والخراب. لم يتعاف سهل شفيلة -وهو سلة خبز يهوذا- من هذه الصدمة قط. وكشفت عمليات المسح الأثري عن الانخفاض الهائل في عدد المستوطنات هناك في القرن السابع ق.م. وفي مقابل ذلك يظهر علم الآثار أيضاً أن منسّى حفظ يهوذا من الفناء .
انبثقت المملكة الجنوبية من الرماد في إطار "السياسة الواقعية Realpolitik" لمنسّى بالتعاون مع آشور، وأعيد دمج المملكة في الاقتصاد الآشوري وبلغت حالة غير مسبوقة من الازدهار. وزادت من دورها في التجارة الجنوبية بقيادة الآشوريين. وشهد وادي بئر السبع مستوى قياسي في الكثافة التوطنية، ولابد أن تكون يهوذا -حينها- المورد الرئيسي للزيتون لصناعة الزيت الآشورية الواسعة في عقرون (تل مقني) وتعافى -نتيجة لذلك- سهل شفيلة نسبياً، وإن بدرجة قليلة جزئياً. كما تمتعت يهوذا في عهد منسّى بمستوى يثير الإعجاب من ممارسة القراءة والكتابة، بدليل الأنصاب والأختام والأوزان وغيرها من اللقى التي عثر عليها والتي تعود للفترة عينها. فالعبرة هنا، إذن، في منتهى الوضوح والبساطة، بمعنى إذا كانت فترة قريبة جداً من زمن جمع النص تظهر مثل هذا القدر من الفجوة الكبيرة بين البناء الإيديولوجي الثقيل للنص الكتابي، وبشكل أكثر دقة للبناء الاقتصادي والاجتماعي للقى الآثارية، فهذا يعني الحذر عند التعامل مع الفترات المبكرة. وقد يكون المؤرخ التثنوي أكثر حرية لدفع إيديولوجيته نحو الأمام في تلك الحالات حيث تكون ذاكرة الأحداث الحقيقية أكثر غموضاً على نحو متزايد. وبمجرد أن نصبح مدركين لحقيقة أن النصوص متأخرة في التاريخ، وأن هذه النصوص تحفظ قصصاً من وجهة النظر الذاتية لاحتياجات الكاتب، عندها، إذن، يمكن أن نعترف بالقوة الهائلة لعلم الآثار كشاهد على الزمن الحقيقي للحدث. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك فترة التكوين حيث يكون علم الآثار المصدر الوحيد للمعلومات، فالغزو وقصص عصر القضاة، حتى لو كانت تحتوي على ذكريات غامضة لأحداث بطولية- أسطورية أم حقيقية- هي على الأغلب تعابير كاملة عن الإيديولوجية السياسية واللاهوتية لزمن يوشيا. وإذن، يزودنا الكتاب بمجرد انطباعات عن ظهور إسرءيل المبكر كما يريد مؤلفي الحقبة الملكية المتأخرة - أو كما يمكن- أن يقدموه لنا. لكن علم الآثار هو وحده القادر على إعلامنا عن أحوال الثقافة المادية لمواقع العصر الحديدي الأول في منطقة "الهضاب" وعن مواقع وانتشار التوطن والأحوال الاقتصادية والعلاقة بالجيران. ويقدم علم الآثار أيضاً وجهة نظر متينة حول تاريخ النمو السكاني في الهضاب، الأمر الذي يكشف عن أصل مستوطني مواقع العصر الحديدي الأول. وكما سأوضح أدناه، سيكون علم الآثار الشاهد الوحيد على القرن العاشر ق.م، وبإيجاز، فعندما يدور الحديث عن إسرءيل المبكرة، لا سيما فترات التكوين فإن علم الآثار هو "ملكة الشطرنج في المعركة".
تذهب اللقى الأثرية، في الحقيقة، إلى ما هو أبعد من هذا، إذ يمكنها إخبارنا عن النصوص ذاتها بدرجة كبيرة، من خلال تزويدنا، على سبيل المثال، بمعلومات عن وقت جمعها المحتمل، وكما أشرت سابقاً، يؤرخ العديد من العلماء الكتابيين لاثنين من ثلاثة مصادر رئيسة لأسفار موسى (المصدرJ والمصدرE) إلى أزمنة الملكية المبكرة في القرن العاشر ق.م أو بعد ذلك مباشرة. ويجادل العديد بما هو أكثر من ذلك، بمعنى حتى لو جُمع التاريخ التثنوي في القرن السابع أو السادس ق.م فهو يدرج في متنه مادة "مكتوبة "من القرن العاشر ق.م. غير أن علم الآثار يشي بأن كلا النظريتين الأدبيتين غير مرجحتين. ومن الواضح تماماً أن كلا العملين الأدبيين [أسفار موسى والتاريخ التثنوي] قد عنيا بحمل رسائل لاهوتية وثقافية وسياسية. وعلى هذا النحو فقد كانت هذه الرسائل موجهه على الأرجح إلى جمهور أوسع بكثير من دوائر المؤلفين. كما قصد من هذه الأعمال الأدبية أن تقرأ من قبل (أو على) كل من سكان العاصمة والمناطق الريفية في يهودا. وأود القول هنا، بناء على ذلك، بأن الأعمال الأدبية "القياسية" "الموحدة" التي تتناول بالسرد تاريخ إسرءيل (على النقيض من التقاليد الشفوية الجزئية المتناثرة والمتضاربة) ينبغي أن تكون قد كتبت في مجتمع حضري يمتلك مستوى عالٍ من المعرفة والتطور، ومعرفة القراءة والكتابة بين أفراد النخبة والدوائر المحيطة بها. وينبغي أيضاً أن تكون كتبت في وقت كان المجتمع بالفعل في حالة تقدم من الوجهة السياسية-الاجتماعية. ولابد لهذه الأعمال أن تكون كتبت في فترة انتشار معرفة القراءة والكتابة ليس فقط في العاصمة، بل أيضاً في المناطق الريفية للمملكة. وكما سوف أشير أدناه، فإن مثل هذه الظروف لم تتهيأ في يهوذا وأورشليم قبل القرن الثامن ق.م. وكما أشرت للتو، سوف يقبل معظم الباحثين احتواء اسفار موسى والتاريخ التثنوي، رغم أنهما كتبا في وقت متأخر نسبياً من التاريخ الإسرءيلي، على مواد نشأت أصلاً في فترات سابقة لجمعهما كنصوص مكتوبة. وتكمن المشكلة في أن الذكريات عادةً ما تكون غامضة جداً في معظم الحالات، أو يتم التلاعب بها من قبل مؤلفين أحدث (متأخرين) بحيث تصبح الوقائع المبكرة في هذه الذكريات غير قابلة للاستعادة. وسوف يكون علم الآثار وحده الكفيل بمساعدة العلماء للتعرف على تلك التقاليد المبكرة. ولكن حتى عند هذا الحد، لا يمكن لعلم الآثار القيام بذلك سوى في جزء محدود، وفي حالات منعزلة. وأود استعراض ذلك بإيجاز في ثلاث أمثلة تعود جميعها للتاريخ التثنوي .
أظهرت الحفريات في شيلو في ثمانينيات القرن الماضي وصول هذا الموقع إلى ذروة نشاطه بصورة قاطعة في منتصف العصر الحديدي الأول وأواخر القرن الثامن ق.م. ويبدو أن شيلو هجرت ولم يشهد الموقع سوى نشاط ضئيل في معظم زمن العصر الحديدي الثاني. و لذلك، من الواضح أن القصص المسجلة في سفر صموئيل الأول حول أهمية شيلو في مرحلة ما قبل الحقبة الملكية لا يمكن أن تعكس حقائق الحقبة الملكية المتأخرة. وينبغي، عوض عن ذلك، أن تمثل تلك القصص بعضاً من الذكريات عن أهمية الموقع في فترات سابقة. والمثال الثاني يدور حول مجموع القصص المتعلقة بتجوال داود ورجاله على طول التخوم الجنوبية ليهوذا، حيث تتناسب هذه المرويات بصورة واضحة مع وصف جماعات العابيرو Apiru -الناس المهمشين الذين يعيشون على هامش المجتمع- متنقلين في مناطق ذات كثافة توطنية قليلة وبعيداً عن سيطرة أي سلطة مركزية. ومثل هذه الخلفية لا تتوافق مع عصر الملكية المتأخرة عندما كانت المنطقة تعج بكثافة توطنية عالية وتفتقر إلى أي أثر لواقع العابيرو الحقيقي. و لذلك لا أرى بديلا عن القول أن تلك القصص تعكس ما يمكن تسميته بحالة متواصلة لما يشبه "مجتمع عصر العمارنة" في تلال يهوذا، أي فترة سابقة للنمو الديموغرافي الكبير في يهوذا في أواخر القرن الثامن. أما المثال الثالث فيتعلق بمدينة "جت" الفلستية. حيث أثبتت التنقيبات الحديثة في تل الصافي عن موقع المدينة الكتابي وصولها إلى ذروة نشاطها في القرن التاسع ق.م، وربما كانت جت في ذلك الوقت أكبر مدينة فلستية وأكثرها أهمية في البلاد قاطبة. تعرضت المدينة للحصار في أواخر القرن الثامن ق.م وأحرقت على ما يبدو على يد حزائيل ملك دمشق، ولم تعد لسابق عهدها. كما يذكرها سرجون الثاني في أواخر القرن الثامن ق.م كمدينة تابعة لأشدود. وتشير السجلات الآشورية والكتابية إلى أربع مدن فلستية فقط -بدون أي ذكر لمدينة جت- ومن الواضح، بالتالي، أن قصص الكتاب عن عصر داود ووصف جت كمدينة فلستية مميزة لابد أنها تحتفظ بواقع يعود لبداية أو منتصف القرن التاسع ق.م.
لكن ما يميز التاريخ التثنوي أكثر بكثير من كونه مجرد ذكريات قديمة في تآليف الملكية المتأخرة. فمن غير المعقول أن يكون مؤلفو الكتاب اخترعوا تلك القصص خدمة لأهدافهم فقط. ولو فعلوا ذلك لفقدوا، إذن، مصداقيتهم في أوساط شعب يهوذا، أي الشعب المستهدف من تأليف تلك القصص، ومن الواقعية بمكان الافتراض بأنهم جمعوا الأساطير والحكايات الشعبية وحكايات البطولة، وشذرات من الذكريات المعروفة لسكان يهوذا ووظفوها في قضيتهم. وغني عن البيان القول، بأنه لم يتم إدراج كل شيء من تلك القصص والحكايات في النص. فقد تضمن الكتاب القصص التي تناسب أجنداتهم اللاهوتية والإيديولوجية. بيد أن جمع القصص شيء والحفاظ على المعاني والسياقات الأخرى شيء آخر. والفكرة الساذجة، وغير الواقعية، إلى حد ما لدراسات العديد من الباحثين المحافظين تلك التي ترى بعدم تغير الذكريات القديمة التي انتقلت شفوياً عبر القرون. لا بد أن تكون القصص القديمة قد امتصت الطبقات المختلفة من الوقائع عبر العصور حتى تم تدوينها كنص مكتوب، لذلك وكما أشرت أنا ونيل آشر سيلبرمان في موضع آخر حول ارتقاء داود وخليفته سليمان للعرش، كما وردت في أسفار صموئيل، يمكننا التعرف على آفاق عدة تمثل حقائق مختلفة عن الفترة الممتدة من القرن العاشر إلى القرن السابع ق.م: تلك القصص البطولية التي تحفظ ربما ذكريات أصلية من القرن العاشر ق.م، فالقصص عن بروز جت وفتوحات داود تناسب القرن التاسع ق.م، وفكرة وجود معبد في أورشليم التي تمثل الفترة التالية مباشرة لسقوط المملكة الشمالية في أواخر القرن الثامن ق.م، وقصص أخرى تكشف عن التأثير الإغريقي التي تناسب بصورة أفضل القرن السابع ق.م (مثل وصف جوليات يرتدي دروعاً)
ليس ثمة أدنى شك، من وجهة نظر إيديولوجية، من أن السياق الاجتماعي الأكثر تأثيراً في تشكيل التاريخ الكتابي هو سياق العصر الذي جمع فيه في أواخر القرن السابع ق.م، إلا أن إدراك القيمة التاريخية الممكنة للعناصر المنعزلة أمر مختلف جداً عن القبول بموثوقية القصة بأكملها، والمتعلقة ببروز المملكة المتحدة في أزمنة مبكرة، فهل يتوجب علينا النظر إلى مواد الكتاب كأطوار تكوينية في تاريخ إسرءيل بوصفها مواد تاريخية، وبالتالي عديمة الجدوى لدراسة ظهور إسرءيل القديمة؟
الجواب هو سلباً وإيجاباً بآن معاً، إيجاباً لأن مواد الكتاب لا تساعدنا على إعادة بناء تلك الأزمنة المبكرة بصورة تامة، وسلباً لأنها تحفظ الشيء الكثير المتعلق بالمجتمع والوقائع لزمن كتابة تلك المواد. هذه هي النقطة التي حاولت أن أظهرها -ذلك أن المساهمة الرئيسة لـ"وجهة نظر الوسط" هي القول بوجوب قراءة تلك النصوص كتاريخ متسلسل من الأزمنة الأقدم فالأحدث- من زمن كتابتها رجوعاً إلى فترات أكثر بعداً في التاريخ. وأود تلخيص ذلك بإدراج الخطوط التوجيهية التالية من أجل إعادة بناء تاريخ قابل للصمود لإسرءيل المبكرة :
1. الآثاريات هي الشاهد الوحيد على العديد من الأحداث المذكورة في الكتاب، لاسيما الفترات التكوينية قبل القرن التاسع ق.م.
2. لا يمكن قراءة التاريخ الكتابي بوصفه تسجيلاً حديثاً للأحداث، فهو كتاب تهيمن عليه المواضيع اللاهوتية والإيديولوجية لمؤلفيه.
3. لا يمكن قراءة التاريخ الكتابي بطريقة بسيطة وساذجة من الأقدم فالأحدث، بل ينبغي أن تكون قراءتنا، بدلاً من ذلك، نقطة الانطلاق من خلال المعرفة الدقيقة للوقائع الجيوسياسية والإقتصادية والاجتماعية لفترة التأليف في أوقات المملكة المتأخرة (أو بعد ذلك في بعض الحالات).
4. هنالك العديد من القصص في النص الكتابي التي يمكن تصنيفها، بطريقة ما، كوصف لفكر وإيديولوجية الكاتب أو المؤلف.
5. تتألف العديد من النصوص من عدة طبقات، وعلم الآثار وحده، بالإضافة إلى المصادر غير الكتابية، من يمتلك القدرة على المساعدة في تحديد هذه الطبقات وفصلها عن بعضها البعض.
6. نقطة الانطلاق لجمع النص الكتابي هي النمو المفاجئ ليهوذا لجهة إقامة دولة تامة باعتبارها نتيجة مباشرة لسقوط المملكة الشمالية واندماج يهوذا في الاقتصاد العالمي للإمبراطورية الآشورية.
وفي حال تطبيق مثل هذه الخطوط العامة، منذ البداية، لمشاريع الدراسات الحديثة للتاريخ الكتابي، فإننا بذلك لم نكن قد أضعنا جهد قرن كامل من البحث غير المجدي.
العنوان الأصلي: THE QUEST FOR THE HISTORICAL ISRAEL: Debating Archaeology and the History of Early Israel
المؤلف: Israel Finkelstein and Amihai Mazar
الناشر: 2017 Society of Biblical Literature



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحيداً على قرن وحيد القرن
- صراع الفلسطيني على كل وجه: خربة سيلون مثالاً
- العرق والدور الفاشي في السويد
- حدود الفصل حكاية غير مروية بين يافا وتل أبيب قبل العام 1948
- دراسة حالة: الصراع على الفضاء المكاني لمدينة عكّا
- ثلاثية الألوان: كريستوف كيشلوفسكي
- بيوغرافيا قاتل: أنا لوي ألتوسير، قتلت زوجتي التي أحب
- الصراع في وعلى القدس: صراع مساحات أم اعتراف بالآخر؟
- ملاحظات نقدية حول -الدراسات العربية الإسلامية- في البرتغال
- الاتجاهات الجديدة في الدراسات النقدية لتسمية الأماكن
- الحروب الأهلية -الجديدة- و-القديمة-
- سلمان رشدي وحروب الثقافة النيوليبرالية
- خيبة أمل أوروبا ما بعد الحقبة السوفييتية: قراءة في كتاب جون ...
- حرب أوكرانيا وانعكاساتها على التوتر العسكري الأمريكي الصيني
- (دفاعاً عن التجربة السوفييتية).السوفييت والشعوب: الاتحاد الس ...
- بوب ديلان في السويد: بين -صابرا- كيبوتس عين دور و أروقة أكاد ...
- تاريخ جديد ، أفكار قديمة
- حواري مصر: أدلة بيئية جديدة على بناء أهرامات الجيزة
- قوارب الفلاسفة : 100 عام على طرد المثقفين الروس
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات


المزيد.....




- -صور الحرب تثير هتافاتهم-.. مؤيدون للفلسطينيين يخيمون خارج ح ...
- فرنسا.. شرطة باريس تفض احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في جامعة ا ...
- مصر تسابق الزمن لمنع اجتياح رفح وتستضيف حماس وإسرائيل للتفاو ...
- استقالة رئيس وزراء اسكتلندا حمزة يوسف من منصبه
- قتلى وجرحى في هجوم مسلح على نقطة تفتيش في شمال القوقاز بروسي ...
- مصر.. هل تراجع حلم المركز الإقليمي للطاقة؟
- ما هي ردود الفعل في الداخل الإسرائيلي بشأن مقترح الهدنة المق ...
- بعد عام من تحقيق الجزيرة.. دعوى في النمسا ضد شات جي بي تي -ا ...
- وجبة إفطار طفلك تحدد مستواه الدراسي.. وأنواع الطعام ليست سوا ...
- صحيح أم خطأ: هل الإفراط في غسل شعرك يؤدي إلى تساقطه؟


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - البحث عن إسرءيل:مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرءيل الكتابية (1-1)