أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أحمد سليمان - الأكراد في سورية: بين التاريخ، المواطنة، والحقوق السياسية: تحقيق قانوني/حقوقي















المزيد.....

الأكراد في سورية: بين التاريخ، المواطنة، والحقوق السياسية: تحقيق قانوني/حقوقي


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8573 - 2025 / 12 / 31 - 00:01
المحور: المجتمع المدني
    


يُعدّ النقاش حول الوجود الكردي في سورية من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا، نظرًا لتداخله مع التاريخ الحديث للدولة السورية، ومع تحوّلات سياسية وعسكرية عميقة شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة. وقد أدّى هذا التداخل، في كثير من الأحيان، إلى خلطٍ بين الوقائع التاريخية، والمفاهيم القانونية، والمواقف السياسية، بما أضعف النقاش العام وأخرجه من إطاره العقلاني.
يهدف هذا التحقيق إلى تفكيك هذه الإشكالية من منظور قانوني وحقوقي، عبر التمييز الواضح بين التاريخ بوصفه سجلًا للوقائع، والمواطنة بوصفها رابطة قانونية متساوية، والحقوق السياسية بوصفها مجالًا مشروعًا للنقاش ضمن الدولة السورية الواحدة

أولًا: البعد التاريخي – ما الذي يمكن اعتباره ثابتًا؟

تشير المراجع التاريخية إلى أن الوجود الكردي في سورية ليس حالة واحدة ولا زمنًا واحدًا.
*فمن جهة، سُجّل وجود كردي قديم ومحدود في مدن مثل دمشق وحلب، ارتبط بأحياء سكنية وشخصيات سياسية وعسكرية معروفة في مراحل مختلفة من التاريخ الإسلامي والوسيط.
*ومن جهة أخرى، شهدت مناطق شمال وشمال شرق سورية، ولا سيما الجزيرة السورية، هجرات كردية واسعة خلال الربع الأول من القرن العشرين، على خلفية التحولات السياسية في الدولة العثمانية ثم الجمهورية التركية، وخاصة بعد أحداث عام 1925.

وقد انعكست هذه التحولات في وثائق رسمية ومذكّرات لمسؤولين سوريين في فترة الانتداب الفرنسي، من بينها مذكّرات محمد كرد علي، التي عبّرت عن هواجس إدارية وسياسية مرتبطة بإدارة الحدود والتنوّع السكاني. غير أن هذه الوثائق تعبّر عن سياقها الزمني والسياسي، ولا يمكن التعامل معها بوصفها أحكامًا نهائية صالحة لكل الأزمنة.
الوجود الكردي في سورية حقيقة تاريخية ثابتة، لكنه متعدّد السياقات، ولا يمكن توظيفه لتبرير نفيٍ مطلق أو ادّعاء أسبقية شاملة.

ثانيًا: المواطنة – المعيار القانوني الحاسم

في القانون الدستوري الحديث، تُعدّ المواطنة رابطة قانونية تقوم على الجنسية والمساواة أمام القانون، لا على الأصل العرقي أو القومي. وبناءً على ذلك، فإن الأكراد في سورية:
*يحملون الجنسية السورية،
*ويتمتعون – من حيث المبدأ – بالحقوق والواجبات ذاتها التي يتمتع بها سائر المواطنين السوريين.
إن مصطلحات مثل «سوري بالأصالة» أو «سوري بالمواطنة فقط» لا أساس لها في القانون السوري أو في القانون الدولي، وتمثل تعبيرات سياسية أو خطابية تُستخدم خارج الإطار القانوني، وقد تؤدي إلى تكريس تمييز غير مشروع بين المواطنين.
خلاصة قانونية
المواطنة في سورية واحدة وغير قابلة للتجزئة، ولا يجوز ربطها بالانتماء القومي أو الخلفية التاريخية.

ثالثًا: الحقوق السياسية – بين المشروع وغير المشروع

يفرض المنهج الحقوقي التمييز بين الحقوق السياسية المشروعة من جهة، والممارسات المخالفة للقانون من جهة أخرى.
حقوق مشروعة؛
* المشاركة في الحياة السياسية.
* التعبير الثقافي واللغوي.
* التنظيم السياسي والحزبي السلمي.
* المساهمة في تطوير الشؤون الخدمية والتنموية محليًا، ضمن أطر قانونية وإدارية واضحة، وبما يعزّز وحدة الدولة المركزية وسيادتها الكاملة
.
ممارسات مرفوضة قانونيًا:

*الانفصال الأحادي خارج الأطر الدستورية.
*فرض وقائع سياسية أو إدارية بالقوة المسلحة.
*السيطرة على أراضٍ أو موارد سيادية خارج سلطة الدولة.
*ربط الحقوق القومية باحتكار الثروات الوطنية.

يحمي القانون الدولي حقوق الأقليات، لكنه في الوقت ذاته يؤكد على سيادة الدول ووحدة أراضيها، ولا يمنح حق الانفصال إلا في حالات استثنائية محدودة لا تنطبق، من الناحية القانونية، على الحالة السورية.

رابعًا: الخلط بين الحقوق والمشاريع السياسية

من أبرز الإشكاليات في النقاش السوري المعاصر الخلط بين:
*الأكراد كمكوّن وطني سوري،
*وبين قوى سياسية أو عسكرية تدّعي تمثيلهم أو تفرض نفسها أمرًا واقعًا.
هذا الخلط يضعف السلم الأهلي، ويحوّل الخلاف السياسي إلى صراع هوياتي، ويقوّض أي إمكانية لبناء عقد اجتماعي قائم على المواطنة المتساوية. المساءلة السياسية مشروعة، لكن التعميم والإقصاء يقودان إلى نتائج عكسية تمسّ وحدة المجتمع والدولة.

خلاصات واستحقاقات قانونية:
لا يمكن مقاربة القضية الكردية في سورية عبر سجالات الأصل أو عبر استدعاء انتقائي للتاريخ، بل من خلال الاحتكام إلى مبادئ الدولة الحديثة القائمة على سيادة القانون، ووحدة الإقليم، والمواطنة المتساوية. فالتاريخ يفسّر الوقائع ولا يُنشئ حقوقًا سياسية بذاته، كما أن الانتماء القومي، بوصفه معطًى ثقافيًا واجتماعيًا، لا يجوز أن يعلو على الانتماء الوطني الذي يحدّده القانون إطارًا جامعًا لجميع السوريين ضمن دولة واحدة.
إن الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية للأكراد، باعتبارهم مواطنين سوريين متساوين مع سائر المكوّنات، لا يمثّل تهديدًا لوحدة البلاد، بل يشكّل أحد الشروط الأساسية لصونها. فتعزيز المشاركة السياسية وضمان حرية التعبير الثقافي يستندان إلى أسس قانونية واضحة، ويؤديان عمليًا إلى ترسيخ دولة عادلة تقوم على مرتكزات دستورية وديمقراطية.
ويُظهر هذا التحقيق أن الإشكال لا يكمن في المطالب الحقوقية ذاتها، بل في تحويلها إلى مشاريع أمر واقع تُفرض بالقوة المسلحة، أو تُربط بالتحكم بالموارد السيادية، أو تُقدَّم بوصفها تمثيلًا حصريًا لمكوّن وطني كامل. فهذا الانتقال من منطق الحقوق إلى منطق الهيمنة يخرج عن الإطار القانوني، ويقوّض مبدأ المواطنة المتساوية، ويفتح الباب أمام صراعات داخلية ممتدة.
وتقتضي المعالجة السليمة للقضية الكردية في سورية فصلًا واضحًا بين المكوّن الاجتماعي من جهة، والقوى السياسية أو العسكرية التي تدّعي تمثيله من جهة أخرى، كما تستدعي إدماج هذا الملف ضمن مشروع وطني شامل لإعادة بناء الدولة على أسس دستورية جديدة تضمن لامركزية منضبطة، وتكافؤ الفرص، والمساءلة، وسيادة القانون.
وعليه، فإن تحقيق سلام أهلي مستدام في سورية يستلزم مقاربة قانونية وحقوقية رصينة، منسجمة مع الدستور، تحمي الحقوق، وتحصّن السيادة، وتفكّك الالتباس المفتعل حول الانتماء الوطني، بعيدًا عن أوهام الإقصاء التي يروّج لها بعض الفاعلين السياسيين رغم غيابها عن الواقع الشعبي والدستوري. فالدولة الجامعة لا تُبنى بمنح امتيازات خاصة لمكوّن دون غيره، ولا بإنكار الحقوق، ولا بتفكيك الكيان، بل عبر تحقيق توازن دقيق بين وحدة الدولة وضمان الحقوق، وهو التحدي الحقيقي المطروح أمام السوريين اليوم.

المراجع:
1-محمد كرد علي، المذكّرات، الجزء الثاني، دمشق.
2-خير الدين الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين.
3-فيليب خوري، سورية والانتداب الفرنسي، ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
Jordi Tejel, Syria’s Kurds: History, Politics and Society, Routledge-4.
5-الدستور السوري (1973 – 2012).
6-العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الأمم المتحدة.
7-إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية أو دينية أو لغوية، الأمم المتحدة (1992).
8-Antonio Cassese, Self-Determination of Peoples, Cambridge University Press.



* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجنود الفارّون إلى لبنان: تهديد للسلم الأهلي واختبار للمسؤو ...
- أطفال بلا معيل… ووصاية بلا إحصاء: فجوة قانونية تهدد مستقبل س ...
- بيان وزارة الإعلام وتصنيف الضحايا: هل تنزلق الدولة نحو فرزٍ ...
- نداء قانوني إلى الادعاء العام بشأن تصريحات عنصرية صادرة من م ...
- قاسيون واختبار العدالة المكانية في دمشق
- نشأة مشبوهة تختبئ خلف المظلوميّات: كيف تُصنّع قسد صدامها مع ...
- الجولان ليس بورصة لأسواق ترامب… والأمم المتحدة مطالَبة بحماي ...
- من المسؤول عن سرقة مركز الوثائق التاريخية في قصر العظم بدمشق ...
- عام على السقوط… ولا تزال الإعدامات الأسدية قائمة: من يعطّل ق ...
- الاحتلال الأجنبي للجزيرة السورية: تشريع الأمر الواقع ومخاطره ...
- إقصاء الأم وشرعنة الابتزاز: إشكالية قانونية غير إنسانية في ا ...
- وداعاً لقانون قيصر المشؤوم.. إلغاء غير مشروط وسوريا تطوي صفح ...
- الحقيقة المجتزأة في «ملفّ دمشق» فصل جديد من وثائق التعذيب وا ...
- مكابس الموت… قراءة متأمّلة ودعوة للتهدئة
- توم باراك بين بغداد ودمشق… هندسة صراع أم صفقة سلام؟
- إسرائيل تتوغل مرارًا في الأراضي السورية وتستهدف المدنيين
- يجب مقاضاة إيران أولاً… ثم نتحدث عن الديون المزعومة
- شيفرة السياسة الخارجية تجاه سوريا : تداخل الملفات، أدوار الل ...
- إقالة مُلتبسة... شخصنة القرار وسوء الإدارة في اتحاد الكتّاب
- جلسة مغلقة بين الشرع وترامب: انسحاب إسرائيلي، تنمية مشروطة، ...


المزيد.....




- الاستخبارات العسكرية تعلن حصيلة عمليات 2025: اعتقال أكثر من ...
- السعودية تشدد القيود على حرية التعبير وتستهدف منتقدي ارتفاع ...
- 10 دول تحذر من استمرار الوضع الإنساني -الكارثي- في غزة
- فلسطين ترحب بالبيان الأوروبي - الآسيوي حول تدهور الوضع الإنس ...
- غزة بعد الحرب.. إنهيار الصحة وانتشار الكبد الوبائي بين الناز ...
- مندوب إيران يوجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس ...
- مشاهد وشهادات تكشف كواليس محاكمة وإعدام صدام حسين
- سوريا ـ حظر تجول في اللاذقية واعتقالات أمنية عقب أعمال عنف ط ...
- تقرير حقوقي صادم: 49% من الأسرى دون تهم.. واحتجاز 9300 فلسطي ...
- دول غربية تعبر عن قلقها إزاء تدهور الوضع الإنساني في غزة.. و ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أحمد سليمان - الأكراد في سورية: بين التاريخ، المواطنة، والحقوق السياسية: تحقيق قانوني/حقوقي