أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - من قوة السيكولوجيا الفطرية إلى قوة السيكولوجيا الموجهة التاريخ يصنع الانسان وجودا















المزيد.....

من قوة السيكولوجيا الفطرية إلى قوة السيكولوجيا الموجهة التاريخ يصنع الانسان وجودا


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7238 - 2022 / 5 / 4 - 08:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


سيكولوجيا القوة البدنية والشعور بها والإحساس بالقدرة على فرضها على الأخرين تنبع من الذات البشرية بصورة الأنا المتفوقة، الأنا التي تفرض شروطها على الغير، وبالتالي فقد رتبت القوة لأصحابها أمتيازات منفردة ووضعت قوانينها لتكون قانون الجماعة واعرافها يجب أن تسود ولو رغما عن الأخرين، فبدأ القوي أو الأقوياء بالأستحواذ على الأمتيازات (نساء وأمكنة وحتى طعام) ليعبروا عن قوة الأنا الذاتية التي تدفعهم لذلك، وبغياب الشرائع والقوانين التي نعرفها اليوم كان للذكر اكثر من محظية وما تلد وأمتلك لأول مرة بعض الحيوانات التي تم أصطيادها وتدجينها لتكون الملكية الخاصة، ومارس الأقوياء داخل المجموعات قوتهم للحفاظ على هذه المليكات، عندها تم خرق نظام المشاعة البدائية وظهرت الملكية الفردية التي أسست فيما بعد لوجود الأسر بدل القطيع أو المجموعات.
هذا التحول المحوري والهام كان بداية مفهوم التأريخ عندما أنفرد الأقوياء مع ملكيتهم في أماكن خاصة لا يسمح لغيرهم من دخولها من باب المنافسة أو التزاحم بينهم، هنا عرفت البشرية موضوع النزاع المسلح أو نزاع الأقوياء، أستوجب هذا التحول أيضا أنشطار المجموعات تلك إلى مجموعات أصغر وأستقلالها عن بعضها لتكوين الأسرة التي منشأها القوة وليس القانون أو التشريع، وأنتقلت حتى ظاهرة الملكية للأبناء بعد أباءهم أو رؤساء تلك الأسر أما بالفقدان الوجودي أو بفقدان مظاهر القوة، ليستحوذ الأقوياء داخل الأسرة الواحدة على ميراث من سبقه بما فيه النساء والمكان والحيوانات وما تعلمه من حرف بدائية منها الزراعة واشعال النيران وتحولت حكرا له كقانون طبيعي.
التأريخ إذا بدأ بالشعور بالقوة وسينتهي على ما يبدو بأستفحال مظهرية القوة على التأريخ ومصادرة إرادة الإنسان في يبقى كمعطى وجودي أيضا، كانت الأنا المتضخمة بشعورها بالقوة البدنية تنساق لتحقيق الرغبات ليس بوصفها حاجة طبيعية، ولكن لتطرفها في تحويل كل الرغبات إلى حاجات وفرضها بالواقع ليجد نفسه مستجيبا لها بالقدر الغير طبيعي، مثلا يكفي للذكر أن يحتفظ بأنثى واحدة لتلبية الرغبات الغريزية الجنسية، ولكن التعدد في الحظي بأكثر من واحدة هو رغبة نفسية تترجم على أنها حاجة ضرورية، وما عليه سوى الأستجابة لها وترجمتها فعلا، ولكي لا تخدش الأنا فرض الذكر الإنساني القديم شروط القوة على ملكيته تلك وحاول الدفاع عن حاجاته بما يملك من قوة، فأساس العائلة وعلاقاتها وأشكالها ومنطقي التعاطي معها هو ذاته من القديم إلى اليوم وإن كان بعناوين أخرى أخلاقية (الشرف) أو بعنوان الدين (الحلال والحرام) التي صنعها وطورها وأعطاها مشروعية ما من خلال نلك الأبتكارات القيمية.
لو رجعنا لتفحص تلك العناوين من حيث دوافعها ومباعثها الأولية داخل موضوعها وبعين خارجية نجد أنها هي نفس التبريرات الأولى (التملك الأناني فقط)، فالحلال هو المتاح لك بقوة الدين وسطوته على التفكير الفردي والجمعي وكذلك الأخلاق تتعكز على نفس العلة والسبب، ما لي ليس بحق للأخر طالما أنني أكتسبته تحت عنوان متفق عليه وتعامل الاخرون معي بنفس الحيثية والمبرر، إذا قصة التاريخ يمكننا نسبتها إلى التحول الكوني البارز الذي رافق تفكك المجموعات البشرية من شكلها القطيع إلى شكل الأسر الكبيرة والتي تحولت بدورها من مشاعية الملكية إلى الفردانية الذاتية المدعومة بالقوة، هذا التحول رافقه أيضا تحول بالأعراف والقوانين التي صنعها وفرضها السيد القوي، أختلفت تلك الأعراف وتنوعت نتيجة تنوع الرؤية والتقدير للذات الفردية، وهنا نشأ التعدد المعرفي والتنوع الأجتماعي من حيث ما تختلف تلك الأعراف والقوانين المحلية عن بعضها.
إن الحياة الأجتماعية التي صاغها مبدا غلبة القوة والتي نبعت أساسا من تحكمات الأنا الذاتية هي من قادت الحراك التأريخي ووظفته ليكون بداية قصة التأريخ، فلولا الشعور بالذات والإحساس بمطالبها وحاجاتها التي تتجدد ولا تنتهي لم يتحرك الإنسان من موقعه الأول، ولم يضطر لأن يتنازع من أجل الأستجابة لتلك الحاجات حتى وجد نفسه دائم التفكير في إيجاد أفضل تلبية لها وبأكثر من طريقة للأستجابة، إذا الفكر وبداية المغرفة الأولى وأكتشاف التعبير الواضح عنها من خلال الكتابة أو الفنون البدائية لم يكن أيضا إلا نتاج واحد من نتاجات الأستجابة للحاجات بمفهومها السيكولوجي.
يجب علينا كدارسي التأريخ بالنمط الذي يعني البحث عن حقائق وجود الإنسان أن لا ننجر دوما لتفسيرات تأويلية تقديرية دون أن نعزل الإنسان كصانع للتأريخ بوجوده ولوجوده، بل أن الإنسان وحياته ووجوده وتطوره هو روح التأريخ وإلا لماذا كل هذا الأهتمام بالتأريخ من قبله؟ والإصرار على التوغل في الماضي للبحث عنه، وبعيدا عن تأريخنا نحن بني الإنسان وعند محاولتنا للكشف عنا وعن أنفسنا نجد تلك المعادلات الوجودية التي مثلت الحياة الأجتماعية القديمة هي ذاتها اليوم من تتحكم بنا، فما زالت الأنا الفردية والجماعية ومقدار ما تملك من قوة وبقدر ما أثرت عليها المعرفة والعلوم والأخلاق وقوانين الأقتصاد والفلسفة من تهذيب، هي المحرك الأول لصنع تأريخنا الحاضر، لا أحد ينكر اننا ننطلق دوما من شعورنا بأننا في الوجود نتزاحم نتصارع نعمل معا نشترك في أشياء ونفترق في أخرى، لكن في النتيجة كلها أننا نعمل أستجابة وإرضاء للأنا، بمعنى أدق ما زلنا ننشطر كمجموعات من أجل تحقيق حاجات نفسية بتبريرات وأعذار مختلفة لكن مضمرها الكامن في جوهرها هو الأستجابة لرغبات الأنا.
حتى الدين والعلم والأخلاق والفلسفة لا يمكنها أن تفعل دون الشعور بالإنتماء للأنا التي تجد في تلك المسميات ملاذ لها، ولولا أختلافات الأنا وتبدلات وتغيرات الميل فيها لم نجد مثلا إلا دين واحد ومعرفة واحدة وأخلاق موحدة، ولو أفترضنا على سبيل المثال أن الأنا تعمل بشكل موحد وقياسي ونمطي متماثل لأجل أن تبقى فقط أو كما يقول البعض (أن فرصة البقاء فقط للأصلح)، لكان الحياة سارت على نموذج واحد نموذج طوباوي مثالي جامد، لم يشهد تلك التحولات ولم تحدث الصراعات والحروب والنزاعات بين الإنسان والإنسان، ولكان التاريخ صورة واحدة قياسية بقانون ثابت ويسير على خط مستقيم ببطء شديد في محاولته ان لا يخرق فكرة كون الأنا البشرية لا تتمرد ولا تتضخم خارج الأحسنية تلك.
هذه هي قصة التأريخ من حيث بدا من حيث تحركت الأنا لتستكشف وجودها وتمارس سلطتها على الإنسان الأول، فلا تأريخ بدون إنسان ولا إنسان بدون أنا بشكل ما، بدأ الصراع في التأريخ أولا بين الأنا والوجود ثم بين الأنا والمقابل، ثم بين أستحقاقات الأستجابة ونتائج الفعل، فظهر الصراع الإنساني الأول منسوبا لما حققته الأنا في وجودها من ثروة (نساء وملكية وسطوة) لتتفرع كل مظهرية بصراع خاص، وجد الصراع الطبقي بين القوي السيد وبين الضعيف العبد، بين القوي المالك وبين القن وعبد الأرض، بين الرجل والمرأة وصراع الرغبات وحب النرجسية لديهما، فكل تطورات الصراع الإنساني تجد مفاعلاته في كونية الإنسان الخاضع لقوة الأنا حتى جاء دور العقل لاحقا ليلطف من هذه الصراعات مرة وليتفنن في مرات أخرى لتغيير قواعد الصراع بما يضمن تفوق الأنا بشكل مختار أو حتى بدون وعي، الإنسان الذي صنع قصة التأريخ ليس ذلك الإنسان البسيط الضعيف الذي لا يريد سوى ضمان بقاءه حيا، قصة التأريخ هي قصص الأقوياء فقط.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرآن ومقهومه للتاريخ
- الفرق بين تاريخ الانسان وتاريخ الموجودات الاخرى
- المعيارية في دراسة التاريخ
- في إشكالية التاريخ المتفق والمختلف عليه
- بائع مجنون ومشتري عاقل
- صورة الموجود الكلي في الوجود التفصيلي
- هل يحتاج مفهوم الوجود إلى التعريف
- القصدية الدلالية للنص الديني بين أهل العلم وأهل التصور
- لماذا؟ ومن قتل عليا في المحراب؟
- الخلاصة في وجود الله بالوجود
- الوجود بين الظاهر والصورة
- الحرية على طبق من ذهب
- ... أمارات تحت سقف الله
- مثقفون ولعبة الثقافة
- مقدمة في التربية الأولية وعلاقتها بالنظرية الأجتماعية العامة
- في الديمقراطية التوافقية ماهية الإشكالية وجوهر المشكلة
- وحدة الخالق ووحدة المخلوق ح2
- وحدة الخالق ووحدة المخلوق ح3
- وحدة الخالق ووحدة المخلوق ح1
- مسار تصحيح العلاقة التاريخية الوجودية بين الإنسان وربه


المزيد.....




- رأي.. فريد زكريا يكتب: كيف ظهرت الفوضى بالجامعات الأمريكية ف ...
- السعودية.. أمطار غزيرة سيول تقطع الشوارع وتجرف المركبات (فيد ...
- الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس يخضع لعملية جراحي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابطين وإصابة اثنين آخرين في كمين ...
- شماتة بحلفاء كييف؟ روسيا تقيم معرضًا لمعدات عسكرية غربية است ...
- مع اشتداد حملة مقاطعة إسرائيل.. كنتاكي تغلق 108 فروع في مالي ...
- الأعاصير في أوكلاهوما تخلف دمارًا واسعًا وقتيلين وتحذيرات من ...
- محتجون ضد حرب غزة يعطلون عمل جامعة في باريس والشرطة تتدخل
- طلاب تونس يساندون دعم طلاب العالم لغزة
- طلاب غزة يتضامنون مع نظرائهم الأمريكيين


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - من قوة السيكولوجيا الفطرية إلى قوة السيكولوجيا الموجهة التاريخ يصنع الانسان وجودا