أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - الصراع في وعلى القدس: صراع مساحات أم اعتراف بالآخر؟















المزيد.....



الصراع في وعلى القدس: صراع مساحات أم اعتراف بالآخر؟


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 7390 - 2022 / 10 / 3 - 23:45
المحور: القضية الفلسطينية
    


شكّل انهيار اتفاقيات السلام، واستئناف الانتفاضة في العام 2000، والتوغلات العسكرية العديدة التي تلت ذلك، مرحلة جديدة من مراحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتبدو مدينة القدس، اليوم، منقسمة إلى شطرين بواسطة حاجز أمني -يطلق عليه الفلسطينيون تسمية جدار- والذي بدأت إسرائيل بفكرته ومن ثم بنائه، الذي مازال مستمراً، في العام 2006. وبمجرد اتخاذ قرار بناء جدار أمني يقسم المدينة إلى تجمع فلسطينيو القدس الشرقية من فلسطينيين آخرين وقسم آخر ينضوي فيه الإسرائيليين، تكون إسرائيل قد عملت على خلق حدودٍ مرئية واضحة مصمتة، بما يعني تأكيد الترسيم الحدود المكانية لأراضي العدو خلفها (Brown 2010). وبذلك سوف يعمل مثل هذا الحاجز الأمني على إعادة تعريف الترميز المكاني والقانوني nomos (1) (Schmitt 2003)، وحماية الحدود بين إسرائيل و ما يحيطها من عالم يُنظر إليه على أنه تهديد. وفي سياق الفصل هذا ، تعمل دراسات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في معظم الأحيان في ظل نظرية الهيمنة البسيطة، أي، علاقة أولية بين المسيطِرين (الإسرائيليين) والمسيطَر عليهم (الفلسطينيون)، حيث لا يمكن فهم الانتهاك والمقاومة إلا بوصفهما أجزاء من إجراءات داخلية أو تواصل للسلطة يتم من خلالهما تجريد الشخص المعني من الاعتبارات الذاتية، مما يجعل من المستحيل وجود عالم مجتمعي. ويفترض استخدام السلطة، كإجراء خارجي الطابع، ابتعاد أي وصف ممكن للعلاقات عن كونه وصفاً له علاقة بالتقنيات الحكومية، أو الوسائل القانونية للاستثناء من القانون العام، أو أنماط الإقصاء والاستبعاد التي تعمل من خلال تقنية الحصار داخل الجيوب الفلسطينية، أو العنف الرمزي لإسرائيل كدولة صاحبة سلطة. والمقاربة التي سوف يتم استعراضها هنا بالتفصيل هي مقاربة من طبيعة مختلفة تقترح النظر في واقع الفصل من خلال النظر إلى مدينة القدس وحدودها وأسوارها، دون أن يعني هذا استبعاد القيود الحقيقية التي أوجدها الجدار وحدوده، وبهذا سوف تعنى هذه المقاربة أيضاً في التفاعلات الدقيقة بين السكان المنقسمين (الإسرائيليين والفلسطينيين.. اليهود والعرب) والسبل التي تشكل بها هذه التفاعلات الروابط بين هذه العوالم الاجتماعية. أي أننا يوف نسلط الضوء، هنا، على أمثلة عن أعمال الاتصال والآليات التي يستخدمها الفاعلون لمواصلة التبادل في أطراف القدس، وبين القدس وبقية الأراضي الفلسطينية. قد تبدو هذه العمليات غير محتملة أو ثانوية وبسيطة. ولكن هل من الممكن إيجاد نموذج للعدالة المتوازنة التي تفترض هذه الحالة من الوقائع، وإمكانية تبادلها في فضاء مجزأ ومتضارب؟ ألا تقدم الرؤية السياسة للعيش المشترك بديلاً للنظريات والسيناريوهات السياسية المجردة بهدف البحث عن حل للصراع المكاني والمجتمعي في القدس؟
ما هو هذا الحاجز الأمني، المسمى جداراً، في حالة القدس الشرقية؟ إنه ببساطة يمثل حدوداً يراد لها أن تكون عسكريةً واجتماعيةً. فعلى الجامي الفلسطيني يجد البعض أنفسهم داخل حدود القدس (على الجانب "الجيد" من الجدار ، داخل محيط بلدية القدس). وهم يستفيدون من مكانتهم كمقيمين في المدينة، كنوع من المواطنة الاجتماعية والاقتصادية -تتوفر فيه الحقوق الاجتماعية الإسرائيلية في التعليم والصحة والحق في العيش والتنقل- حتى لو بات تعيين مدة الإقامة محدوداً إلى حد كبير منذ إنشاء الجدار. ومن المعروف صعوبة لم شمل الأسر. كما يمكن سحب الإقامة من الفلسطينيين الذين يغادرون المدينة. كما لم يعد سارياً الحصول على الإقامة الفعلية للزوجة غير المقدسية وأطفالها المولودون خارج المدينة(2). وتمتد على الجانب الآخر من الجدار منطقة رمادية، يخضع فيها السكان لسيطرة المؤسسات الفلسطينية على الرغم من كونها جزءً تابعاً للمدينة، وبالتالي، يفتقر هؤلاء إلى إمكانية التبادل مع الموجودين على الجانب الآخر المقابل من الجدار. وبذلك يكون الجدار قد أقيم من الداخل ومن الخارج؛ وهذت يعني إعادة تعريف العلاقات الاجتماعية، ووضع حد داخلي للمجتمع الفلسطيني من خلال التمييز بين المشمولين بالحقوق المدنية في محيط المدينة وأولئك المنعزلين والمحرومين من هذه الحقوق.
وبدلاً من التوجه إلى تقديم حجة حول طبيعة السيادة الإسرائيلية في القدس -ممارسة أو عدم ممارسة "حالة الاستثناء" (Agamben 1998)- سوف نبين مدى اختلاف التفاعلات على طول الجدار وكيف تتعايش هذه التفاعلات مع فكرة وجود الجدار بحد ذاته. وتوفر هذه المواقف طرقاً للتفكير في سياسات الفصل، وأنماط التفكير التي لا تعمل من خلال رؤية صارمة للسلطة المفروضة على المجتمع عمودياً كما تُفهم في النظرية النقدية الراديكالية (في العلوم السياسية أو الجغرافيا)(3). وما نرغب في دراسته هنا هو معطى أقل من مفهوم نظرية الاستثناء (المعرَّفة على أنها تعليق الحقوق والحدود بين الداخل والخارج) لكنه في ذات الوقت أكثر من نظرية الغيرية heteronomy (Simmel 1999). وعادة ما يتم تعريف الغيرية على أنها التأثير على إرادة المرء، أي أقل من الاستقلال الكامل. لكن سيميل يعتبر أن للغيرية وجه مزدوج: فهي تعبر عن شكل من أشكال الاعتماد المتبادل، يُحدد بواسطة كل من الاستقلالية والقيود، ويمكن تعيين ذلك بالحدود المكانية. وقد ينظر إلى التصعيد بين قطبي الحرية والقيود على أنه عنصر بنيوي ( يطلق عليه سيميل تسمية "الشكل المقبول grammatical ") للحياة الاجتماعية. وضمن منطق سيميل هذا، تكون الأجزاء المعزولة عن الكل حين تكون لاتزال غير منتمية إلى هذا الكل. ويتفاعل الأفراد أو المجموعات، حتى لو كانوا مقيدين بحدود مادية، مع بعضهم البعض لوجود مجموعة كاملة من التأثيرات المفيدة لهم والتي تنبثق منها وتؤثر عليها. كما يعد التقييد اليومي للاستقلالية بمثابة نظرية تواصلية أو عيش مشترك. وأكدت مدرسة شيكاغو السوسيولوجية (Grafmeyer and Joseph 1984) في مقاربتها للنظرية الاجتماعية على هذا الجانب بتعيين ما يطلقون عليه "الذهنية الحضرية urban mentality ". أما بالنسبة إلى كل من ويرث وبارك، يُفهم المواطن على أنه أي شخص قادر على التواصل، وقادر على توزيع الانتباه، والعيش في نفس الوقت في عوالم متعددة، بين أو ضمن مجالات متعددة من الانتماء. وبالتوسع أكثر -وكما يؤكد سيميل (1971)- يكمن الجانب الأكثر أهمية للمدينة في هذا التواصل أو الحضور المشترك الذي تقوم عليه الحياة الحضرية. وعلى الرغم من انقسام مدينة القدس، فالوجود المشترك فيها يعينها كمدينة أيضاً.
يعطي "التواصل" المادي لمختلف المجتمعات (يهود وعرب وأقليات أخرى) للمدينة جوهرها النفسي والجمالي. ويعتمد الجو فيها على أنماط الحياة المختلفة التي تتقاطع في كل زاوية شارع -بين العملاء والتجار، أو في اللقاءات غير الرسمية الأخرى- مما يؤدي إلى تبادلات ومحادثات وانفعالات غير متوقعة. وينبثق جو المدينة من إمكانية حدوث مثل هذه اللقاءات ومن تحقيقها. فالمدينة مكان يمكن أن تحدث فيه مثل هذه اللقاءات، وينبثق فضاؤها من حقيقة حدوثها. وعلى العكس من ذلك، قد يولّد الاعتماد المتبادل بين أجزاء من المدينة، التي تُعرَّف على أنها معادية لبعضها البعض، يولد الخوف والترقب والمشاعر الأخرى الناجمة عن التهديد بالعنف والصراع الدائم والانقسام. بعبارة أخرى، حقيقة أن الفلسطينيين والإسرائيليين يتفاعلون ويتحركون في المدينة على الرغم من وجود الجدار هو ما يجعل المدينة تبدو على أنها "القدس" وهو أيضاً ما يضع أسس الخوف. إن الوجود العسكري وإقامة السياج الأمني داخل حدود القدس يضفيان على الحياة الحضرية أهمية جديدة لكنهما لا ينهيان تلك الحياة تماماً. ومن عجيب المفارقات، أن يظهر نسيج التبادلات الحضرية، أي نسيج المدينة، لأن أسس التبادل، أو الأحياء، أو الوجود نفسه، جميعها حالات تبادل حضري مهددة. هذه هي التبادلات الحضرية المكثفة بشكل خاص لمدينة مقسمة ومعسكرة. يخلق الحبس المكاني أوامر عملية يقيس الفرد من خلالها نفسه فيما يتعلق ببيئته. سوف يكون هذا البحث منطقياً أكثر أو أجري في ظروف أكثر إشكالية، عندما يعمل الأفراد المتأثرون بالأحداث والمضطربة (Boltanski 2009 Dewey 2005) على حل لغز حياتهم. ولتحقيق ذلك، من المفيد للباحث الاجتماعي أن يلجأ إلى الدراسات الإثنوغرافية التي قد تعطينا نظرة مفيدة تتجاوز الانطباع العام الأول عن قيود الجدار. تمكننا الإثنوغرافيا من التعرف في السبل التي يستخدم من خلالها الفاعلون مختلف المبادئ والموارد لحل مشاكل حياتهم اليومية في مواجهة الانغلاق وبالتالي كيف يؤكدون تعدد أشكال وجودهم وأفعالهم. نرى هنا أن الناس لا يخضعون فقط للحاجز وللفصل القسري، ولكن لديهم أيضاً قدرات نقدية وتأملية. إنهم يعملون لمواصلة وجودهم. ويستخدمون ضمن نظام الجدار ميكانيزمات انتقائية للعلاقات والإجراءات للوصول إلى السلع الأولية: السكن، والعمل، والتنقل، والتعليم، والإنتاج المحلي. ويمكننا أن نتطرق فقط إلى عدد قليل من الإجراءات -بعضها سطحي والبعض الآخر أكثر عمقاً- والتي يعيد الفرد المحاصر من خلالها (في هذه الحالة الفرد الفلسطيني أو الفلسطينية) النظر في عالمه أو عالمها وأحياناً علاقته أو علاقتها بالآخر (الإسرائيلي).
الخارجون عن الحدود: العمال والمقيمون والتجار بصفتهم "متحولين لاجئين متنقلين Transfugees"
يتضمن النموذج السياسي للفصل والأمن بالنسبة لمواطني القدس الشرقية، تعريفاً جديداً للتعبير عن الانتماء الجغرافي المكاني، والتبادل، والتنقل. اكتمل الجدار الفاصل، على نحو ما، منذ العام 2009، وأصبح يمثل للسكان الأفق البصري والوجودي معاً. وهو يضع أمامهم تحدياً من نوعٍ جديدٍ، ولم يعد مجرد اختبار للقوة (بالسيطرة العسكرية)، بل بات يشكل تحدياً للواقع -من خلال الرقابة الإدارية والآليات الجديدة للتبادل والتداول. لقد صار الجدار يمثل تخوماً. ولا يمكن، من الناحية العملية، عبوره إلا أحد الحواجز الثلاثة عشر الممتدة على طوله، تنظمها وتسيطر عليها الإدارة العسكرية الإسرائيلية، والتي تقوم أيضاً بدوريات صارمة ومنتظمة من محطات المراقبة الواقعة على طول الجدار. ويجب على السكان أو العمال الفلسطينيين امتلاك تصاريح عمل خاصة للدخول إلى القدس(4)، وتستوجب هذه التصاريح شروطاً ومعايير مدنية أو عائلية أو أمنية معينة، فضلاً عن تلبيتها للاحتياجات الاقتصادية لإسرائيل (في حالة العمال). وبهذه الطريقة من التعبير عن الداخل والخارج، أعاد الجدار تعريف العلاقات الاجتماعية، وساهم في شطب، بل ربما محو المزايا والامتيازات، وأضعف قدرة الأفراد على الحركة، كما أن وجوده يلقي الضوء على التصدعات الداخلية. لقد أصبح الوصول إلى مدينة القدس، بوصفها مكان عمل غير ممكن منذ اكتمال بناء الجدار الأمني، على الرغم من التجارة النشطة وشبكات العمل والمعرفة الواسعة التي كانت موجودة في الفترة السابقة. وقد أدى الفصل القضائي والمادي إلى تقليص العلاقات الشخصية التي كانت موجودة في السابق بين الفلسطينيين واليهود أو بين الفلسطينيين من القدس، في حين تم تقليص المعاملات غير الرسمية. و على الرغم من ذلك، يظل من أولويات الفلسطينيين الحفاظ على التبادلات مع إسرائيل أو المناطق. ومن الضروري التفريق بين الارتباطات السطحية التي أنشأت لغايات أداتية -كالبحث عن عمل أو القيام ببعض الأشغال- وتلك التي تدوم لفترة أطول حيث تكون أنطولوجيا الشخص، وكذلك أنطولوجيا المجموعة نفسها، غير مستقرة. وفي جميع الحالات، تشتمل التفاعلات على إجراءات عملية موضوعية تسمح للجهات الفاعلة بالالتقاء. ويعتبر أصحاب المطاعم والمتاجر الموجودة عند الحد الأقصى للجدار مثال على أولئك الذين يجب عليهم تطوير معاملات ملموسة و استراتيجيات لمواصلة تجارتهم.
ومن الأمثلة على ذلك أصحاب المتاجر في مدينة الرام الواقعة عند حدود الحاجز الأمني، بالقرب من نقطة التفتيش الرئيسية للدخول والخروج إلى القدس الشرقية (قلنديا). يشكل هذا الحاجز منطقة عازلة حقيقية مع إسرائيل، وهو مقيد بشكل خاص للأشخاص الذين يدخلون الضفة الغربية (حيث توجد المستوطنات الإسرائيلية) ولكنه مقيد أيضاً لفلسطينيي القدس الذين يواصلون ممارسة أنشطتهم أو لديهم أسر في فلسطين. وتقوم السلطان بالتحقق من جميع المعابر عند هذا الحاجز -السيارات والشاحنات والمشاة-(5). كما يخضع العمال القادمون من المناطق المأذون لهم بعبور القدس للتدقيق بشكل خاص، ولا يسمح لهم باستخدام مركباتهم الشخصية ويجب أن يكون بحوزتهم تصريح عمل أو إقامة. غير أن العديد من التفاعلات تحدث حول الحاجز على الرغم من الطابع المغلق والمتشدد لهذه الإجراءات الأمنية، مما يخلق مشهداً عملياً عاماً مرئياً للمشاركين، بما في ذلك أفراد الجيش الإسرائيلي المكلفون بالسيطرة على الحدود. وتشكل المنطقة المحيطة بالحاجز مساحة اقتصادية صغيرة من خلال تواجد أصحاب المتاجر الصغيرة الذين يقدمون خدماتهم: نجد القهوة والمياه من مخيم الأمعري للاجئين القريب من المعبر وكذلك المطاعم وسيارات الأجرة. فالجميع مهتم بالحفاظ على مصالحه الاقتصادية، على الرغم من الطبيعة المتخلّفة للمبادلات بين القدس والمناطق الواقعة على الجانب الآخر من الجدار الأمني، الذي أصبح بحد ذاته حدوداً غير سالكة. ومن الأمثلة اللافتة للنظر: الطقوس التي تمارسها مطاعم معينة " خدمات الديليفري" إلى نقاط التفتيش من أجل الحفاظ على أنشطتها التجارية. وتتعلق بعض هذه المخاوف، والاهتمام بالحفاظ على المصالح الاقتصادية، بأصحاب المطاعم الواقعة قرب الحاجز الأمني (الرام)، الذين أقاموا روابط مع زبائن يهود أو عرب داخل القدس كانوا يترددون في السابق على مطاعمهم، والآن، بوجود الجزء المشيد حديثاً من الجدار، حرموا من هذه الميزة. وهذا هو حال إلياس، أحد سكان القدس الذي اختار الموقع لمطعمه قبل عدة أشهر فقط من إقامة الحاجز في الرام. أصبح مطعم البيتزا الخاص به، المعروف بجودة منتجاته، مخفياً ولا يمكن الوصول إليه. وصارت حركة إلياس محدودة أيضاً ، وفقد مطعمه العديد من العملاء المحتملين. ومع ذلك، وجد رجل الأعمال الشاب طريقة لمواجهة هذه الخسارة في العمل. مسلحاً بشبكة قوية من العلاقات مع الإسرائيليين اليهود والمسيحيين ومع العائلات الفلسطينية من البلدة القديمة، فهو قادر على توصيل البيتزا لهؤلاء الزبائن المميزين. ومراعاة للوضع الاقتصادي الذي يمر به إلياس، يقوم زبائنه المميزون برحلة معقدة خصيصاً لشراء منتجاته عند نقطة تفتيش قلنديا.
يقوم إلياس بتسليم وتوصيل البيتزا، بألية تشبه تصميم حركات الرقص المتقنة choreography، بحضور أفراد عسكريين يراقبون هذا التسليم عن كثب. وتمثل تجربة "الديليفري" للوجبات السريعة والبضائع تجربة حضرية تخلق تفاعلات داخل الفضاء العام. حيث استقطاب البيئة المادية، بينما يحدث التواصل بين الشركاء في عملية التبادل، أي الإسرائيليين والفلسطينيين، داخل مساحات محايدة وبينية مثل مناطق وقوف السيارات في نقاط التفتيش (قلنديا وبيت لحم). وسوف يسترخي الفضاء السيادي، أو يتحول إلى مساحة من الكياسة القائمة على المحادثة والأفعال العادية (التبادل الحديث الشفهي، تبادل الطعام) لحظة "عمليات الديليفري" هذه - أو بعض الأنشطة التجارية الصغيرة التي تتم على طول الحدود في فضاء من المراقبة-. وتجعل هذه التبادلات، التي تستمر على الرغم من الانقسام والعداء المتزايد بين الطرفين، من الممكن تحقيق الاستقرار في العلاقات بين الجهات الفاعلة. خذ على سبيل المثال حالة المزارعين في بيت لحم والخليل، الذين يصلون كل صباح إلى بوابات القدس الشرقية لبيع منتجاتهم. سوف تكون بواباتهم إلى العالم الخارجي (القدس وإسرائيل) -نقاط التفتيش إلى بيت لحم- ممكنة فقط بسبب سلسلة من التسامح ودعم مختلف الشركاء. وتتطلب رحلاتهم، في بعض الحالات، تواطؤ العسكريين، لأن المزارعين لا يستطيعون، من الناحية القانونية، الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية أو القدس. يغلق الضباط أعينهم على المواد الغذائية المنقولة في أكياس وسلال، أو حتى داخل ثيابهم، ويمنحون المزارعين حق دخول العاصمة سراً. في المقابل ، يوافق أصحاب المحلات الفلسطينية في القدس على الاحتفاظ بمنتجات المزارعين أو تخزينها. غالباً ما يكون هؤلاء المزارعين من كبار السن، الذين يقضون الليل في الجزء الخلفي من المحلات التجارية، أو في مداخل المحلات التجارية، أو في بعض المساكن في البلدة القديمة أو في الأماكن العامة(6). هذه السلسلة من الأعمال التي تربط الأفراد المنقسمين اجتماعياً وجغرافياً ، وتميز بعضهم عن الآخر من حيث وضعهم كمواطنين. وقد مكنت مسألة مراعاة الآداب العامة للآخر من إقامة سلسلة من الأفعال تربط الأفراد المنقسمين اجتماعياً وجغرافياً، وتميز أحدهم عن الآخر من حيث وضعهم كمواطنين. ومن اللافت للنظر أن تتوحد التبادلات في مكان العمل أيضاً. فالافتقار إلى وضع المقيم في القدس يجعل من الصعب الحصول عليها،
إن توحيد التبادلات في مكان العمل لافت للنظر أيضًا. تفتقر إلى مكانة مقيم في القدس ، من الصعب الحصول على هذه التبادلات أو غير ذلك بدون تصاريح للعمل أو التنقل بحرية والتي تتطلب إجراءات صارمة للحصول عليها، مما يصعب على الشركات والباحثين عن عمل تطوير حالات التواصل. وبسبب الطبيعة المعقدة المتزايدة لإجراءات الهجرة القانونية، يكاد يكون من الاستحالة بمكان الحفاظ على الوصول إلى العمل دون مساعدة الشبكات الرسمية، أو غير الرسمية، التي يمكنها تقديم المساعدة عند المعابر الحدودية بين القدس والضفة الغربية. فلكي يحصل الفلسطيني على وظيفة، في القدس أو إسرائيل على سبيل المثال، يتطلب أن يمر عبر شبكة منظمة -تتكون من شركات مقرها القدس أو في إسرائيل تمتلك اتصالات مع الإدارة العسكرية- للتفاوض على تصريح أو بيع المنتجات أو الخدمات في إسرائيل. وتعتمد التصاريح، بسبب ندرتها، كلياً على تنظيم عمودي لشبكة من الموظفين وأرباب العمل والإدارة الإسرائيلية كما هو حال نموذج الدولة الليبرالية التي يتحد فيها المصالح الاقتصادية -والفساد- مع المصالح العسكرية. وتتطور، بالتوازي مع الشبكة الرسمية لرجال الأعمال، أنواع أخرى من الممارسات, والتي يمكن فهمها على أنها رد محتمل على الإكراه الذي يُفرض على الفلسطينيين الراغبين في العمل في إسرائيل -على الرغم من حقيقة أن المؤسسات الفلسطينية تمنع رمزياً الفلسطينيين من القيام بذلك باسم المقاطعة و "الانتفاضة البيضاء"، بهدف الحفاظ على حملة مستمرة لاعنفية للمقاومة الفلسطينية.
ويمكن القول، بناء على ذلك، بعدم إمكانية فصل الممارسات غير الرسمية، التي تتعامل مع العمل وعبور الجدار، عن سلسلة الثقة الأفقية بين الموظفين وأرباب العمل أو داخل المجتمع الخاضع للسيطرة. ثم هناك منظمة سرية مختلفة تماماً تنقل الأشخاص عبر الجدار بنقاط مرور منظمة أو باستخدام سلالم تجعل من الممكن تسلق الجدار. وتتضمن هذه الأنشطة الجيران المتواطئين، وبعض الأفراد لتنظيم رحلات مكوكية ذهاباً وإياباً - العابرون- وطريقة تفكير كاملة تؤدي إلى إنشاء مجتمعات أحياء مؤقتة من العابرين (الدروز، عرب إسرائيل)، والأعمال التجارية، والجيران. وتختلف التفاعلات، في مثل هذه الأنشطة، من خدمة مدفوعة الأجر لعبور الحاجز إلى مجرد مساعدة الجيران -على سبيل المثال، مراقبة وصول الشرطة. ويؤدب هذا إلى التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة- أي مهارات الاتصال. وتعد هذه التفاعلات أكثر ندرة ،بالطبع، من المعاملات اليومية الموضحة سابقاً، ولا تتطور إلا في المواقف التي تكون فيها المعابر غير الشرعية هي الملاذ الأخير. وتبنى العلاقة التي تربط هؤلاء الأفراد في هذا الفضاء من خلال الاتصالات والاتفاقيات العابرة. "بس بدنا نعيش"، يكرر عمال المياومة سكان الرام وبير نبالا وبيت لحم مثل هذه العبارة. وتتشكل أفعالهم التطوعية في عالم من المعاناة. إن المخاطرة بالحياة من خلال عبور الحاجز الأمني يعني المخاطرة بالسجن للحصول على أجر عمل، وتعريض الأسرة للخطر من خلال الإجراءات غير القانونية، والمخاطرة بإصدار أحكام من المقربين أو من المجتمع الفلسطيني، الذي يمثل إشكالية خاصة في حالة العمال الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية -وهو نوع من العمل تحظره بشدة السلطات الفلسطينية(7)- وكذلك في حالة التعاون الاستخباراتي مع الجيش، بشأن شهادات العمل المزورة. كما يتعرض الفلسطينيون من سكان القدس أو الأراضي الفلسطينية، الذين يعملون بشكل متقطع في بناء أو تنظيف الحاجز الأمني، لمخاطر كبيرة.
ترتبط رحلات هؤلاء العمال إلى عالم "العدو" بالدوافع الاقتصادية لكلا الطرفين بجميع المقاييس. ويمكن لأصحاب العمل الوصول إلى العمالة المتاحة والمرنة والتي يسهل إدارتها، ويرى الموظف أن فرصة العمل في الوسط الإسرائيلي وسيلة لتحسين وضعه. قد يتذرع هؤلاء العمال أيضاً بمبرر أخلاقي لهذه الرحلة و "التعاون" الذي تنطوي عليه. فعلى سبيل المثال، قد يتحدث عن كونه ضحية واستغلال الموارد القضائية والاقتصادية لـ "العدو الإسرائيلي" كعمل سياسي للمقاومة. وفي معظم الحالات، يتجاهل العمال الاختلافات الأخلاقية والسياسية، أو الاختلافات المجتمعية أو الثقافية بينهم وبين أرباب عملهم، وبدلاً من ذلك يكشفون عن تفاهمات متبادلة مبنية على الثقة والمصلحة المشتركة(8). قد يؤدي العمل أيضاً إلى ازدواجية أخلاقية واجتماعية. يتنقل العمال بين عالم وآخر، ويقومون بتعديل خطابهم ومظهرهم بناءً على ما إذا كانوا داخل مجتمعاتهم، أو خارجها، أو بين عدة مجموعات من المعايير القانونية والسياسية -على سبيل المثال، المواقف التي يتعين عليهم فيها الاعتراف بدولة إسرائيل أم لا-. يمكن أيضاً زعزعة استقرار الجهات الفاعلة من حيث علاقتها بمجتمعها من خلال الدخول في اتصالات مع معايير أخرى خلال فترة التعامل. كما يمكنهم أيضاً زعزعة استقرار قواعد مجتمعهم -من خلال خيانة وطنيتهم. فإذا أخذنا، على سبيل المثال، حالة العمال الفلسطينيين والبدو والعاملين في القطاع الرسمي وغير الرسمي للمجمعات الصناعية في مشور أدوميم ووادي الأردن، فغالباً ما تظهر حالات الإهانة والإذلال في تصريحات هؤلاء العمال وترتبط بظروف عملهم (رواتب متدنية، لا حقوق اجتماعية، لا أيام إجازة). ومن خلال هذه المظالم يتواصل بعض العمال اليوم مع المنظمات الإنسانية للدفاع عن حقوقهم الأساسية والاستفادة من نفس ظروف العمل مثلهم مثل الإسرائيليين. ومن خلال اللجوء إلى المحاكم وجمعيات مساعدة العمال مع مطالبهم والتمييز الذي يواجهونه، فإنهم يعترفون ضمنياً بالقانون الإسرائيلي ووجود محاورين إسرائيليين، مثل جمعيات المساعدة القانونية الإسرائيلية. ومن شأن هذا الاتصال بالخصم، بالتالي، تحت عنوان الدفاع عن الحقوق الأساسية، ولكن أيضاً بفردانية ليبرالية معينة، أن يوحي بالتخلي عن مبادئ المقاومة الفلسطينية التي تقوم على عدم الاتصال ومقاطعة المحاورين الأعداء باسم التضامن الجماعي. قادت المواجهات مع شركاء خارجيين (محامون، منظمات غير حكومية، محاكم)، والثقة التي تخلقها هذه الاجتماعات والشعور بوجود من يدافع عنهم، هؤلاء العمال لاختبار مسافة معينة من مجتمعهم. ومن ناحية أخرى، قد تشعر عائلاتهم بالحرج من هذه الجهود العامة والعصيان لقواعد مجموعتهم التي توحي بها.
التبادلات الظرفية
يمكننا أيضاً الاستشهاد بحالة ثانية تتحدث عن مشاركة أقل سطحية مع إعادة التفاوض فيما يتعلق بالمعايير الجماعية من خلال الأفراد كما يلي، الاختيار: الفلسطينيون الذين استقروا في الأحياء اليهودية يدعونها المستوطنات الإسرائيلية لأنها بنيت خارج حدود العام 1967. هذه المناطق اليهودية الحضرية (مثل بسغات زئيف) مأهولة باليهود المتدينين (غالباً من طائفة الحسيديم) أو المتدينين القوميين (الصهيونيين). وكانت أول ما تم بناؤه خارج الخط الأخضر. وهذه المستوطنات هي موطن لعدة مئات من الفلسطينيين. ثلاثة عشر ألف من سكان بسغات زئيف البالغ عددهم 42000 هم من العرب. وبالقرب من بسغات زئيف، على التلة الفرنسية، هناك شخص واحد من كل ستة أشخاص من العرب من بين سكان يبلغ عددهم 7000 نسمة. أخيراً ، في نافيه يعقوب، هناك ستمائة عربي من أصل 20 ألفاً(9). وهناك نوعان من الدوافع لهذه الظاهرة. الأول هو ما يراه الكثيرون على أنه ضرورة للاحتفاظ بتصريح إقامتهم في القدس. في مثل هذه الحالات، يكون الأشخاص الذين هم بالأصل من سكان القدس قبل تشييد الجدار، تركوا خلفهم ما هو الآن الجانب الفلسطيني للانتقال إلى منطقة يمكنهم فيها الاحتفاظ بإقامتهم(10). كانت موجة عودة الفلسطينيين داخل حدود القدس الشرقية عاملاً هاماً في ارتفاع أسعار العقارات(11). ونتيجة لذلك، سعى الفلسطينيون المعنيون بالحفاظ على حقوقهم عن طريق السكن في بيوت موجودة في المستوطنات الأولى في القدس الشرقية مثل بسغات زئيف. وخلق مثل هذا النشاط الإيجاري تعاملات مع شبكة من وكلاء العقارات -اليهود- غير المترابطين إلى حد ما، وإعادة انتشار الحركات المجتمعية المقبولة نوعاً ما: حيث أصبح الفلسطينيون يترددون على المقاهي و بشكل أكثر أو أقل على مراكز التسوق الواقعة في الأحياء اليهودية. ومؤخراً كانت الطبيعة العامة للهوية مصدراً لبعض الحوادث، مثل الإساءة اللفظية والعنف المتبادل في مراكز التسوق، وملصقات الاحتجاج على جدران الكنس، وترهيب وكلاء العقارات اليهود الذين يبيعون الأراضي للعرب. وغالباً ما كانت تتحدث الصحافة والناشطون من أجل الحقوق الدينية الإسرائيلية عن خطر مقلق يتمثل في تراجع إعادة التوطين اليهودي من خلال الاستيطان العربي. "اليهود يرحلون والعرب يعودون"، هكذا أعلنت صحيفة مجتمعية محلية إسرائيلية(12)، كما لو كان العرب يقلدون اليهود من خلال إعادة احتلال فضاء وإثنية وعقارات القدس.
ويوجد نوع آخر من الحراك الفردي يمثل الفلسطينيون الذين يعيشون بالفعل داخل محيط القدس ويختارون العيش في الأحياء اليهودية عند مدخل القدس الشرقية. هنا نجد مثالاً على التعددية التي يتم التعبير عنها بقرار الحفاظ على حياة اجتماعية خارج المجتمع الخاص. لقد أصبحت قرارات مغادرة الأحياء العربية لمحاولة الاندماج في أحياء مثل بسغات زئيف أو راموت خياراً يخاطب المخاوف المتعلقة بأسلوب الحياة مثل الرغبة في الارتقاء الاجتماعي الذي يجعل من الممكن أيضاً الاستفادة من المرافق الثقافية والتعليمية والصحية التي لدى اليهود الإسرائيليين، ووهي مرافق يُحكم عليها بأنها أفضل من تلك الموجودة في الأحياء العربية. وتظهر قرارات الاستيطان في المناطق اليهودية على أنها قرارات غير مرتبطة وغير معلنة بين التجمعات الفلسطينية لأنه لا يمكن الجدال بشأنها من حيث الضرورة(13). فمن ناحية، يتخذ أفراد الطبقة الوسطى والفلسطينيين المحترفين -على سبيل المثال، موظفو المكاتب أو الأساتذة أو الأطباء العاملون في المستشفيات الإسرائيلية- خياراً عملياً وذاتياً للاستقرار داخل مناطق يهودية قد يُنظر إليها على أنها خيانة من قبل أسرهم ومجتمعهم. من ناحية أخرى، يفرض التنوع داخل الحي اليهودي قواعد الكياسة. نجد أنفسنا هنا ضمن القواعد العامة لـ "السهو المدنية civil inattention" (Goffman 1971) التي تحدد نمط العيش المشارك على أساس اللامبالاة تجاه التشاركية واحترام الحياة الخاصة(14).
ويمكن طرح مثال أخير عن التبادلات الظرفية من خلال استعراض حركة شبكة ترام القدس الذي بدء تشغيله في ربيع العام 2012. ويخترق المدينة من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي من وإلى وسط المدينة، عبر خلال الأحياء الإسرائيلية التي تم بنيت في العام 1948، ويسير بالتوازي مع المدينة القديمة، ويعبر الأحياء العربية، وينتهي عند المستعمرات الواقعة على حدود العام 1967. أدى مشروع الترام إلى خلافات إيديولوجية على درجة من الأهمية: فقد تعرض للاستنكار باعتباره أداة للصهيونية، توجد وتضم القدس، ومشروع سياسي يهدف إلى توحيد المدينة من خلال خدمة سكان المستوطنات. ومع ذلك، يمكن فهم المشروع على أنه نوع من المختبر لدراسة المدينة على أنها فسيفساء المدينة المفتوحة. ويمكن أن نلاحظ المشاركة العالية للمواطنين العرب واستخدام شبكة الترام من قبل مجموعة مختلطة من السكان، ومن الملاحظ أن مستخدمي الترام المتكرّرون هم من اليهود الأرثوذكس المتدينين بالإضافة إلى الفلسطينيين الصغار والكبار.
وتعتبر منظومة بمثابة لحظة من التحضر والتنوع، يتم فيها إنشاء مساحة عامة تفكك الانقسامات المجتمعية. فالتنقل هو فضاء رحب للتواصل واختبار شخصي أو جماعي حيث يتعين على المسافرين إظهار قدرتهم على أن يكونوا في مواجهة بعضهم البعض(15). ويعمل النظام الاجتماعي للترام من خلال الحد الأدنى من اللباقة والمجاملة البصرية التي تعمل كنوع من التفاعل السيئ (Joseph 1997) أو السهو المدني. ويشير التناقض اللفظي (الإرداف الخلفي oxymoron) إلى أن أهمية التبادل السطحي تكمن في وجود وظيفة اجتماعية تضمن الكياسة. وهو يتطلب من المشاركين في موقف عام وحساس بسبب طبيعته بين الطوائف عدم افتراض النوايا العدوانية عند الآخر، وعدم إظهار مشاعر التبرم وعدم الراحة أو الخزي. وتتيح هذه المجاملة المرئية تكوين مؤانسة سطحية. فنحن نتحدث داخل الترام عدة لغات، ونحدد طرقاً مختلفة عن كوننا -متدينين في المقام الأول، علمانيين ويهود وعري وسائحين وأجانب- بدون تسلسل هرمية مجتمعية مشتركة، وهذا هو بالضبط تعريف الفضاء العام. وتجعل وسيلة النقل هذه، بطبيعة الحال، من الممكن عبور المدينة، كما أنها تنطوي على مراقبة جماعية، ويقظة، وثقة معينة بين المجموعات. وبالتالي، فإن منظومة والمواصلات هي الوسيلة التي يتم من خلالها فهم طرق العيش المشترك. ويعتبر الترام، من وجهة النظر هذه، وسيلة ناجحة من حيث أنه لا يؤدي إلى حوادث نزاع أو عنف، وكأنه قادر على إحداث ما عجزت الدبلوماسية عن خلقه.
تعطينا مثل هذه الأمثلة ملامح عن مجتمعات الثقة المؤقتة -ضمن النشاط الاقتصادي، أو الفضاء العام- التي يتم إنشاؤها في الحالات التي يجتمع فيها الناس ببساطة، دون تأكيدات على الانتماء. وتتطلب كل هذه الحالات نوعاً من التواصل والتبادل غير الرسمي وإظهار قدرة مدينة القدس نفسها، على الرغم من الوضع السياسي، على توضيح نظرية التكافل السياسي والاجتماعي. ومن هذه الحالات، يمكننا أن نفتح العديد من الأسئلة المحتملة المتعلقة بالتواصل والضيافة في مدن مقسمة مثل القدس.
عن نظرية الحد الأدنى من التعايش كإطار اجتماعي وسياسي
تميز ريبيكا براينت، بشكل دقيق في مناهج التعايش. في حين غالباً ما يستخدم مصطلح "التعايش coexistence" في تعابير عامة وتاريخية وحتى دبلوماسية، دون اعتبارات عملية، وتتساءل ربيكا براينت عما يعنيه التعايش على مستوى التفاعلات اليومية. وتقترح الدبلوماسية اليومية كوسيلة لتوسيع الفضاءات والعلاقات داخل غموض بنّاء، مع الأخذ في الاعتبار التحول الذاتي المحتمل للهويات والأماكن. تتحدث براينت عن ضرورة وجود غموض بنّاء لحدود الانتماء كلغة تسمح للأطراف بالتغلب على القضايا التي كانت موضع خلاف بينهم في بداية الأمر. كما تناقش أنيتا باكشي، عند حديثها عن القبارصة اليونانيين والأتراك، مفهوم سيميل عن الغريب باعتباره مفهوماً وصفياً للعلاقات بين أولئك القبارصة، فتظهر أن العلاقة بينهما في سوق نيقوسيا كانت علاقات أصحاب المتاجر مع العملاء، والتجار مع العملاء، والتجار المجاورين داخل السوق. لقد أصبح السوق، في مدينة كانت أحيائها في الغالب منقسمة إثنياً ودينياً، أحد الأماكن القليلة التي حدثت فيها تفاعلات والتي تُذكر اليوم باسم "التعايش". وعلى الرغم من أن هذه العلاقات لم تكن، في الغالب، قادرة على النجاة من تصدع العنف، إلا أنها كانت الأساس الجوهري للتفاعل خارج المجموعة في سياق مجتمع منقسم نسبياً. وقد أدت المؤسسات والعادات وتكرار الصراع الجيوسياسي في القدس إلى تكريس أحياء مغلقة، من الشرق إلى الغرب، تعكس حالة من التصلب الهوياتي. ويستحضر فضاء القدس الشرقية المضطرب والفوضوي والكثافة المفرطة والأسوار تاريخاً جيوسياسياً مؤلماً. وتمثل أمكنة مثل الجيوب والجدار ومخيمات اللاجئين أماكن لأقليات مستبعدة من سياسة البلدية. الشكل الثاني لما يسميه أورن يفتحئيل "الفضاءات الرمادية": ويشير هذا المفهوم إلى المناطق النامية والجيوب والسكان والمعاملات الموضوعة بين "بياض" الشرعية / الموافقة / الأمان و "سواد" الإخلاء / التدمير /الموت. لا يتم دمج المساحات الرمادية أو إزالتها، مما يجعلها تشكل هوامشاً شبه دائمة للمناطق الحضرية الحالية ، والتي توجد جزئياً بعيد عن عيون سلطات الدولة وخطط المدينة (Yiftachel 2009: 243). ومع ذلك، من الصعب التغاضي، حتى داخل حدود هذه المساحات الرمادية، وحتى في سياق الكراهية المتزايدة، عن الترابط المادي والمكاني الذي هو أساس العلاقات أو كان أساسها. ونحن نعلم أن القدس كانت دائماً مدينة عالمية، وكان لسكانها، العرب واليهود، حتى الحروب الأخيرة، مساحات للتفاعل.
لقد كانت القدس، في أوائل القرن العشرين، موطناً للمقاهي العالمية والتفاعلات بين المثقفين والناشطين العرب واليهود، ومثلت جواً معيناً من ثنائية اللغة تميز "روح" العديد من المدن. أظهر عالم الاجتماع سليم تماري (2008) أن الحروب اللاحقة، والنزعة القومية، وأحياناً تدمير الأماكن العامة، ساهمت جميعها في إزالة هذه الميزة العمرانية الحضرية للمدينة. لكن هل مثل هذا التقويم يعطي امتيازاً لأنواع معينة من المجتمعية على غيرها؟ هل يمكن، أو يجب أن توجد المدينة التعددية في سياق الصراع والتوتر؟ ومن المفارقات، هنا، أن المظهر المادي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو الإسرائيلي العربي في المدينة المقسمة يسمح بالنظر في الجوانب الإيجابية للتعايش. حتى داخل المدينة المقسمة، لا يتم تقييد المواطنين في مسار على أساس التقارب المجتمعي حيث نراهم ينسجون مساراتهم ويواجهون، في السياق ذاته، عقبات وفرص على حد سواء، فنراهم يتنقلون في مناطق "أجنبية"، ويتعرفون، بالضرورة، على الآخر. كون هذا الآخر يهودياً أو عربياً - ناهيك عن أن يكون هذا الآخر أحد أفراد المزراحيم "اليهود من أصول شرق أوسطية" أو من الأقليات الإثيوبية على سبيل المثال- يشير اليوم إلى حالة معينة، وهي التماثل مع حي أو مسجد أو كنيس أو جزء من المدينة المحتلة. ومع ذلك، فإن المدينة الحقيقية لا تتوافق مع وهم المجتمعات المتناغمة المحصورة داخل أراضيها. بل يبدو طابع المدينة، بالأحرى، متنافراً، وهو ما يشير ما ذكرته براينت باقتباسها من بلورا رينغ عن معنى "تحمّل التصعيد bearing tension" - حيث يكون العمل جزءً مما يعنيه التعايش في المدينة للتغلب على العقبات والتغلب على الصراع المحتمل. إن هذا "العبور الأخلاقي" أو الوجود المشترك، كما أزعم، هو مبدأ ناظم للحياة المدنية لا يمكن فهمه على أنه ظاهرة حضرية فحسب، بل يتم نشره أيضاً كمبدأ فلسفي. وأعتبر الوجود المشترك طريقة اجتماعية وسياسية تتجاوز مجاز "فسيفساء" المجتمعات وجغرافيتها، وهو مبدأ قد يساعد على التفكير في مصادر تجديد الديناميكيات الحضرية.
فما هي إذن ملامح مفهوم الوجود المشترك؟
أولاً، هو مفتاح فهم المدينة كبيئة للتعارف حيث قد يُنظر إلى الشخص الغريب على أنه أجنبي بصورة أقل -ممثل أو وصي لمجتمع- وعلى أنه مهرب بصورة أكثر. الغريب كمهرب يعبر المناطق المكانية والأخلاقية باستخدام ثنائية اللغة وسعة الحيلة ومهارات الترجمة الثقافية. ويتطلب الأمر، كنوع من "الدبلوماسية اليومية"، تحولاً ذاتياً، لكن ليس له دلالة على أن الدبلوماسي هو مبعوث.
ثانياً، يتعلق الأمر بمدى خاصية نفوذية "مسامية" المدينة، وتشجع هذه الميزة على أداء جميع التفاعلات على اختلاف أنواعها، بما في ذلك الحق في التطفل والتنقل. ويشمل التنقل حق التداول بين الثقافات، وضمان الاختلاط، وإمكانية مغادرة المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد (Park 1967). يحدث الوجود المشترك، على سبيل المثال، من خلال تداول الناس واختيار العيش في مناطق مختلفة. إن التشابك المكاني، واعتماد الفلسطينيين على سوق العمل الإسرائيلي، والحاجة إلى التجارة الاقتصادية بين شطري المدينة أو المناطق، جميعها أمور تجعل العلاقات ضرورية. وقد أدى هذا التواصل المادي في القدس، في الماضي القريب جداً، إلى مجموعة من العلاقات. ويمكن النظر إلى مدينة القدس على أنها مدينة تشجع على التفاعل -في صورة رحلة الترام، عبور عوالم متعددة، قريبة وبعيدة، تلك التي يعيد الفرد من خلالها النظر في عالم انتمائه. إن استبدال الروابط المجتمعية بالعلاقات الاجتماعية هو الذي يخلق شكلاً من أشكال التفاعل الحضري الإيجابي. وهذا يعني إن الوجود المشترك، ممكن، إذن، داخل المدينة المفتوحة، وهو يعبر عن شكل من أشكال المجتمعية غير محددة بنيوياً ، بل تعتمد على وسائط النقل ، وفرص اللقاءات والتبادلات السطحية. ويمكن فقط للتفاعل الاجتماعي (ما تسميه براينت الدبلوماسية اليومية everyday diplomacy) كسر جمود الجماعات المغلقة والدوائر الإثنية المرتبطة بالألفة، مما يجعل من الممكن تقليل الأعمال العدائية. بعبارة أخرى، وباتباع علماء الاجتماع في مدرسة شيكاغو، يمكن أن نقول إن المدينة بحاجة إلى مزيد من معاني المجتمعية وإلى مستوى أقل من معنى المجتمع، وهذا يعني معالجة أقل جماعية للواقع الاجتماعي من قبل المؤسسات. وإذن، تركز فكرة الوجود المشترك على التعايش كممارسة بدلاً من كونها مثالية وتعد فكرة الوجود المشترك مسألة لباقة أكثر من كونها مُثُل أو إيديولوجيات، ويفترض أن المواطنين في الفضاء العام يقدمون أنفسهم بمسافة وتحفظ، كما هو مقترح في مفهوم السهو المدني. ويمكن ملاحظة اللباقة، في القدس، في حالة التنقل عبر الترام الذي يعبر مناطق مختلفة من الأحياء الفلسطينية، المحصورة بين المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية. ويمكن النظر إلى هذا التنقل على أنه اختبار لقدرات المواطنين على التفاعل في الأماكن العامة، لإظهار بعض الكفاءات التواصلية(16).
وثالث العناصر المعيارية للتواجد المشترك يتعلق بالتعددية، التي لا تُفهم هنا على أنها إطار قانوني ولكن كحكم براغماتي. وتبدأ التعددية بهذا المعنى بتشجيع الحراك وسياسة الاتصال. وتضمن القدرة على الزيارة، كفضيلة أخلاقية واجتماعية، إمكانية اللقاءات بين الأفراد. لا يمحو مثل هذا نوع من الوجود المشترك، الذي لا يزال قائماً، الحدود، لكنه يحدد أشكال ومساحات التواصل. ويجب أن تُفهم التعددية أيضاً على أنها لحظات تواصل علائقي وحضور بين الناس، تتجاوز عتبة القطيعة. هذه هي التعددية التي يمكن أن نطلق عليها التعددية المضيافة، والمنفتحة على الآخر مع الاعتراف أيضاً بمقاييس السيادة (انظر Bryant؛ وكذلك Joseph 1997)(17). وتمتلك القدس، من الناحية الاجتماعية، بالفعل مثل هذه الجهود العملية، حتى لو كانت نادرة. وتظهر في المزيج الاجتماعي للجيران الأقرب -على سبيل المثال، في بسغات زئيف- وفي التجمعات التي أصبحت ممكنة بسبب الملكية والتنوع الاجتماعي. ومن الناحية السياسية ، وفي ظل غياب حكم مشترك في القدس -ترفض كل من منظمة التحرير الفلسطينية والأحزاب السياسية الفلسطينية أي نوع من التمثيل في الهيئات السياسية المحلية- فإن بعض الجمعيات (اليهود والعرب) تخلق قضية مشتركة من خلال الجمعيات المشتركة.
يشكل، أصحاب المتاجر والسكان وملاك العقارات في القدس الشرقية (بيت حنينا)(18)، الذين يشاركون بالفعل في الحفاظ على التبادلات، مجتمعاً مشتركاً. وتخلق مثل هذه الممارسات بدورها ظاهرة (Bourdieu 1980) يمكن حشدها لسياسات أخرى. ومثل "مجتمعات الثقة" غير المألوفة هذه نادرة ومتقطعة ولكنها تظهر إمكانية فكرة التعايش التي تتضمن الصراع والتصعيد داخل المجتمع والتي تسمح لنا بالتفكير بشكل مختلف حول أشكال الإدارة الحضرية (Lofl and 1998).
خلاصة
لقد أظهرت لنا الصور الفردية والإثنوغرافية أشكالًا من التفاعل حتى في أكثر ظروف الانقسام والاستقطاب قسوة. وإذا ما نظرنا إليها ليس من منظور نموذج مثالي للتعايش بل من خلال ممارسته الفعلية، فسوف نلاحظ قدرة الأفعال الصغيرة لاحترام الآخر -ممارسة الهيمنة أو عدم ممارسة الهيمنة، أو اللباقة، أو الكياسة- على بناء فضاءً صالحاً للعيش، مما يخلق مكانًا للناس، بينما يساعد في نفس الوقت في بناء حياة مشتركة. هذه صورة مبسطة لما تشير إليه براينت على أنه "عمل السلام labor of peace"، لا يعتمد على الحفظ الفعال لعلاقات الجوار، بل يعتمد على الكياسة العادية. إن هذا الشكل من "بناء السلام" -قيود الحضارة العادية- هو ما أزعم أنه مركزي في سياق العداء حيث تكون التأثيرات الثقافية والمجتمعية قوية.
يذكرنا الفيلسوف الفلسطيني سري نسيبة (19) أن مستقبل القدس، وبشكل أوسع معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يعتمد على "أفكار جديدة" (نسيبة 2011). لم أتطرق هنا إلى ممارسة التعايش في حد ذاته، بل تناولت ضرورته وبراغماتيته في عالم غير مثالي (Anderson 2010). ومع ذلك، فصوف أقترح أن مثل هذه المقاربة البراغماتية للتعايش المشترك قد تشكل الأساس لسياسة تتجاوز المجتمع، وتقوم على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمساواة في الفضاءات. ومثل هذه الرؤية للعدالة لا تقوم على السيطرة على المؤسسات، بل على التواصل المكاني والاحترام الاجتماعي على نطاق الحي. وليس من المستبعد، من منظور علم الاجتماع، أن تجعل السياسة العادية من الممكن إنجاز مدينة أكثر إنصافاً، وهذا يتطلب، بلا شك، زوال العنف حتى تأخذ الديمقراطية مكانها.
....
العنوان الأصلي: A Conflict of Spaces´-or-of Recognition? Co-presence in Divided Jerusalem
المؤلف: SYLVAINE BULLE
المصدر: POST-OTTOMAN COEXISTENCE: Sharing Space in the Shadow of Conflict. Edited by Rebecca Bryant. (March 2016), Berghahn Books OAPEN Library Edition. Chapter 9, pp.238-257
....
الهوامش
1. وفقا لشميت Schmitt، يقصد بالترميز المكاني والقانوني nomos ذلك نوع من النظام القضائي الذي يعتمد على أساس ترسيم حدود الأمة.
2. تهدف السياسة الديموغرافية لإسرائيل: أولاً إلى الحد من الوجود والتكلفة الاجتماعية للفلسطينيين في القدس الشرقية. يبلغ عدد سكان العاصمة 765،000 نسمة، منهم 495،000 يهودي (65%)، نصفهم يعيشون في القسم الشرقي، و 270،000 عربي (35%)، معظمهم فلسطينيون يعيشون في القدس الشرقية. وعلاوة على ذلك، يوجد حالياً 80000 فلسطيني يتمتعون بوضع الإقامة الدائمة في القدس، لكنهم لا يعيشون ضمن الحدود البلدية للعاصمة. تسيطر الإدارة الإسرائيلية حالياً على الموقف بوضع حد لإقامة الأشخاص المتزوجين الذين يأتي شركاؤهم من الأقاليم لكنهم يعيشون في الخارج.
3. انظر على سبيل المثال Graham (2010) Weizman (2003) and Azoulay and Ophir (2005).
4. بناء على احتياجات قطاعات معينة مفتوحة للفلسطينيين، مثل البناء (حوالي 60 ألف عامل مصرح لهم بالعمل قانونياً) ووفقاً لهدف التوازن الديمغرافي في القدس بين السكان اليهود (70٪) والعرب (30٪) لطلبات الإقامة في القدس.
5. يخضع كل فلسطيني يمر إلى منطقة من المناطق الفرعية الفلسطينية إلى التحقق عن طريق الحاسوب والتحقق من الهوية على أساس الملف الشخصي الذي يتضمن معلومات حول المكان الذي يعيش فيه الشخص وأصوله العائلية ومستخدمه. وتخضع إدارة هذه الحواجز لسيطرة الجيش الإسرائيلي، وفي بعض الحالات يتم التعاقد من الباطن مع شركات الأمن الخاصة التي لها عقود مع الجيش. لا يُسمح للفلسطينيين الذين ينحدرون من الأراضي بالدخول إلى القدس إلا في ظروف استثنائية (المرض أو تصريح خاص). والزيجات وجمع شمل الأسر بين مواطني الأقاليم والقدس نادرة للغاية ويجب أن تندرج تحت معايير محددة (الولادة في القدس، ومعايير الأمن، والأطفال المولودين في القدس).
6. على سبيل المثال، باب دمشق (باب العمود)، البوابة الشمالية الغربية للمدينة القديمة. يعتمد التحليل على المسوحات في القدس والضفة الغربية (2009–12).
7. يعمل حوالي 25،000 فلسطيني في المستوطنات اليهودية (الإحصائية الإسرائيلية 2011). المستوطنات الإسرائيلية هي فضاءات مكانية عسكرية أو مدنية زرعت في أراضٍ احتلتها إسرائيل خلال حرب حزيران / يونيو عام 1967 وما بعدها. وتوجد مثل هذه المستوطنات حالياً في الضفة الغربية والقدس الشرقية وفي مرتفعات الجولان. ويعيش في 121 مستوطنة معترف بها رسميا في الضفة الغربية حوالي 300000 يهودي، وأكثر من 300،000 إسرائيلي يعيشون في مستوطنات القدس الشرقية. ولدى هذه المستوطنات سلطاتها القانونية وقوانينها ولوائحها الخاصة بسبب وضعها خارج الحدود الإقليمية.
8. بخصوص هذا الجانب راجع مقال هيرشمان Hirschman (1970) حول الاقتصاد الأخلاقي في عصر الرأسمالية.
9. وفقاً للصحافة.
10. يستفيد فلسطينيو القدس الشرقية المولودون والمقيمون داخل محيط المدينة من وضع الإقامة (بدون جنسية، وبالتالي بدون جواز سفر). لديهم الحقوق الاقتصادية والصحية والاجتماعية، والوصول إلى المؤسسات العامة (المستشفيات والأطباء والمساعدات الاجتماعية)، ودفع ضرائب المدينة.
11. تاريخياً، يعيش عدد قليل من الفلسطينيين المقيمين في القدس في المناطق الغربية أو الوسطى (باستثناء الأحياء التاريخية في بيت صفافا، وعين كارم، والبلدات القديمة).
12. Matzav.com (The Online Voice of the Torah Jewry), 2/9/2009 ، انظر: http://www.thesanhedrin.org/en/index.php/Psak_5769_Av_23.
13- هناك مخاوف أيضاً من الشباب الفلسطينيين الذين يختارون الدراسة، ويعيشون أحياناً في الجامعة العبرية الواقعة على جبل سكوبس(جبل المشارف أو المشهد أو الصوانة)، وليس في جامعة فلسطينية.
14. بالنسبة لغوفمان Goffman، المقصود بمفهوم السهو المدني هو انتباه لا يركز على الآخر. ويتكون من إظهار للآخر أننا قد فهمنا ونتوخى وجوده أو وجودها، ولكن مع عدم الاكتراث للعادات اللفظية أو الشفوية أو الإيمائية للآخر، وبالتالي دون التطفل على حياة الآخر.
15. من قبل إيرفينغ غوفمان Erving Goffman (1971). إن المواجهة وجهاً لوجه ليست فقط طريقة نحدد بها ونفسر وضعاً لأنفسنا، بل هي أيضاً الطريقة التي نشغل بها أنفسنا في مسار العمل.
16. يمكن أن نشير هنا إلى تجربة حديثة في الترام، حيث خطط ستون شاباً إسرائيلياً لمظاهرة يتحدثون فيها العربية أثناء استخدام وسائل النقل العام من أجل تشجيع الاتصال.
17. من أجل مقاربة فلسفية ومغلقة ، انظر دريدا Derrida (1997).
18- على سبيل المثال، هناك حالة الجمعية التي كانت ضد هدم قرية لفتا القديمة الواقعة عند مدخل القدس الغربية. وقد طالبت الجمعية، التي تتألف من نشطاء وكذلك من سكان يهود وعرب، أن تدرج القرية كموقع تراثي عالمي باسم الحفاظ على البيئة.
19) سري نسيبة، فيلسوف فلسطيني وقيادي محلي مؤثر ومقيم في القدس الشرقية.
المراجع
Agamben, Georgio. 2003. Homo Sacer. II, 1, État d’exception. Paris: Seuil.
Anderson, Elizabeth. 2010. Th e Imperative of Integration. Princeton: Princeton University Press.
Azoulay, Ariella, and Ophir A-dir-. 2005. “Th e Monster’s Tail: The Wall and the Logic of the Occupation.” In Against the Wall, ed. M. Sorkin, p. 95–118. New York: The New Press.
Boltanski, Luc. 2009. De la critique: Précis de sociologie de l’émancipation. Paris: Gallimard.
Bourdieu, Pierre. 1980. Le sens pratique. Paris: Editions de Minuit.
Brown, Wendy. 2010. Walled States, Waning Sovereignty. New York: Zones Books.
Cheshin, Amir, Bill Hutman, and Avi Melamed. 2001. Separate and Unequal: The Inside Story of Israeli Rule in East Jerusalem. Cambridge: Harvard University Press.
Berghahn Books OAPEN Library Edition
Derrida, Jacques. 1997. De l’hospitalité. Paris: Calmann-Levy.
Descola, Philippe. 2005. Par delà nature et culture. Paris: Gallimard.
Dewey, John. 2005. Art as Experience. New York: Berkley Publishing (1st ed.1934).
———. 2012. The Public and Its Problems: An Essay in Political Inquiry. University Park, PA: Pennsylvania State Press (1st ed. 1924).
Dumper, Michael. 1996. The Politics of Jerusalem Since 1967. New York: Columbia University Press.
———. 2014. Jerusalem Unbound: Geography, History, and the Future of the Holy City. New York: Columbia University Press.
Fraser, Nancy. 2008. Scales of Justice: Reimagining Political Space in a Globalizing World. New York: Columbia University Press.
Goffman, Erving. 1971. Relations in Public: Microstudies of the Public Order. New York: Basic Books.
Grafmeyer, Yves, and Joseph Isaac. 1984. L’Ecole de Chicago: Naissance de l’écologie urbaine. Paris: Aubier.
Graham, Stephen. 2010. Under Siege: The New Military Urbanism. London: Verso Publishers.
Harvey, David. 2009. Social Justice and the City. Athens, GA: University of Georgia Press (1st ed. 1973).
Hirschmann, Albert. 1970. Exit, Voice, and Loyalty: Responses to Decline in Firms, Organizations, and States. Cambridge, MA: Harvard University Press.
Honneth, Axel. 1996. The Struggle for Recognition: Th e Moral Grammar of Social Conflicts. Cambridge, MA: MIT Press.
Ingold, Tim. 2000. The Perception of the Environment: Essays on Livelihood, Dwelling and Skill. London: Routledge.
Joseph, Isaac. 1997. “Prises, réserves, épreuves.” Communications 65, p. 131–142.
Kimlycka, Will. 2001. Politics in the Vernacular: Nationalism, Multiculturalism, Citizenship. Oxford: Oxford University Press.
Lofl and, Lyn. 1998. Public Realm: Exploring the City’s Quintessential Social Territory. New York: Aldine Transaction.
Marcuse, Peter, and Ronald Van Kempen. 2002. Of States and Cities: The Partitioning of Urban Space. Oxford: Oxford Geographical and Environmental Studies.
Nussbaum, Martha. 2006. Frontiers of Justice. Cambridge, MA: Harvard University Press.
Nusseibeh, Sari. 2011. What is a Palestinian State Worth? Cambridge, MA: Harvard University Press.
Park, Robert, and Burgess Ernest. 1987. The City: Suggestions for Investigations of Human Behavior of the Urban Environment. Oakland, CA: University of Chicago Press.
———. 1984. “La ville comme laboratoire social.” In L’Ecole de Chicago: Naissance de l’écologie urbaine, ed. Y. Grafmeyer and I. Joseph, p. 167–179.Paris: Aubier.
Pettit, Philip. 2001. A Theory of Freedom: From the Psychology to the Politics of Agency. Oxford: Oxford University Press.
Rawls, John. 1999. A Theory of Justice. Cambridge, MA: Belknap Press of Harvard University Press (1st ed. 1971).
Rancière, Jacques. 1995. La Mésentente. Paris: Galilée.
Schmitt, Carl. 2003. The Nomos of the Earth in the International Law of the Jus Publicum Europaeum. New York: Telos Press Publishing (1st ed. 1951).
Sen, Amartya. 2010. The Idea of Justice. London: Penguin Books.
Simmel, Georg. 1903. “The Sociology of Conflict: I.” American Journal of Sociology 9: 490–525.
———. 1971. “The Metropolis and Mental Life.” In On Individuality and Social Forms: Selected Writings, ed. Donald N. Levine, 324–39. Chicago: University of Chicago Press.
———. 1999. Sociologie: Études sur les formes de la socialization. Paris: Puf.
———. 1984. “Digressions sur l’étranger.” In L’Ecole de Chicago: Naissance de l’écologie urbaine, ed. Y. Grafmeyer and I. Joseph, p. 53–60. Paris: Aubier. Tamir, Yael. 1993. Liberal Nationalism. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Tamari, Salim. 2008. Mountain Against the Sea: Essays on Palestinian Society and Culture. Oakland: University of California Press
Tilly, Charles. 1998. Durable Inequality. Berkeley: University of California Press.
Weizman, Eyal. 2003. A Civilian Occupation. London: Verso Books.
Wirth, Louis. “Le phénomène urbain comme mode de vie.” In L’Ecole de Chicago: Naissance de l’écologie urbaine, ed. Y. Grafmeyer and I. Joseph, p.255–282. Paris: Aubier. Yacobi, Haim. 2009. Th e Jewish-Arab City: Spatio-Politics in a Mixed Community. London: Routledge.
Yiftachel, Oren. 2009. “Critical Theory and ‘Gray Space’: Mobilization of the Colonized.” Cities 13(2–3): 240–256.
Young, Iris Marion. 2007. Global Challenges: War, Self-Determination, and Responsibility
for Justice. Cambridge: Polity Press.
———. 2010. Responsibility for Justice. Oxford: Oxford University Press.
Walzer, Michael. 1983. Spheres of Justice. New York: Basic Books.



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات نقدية حول -الدراسات العربية الإسلامية- في البرتغال
- الاتجاهات الجديدة في الدراسات النقدية لتسمية الأماكن
- الحروب الأهلية -الجديدة- و-القديمة-
- سلمان رشدي وحروب الثقافة النيوليبرالية
- خيبة أمل أوروبا ما بعد الحقبة السوفييتية: قراءة في كتاب جون ...
- حرب أوكرانيا وانعكاساتها على التوتر العسكري الأمريكي الصيني
- (دفاعاً عن التجربة السوفييتية).السوفييت والشعوب: الاتحاد الس ...
- بوب ديلان في السويد: بين -صابرا- كيبوتس عين دور و أروقة أكاد ...
- تاريخ جديد ، أفكار قديمة
- حواري مصر: أدلة بيئية جديدة على بناء أهرامات الجيزة
- قوارب الفلاسفة : 100 عام على طرد المثقفين الروس
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات
- المؤتمر الإسلامي في القدس 1931
- الاختلال في التوازن العالمي كما يراه كيسنجر
- اختراع الأرض المقدسة: الحج البروتستانتي الأمريكي إلى فلسطين ...
- مرثية إلى شيرين أبو عاقله
- استراتيجية الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل (7)
- استراتيجية عمل الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل (6)
- استراتيجية عمل الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل (5)
- استراتيجية عمل الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل (4)


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - الصراع في وعلى القدس: صراع مساحات أم اعتراف بالآخر؟