أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - المهدي الموعود فاضل مؤجل















المزيد.....

المهدي الموعود فاضل مؤجل


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7333 - 2022 / 8 / 7 - 10:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن قضية المهدي بجوهرها الحقيقي هي نتاج فشل الدين في بناء مجتمع المدينة الفاضلة، وعجزه أن يقدم رؤية ممكنة وقادرة بالفعل والقوة على أن تتبلور من مشروع إلى واقع على الأرض مع تيقنه الكامل أن كل الأديان والنظريات الأجتماعية والأخلاقية والقيمة لا يمكنها أن تصلح كوسيلة لتجسيد المشروع "المدينة الفاضلة أو المجامع الفاضل" كما بينا سابقا، هنا لا بد من طريقين لديمومة بقاء المشروع وعدم إسقاطه من ذاكرة الحلم البشري، أما أنتظار قوى جبارة قاهرة ومقتدرة بأن تفعل إرادتها خارج قوانين التكوين وتفرض مشروعها بالقوة، أو أن يتدخل الفعل الغيبي في تبديل أو تغيير في القوانين التكوينية وبواسطة ملحق ديني يباشر العملية بعد التغيير، وكلا الأمرين لا علاقة لهما لا بالدين ولا بالقيم الفاضلة، لكن التبرير ساق حججه بغلاف ديني فقط لفرض المقبولية ليس أكثر.
وحتى يبرر صاحب المشروع الديني ما وجد الفرض الفاشل وعن عجزه في إثبات الإمكانية الحقيقية له ولو بمراحل أو تطورات أبتكر قضية تنهي الحلم في الوقت الحاضر وتحيله إلى مجرد حلم متأمل له الوقوع وكأنه مجرد عذر يخفف من وطأة الأعتراف بالفشل، فأبتكروا قضية المهدي الخيالية التي تدغدغ المشاعر الإنسانية وأحلامها الوردية بمجتمع العدل والإحسان، ولم يحددوا له موعدا أو سقفا زمنيا وعلقوا كل ذلك بعلامات الظهور، وهي في غالبها أما أوهام أو ظواهر طبيعية تتكرر، وبذلك نجح كهنة الأديان بترحيل المشكلة إلى بعد لا نهائي وتخلصوا من السؤال المحير.
وعند السؤال منهم إذا لماذا فشل الدين في أن يسعفهم بتحقيق حلم اليوتوبيا البشرية كملاذ نهائي لإشكاليات الإنسان في الوجود وهو الذي تقولون أن الله قد وضعه؟ بنصل إلى حقائق تتعارض مع أصل فرضهما المنطقي وهي، أما أن الله لم يضع الدين أصلا بشكل مباشر من عنده وهي الحقيقية التي لا يريد أحد الأعتراف بها، أو أن الله أيضا عاجز عن سوق الإنسان ولو بالقوة إلى الفضيلة، لأن الخطأ ليس في الإنسان، بل بالتصميم الأساس الذي وضعه الله، أو أن الدين لم يتطرق لهذا الموضوع ولم يعترف به ولم يشرعه بأي شكل من الأشكال، وفي كل الأحوال يتبين لنا في النهاية المنطقية أن لا وجود للعدل الفاضل في جوهر ومنصوص المنطق الديني، كما ولا توجد فكرة الفضل العادل بين ثنايا الفكرة الدينية برمتها.
إذا فكرة المهدي والقضية التي تظهر وتشتد ثم تخمد لتظهر في وقت أخر هي جزء من أزمة الإنسان وإشكالياته في الوجود، ينطبق عليها ما ينطبق على فكرة اليوتوبيات التي ظهرت على مسرح التاريخ في مختلف مراحله (القديم والوسيط والحديث)، فقد كان القاسم المشترك بينها جميعاً بأنها جميعا مجرد ردات فعل لواقع ظالم وقاسي ومنحرف، وكأنه فكرة المهدي "بمثابة احتجاج ضد ما في الواقع من نقص في العدالة الأجتماعية وعيوب من جهة المعالجة والتدبير"، لتكون مجرد أمل وتطلع إلى غدٍ مشرق يقترب من الكمال في شتى مناحي الحياة من جهة أخرى.
ولما كان الحلم المتجسد بالبطل الكوني الذي يأت بالعدل بمفهومه المطلق هو حلم بشري قديم لم ينتهي ولم يتحقق، فقد ظل ساكن وجدان الضعفاء من الناس وهم الغالبية، فالقوي لا يؤمن بالعدل طالما أنه هو القادر على تحقيقه، فالحلم هذا لا يتمناه ولا يتبناه لأنه خارج حاجته ولا يمثل جزء من إشكاليته، هنا برز تناقض أجتماعي حقيقي وخطير بين من يحلم بالمنقذ وهو غالبية المجتمع الذي لا يماك قوة، وبين القلة التي تتمسك بمنطق ما تملك من قوة وقدرة، فتحول الصراع من إطاره الديني إلى أطاره الطبقي الأجتماعي، وترسخ كواحده من القضايا التي لا يتنازل عنها المجتمع لأنها ولظنه تقوده للأنتصار على الخصم الطبقي والأجتماعي.
إذا المنقذ بهذه الصورة هو الطموح الإنساني نحو تجاوز مشكلات وعقبات الواقع المعاش، والقيام بقفزة تجاوزية إلى المستقبل، دون المرور بتفاصيل وجزئيات الحلول العملية لأزمات اللحظة الراهنة، لذلك فإن من منطق الصراع الطبقي الديني عندما ينقسم المجتمع على نفسه بين ظالم ومظلوم تبرز بقوة فكرة المهدي المنقذ، وهذا ما يدفع بمنظري اليوتوبيات الذين يترجمون بصدق مشاكل الغالبية المظلومة لأن يطلقوا منظومة من الأحكام القيمية ويسندونها بحجج وبراهين وربما حتى تفسيرات دينية لتعزيز الأعتقاد بالفكرة وتجليلها بهالة من القدسية عالية التأثير، وبذلك أيضا يكفون أنفسهم عناء توصيف الواقع وتحليل وتفكيك مشكلاته بوسائل علمية وعملية مناسبة، لأن ما ينشدونه في يوتوبياتهم يتضمن في تضاعيفه ما يعانون منه في الحاضر فهو إسقاط زمني غير حقيقي، ولذلك تظهر لديهم أحكام الوجوب وتغيب عنهم أحكام الوجود.
من هذا يمكننا أن نؤشر النقاط التالية:.
1. فقط في المجتمعات التي تعاني من خلل بنيوي في ترتيب العدالة وغياب سيادة القانون تظهر بقوة فكرة المهدي، السبب أن الفكرة بذاتها تستخدم سلاح في الصراع من خلال تكثيف الروابط بين المستضعفين صد عدوهم التقليدي.
2. في المجتمعات التي تعاني أيضا خللا بنيويا في تلقي المعرفة والتعليم وتتميز بطبقة عالية الثقافة والتعليم وأخرى محرومة من التعليم المناسب وثقافة قادرة على حمل المجتمع على تجاوز أخفاقاته، تظهر بقوة فكرة المهدي المنتظر وكأنها لازمة لمظهر الجهل والتخلف، ونجد العكس وتحتفي تماما في المجتمعات التي لديها نسبة عالية من التعليم الحديث والثقافة المعرفية متعددة المستويات والخطوط.
3. تظهر بشدة في المجتمعات التي تشهد صراعات دينية حادة بين أديان مختلفة داخل مجتمع واحد، أو بين مذاهب مختلفة داخل الدين الواحد، وتوظف بشدة دائما من قبل الفريق الأقلية أو المضطهد وإن كان أكثري، خاصة عندت يبلغ الصراع ذروة التقاطع بينهما وتحول الصراع من فكري مذهبي إ‘لى سياسي طبقي بطابع روحاني.
4. أيضا يظهر الخيال الجامح بظهور المنقذ في المجتمعات التي تعاني من النكوص في القوة، مثلا المجتمعات الرازحة تحت الأحتلال الأجنبي أو تلك التي خرجت مهزومة من حروب أفقدتها السيادة، فالشعور بالمرارة من معالجة هذا النكوص تتمظهر بالحلم لوجود منقذ فعال قوي وجبار يعيد لها مستوى من أحترام الذات، مثلا الفيلسوف الألماني “مارتن هيدجر عندنا يصف الإنسان ويعرفه يمنحه تعريفا هيكليا بالزمن ويقول ” هو كائن بالأبعاد الثلاثة، فهو يدرك الحاضر ويتخيل المستقبل ويتذكر الماضي، إذاً من الخصائص المميزة للإنسان هي امتلاكه القدرة على التخيل والحلم وبناء تصورات مستقبلية في ذهنه غير خاضعة لأي ضوابط، سوى الرغبة الجامحة في الخروج من الواقع وتخيل واقع آخر يستجيب لإرادته ومتكيف مع طموحاته، ولاشك بأن الإبداع التخيلي كع قليل من الوعي الجاد قد يساهم في تقدم العلم والمعرفة وارتقاء البشرية، وذلك لأن الخيال المبدع هو الذي يحفز صاحبه على ترجمة تصوراته إلى وقائع ملموسة.
5. إن فكرة طهور المخلص أو المقذ الكوني أو المهدي المنتظر هي جزء من مفاهيم تظهر على سطح الواقع الفكري، كلما ازداد ضغط الواقع واضحى التغيير صعباً، وقد وجدت دعوات عديدة لها على امتداد التاريخ القديم والوسيط والحديث وفي مجتمعات مختلفة في الدين والعقيدة، حيث لجأ مفكرون إلى إبداع صور ومفاهيم وأفكار وحتى توقيتات وشخوص من واقع مفترض علهم يجدون فيها لأنفسهم ولأمثالهم ملجأ أو متنفساً من ضغط الواقع الاجتماعي المعاش، ولذلك لن تتوقف القضية المهدوية عن الظهور على مسرح الحياة، طالما أن (الحلم) كامن ومتجذر في أعماق سرائر النفس البشرية المنكوبة بالظلم والتغريب والأقصاء وما تعانيه من عدم تحقق مفاهيم العدالة الحقيقية ولو بحدها الأدنى.
بعد كل ما قدمنا في موضوع المهدي أو المنقذ الكوني لا بد لنا أن نعترف أنه في جميع الحالات والتصورات التي طرحت والتي ستطرح في زمان أخر أو مكان أخر، تبقى القضية مجرد فكرة تجريدية نظرية ذهنية خالية من أي مصداق عملي، لأنها أصلا تقوم على الافتراض الفلسفي الذي يستند على حركة الذهن التجريدية في عملية بناء النماذج الافتراضية، ولو عدنا لأولى الأفكار التي ظهرت مقترنة لها والتي تمتد لعصور فكرية ساحقة تثبت لنا أن أستنتاجنا بكونها مجرد تصور فلسفي تجريدي هي الحقيقة الوحيدة الصادقة في كل القضية، فلو كان هناك مصداق حقيقي وعملي لكان ظهر في فترات كانت فيها الإشارات والعلامات مقاربة، وحتى الظروف الموضوعية مهيأة له، لكن الحقيقة كانت دائما تبشر بعدم تحقق هذا الحلم البشري كونه ليس أكثر من حلم فقط دائرته ومداره العقل الباطن للإنسان الضعيف والمهزوم والمقهور والمستضعف.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين والمدينة الفاضلة واوهام المنقذ الجبار ح2
- على سبيل الفرض والافتراض ح7
- الدين والمدينة الفاضلة واوهام المنقذ الجبار
- على سبيل الفرض والافتراض ح6
- على سبيل الفرض والافتراض ح5
- الموقف السياسي العرافي اليوم
- رسالة إلى حامل الأختام المقدسة
- غي خضم الوضع العراقي الراهن مواقف واراء
- على سبيل الفرض والافتراض ح4
- على سبيل الفرض والافتراض ح3
- على سبيل الفرض والافتراض ح2
- على سبيل الفرض والأفتراض
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 21
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 20
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 19
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 18
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 17
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 16
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 15
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 14


المزيد.....




- قائد الثورة الإسلامية: مجلس خبراء القيادة مظهر الديمقراطية ا ...
- ثبتها حالاً واسمعوا أغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد لإطلاق الطيران الم ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف قاعدة للطيران ال ...
- قائد الثورة الإسلامية يصلي على جثمان الشهيد رئيسي ومرافقيه غ ...
- واشنطن تترقب من سيخلف المرشد الأعلى خامنئي بعد وفاة رئيسي
- نيجيريا.. إنقاذ 350 رهينة من قبضة -بوكو حرام-
- “نزلها مباشر” تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة ...
- قائد الثورة الاسلامية: مجلس الخبراء مظهر من مظاهر الديمقراطي ...
- روسيا.. محكمة في بيلغورود تقرر طرد كاميروني متورط في دعم جما ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - المهدي الموعود فاضل مؤجل