أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحمد سليمان - إقصاء الأم وشرعنة الابتزاز: إشكالية قانونية غير إنسانية في التعميم رقم (17) لوزارة العدل السورية














المزيد.....

إقصاء الأم وشرعنة الابتزاز: إشكالية قانونية غير إنسانية في التعميم رقم (17) لوزارة العدل السورية


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 00:50
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


يطرح تعميم وزارة العدل رقم (17) لعام 2025 إشكالية قانونية عميقة تتجاوز الجانب الإجرائي الذي يستند إليه، لتلامس جوهر العدالة والإنسانية في التشريع السوري، ولا سيما في ما يتعلق بحقوق الطفل ودور الأم في رعايته وحمايته.

جوهر الإشكالية:
التعميم يكرّس فهمًا تقليديًا جامدًا للولاية على نفس القاصر، يقوم على حصرها بسلسلة من الأقارب الذكور (العصبات) وفق ترتيب طويل قد يصل إلى أبناء العمومة البعيدين، في حين يُستبعد دور الأم كليًا من الولاية التلقائية، حتى في حالات غياب الأب أو فقدانه أو تعذّر قيامه بواجباته.
هذا الترتيب لا يستند إلى معيار المصلحة الفضلى للطفل، بل إلى منطق القرابة الذكورية المجردة، متجاهلًا واقعًا اجتماعيًا وإنسانيًا بات سائدًا في سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب، حيث أصبحت آلاف الأمهات المعيل الوحيد والمسؤول الفعلي عن أبنائهن نتيجة الوفاة، الاعتقال، الاختفاء القسري، اللجوء، أو التفكك الأسري.

البعد الإنساني والاجتماعي:
يبدو التعميم منفصلًا عن السياق السوري الراهن، الذي شهد تفككًا واسعًا في العلاقات الزوجية والأسرية، ليس فقط لأسباب اجتماعية واقتصادية، بل أيضًا بسبب الانقسامات السياسية الحادة التي فرضتها الحرب القهرية على المجتمع، وما رافقها من اختلافات في المواقف والانتماءات، أدت في حالات كثيرة إلى قطيعة فعلية بين الأزواج دون قدرة على تسوية قانونية أو قضائية.
في هذا السياق، لا يقتصر أثر التعميم على إقصاء الأم قانونيًا، بل يفتح عمليًا الباب أمام ابتزازها. إذ يُجبرها على المرور عبر وليّ ذكوري بديل، قد يكون أخًا أو عمًا أو قريبًا بعيدًا، لا تربطه بالطفل علاقة رعاية حقيقية، وإنما تمنحه النصوص سلطة قانونية على قرارات مصيرية تتعلق بالسفر، أو العلاج، أو التعليم، أو حتى الإجراءات الإدارية اليومية.
علاقة قوة غير متكافئة:
هذا الوضع يخلق علاقة قوة غير متكافئة، تُستخدم أحيانًا للضغط المادي، أو لفرض شروط اجتماعية أو سياسية، أو لمقايضة حق الطفل في التنقل أو الأمان بتنازلات لا علاقة لها بمصلحته. والأخطر أن هذا الابتزاز لا يجري خارج إطار القانون، بل يستند إليه، ما يحوّل النص القانوني من أداة حماية إلى أداة هيمنة.

البعد الحقوقي الدولي:
حقوقيًا، يتعارض هذا التوجه مع المبادئ العامة للعدالة، ومع جوهر فلسفة الولاية بوصفها مسؤولية رعاية لا امتيازًا ذكوريًا، كما يتناقض مع الالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، والتي تؤكد على عدم التمييز، وعلى أولوية المصلحة الفضلى للقاصر، وعلى ضرورة النظر إلى الواقع الفعلي للرعاية لا إلى الشكل المجرد للقرابة.

التجربة اللبنانية: مرآة قريبة للسياق السوري
لا يمكن إغفال التشابه مع التجربة اللبنانية، حيث عانى لبنان أيضًا من حرب مدمرة تركت آثارًا عميقة على الأسرة، وأدت إلى غياب أو فقدان آلاف الآباء. في هذا السياق، واجهت الأمهات اللبنانيات إشكاليات مشابهة تتعلق بالوصاية والولاية، إذ تخضع هذه المسائل لقوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي غالبًا ما تستبعد الأم من الولاية التلقائية، وتمنحها للأقارب الذكور وفق تسلسل قرابي جامد.
هذا الوضع خلق حالات ابتزاز مشابهة، حيث اضطرت الأمهات إلى التفاوض مع أولياء ذكور لا علاقة لهم بالرعاية الفعلية، مما أدى إلى ضغوط اجتماعية ومادية وسياسية على حساب مصلحة الطفل. ومع ذلك، شهد لبنان خلال العقدين الأخيرين نقاشات حقوقية واسعة، دفعت بعض الطوائف إلى مراجعة جزئية لدور الأم في الوصاية، وهو ما يفتح الباب أمام إمكانية إصلاح مشابه في سوريا إذا ما أُعيد النظر في فلسفة الولاية.

الرؤية المستقبلية:
إن تحويل الولاية إلى تسلسل وراثي ذكوري في بلد خرج مثقلًا بجراح الحرب والفقد والانقسام، لا يمكن اعتباره إجراءً تنظيميًا محايدًا أو تقنيًا، بل هو اختيار تشريعي إقصائي يُعيد إنتاج الظلم داخل الأسرة، ويقوّض فرص التعافي الاجتماعي، ويهدد السلم الأهلي بدل أن يحميه.
من هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى مراجعة هذا التعميم مراجعة جذرية، تُعيد الاعتبار لدور الأم، وتربط الولاية بمعايير الرعاية الفعلية والكفاءة والمسؤولية، لا بالجنس أو العصبية، وتضع الطفل في قلب النص القانوني، لا في هامشه.

وعليه، فإن إلغاء هذا القرار الصادر بتاريخ 30/03/2025 يُعدّ ضرورة قصوى، ليس فقط احترامًا للمصلحة الفضلى للطفل، بل أيضًا تكريمًا لنضال المرأة السورية طيلة سنوات الثورة وقبلها، وإقرارًا بدورها التاريخي في حماية الأسرة والمجتمع.


* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعاً لقانون قيصر المشؤوم.. إلغاء غير مشروط وسوريا تطوي صفح ...
- الحقيقة المجتزأة في «ملفّ دمشق» فصل جديد من وثائق التعذيب وا ...
- مكابس الموت… قراءة متأمّلة ودعوة للتهدئة
- توم باراك بين بغداد ودمشق… هندسة صراع أم صفقة سلام؟
- إسرائيل تتوغل مرارًا في الأراضي السورية وتستهدف المدنيين
- يجب مقاضاة إيران أولاً… ثم نتحدث عن الديون المزعومة
- شيفرة السياسة الخارجية تجاه سوريا : تداخل الملفات، أدوار الل ...
- إقالة مُلتبسة... شخصنة القرار وسوء الإدارة في اتحاد الكتّاب
- جلسة مغلقة بين الشرع وترامب: انسحاب إسرائيلي، تنمية مشروطة، ...
- إعادة تعريف اتحاد الكتّاب في سوريا: بين المهام والاستقلالية
- لماذا لم يُجفّف تمويل داعش؟ تقاطع المصالح وتشابك التحالفات ف ...
- بصدد حزب السلطة والمجرم الهارب وحكاية الشعب الزائد: هل يُعاد ...
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون إنسانياً؟ … قراءة في أطروحا ...
- حين يتحوّل الغناء إلى مرآةٍ للخراب
- الفساد لا يُكافَح بالفضائح، بل بالمحاكم
- نساء في الظل: حين يتحوّل الخطف إلى أداة تضليل
- هل المستشار الألماني ميرتس من جذور سورية؟ عن صورة المدينة، و ...
- اتحاد الكتاب العرب وإشكالية تحديثه في إطار العدالة الانتقالي ...
- لا شرعية لنشيد يُفرض خارج إرادة السوريين: النشيد الوطني يُقر ...
- السويداء بين فلول النظام والهجري وتفاهمات الدولة.. ملامح إعا ...


المزيد.....




- أين انتهى المطاف بسليل الأسرة العثمانية، وكيف يُنظر إليه في ...
- صحافي روسي يطلب الزواج من صديقته خلال المؤتمر الصحافي لبوتين ...
- محاكمة هزت ألمانيا.. رجل يُدان بتخدير واغتصاب زوجته وتصويرها ...
- عمل النساء من المنزل راحة أم عزلة؟
- الرجال أم النساء.. من يواجه صعوبة أكبر في التعافي بعد السكتة ...
- سوريا: وزارة العدل تمنع وصاية الأم على أبنائها/بناتها!
- القبض على زوج اعتدى على زوجته بآلة حادة في الفيوم
- هيفاء وهبي.. إطلالة المرأة الخارقة باللون الأحمر في كليبها ا ...
- الأمم المتحدة: مقتل 1000مدني/ة في مخيم “زمزم” على يد”الدعم ا ...
- إيران ـ تعديل قانون المهر وتجاهل قانون حماية النساء من العنف ...


المزيد.....

- الحقو ق و المساواة و تمكين النساء و الفتيات في العرا ق / نادية محمود
- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحمد سليمان - إقصاء الأم وشرعنة الابتزاز: إشكالية قانونية غير إنسانية في التعميم رقم (17) لوزارة العدل السورية