أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - بوب ديلان في السويد: بين -صابرا- كيبوتس عين دور و أروقة أكاديمية نوبل















المزيد.....



بوب ديلان في السويد: بين -صابرا- كيبوتس عين دور و أروقة أكاديمية نوبل


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 7372 - 2022 / 9 / 15 - 20:32
المحور: القضية الفلسطينية
    


سوف يكون الجمهور السويدي، يومي 27 و29 أيلول /سبتمبر الجاري، على موعد مع أكثر الشخصيات الموسيقية تأثيراً في الموسيقا والثقافة الشعبية الأمريكية منذ الستينيات وحتى وقتنا الحاضر(1)، بل يمتد تأثيرها ليشمل معظم الدول الأوروبيةـ لاسيما الأنغلوفوني، وبقاع أخرى في العالم. إنه بوب ديلان يا سادة. وبوب ديلان هذا، يا طويلين العمر، مغنٍ وملحن وشاعر وكاتب كلمات ورسام أمريكي، يتمتع بشعبية قل مثيلها، ويمتلك صوتاً رخيماً مرناً وحساً موسيقياً نادراً، استطاع أن يسحر، بصوته المسكون بنبرة حزن موجعة، شجون الحياة اليومية عبر قصص قصيرة ومكثفة تحكي انكسارات وهموم وآمال المواطن الأمريكي العادي. حتى أن البعض أطلق عليه لقب "الشاعر الرئيسي، والناقد الاجتماعي اللاذع والجريء والموجّه لروح الثقافة المضادة". وتظهر، في هذا السياق، الأوجه المتعددة لفهم عالم بوب ديلان السياسي، بعمق أكثر، من خلال علاقته بالثقافات الاجتماعية والسياسية والدينية والشخصيات والهويات وعالم الأفكار والروحانيات التي حكمت تصرفاته ورد فعلها، أي العلاقات، تجاهه. بمعنى العالم الذي أثر فيه وعليه. ولو ابتعدنا عن "القالب الأسطوري والأيقوني لمسيرة بوب ديلان"، ومع الأخذ بالاعتبار المقولة التي طالما رددها هو نفسه:" أنا لا أكتب أغانٍ سياسية. الأغاني السياسية مجرد شعارات. وأنا لا أعرف حتى تعريف السياسة. لعل هذا كان مفيداً في وقت ما، لكنه الآن بات جزئً مما يسمى التاج القابل للفساد"، فإن نظرة ديلان السياسية للعالم ترتبط، بشكل عام، بسياسات اليسار الجديد في ستينيات القرن الماضي، ليس هذه فحسب بل يبدو أنها تتجاوز هذا الوصف الضيق، حيث يمكن تصنيف الأفكار التي عبر عنها في الأغاني والمقابلات على أنها تقليدية وشعبوية وأناركية مسيحية، جسّد فيها وجهة نظر سياسية ناقدة للسلطة. سواء تم النظر إليها من خلال جذوره اليهودية أو تحوله إلى المسيحية. فالقضية إذن ليست مسار خطي، إذ نحتفظ، منطقياً، باستراتيجيات معينة تخصنا وحدنا في خيارات القراءة و الاستنباط.
بدأ "روبرت ألن زيمرمان"(2) نشاطه في ستينيات القرن الماضي، كجزء من الظاهرة الاحتجاجية التي عمّت المدن الأمريكية التي حملت مطالب البرجوازية الصغيرة والطبقة العاملة والفئات المضطهدة الأخرى من أقليات وغيرها، فاستخدمت بعض أغانيه، مثل "Blowin in the Wind" (1963) و "The Times They Are a-Changin" (1964)، كنداء لحركة الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيين، والحركة المناهضة لحرب فيتنام، بفضل التنوع الموسيقي لأغانيه، فضلاً عن التأثيرات السياسية والاجتماعية والفلسفية والأدبية. كنوع من الوقوف ضد الثقافة "الرسمية" السائدة. وظهر كإنسان غاضب من سياسة بلاده الداخلية والخارجية، في لحظة بارزة من تاريخ الولايات المتحدة، أي عقد الستينيات، بعد أن استحوذ على مزاج العصر، فمنح الاحتجاج مفردات جديدة وجريئة، شعرية وموسيقية بآن معاً أكثر مجازية وغير مباشرة تسمح بقراءتها بطرق مختلفة مهما كان القصد منها. ففي التفاته بالغة الأهمية توضح ما سبق نذكر لحظة استلامه جائزة غرامي Grammy Lifetime Achievement مع الممثل جاك نيكلسون في شباط/ فبراير 1991. وكانت حرب الخليج قد استعرت، أدى ديلان أغنية "سادة الحرب Masters of War " التي تعود للعام 1963. ثم ألقى خطاباً قصيراً ذكر فيه كيف أن والده قال له ذات يوم: "يا بني، من الممكن أن تتنجس في هذا العالم لدرجة أن والدتك وأبيك سوف يتخليان عنك. فإذا ما حدث ذلك، فسوف يكون الرب معك لأنه يؤمن في قدرتك على إصلاح سبل حياتك. (في الحقيقة لا تعود هذه العبارة لوالد ديلان، بل هي اقتباس من المفكر اليهودي الألماني في القرن التاسع عشر الحاخام سامسون رافائيل هيرش).
تحول ديلان إلى المسيحية البروتستانتية في أواخر السبعينيات(3)، وهو ما لم يلق ترحيباً من العديد من المعجبين والفنانين. وبحلول العام 1984 كان قد بدأ يرفض مناداته باسم "المسيحي المولود من جديدChristian born-again". ويستدعي هذا النظر في الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والطريقة التي عاش بها حياته الخاصة والتي شكلت رؤيته للعالم من حوله، وتحوله، في تلك الفترة من حياته إلى ما يشبه "أناركي مسيحي"، بمعنى أنه برفض الخضوع للسلطات الدنيوية، لكته لا يمانع الالتزام بسلطة يسوع المسيح الدينية والروحية. وقد صرح بذلك بقوله" لم أقل قط إنني ولدت من جديد، فهذا التعبير مجرد مصطلح إعلامي، لا أعتقد أنني كنت محايداً. لقد اعتقدت دائماً أن ثمة قوة خارقة، وأن هذا العالم الذي نعيشه، ليس العالم الحقيقي وأن هناك عالماً قادماً". ويبدو هذا التهجين بين المسيحية والفوضوية (الأناركية)، بمثابة زواج غير مثمر، إن لم يكن عقيماً أصلاً، فليس ثمة ما يمكن ربطه بين المسيحية والأناركية (أليست المسيحية هي المدافع عن النظام والتقاليد؟)، وإذن هل كان تحول ديلان إلى المسيحية تمرد؟ احتجاج؟ ثورة من نوع ما؟ علماً أن تحوله أثر على مجريات حياته كافة بما في ذلك حياته السياسية والفنية (أصدر ثلاثة ألبومات تعرف بالألبومات المسيحية الإنجيلية) وعلاقته بالأطياف الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية التي تعامل معها(4).
ومن الجدير ذكره أن الأكاديمية السويدية كانت قد منحت بوب ديلان جائزة نوبل للآداب في العام 2016 "لإسهاماته الشعرية وأثرها في الأغنية الأمريكية" كما وصفته الأكاديمية، في سياق خطابها لمنحه الجائزة، بأنه "أيقونة"، وبأنه خلق تعابير شعرية جديدة في سياق تقاليد الأغنية الشعبية الأمريكية، ويشبه هذا التوصيف ما قالته سابقاً هيئة جائزة بوليتزر في توصياتها بمنحه الجائزة" بسبب تأثيره العميق في الموسيقا والثقافة الأمريكيتين المتميز بمضمون شعري قوي غير عادي". وهكذا دخل صاحب أغنية "في مهب الريح(5)" Blowin In The Wind، التي تحولت كلماتها في ستينيات القرن الماضي إلى هتافات صاخبة صدحت بها حناجر الشباب والطلاب والجماعات اليسارية في المسيرات الداعية إلى الحريات المدنية والاحتجاجات ضد الحروب، إلى نادي النوبليين من أوسع أبوابه، وهو أول موسيقي يفوز بالجائزة وأول أمريكي ينالها منذ أن حصلت عليها توني موريسون في العام 1993. الأمر الذي دفع صحيفة نيويورك تايمز للقول: "أن السيد ديلان، هو أول موسيقي يفوز بالجائزة، واختياره [اليوم] ربما يكون الخيار الأكثر جذرية في تاريخ الجائزة الذي يعود للعام1901." واستقبل قرار الأكاديمية السويدية بمزيج بين الترحيب والاستهجان، فاعتبر البعض أن أغاني ديلان عبارة عن مقاطع شعرية عالية، في حين اعتبر البعض أن هذه الجائزة لا يمكنها أن تذهب إلى كاتب أغاني نظراً لأنها مكرسة لسوية أخرى من الإبداع "الشعر والرواية والمسرح"، كما يرى البعض، المؤيد للقضية الفلسطينية، أن ديلان يدعم إسرائيل بصورة علنية مما يضعه في موقف غير مؤهل لتبني قضايا إنسانية موضع نزاع. فبعض أغانيه "السياسية" هي دفاع صريح عن إسرائيل باستخدام الميثة التقليدية عن كونها ضحية دائمة للعنف العربي، رغم أن غزو إسرائيل للبنان في العام 1982 كان كارثياً بجميع المعايير لدرجة أن البعض شبهه بالمستنقع الأمريكي في فيتنام.
في العام 1983، وبعد ان استهلكته شكاوى المهمشين في شوارع نيويورك الذين غنى لهم، وبعد سنوات قليلة من اعتناقه المسيحية؛ التفت شرقاً صوب جيش "الدفاع الإسرائيلي"، حيث مازال يحمل في ذاكرته تلك الأيام التي عاشها في كيبوتس عين دور(جنوب شرق الناصرة)؛ حين تعرف هناك على "الصابرا" الفحل اليهودي/الصهيوني، فكتب أغنيته الشهيرة، "فتوة الحي Neighborhood Bully ". ومهما كانت المعاني المختلفة لهذه الأغنية، فالمعنى المباشر منها لا يحتاج إلى كثير جهد لمعرفته وما تتضمنه من حكاية رجل.. "رجل واحد بمفرده" يقول عنه أعداؤه أنه يقيم "على أرضهم"، وهو الذي يعيش ليؤمن قوت يومه، لكنه بتعرض للانتقاد والزجر فقط لأنه مازال على قيد الحياة يتنفس، وبالطبع ليس من المفترض أن يقاوم منتقديه، بل يجب أن يكون عديم الإحساس، ويتقبل الإهانات التي يتعرض لها .. يعني عليه أن يكون صاحب جاد سميك و"جسم لبّيس" لكل وأي شيء دون اعتراض.. وهكذا عليه أن يستلقي منتظراً أن يطرق ملاك الموت بابه ليأخذ حياته. لكت هذا الفتى لا يستسلم ولا يقبل بهذه الحلول، فها هو يقوم بضرب حشد من الغوغاء مما يجعله عرضة للانتقاد، وتوبخه العجائز ويطلبن منه أن يعتذر ، لكنه لا يكترث لهن بل يدمر القنابل التي كان "الأعداء" يعدونها له، كان من المفترض أن يشعر بالسوء مما حصل، لكنه لا يبالي، ويتذكر كيف أن جميع الامبراطوريات التي استعبدته بادت وانتهت وبقي هو، كل الممالك القديمة تلك تعرضت للدمار.. مصر وروما وحتى بابل العظيمة. جميعهم انتهوا إلى الفناء وبقي هو يصنع فردوساً على رمال الصحراء، وحتى وإن كان وحيداً لا أحد يؤنسه ويدفء سريره ليلاً، إلا أنه بقي حراً لا يخضع لأمرة أحد. وفي هذا تذكير لصورة "اليهودي" الجديد، اليهودي الصهيوني الريادي في أكثر صوره مثاليةً -اليهودي القوي على حد قول ماكس نورداو- الذي يقف على طرف نقيض مع صورة "اليهودي المترحل/ شايلوك شكسبير".. صهيوني الييشوف، الصابرا، الرجل مفتول العضلات، المرتبط عضوياً ووجودياً بـ "ارض إسرائيل" والذي خلقت فيه الصهيونية روح التمرد كما تذكر الأدبيات الصهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر , واشتدت أكثر من موجات الهجرة المتتالية إلى فلسطين لبناء "دولة يهودية" في "الوطن القديم". وأحد أكثر مقاطع الأغنية تقاطعاً مع هذا تلك التي تقول: "لقد أخذ فتات العالم وحوله إلى ثروة، وأخذ المرض والهزال وحولهما إلى صحة. إنه فتى الحي المستأسد". ومن الواضح أن Neighborhood Bully هي نشيد صهيوني(6) بامتياز، ينحدر بالأساس من التجربة الوجودية والدينية والسياسية للصهيونية الدينية(اليهودية)، وتالياً التجربة الإسرائيلية. وهي محاولة لذر الرماد -بقصد الإخفاء- على الحدود الهشة الفاصلة بين "اليهودي" و"الإسرائيلي". وعلينا أن نتذكر أن هذه الأغنية كُتبت أثناء حرب لبنان الأولى، وكان يُنظر إليها على أنها مصدر دعم من الجالية اليهودية الأمريكية لإسرائيل، في وقت كان فيه الإسرائيليين أنفسهم ينتقدون حكومتهم على غزو لبنان:
"نعم، فتوّة الحي مجرّد رجل.
يقول أعداؤه إنّه يحتلّ أرضهم،
وهم يفوقونه عدداً: مليون مقابل واحد.
فلا يمكنه الهروب أو الركض إلى أي مكان.
إنّه فتوة الحي.
كل إمبراطورية استعبدته زالت،
مصر وروما، وحتى بابل العظيمة."
وكأنه يبرئ إسرائيل حتى بعد أن شهد العالم المذابح المروعة للاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا على يد مليشيات حليفة لإسرائيل أثناء احتلال بيروت(7). والقائمة تطول. ويستشهد من يعارضون منح الجائزة لديلان بمواقف آخرين دعموا إسرائيل وتعرضوا لانتقادات واسعة مثل فرانك سيناترا وإليزابيث تايلور ( كانت الممثلة إليزابيث تايلور قد عرضت نفسها في العام 1976، أن تكون رهينة بديلة عن الإسرائيليين المحتجزين في مطار عنتيبي/ أوغندة). المثير في الأمر أن بعض النقاد الذين اعترفوا بتألقه الموسيقي جادلوا بأن تكريم موسيقي بهذا الشكل بمنزلة خطوة عريضة توسع بشكل كبير تعريف الأدب. ورغم أن أغاني ديلان وموسيقاه ألهمت الملايين في نضالهم للدفاع عن الحقوق المدنية والوقوف ضد الحروب. لكن هناك أيضاً جانباً آخر من حياة ديلان قليلاً ما يشار إليه، لا سيما آرائه حول إسرائيل، وعلاقته مع مئير كاهانا وبرابطة الدفاع اليهودية، ولاحقاً مع حزب كاخ العنصري، وهو الأمر الذي كشفته صحيفة نيويورك تايمز منذ العام 1971، حيث قاد اهتمام ديلان بإسرائيل واليهودية إلى "علاقة غير متوقعة مع الحاخام كاهانا والرابطة وحضر ديلان العديد من اجتماعات الرابطةـ فضلاً عن تبرعه بالأموال لهم". وأدى حماس ديلان لرابطة الدفاع اليهودية إلى تعاظم موجة الغضب ضده، لاسيما بين الفئات الشابة الأكثر راديكالية، التي ترى في إسرائيل، ببساطة، واحدة من تلك الدول الفاشية التي تدعمها حكومة أمريكية فاشية، وما دعم ديلان القوي لإسرائيل واتصالاته المعلنة مع الرابطة إلا مؤشراً آخراً على أنه "باع صوته السياسي"، كما اتهمه بعض النقاد بالاهتمام بالنمو المطرد بتحقيق أرباح اقتصادية أكثر من الاهتمام بمشاكل العالم، لدرجة أن أطلق عليه البعض لقب "خنزير رأسمالي"، ومن الواضح أن تلك الاتهامات قد أصابت ديلان في أعماقه، وحاول أن يخفي ذلك من خلال نفيه غضبه من هذه المودة المضادة له، حين اعتبر كل ما يثار حوله مجرد " أمر تافه" لا يستدعي اهتمامه(8).
وبعيداً عن الموقف السياسي أو "الشخصي" من بوب ديلان، يمكن الاستشهاد بما قالته الناقدة الأمريكية فيونا سمبسون، عقب سماعها خبر فوز ديلان بالجائزة: "هذا قتل للأدب بشكل عام وللأدب الأمريكي المعاصر بشكل خاص.. فوز ديلان (بجائزة نوبل) موت للأدب وانتصار للسوق". الأمر الذي أكدته نيويورك تايمز في مقال بعنوان "لماذا ينبغي أن لا ينال ديلان جائزة نوبل". وسواء اتفقنا أم اختلفنا على تعريف الغناء والأغنية، فثمة مقالة قديمة نسبياً للشاعر الإنجليزي المعاصر سيمون آرميتاج نشرها في صحيفة الغارديان سنة 2008 يقول فيها "كتَّاب الأغاني ليسوا شعراء أو الأغاني ليست شعرا"، ويفسر ذلك بقوله عند "تعرية" كلمات الأغاني من الموسيقى يتضح ضعف القوافي فيها وتسقط الجمل في الابتذال والمعاني في الضحالة. وطالما الشيء بالشيء يذكر كما يقال، فلا مانع من التذكير بما أثير حول بوب ديلان بخصوص السرقات الأدبية لكلمات أغانيه من كتاب وشعراء آخرين وهو ما نشرته صحيفة التيليغراف سنة 2010 بعنوان "كل شيء حول بوب ديلان مزيف"، ونشرت بالتفصيل الحرفي مواضع تلك السرقات. كما عادت الصحيفة ذاتها ونشرت تقريراً (حزيران/ يونيو 2017) كتبته، هارييت ألكسندر، تقول فيه إن بوب ديلان، سرق مقاطع من كتاب مدرسي ضمّها في خطابه (المتأخر) الذي ألقاه في حفل تسلمه جائزة نويل. وتقول هارييت إن الشكوك تحوم الآن بشأن المقاطع التي تحدث فيها ديلان عن موبي ديك، حيث تؤكد الصحفية بأنها مسروقة من كاتب سبارك نوتس، وهو كتاب معد أصلاً لمساعدة الطلبة على المراجعة. فالمقتبسات التي نسبها للكاتب الأمريكي، هيرمان ميلفيل، لا وجود لها في الرواية التي صدرت في العام 1851، بل هي من ملخصات كتاب سبارك نوتس. وتضيف الصحفية أن الصحفيين عثروا على 20 جملة أخرى في خطاب ديلان أخذت من الكتاب المدرسي. (لم يعلق ديلان على هذه الاتهامات). وتذكر هارييت أيضاً أنه من المعروف عن ديلان استعارته بعض كلمات أغانيه من مصادر مختلفة، وحتى اللوحات الفنية التي عرضها عام 2011، فيه شبه لصور شهيرة. ( نقلاً عن بي بي سي https://www.bbc.com/arabic/inthepress-40283780 )
الهوامش:
1- ينتمي بوب ديلان، مثله مثل "بينك فلويد" و"بيتلز"، إلى ما يعرف في التقاليد الأمريكية باسم "جيل الإيقاع /البيتنيك beatnik". وهو الجيل الذي شارك في الحركة الاجتماعية في خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي. شددت حركة البيتنيك على التعبير الفني عن الذات، ورفض أعراف المجتمع التقليدي والمطالبة بالحرية والدعوة للاستقلال الروحي، وانعكس هذا في السلوك اليومي لهم، سواء في اللغة أو الملبس أو المظهر الخارجي، في محاولة لتجاوز الكليشيهات والثوابت المجتمعية وتبني الشعارات الثقافية المتمردة، وعبروا عن انفتاحهم على الثقافة والفن الآفرو أمريكي في الأدب والموسيقى. وأبرزت بعض أغاني بوب ديلان مثل "Blowin" in the Wind "و" The Times They Are a-Changin "و" Like a Rolling Stone". كتعابير تنتقد السلطة والوصاية تحت شعار "أبناؤكم وبناتكم يقفون خارج حدود إرادتكم". (ربما يشبه القول المنسوب إلى سقراط " لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، أو، بطريقة ما، قول جبران خليل جبران: أولادكم ليسوا لكم.. أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم.. ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم.. أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصةً بهم.. وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم .. ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.. وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم.)
2- ولد بوب ديلان لعائلة يهودية، وحمل اسم روبرت آلن زيمرمان، واسماً عبرياً هو שבתאי זיסל בן אברהם [شبطاي تسيسل بن أفراهام] ولد في 24 أيار/ مايو 1941 في ولاية مينيسوتا الأمريكية بالقرب من الحدود الكندية. هاجر أجداده لأبيه من مدينة أوديسا بعد المذابح ضد اليهود في العام 1905. وتعود أصول والدته إلى أصول يهودية مهاجرة من ليتوانيا وصلوا إلى الولايات المتحدة في العام 1902. ويذكر ديلان في المجلد الأول من سيرته الذاتية، أن عائلة جدته من أبيه كانت في الأصل من منطقة كاجيزمان في مقاطعة كارس في شمال شرق تركيا( للمزيد، انظر: Dylan, Bob (2004). Chronicles: Volume One. Simon and Schuster.) ويبدو أن بوب عرف الغناء من أمه التي كانت مولعة بالشعر والموسيقا (كان والده يدير متجراً للأجهزة المنزلية وبيع قطع الأثاث). يصف أصدقاء ديلان عائلته بأنها من تلك الأسر "النموذجية التي تسكن في الغرب الأوسط الأمريكي"، وهو الوصف الذي لم يكن بوب يطيقه، فبمجرد التحاقه بجامعة مينيسوتا في مدينة مينيابوليس بدأ يتنكر لعائلته وطفق يخبر الجميع أن اسمه "ديلان" وهو عاش وتربى يتيماً في مكان ما من الجنوب الغربي الأمريكي، ويعود بجزء من أصوله إلى سكان أمريكا الأصليين، كما كان يردد أنه قضى معظم طفولته يهرب متنقلاً بين دور الأيتام والحضانة، وأثار حول نفسه زوبعة من الحكايا عن تنقلاته وسفرياته الشاقة، دون أن يتيح لأحد التعرف على شخصيته الحقيقية. ووفقًا لما ذكره روبرت شيلتون، كاتب سيرة ديلان، كانت إيكو هيلستروم صديقة بوب هي أول من اعترف لها، في العام 1958، بعزمه على تغيير اسمه من زيمرمان إلى "ديلان"، ويعتقد شيلتون أن اختيار الاسم ربما يعود إلى مصدرين: شخصية المارشال مات ديلون في المسلسل التلفزيوني Gunsmoke. والمصدر الثاني أن اللقب ديلون كان أيضاً اسماً لإحدى العائلات الرئيسية في هيبينغ حيث أمضى ديلان طفولته ويفاعته. وكان ديلان قد أخبر شيلتون بأنه لم يتخذ لقبه من اسم الشاعر الويلزي ديلان (مارلايس) توماس، وأخبر ديلان زملائه في الجامعة أن لقبه هو لقب والدته قبل الزواج، وهذا غير صحيح. ثم غير أقواله عندما أخبر بعض الصحفيين أن ديلون كان اسم عمه، ويضيف شيلتون أن بوب لم يبدأ بتهجئة اسمه "ديلان" إلا حال وصوله إلى نيويورك في العام 1961 ( للمزيد، انظر:Shelton, Robert (2011). No -dir-ection Home: The Life and Music of Bob Dylan, Revised and updated edition. Omnibus Press). وفي آب/ أغسطس 1962 قام بتغيير اسمه بشكل قانوني إلى "روبرت ديلان". باع ديلان أكثر من 100 مليون أسطوانة وقام بجولات فنية في العديد من دول العالم.
3- لكي نفهم السياق الديني القومي في الولايات المتحدة في الوقت الذي تحول فيه بوب ديلان (بالنظر إلى هوية ديلان باعتباره أمريكياً يهودياً مشهوراً يتمتع بسمعة على الأصعدة الفنية والاجتماعية والسياسية ) إلى المسيحية في الفترة ما بين 1978-1979. لابد من النظر إلى العلاقة بين المسيحيين البروتستانت الأمريكيين (الصهيونية المسيحية) وإسرائيل "الدولة القائمة الآن في فلسطين المحتلة"، ولعل هذا منحى هام للتعرف على التقاطعات التي تجمع ديلان مع إسرائيل. شكلت الصهيونية المسيحية مزيجاً غريباً عجيباً من اللاهوت والإيديولوجيا والاقتصاد والشهرة والمجد الشخصي، دعم من خلالها البروتستانت الإنجيليون الدولة القومية الإسرائيلية الحديثة، سواء في سياستها الخارجية المتشددة أو في وسياستها الداخلية المسيطرة والإقصائية ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض. وأصبح دعم المصالح الإسرائيلية اختباراً ليس فقط للسياسة الأمريكية السليمة ولكن أيضاً للولاء للرب. وترجع الجذور الفكرية واللاهوتية للصهيونية المسيحية إلى النزعة التدبيرية Dispensationalism البروتستانتية والعقيدة الألفية، وتوافق ذلك مع تحول ملايين الناخبين السلبيين والديمقراطيين السابقين إلى الحزب الجمهوري المتشدد في سبعينيات القرن الماضي، كما ارتبط انتشارها برواج خطابات بات روبرتسون وجيري فالويل، وكتاب هال ليندسي "المرحوم كوكب الأرض العظيم The Late Great Planet Earth"، الذي صور إسرائيل والحكومات السوفيتية والصينية الشيوعية على أنهم معارضون عسكريون في معركة هرمجدون "التي ستحدث قريباً". وفي هذه الأجواء كان من المنطقي كما يبدو أن ينخرط بوب ديلان في الحركة المسيحية الصهيونية، فهو يهودي قبل كل شيء، وعلى دراية بأسفار العهد القديم، فضلاً عن أن والديه كانا عضوين بارزين في منظمة هداسا وبناي بريث، وتذكر سيرة حياته أن أمضى في طفولته بعض فصول الصيف في "معسكر هرتزل" في ويسكونسن وهو مخيم صيفي يدعو لنشر الأفكار الصهيونية، وكان ديلان قد زار إسرائيل في أوائل السبعينيات وفكر في تجربة حياة الكيبوتس، فأقام فترة في كيبوتز "عين دور".
4- أبدى ديلان اهتماماً خاصاً لنبوءة "نهاية الزمان" وتبنى التفسير التدبيري للعصر الألفي الذي اقترحه هال ليندسي في كتابه المذكور في الهامش السابق، ويعتقد ديلان، وغيره من المؤمنين بنبوءة نهاية الزمان أن إسرائيل "كيان عرقي تاريخي" وأن يسوع المسيح سيقيم مملكته في أورشليم، لكنها لن تكون مملكة يهودية، بطريقة ما، بل هي مملكة عالمية تضم "البقية الباقية من المؤمنين الإسرائيليين"، وهذا أقرب ما يكون إلى صورة "أورشليم السماوية" الوارد في سفر الرؤيا -أحد الأسفار المفضلة عند ديلان- حيث ستحمل أورشليم الجديدة أسماء رسل المسيح الإثني عشر وأسباط إسرائيل. لم يصبح ديلان مسيحياً صهيونياً رائداً. لقد كانت المسيحية، التي اكتشفها لتوه، أقل ارتباطاً، من نواحٍ عديدة، بالثقافة من البروتستانتية الأمريكية العادية "المعتدلة" في ذلك الوقت. ويبدو أنه احتفظ بفهم روحي خاص غير سياسي نوعاً ما لإسخاتولوجيا eschatology الكتاب المقدس. ومن هنا يمكن فهم قوله عن رغبته فيما لو كان "موظفاً عادياً يعمل كل يوم حتى الساعة الخامسة مساءً ثم يعود للبيت وينسى كل شيءً. وجسّد هذا في ألبوم غنائي أصدره في العام 1989 بعنوانOh Mercy يتضمن أحد اشهر أغانيه Political World، ويمكن ترجمتها كما يلي: (انظر تسجيل الأغنية هنا https://www.youtube.com/watch?v=jg29g6D0sPs)
نحن نعيش في عالم سياسي
حيث لا مكان للحب فيه
نعيش في زمن يقترف الرجال فيه الجرائم
وتبدو الجريمة بلا وجه
نحن نعيش في عالم سياسي
مقل قطعة جليد متدلية نحو الأسفل
حيث رنين أجراس الأعراس وغناء الملائكة
وحيث الغيوم تغشي وجه الأرض
نحن نعيش في عالم سياسي
ألقيت فيه الحكمة في غياهب السجن
تركت هناك لتتعفن جذورها في زنزانة مضللة كالجحيم
وحيدين، معزولين، ما من أحد يدلنا على الدرب
نحن نعيش في عالم سياسي
حيث الرحمة تتهادى على لوح خشبي
حيث الحياة في المرايا والموت يختفي
صعود الدرجات إلى أقرب لوح
نحن نعيش في عالم سياسي
حيث الشجاعة شيء من الماضي
وحيث المنازل مسكونة، بأطفال غير مرغوبين
ولعل يومك التالي هو الأخير
نحن نعيش في عالم سياسي
يمكننا أن نراه ونحس به
ولكن لا أحد يمكن التحقق منه، فكل هذا ليس سوى مجموعة متراكمة
ونعلم، كلنا، على وجه اليقين أنه عالم حقيقي
نحن نعيش في عالم سياسي
حيث المدن هي الخوف الوحيد
ورويداً وريداً، تستدير في المنتصف
لكنك لست متأكداً أبداً من سبب وجودك هنا
نحن نعيش في عالم سياسي
نعبش تحت المجهر
حيث يمكنك السفر إلى أي مكان وشنق نفسك هناك
لديك دائمًا أكثر من حبل كافٍ
نحن نعيش في عالم سياسي
تحول وسحق
مجرد أن تنهض من نومك استيقاظك، يتم تدريبك على الأخذ
ما يبدو أسهل مخرج لك
نحن نعيش في عالم سياسي
حيث السلام لا لزوم له وغير مرغوب على الإطلاق
لقد ابتعد (السلام) بعيداً عن وبات يتجول بعيداً
أو انتهب به الأمر وظهره للحائط
نحن نعيش في عالم سياسي
كل شيء لها وله
يصعد على عمود لهب ويصرخ باسم الرب
لكنك لست متأكداً حتى ماهي هذه الصرخة
5- تقول كلمات الأغنية:
"كم من الطرقات يجب أن يسيرها الرجل
قبل أن نسميه رجلًا؟
وكم من السماوات يجب أن تطيرها الحمامة البيضاء
قبل أن تستريح في الرمال؟
نعم وإلى كم من الأهداف يجب أن تقذف
كرات المدافع قبل أن تصبح ممنوعة إلى الأبد؟
الإجابة يا صديقي في مهب الريح
في مهب الريح.."
وتعد أغنيةBlowin" in the Wind إلى جانب أغنية Like a Rolling Stone من أشهر أغانيه، وتعد الأخيرة أكثرهما شعبية داخل وخارج أمريكا:
"ذات مرة حين ارتديت أفضل ملابسك
ورميت بقرش إلى صعلوك متسول في بداية حياتك.. ألم تفعل؟
قد يناديك الناس
أيها الغض كن حذراً
كن واعياً
أنت على وشك السقوط
ولكنك ظننتهم يسخرون
وكنت تضحك منهم
فالكل يتسلى
ولكنك الآن لا ترفع صوتك
لا تبدو فخوراً
فأنت تستجدي لتوّك وجبتك التالية".
6- ظهرت الأغنية في ألبوم " Infidels" ويحتوي الغلاف الداخلي للألبوم على صورة ديلان راكعاً على جبل الزيتون المشرف على مدينة القدس. بما يشبه نبوءة الإصحاح 14 من سفر زكريا بأن الرب، بشخص الميسيا، سوف يقف على جبل الزيتون أثناء معركة هرمجدون. لن يأتي الرب لإنقاذ شعبه فحسب، بل سيرافقه "جميع القديسين (5 وَتَهْرُبُونَ فِي جِوَاءِ جِبَالِي، لأَنَّ جِوَاءَ الْجِبَالِ يَصِلُ إِلَى آصَلَ. وَتَهْرُبُونَ كَمَا هَرَبْتُمْ مِنَ الزَّلْزَلَةِ فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. وَيَأْتِي الرَّبُّ إِلهِي وَجَمِيعُ الْقِدِّيسِينَ مَعَكَ.)، ويصبح بعدها الرب يسوع "ملكاً على كل الأرض"، (9 وَيَكُونُ الرَّبُّ مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ الرَّبُّ وَحْدَهُ وَاسْمُهُ وَحْدَهُ.). ويوازي هذا المقطع ما يرد في سفر الرؤيا في العهد الجديد، وكأن ديلان يحاول أن يوحي بأن أغنيته مرتبطة أكثر بمعركة هرمجدون المستقبلية وليس بحرب لبنان 1982، وفي تعليق له حول الموضوع، أشار ديلان إلى "جهله" بخبايا السياسة الإسرائيلية، وزعم رفضه التماهي مع سياسة بلاده من خلال إرسال مساعدات عسكرية إلى إسرائيل أثناء فترة الحرب على لبنان (1982-1985)، ليعود إلى التأكيد، يقينياً، على التصورات الأخروية بقوله أن ما يحدث اليوم لن يدوم، فمعركة هرمجدون قادمة، لا شك في ذلك، ومن الناحية التقنية لابد أن الشرق الأوسط سوف يكون مسرحها. في تل الفترة (1984) كان ديلان قد نأى بنفسه عن "الصهيونية السياسية" حيث كان أنصارها قد استقبلوه هناك في العام 1971 وحظي بتغطية إعلامية كبيرة. ليس ثمة يقين في مواقف ديلان من إسرائيل والصهيونية، ففي أعقاب حرب العام 1973 انتشرت شائعات بأن جولة ديلان في العام 1974 كانت بمنزلة حملة دعم وتأييد لإسرائيل. برغم ظهور ديلان "راكعاً" أمام يسوع، فهذا لايعني رفضه لتراثه الديني اليهودي ( أليس المسيح نفسه وأتباعه الأوائل كانوا جميعاً من اليهود؟)، فهو ليس يهودياً "إثنياً" فحسب، بل ظل مهتماً بهذا التراث حتى بعد اعتناقه للمسيحية البروتستانتية. لم يرَ ديلان، من وجهة نظر روحية، المسيحية على أنها رفض أو استبدال ليهوديته، بل نظر إليها كإنجاز روحي وخطوة نحو تحقيق الغاية في نهاية الزمان، وأكثر ما يظهر ذلك في ألبومه Saved (1980) حيث يظهر على الوجه الأخير من غلاف الألبوم مقطع من الإصحاح 31 من سفر إرميا" 31 «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا." وكأنه بذلك "يحاول" أن يسد الفجوة بيم العهد القديم والعهد الجديدـ أي بين اليهودية والمسيحية. ومن هنا يمكن القول أن ألبوم "Infidels" يمثل، بطريقة أو بأخرى، "انقطاعاً" مع العصر لما يحتويه من خطابا سياسي توراتي ومقاطع حب سوريالي، ويظهر الألبوم مزاجاً أخروياً قاتماً كأنه تهيئة لنهاية الزمان وهو يعكس السجالات السابقة التي عايشها ديلان منذ منتصف الستينيات وحتى نهاية السبعينيات، وبروز المسيحية الصهيونية القوي على المسرح السياسي الأمريكي، وهذا ما صبغ الألبوم بنكهة توراتية قوية ولهجة أخلاقية صارمة، لاسيما أشهر أغنية في الألبوم (Jokerman) التي تستحضر رموزاً دينية ذات دلالة خاصة مثل رموز الأسهم الخاصة بالشر مثل الصنم ذي الرأس الحديدي، والعاهرة، وسدوم وعمورة، وغيرها.
7- كي لا يقال أن تلك الأغنية تعود لزمن بعيد. كان بوب ديلان من أوائل الذين قاموا بكسر توجهات حركة مقاطعة "إسرائيل" BDS، وبادر إلى إقامة حفل في "تل أبيب" في العام 2014، مع فرقة رولينغ ستون. واليوم، تُقرأ كلمات الأغاني كمقدمة للقومية العنصرية المتجسدة في سياسات القادة الإسرائيليين، من بنيامين نتنياهو إلى أفيغدور ليبرمان وصولاً إلى نفتالي بينيت ويائير ليبيد وبيني غانتس والقائمة تطول، مثل تلك الدعوة التي وجهها نفتالي بينيت عندما كان وزيراً للتعليم في العام 2005 حين طالب القيام بحملة واسعة يحث فيها الإسرائيليين على "عدم الاعتذار" في سياق دفاعهم عن أنفسهم، مردداً مقطعاً من الأغنية:
"أزال حبل مشنقة فانتقدوه
دافع عن نساء عجوزات اتهموه وقالوا
إنه يجب أن يعتذر
ثم دمر مصنع متفجرات
ولم يمتن لذلك أحد
المتفجرات كانت له
لكنه كان يجب أن يشعر بالسوء لفعلته
ولكنه فتوة الحيّ."
علماً ان زيارته لإسرائيل مع فرقة "رولينغ ستون" لم تكن الأولى أو الأخيرة ،ففي العام 1982 ""عاد بوب ديلان إلى إسرائيل، وقدم حفلات هناك فى الأعوام 1987، 1993، 2011.
8- لا تبدو حجج ديلان قوية في رده إزاء ما تعرض له من انتقادات، ولعل القصة التي تدور حوا علاقته بجماعة "الفهود السود" توضح ذلك: تتحدث الحكاية عن لقاء بين ديلان وزعيمي منظمة الفهود السود هيوي نيوتن Huey Newton وديفيد هيليارد David Hilliard. حيث كتب المحامي جيرالد ليفورت Gerald Lefeourt رسالة إلى ديلان، بناءً على طلب هيليارد، يطلب منه المساعدة، في جمع الأموال لتغطية نفقة محاكمة عناصر المنظمة، وتم الاتفاق على لقاء بين ديلان ونيوتن وهيليارد، وبمجرد أن جلسوا بدأ ديلان في إلقاء محاضرات عليهم حول تصريحاتهم المعادية للصهيونية، مما أغضب هيليارد الذي قفز غاضباً، واتجه نحو الباب صارخاً "لنخرج من هنا! لا يمكننا التحدث مع هذا الخنزير الصهيوني!"،وتتابع الحكاية القول بأن نيوتن تدخل وطلب من هيليارد الهدوء. ويقال أن ديلان قال لهم: "لا يمكنني مساعدتكم طالما أنكم، أي الفهود السود، تقفون ضد إسرائيل". ولدى سؤال ديلان عن هذه الحادثة أنكرها ولم يتذكر مثل هذا اللقاء، في حين يصر أنصار الفهود السود على صحة الحادثة.
المصادر
https://stljewishlight.org/arts-entertainment/undertanding-bob-dylans-bohemian-zionism/
https://t.co/YuyG3uzAjN
https://www.palestine-studies.org/en/node/232239
https://electronicintifada.net/blogs/michael-f-brown/bob-dylans-embrace-israels-war-crimes
https://www.timesofisrael.com/bob-dylans-forgotten-pro-israel-song-revisited
https://www.nytimes.com/1971/11/28/archives/-wont-you-listen-to-the-lambs-bob-dylan-wont-you-listen-to-the.html
https://www.nytimes.com/1983/11/13/arts/bob-dylan-mingles-exhilaration-and-misanthropy.html
Dylan and the Jesus People. https://link.springer.com/chapter/10.1057/9781137477477_6
https://www.bbc.com/arabic/inthepress-40283780
Latham, Sean, ed. (2021). The World of Bob Dylan. Cambridge University Press.
Marshall, Scott (2002). Restless Pilgrim: The Spiritual Journey of Bob Dylan. Relevant Books.
Shelton, Robert (2011). No -dir-ection Home: The Life and Music of Bob Dylan, Revised and updated edition. Omnibus Press.
Shepard, Sam (2004). Rolling Thunder Logbook (reissue ed.). Da Capo.
Dylan, Bob (2004). Chronicles: Volume One. Simon and Schuster



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ جديد ، أفكار قديمة
- حواري مصر: أدلة بيئية جديدة على بناء أهرامات الجيزة
- قوارب الفلاسفة : 100 عام على طرد المثقفين الروس
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات
- المؤتمر الإسلامي في القدس 1931
- الاختلال في التوازن العالمي كما يراه كيسنجر
- اختراع الأرض المقدسة: الحج البروتستانتي الأمريكي إلى فلسطين ...
- مرثية إلى شيرين أبو عاقله
- استراتيجية الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل (7)
- استراتيجية عمل الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل (6)
- استراتيجية عمل الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل (5)
- استراتيجية عمل الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل (4)
- استراتيجية عمل الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل (3)
- استراتيجيات عمل المسيحية الصهيونية الداعمة لإسرائيل (2)
- المرأة الفلسطينية العمود الفقري للمقاومة
- الحرب في أوكرانيا: الحلول والنتائج المحتملة، لقاء مع هنري كي ...
- العالم العربي 2016، عودة الدولة مرة أخرى : 100 عام على سايكس ...
- إصلاح الاتفاقية : 100 عام على سايكس بيكو (10)
- صراع إسرائيل المستمر على الأرض: 100 عام على سايكس بيكو (8)
- فلسطين: مؤسسات الدولة ما قبل حدود الدولة: : 100 عام على سايك ...


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - بوب ديلان في السويد: بين -صابرا- كيبوتس عين دور و أروقة أكاديمية نوبل