أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 5















المزيد.....

سيرَة حارَة 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4261 - 2013 / 10 / 31 - 00:51
المحور: الادب والفن
    



1
كرد الشام، كما هو معروف، كان بينهم ملاكين كبار أيام زمان، استحوذوا اقطاعات كبيرة في ريف دمشق وحوران والجولان؛ بل وحتى في الجليل نفسها. ففي عشية نكبة فلسطين، كان ورثة عبد الرحمن باشا اليوسف الزركلي يملكون حوالي 300 ألف دونم من أراضي الجليل الخصبة....
حسين بك الايبش ( وكان متزوجاً من ابنة عبد الرحمن باشا )، كانت أملاكه تشمل مناطق واسعة في شرق الريف الدمشقي، بما فيها بلدات مثل " الهيجانة " و "البيطارية ". في هذه الأخيرة، كان يوجد قصر ريفي، صيفي، خاص بإقامة هذا االبك الكرديّ. عمّي الأكبر، " موسى "، عمل وكيلاً للبك لفترة طويلة من الزمن، وكان يقيم معه في ذلك القصر, على ذلك، فحينما كانت والدتي تتباهى بوجاهة أبيها، فإن ابنة عمي كانت تردّ عليها بالقول: " والدي كان زعيم سبعة بلدان "....!
من ناحيته، كان أبي يرافق أحياناً شقيقه الكبير إلى مكان عمله في بلدة " البيطارية "، فيمكث هناك فترة تطول أو تقصر بحسب الموسم. وقد ذكر لنا ذات مرة طرفة، من أيام فتوته تلك. إذ حضر وفد من البلدة إلى قصر المالك العتيد، طالباً رؤيته في موضوع يخص الأهالي. ويبدو أنهم جعلوا أحد الزجّالين ناطقاً باسمهم قدّام حسين بك. هذا الأخير، كان مشغولاً عندئذٍ. فأطل من نافذة قصره طالباً منهم الانتظار، فما كان من ذلك الشاعر سوى مخاطبته ارتجالاً:
" حسين بك، حسين بك
طلّ علينا من الشبّيك
أنت الثور ونحنا الذباب حواليك
ان رحت هيك ولّا هيك
رحنا دعس بين رجليك! "..
2
" الزعيم "؛ هو صفة مختار الحيّ الدمشقي في زمن العثمانيين. ثمّ صارت تطلق لدينا في الحيّ ( ركن الدين ) على أشخاص يتميزون بالطول الفارع والطرافة. في طفولتنا، كان للحارة زعيمها ذو المواصفات المذكورة آنفاً. علاوة على ذلك، كان شخصاً ودوداً، طيباً وكريماً....
في أعراس الحارة، كانت العادة أن يكلّف رجلٌ بالجلوس أمام الباب، لمنع الأولاد من الدخول مع أمهاتهن للحفل، إلا إذا كانوا جدّ صغار ومن الصعب تركهم في البيت. " الزعيم "، كان غالباً هو من يقوم بهذه المهمة. عندما تهمّ النساء بولوج المنزل، المقام فيه الفرح، فإن صاحبنا كان يتشدّد بالنسبة لأولادهن ولا يأبه بتوسلاتهن. بعد قليل، تظهر المرأة المعنية مع إحدى نساء الدار لكي تتوسط لابنها في الدخول للعرس، ولكن عبثاً: " أنا مؤتمن على ناموس الجماعة "، كان يردد في هذه الحالة دونما أن يأبه حتى برجاء " الجماعة " نفسها....!
كان " الزعيم " لا يكاد يفارق صديقه " أبو مطانيوس "، صاحب محل بيع الخمرة في زقاق وانلي الثالث؛ فكان يساعده في البيع بهمّة وأريحية، علاوة على تسليته خلال ساعات الليل الطويلة. ولكن، حدثَ أن تعكّرت علاقة زعيمنا بصديقه، فما لبث أن فتح بنفسه محلاً مماثلاً وكأنما كيداً به. وبما أن رخصة بيع الخمور لا تعطى سوى للنصارى، فإنه لم يحتَج لأكثر من فتح كوة من جدار غرفة بمنزله المطل على الشارع. ذات ليلة، توجهّت إلى ذاك " المحل "، بما أن " ابو مطانيوس " لم يكن يسهر كثيراً. حينما عدت محملاً بزجاجة عرق إلى أصدقاء السهرة، فإنهم نبهوني إلى أنها مفتوحة وفيها نقص بمحتوياتها. رجعت مجدداً لزعيمنا، فقام باستبدالها فوراً بعدما قال لي معتذراً: " بابا..! أنا أحياناً لا أنتبه، فأقوم بفتح الزجاجة واشرب منها ثم أعيدها لمكانها على الرف! "..

3
" قربينه "؛ كان أحد أقاربنا. إنّ لقبه هذا، كان يكفي للحكم على هيئته، غيابياً. إلا أنه على الرغم من كونه من جيل أكبر بكثير من جيلنا، فقد اعتدنا على صحبته وأحاديثه الشيقة. ذات مرة، وكنا نتحلق حول بحرة منزل ابن العم الأكبر، بدأ " قربينه " يحدثنا عن مغامراته في القاهرة؛ وخصوصاً عن غرامياته في " شارع محمد علي ". ما أن حضر شقيقي الكبير ( وكان صديقه المقرّب )، حتى سكت ثمّ غير الحديث. ولكنني ألححت عليه بمواصلة حكاية المغامرة المصرية، فتلعثم متجاهلاً طلبي. عندئذ، قال له شقيقنا ساخراً: " لم يخبرني " صلاح " أنك كنت معه في مصر؟ ". هكذا علمنا أن " قربينه " المسكين، ذا الخيال الخصب، كان يتقمّص شخصَ ابن خالتنا الكبرى....!
" عُمَرو "، الشقيق الكبير لقريبنا ذاك، كان أكثر بلادة وأقل خيالاً. على ذلك، لم يكن مرحباً به في سهرات الأقارب، المعتادين على التجمع حول جهاز التلفزيون. خال الأم، كان يمحض " عمرو " كراهية شديدة ولا يطيق مجرد رؤيته؛ فما بالك بحضوره للسهرة لديه بالمنزل. في احدى الأمسيات، وكعادته، تمدد القريب الثقيل الدم مستنداً برأسه على ركبة امرأته فيما هو يتابع برنامج التلفزيون. ما هي إلا وهلة حتى تحرّكت مؤخرة " عمرو "، باتجاه خالنا ذي الخلق الضيّق والناري، مسترسلة بصبّ حممها ذات الهدير المدوي " طرررر ".. " طرررررررر ". عند ذلك، ما كان من الخال سوى رفس " عمرو " في مؤخرته، صائحاً به في غضب: " قم وانقلع من بيتي، لعنة الله عليك وعلى هذه التربية

4
في طفولتنا، اشتهر العديد من قبضايات الحارة. ففي الزقاق المجاور، " آل رشي "، على سبيل المثال، كان ثمة أصدقاء ثلاثة ممن ترسّخت أسماؤهم في الذاكرة: " عنتر الأعور "، " علي البطل " و " ابن حيدو ". هؤلاء الشباب، كانت أعمارهم متقاربة، وقد دأبوا على اشعال المعارك في مركز المدينة ولأتفه الأسباب؛ طالما أن الطبع الكرديّ، الناريّ، كان متأصلاً في عروقهم....!
في أحد الأيام، وكعادتهم، تواجد أولئك الأصحاب في " ساحة المرجة ". وقد بقيت هذه الساحة ذات اسم مشبوه إلى زمننا الحاضر، بسبب كونها محاذية لمنطقة " البحصة "، التي كانت ذاخرة آنذاك بالخمارات والمقامر وبيوت المتعة. وإذاً، كان " عنتر الأعور " متلهياً هناك في شأن من شؤونه، حينما فوجيء بصديقيه وهما يتراجعان قدّام شخص يبدو أنه بدأ يهاجمهم بآلة حادة. وبما أن صاحبنا أعور، فإنه لم ينتبه إلى أن ذلك المهاجم كان يحمل بيده شنتيانة ( السيف الرفيع كالسلك ) ويلوّح بها في وجوه أصدقائه الذين شرعوا الآن بالفرار من وجهه. عند ذلك، ما كان من " عنتر " إلا الانطلاق كالسهم نحو المعتدي وبيده موس الكبّاس، ثم انقض عليه وهو يصيح: " عُودْ لا.. لكْ عُوووود! ". الآخر، وكان قد بوغت بهذه الحركة الطائشة، اعتقد ان صاحبها مجنون لا يبالي بالموت؛ فما كان منه سوى التراجع بدَوره ثم الركون للفرار. عاد الصديقان إلى " فتحي الأعور "، لهننئه بالسلامة ولكي يعاتباه على تهوّره. فما أن علم هذا بأن ذاك الخصم كان مسلّحاً بالشنتيانة، حتى قال لهما وقد جحظت عينه السليمة من الدهشة: " ولماذا لم تنبهاني بالأمر، إذاً، وقد كاد ابن الحرام أن يطيّر رأسي بسلاحه؟! "..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد
- سيرَة حارَة
- جريمة تحت ظلال النخيل
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة
- جريمة في منزل الضجر
- في عام 13 للميلاد
- جريمة على الطريق العام
- حكاية من - كليلة ودمنة - 8
- حكاية من كليلة ودمنة 7
- حكاية من - كليلة ودمنة - 6
- حكاية من - كليلة ودمنة - 5
- حكاية من - كليلة ودمنة - 4


المزيد.....




- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 70 مترجمة باللغة العربية بجودة HD ...
- السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي
- موسكو تشهد العرض الأول للنسخة السينمائية من أوبرا -عايدة- لج ...
- المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
- تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 5