مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1947 - 2007 / 6 / 15 - 13:44
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
بداية لم يستنكر سعد بن عبادة وهو مَنْ هو ، أن يجد رجلاً مع امرأته بل ناقش الآية باعتبار أن ذلك أمر جائز الورود ثم إنّ هلال بن أمية من أعيان الصحابة ومن أغنياء الأنصار وفي الخبر أنه كان عائداً من أرضه ( حيطانه وكرومه وبساتينه ونخيله ...إلخ) .
ومع ذلك كانت تخونه زوجته الأمر الذي يدلّ على انتشار تلك الظاهرة في عوالي المجتمع اليثربي وأسافله ويفسّر لنا لماذا كانت الشابة حديثة السن تفعل ذلك لأنها كانت ترى بعينيها أمها وزوجات أبيها وعماتها وخالاتها يفعلن ذلك ... ونعود إلى سياق الخبر الذي انتهى بعبارة ( فكره رسول الله – ص – ما جاء به ، أي هلال واشتدّ عليه ) ووجه الشدّة على محمد أنه يعلم أن هلالاً صادق فيما حدّث به وأن المرأة خؤون ولكن يرى ابن أمية خالياً من البينة أو الشهود الأربعة ... ومعنى ذلك جلده ثمانبن جلدة ( على ظهره ) وتُخرج له زوجته وشريكها لسانيهما شماتة !!!
وهي صورة مأساوية ومن هنا كما ورد في الحديث ( اشتدّ على محمد ) .
ولكن كما رأينا فيما سلف عندما تتأزم المشكلات ويقع كبراء الصحابة في ورطة يسعفهم محمد بالحل بأن يتلو عليهم آيات من القرآن تأتي بالفرج بعد الشدّة والسعة بعد الضيق إذ بعد قليل تلا عليهم آيات الملاعنة أو اللعان وهي السادسة و السابعة والثامنة والتاسعة من سورة النور .
ولم تكن زوجة هي الوحيدة في ذلك بل لأنّ الظاهرة منتشرة فاننا نقرأ عن زوجات أخريات لاعنهن أزواجهن وسبق أن قرأنا خبر عذراء بلعجلان المتلاعنة :
-( هناك أنصاري آخر هو عويمر بن أبيض العجلاني دخل بيته فوجد رجلاً ممتطياً زوجته فرفع الأمر إلى محمد ، وتلاعنا أمامه (104) .
-( قال الحافظ بن حجر : إختلف الأئمة في هذه المواضع فمنهم من رجّحَ أنها ( آيات اللعان ) نزلت في شأن عويمر ( صاحب الخبر الأخير ) ومنهم من رجّح أنها نزلت في شأن هلال ( صاحب الخبر الأول ) ومنهم من يجمع بينهما )(105) .
وسواء كانت آيات اللعان نزلت في شأن هلال أو في شأن عويمر فالذي لا شك فيه أن زوجَتَيْهما قد زنتا وخانتاهما لأن بقية الخبرين : أن الولدين جاءا أشبه بالزانيين ، والزوجتان صحابيتان بل إن إحداهما وهي زوجة هلال خاطبت محمداً في واقعة سابقة وخاطبها .
وخبر زناء الصحابيتين زوجتي الصحابيين هلال وهو من المشهورين وعويمر ، لا يخلو منهما كتاب من كتب التفسير ولا مؤلف في الفقه على جميع المذاهب لأنّ هاتين الواقعتين كانتا السبب في تشريع اللعان والملاعنة بين الزوجين فكتب التفسير تتحدث عن اللعان عند تفسير آياته وكُتب أسباب النزول تورد المناسبتين ، وكُتب الفقه عند شرح اللعان وشروطه وموجباته وآثاره (106) ، والذي دفع الصحابيتين زوجتي الصحابيين هلال وعويمر إلى الزنا معروف ومنتشر بين بين طبقات ذلك المجتمع كافة ، إذ لم تكن الخيانة بدافع الحاجة إذ لم يؤثر عن هلال أو عويمر الفاقة والعوز ، بل العكس هو الصحيح فقد ذكرنا أن هلالاً كان صاحب بساتين وأن عشية واقعة الخيانة كان راجعاً من حيطانه – ولا بسبب الانتقام من الزوجين لأنهما كانا يخادنان غيرهما من النسوان ، أمّا إذا كان ذلك بدافع المتعة ومتعة التماس بالذكر كانت طاغية على الإناث في ذلك المجتمع فقد كان هلال بن أمية كما وصفته زوجته لمحمد عند تخلفه دون عذر في غزوة تبوك بقولها ( إنه والله ما به حركة إلى شيء ) (107) عندما طلب منها محمد ألا يقترب منها ، وتلك العبارة كناية عن عجز زوجها المطلق عن المجامعة أو بتعبير صحابية أخرى : ( إن ما معه مثل هدبة الثوب !) .
ذلك أن هلال بن أمية من الثلاثة الذين خُلّفوا عن محمد في غزوة تبوك فأمر تابعيه المسلمين باعتزالهم حتى زوجاتهم ولا شك أن محمداً كان يدرك أهمية اعتزال المخلّفين عن زوجاتهم ومدى وقع ذلك عليهم وتأثيره في نفوسهم لأنه سيحرمهم من الطقس اليومي الذي دأب أفراد ذاك المجتمع على ممارسته ذكوراً وإناثاً حتى ولو بطريقة غير مشروعة بل لو أدى إلى أن تفقد الفتاة بكارتها !!!
فجاءت زوج هلال بعد أمر الاعتزال إلى محمد تستأذنه في خدمة (=هلال) لأنه شيخ كبير لا يقدر على خدمة نفسه فأذِن لها بالخدمة بشرط عدم الملامسة فردت على محمد بتلك العبارة .... إذ كان من البديهي أن تبحث تلك الزوجة عن الشاب الفتي العفيّ الذي كله حركة وشدّة ليروي ظمأها ويعوضها عن حرمانها وعن هرم زوجها .
أما الصحابي الآخر الذي خانته زوجته : عويمر بن أبيض العجلاني فكما وصفه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما ( مصفراً قليل اللحم ) كناية عن الضعف والمرض فكيف لا تبحث زوجه عن شاب جلد قوي صحيح يشبعها ويرضيها . هذا هو الدافع الباعث للصحابيتين زوجتي هلال وعويمر لخيانة الزوجين وهو ذاته المسيطر على أفراد ذلك المجتمع .
وفي الحالتين جاء المولود شبيهاً بالشريك الخدين أو الخليل وهو ما يقطع بزناء الزوجتين . ومن طريف ما يذكر أن هذا الشريك في الحالتين هو الصحابي شريك بن سحماء وهو رجل مكتمل الرجولة ، ظاهر الفحولة فقد شهد مع أبيه عركة أحد (108) التي وقعت في السنة الثانية والملاعنة في التاسعة ، أي خلال هذه السنوات السبع اكتملت رجولته وتنامت فحولته وأوردت الأخبار نقطة هامة وهي أنّه بلوى من بلىّ ولكنه كان حليفاً للأنصار (109و110) أي يعرف أحوالهم ومداخلهم ومخارجهم وعلى خلطة تامة بهم وظروف نسوانهم ومن الذي زوجها شيخ ليس به حركة للمفاخذة ومن الذي زوجها مصفر قليل اللحم أي ضعيف مريض لا طاقة لديه للمباطنة .... من أجل هذا تلاقت رغبته مع رغبتيهما لأنّ الدافع لديهم جميعاً وهم أبناء وبنات المجتمع اليثربي عارم ومتوقد .
( من كتاب مجتمع يثرب بين الرجل والمرأة في العهدين المحمدي والخليفي – الكاتب خليل عبد الكريم – سينا للنشر القاهره .)
يتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبع
104- أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ومالك في الموطأ في كتاب الطلاق بروايتين وابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة عويمر المجلد الثالث ص1226 مصدر سابق . وعزالدين بن الأثير في أسد الغابة في ترجمة عويمر أيضاً المجلد الرابع ص 317 مصدر سابق ، وذكره السيوطي في جمع الجوامع الجزء 3 العدد 10 مصدر سابق .
105 – كتاب أسباب النزول للسيوطي ص 123 الطبعة الأولى 1382 هـ كتاب التحرير بمصر .
106- انظر على سبيل المثال في كتب الفقه : المغنى ابن قدامة المجلد التاسع من ص 30 حتى ص 88 الطبعة الأولى 1416 هـ 1995م دار الغد العربي بمصر .
107- تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن القرطبي ص 3124 طبعة كتاب الشعب بمصر .
109 – نفس المصدر ونفس الصفحة .
110 – أسد الغابة عز الدين الأثير المجلد الثاني ص 522 .
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟