أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - ما هي فصائل الفراغ؟ تفكيك السلاح بلا مشروع في غزة














المزيد.....

ما هي فصائل الفراغ؟ تفكيك السلاح بلا مشروع في غزة


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 02:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يُفسَّر المشهد المسلّح في غزة بتكاثر الفصائل، ولا بولادة مقاومات جديدة. ما يتشكّل في الهوامش ليس فائض تنظيم، بل فائض فراغ. ظاهرة يمكن توصيفها بدقة بـ فصائل الفراغ: تشكيلات مسلّحة تنشأ حين يتراجع المشروع ولا يختفي السلاح، وحين يُدار الصراع بدل أن يُحسم. في هذا السياق، لا يعود السلاح أداة سياسة، بل سياسة بديلة، ولا تعود الفصائل تعبيرًا عن قوة، بل عن غياب مركز القرار. هنا يبدأ الفراغ بالعمل.
فصائل الفراغ ليست تنظيمات بالمعنى التقليدي، بل بُنى قتالية مؤقتة تتكوّن داخل فجوة سيادية: شرعية متآكلة، أفق مسدود، ومقاومة منزاحة من الاستراتيجية إلى ردّ الفعل. هي نتاج ثلاث طبقات متراكبة: فراغ في التمثيل، انسداد في المسار، وتحول في وظيفة السلاح. لذلك فهي لا تسعى إلى السيطرة ولا إلى الحكم، بل إلى البقاء داخل لحظة غير محسومة؛ صيغة استقرار داخل اللاقرار.
بنيويًا، تتسم هذه التشكيلات بتفكك القرار، إذ لا قيادة مركزية ولا عقل سياسي جامع، ويغدو القرار القتالي لحظيًا ومعزولًا عن أي أفق. كما تتسم بهشاشة الهوية؛ الاسم مؤقت أو غائب، والتسمية عبء أمني لا رصيدًا رمزيًا، تُستدعى عند الحاجة ثم تُمحى. أما السلاح، فبلا اقتصاد حقيقي: لا تمويل مستدام ولا خطوط إمداد مستقلة، بل اقتصاد بقاء حدّي يكفي للفعل ولا يسمح بالاستقلال. ويظل العنف محدود الوظيفة، قادرًا على الاستنزاف والإرباك دون إنتاج ردع أو فرض معادلة. كل ذلك يجري ضمن ضبط غير معلن يسمح بالبقاء ما دام الفعل لا يتحول إلى بديل ولا يهدد مركز السيطرة القائم.
تلعب الجغرافيا دورًا حاسمًا في إنتاج هذا الفراغ. ففي شرق غزة، ولا سيما الشجاعية والتفاح والزيتون وشرق جباليا، تبلغ فصائل الفراغ أقصى درجات تجريدها: سلاح بلا اسم. الضغط العسكري والاستخباري الكثيف يحوّل التسمية إلى مخاطرة، والاستمرارية إلى وهم؛ الشرق فضاء استهلاك السلاح لا بنائه. في شمال غزة، في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، تظهر التسميات بوصفها وظائف ظرفية: اسم للحدث لا للتنظيم. الضغط الإنساني والإعلامي يفرض توقيعًا مؤقتًا ثم يُلغيه؛ الشمال هو الفراغ الذي يتكلم ليصمت. أما جنوب القطاع، في خانيونس ورفح، فيبقى الأقل إنتاجًا لفصائل الفراغ بفعل الضبط الإقليمي وحساسية الحدود والمعابر؛ هنا يُمنع الفراغ قبل تشكّله بدل إدارته بعد ظهوره.
اقتصاديًا، لا تعيش فصائل الفراغ على اقتصاد حرب، بل على اقتصاد فتات الحرب: إعادة تدوير الذخائر ومخلّفات المعارك، تسريب محدود من مخازن الفصائل الكبرى دون تمكين، دعم اجتماعي عائلي أو محلي عابر، واقتصاد رمزي يقوم على تضخيم الحدث مقابل البقاء. هذا الاقتصاد لا يصنع قوة، بل يمنع الانطفاء؛ إنه اقتصاد إبقاء الصراع حيًا دون السماح له أن يكتمل.
ولا يمكن لتشكيلات بهذا القدر من الهشاشة أن تعمل خارج هامش سماح استخباري. هي ليست بالضرورة صنيعة أجهزة، لكنها بيئة مثالية للاختراق والمراقبة والتوظيف غير المباشر. إسرائيل، تحديدًا، لا تتعامل معها كعدو وجودي، بل كمتغير قابل للإدارة: يفتّت الخصم، يمنع التمركز، ويحوّل العنف إلى مصدر معلومات. في هذا الإطار، يتحول المقاتل إلى وحدة بيانات، والسلاح إلى أداة كشف، ويغدو الفراغ نفسه تقنية سيطرة صامتة.
ضمن هذا المشهد، لا يعود الفراغ نتيجة فشل طارئ، بل شرط إدارة. فملفات استراتيجية كغاز غزة لا تُدار في ظل سيادة مكتملة، بل داخل نزاع مضبوط: لا حرب تحسم، ولا سلام يفرض الحقوق، بل زمن طويل قابل للاستثمار. فصائل الفراغ هنا ليست عائقًا، بل عنصر توازن داخل اقتصاد اللاسيادة.
في الخلاصة، فصائل الفراغ ليست مقاومة بديلة ولا انهيارًا شاملًا، بل حالة بينية مستقرة: قوة بلا مشروع، سلاح بلا سيادة، وصراع بلا نهاية. خطورتها لا تكمن في ما تفعله، بل في ما تؤجّله؛ إذ تُبقي الصراع مفتوحًا، والفراغ منتجًا، والزمن مستهلكًا، إلى أن يصبح الفراغ ذاته أداة استراتيجية أكثر دوامًا من السلاح، وأعمق أثرًا من الحرب.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة بعد تسليم الرهائن: توازنات هشة ومصير غامض
- حين يختزل الإعلام الجغرافيا: هل قصفت واشنطن داعش في نيجيريا؟
- غزة بين الفراغ الأمني واقتصاد الغاز: قراءة في منطق الثروة ال ...
- قطر وفصائل الفراغ: الفوضى كسلاح إقليمي ضد الخليج
- السلطة الفلسطينية والخليج: من صراع الشرعية إلى تقاسم غزة الض ...
- مصالح الدول في حماس: من أداة توازن قبل طوفان الأقصى إلى عنصر ...
- إعادة تدوير حماس: من مشروع التصفية إلى استراتيجية الاستيعاب
- إسقاط النظام السابق في العراق: ذروة الهيمنة الأميركية… ومنح ...
- العراق بين الكاتونات الإقليمية وجزر الفراغ السيادي: في الجغر ...
- الاستراتيجية الأمريكية: نزع الولاء لإيران، لا نزع سلاح الفصا ...
- لا تحوّل استراتيجي في إيران: تكتيكات تعبويّة لا أكثر
- بريطانيا: ملاذ الإخوان وسط تباين غربي يهدد التحالف الأنجلو-أ ...
- هل بدأ ينفذ صبر اليهود الإسرائيليين في الهرم السياسي الأمريك ...
- انتفاضة التقدميين: بيرني ساندرز ونادي القتال يقودان التمرد ا ...
- نسبه المعوزين للطعام في الولايات المتحده تتخطى ١٢، ...
- إيران تستعد لليوم الأسود: الرسالة التي لا تريد تل أبيب سماعه ...
- نداء إلى الشيوعيين العراقيين..استفيقوا ..أنها مجرد كبوه
- تعافي اقتصاد إسرائيل وانكماش الاقتصاد الإيراني: مقارنة بين ق ...
- اليمين الأمريكي كوابح اليمين الإسرائيلي: الإسلام السياسي وال ...
- اقتصاد الأنقاض: كيف تعيد حماس إنتاج نفوذها من باطن رخام غزة


المزيد.....




- كوسوفو تجري انتخابات لإنهاء جمود سياسي مستمر منذ عام
- بدء التصويت في أول انتخابات تشهدها ميانمار منذ انقلاب عام 20 ...
- مستقبل -اتفاق غزة- يتصدر جدول أعمال لقاء ترامب ونتنياهو
- حادث حافلة مروّع في غواتيمالا.. والحكومة تعلن الحداد الوطني ...
- اجتماع أممي لبحث اعتراف إسرائيل بجمهورية أرض الصومال
- رياح قوية وأمطار غزيرة تقتلع وتغرق خيام نازحين بغزة
- بيان مشترك لمجموعة دول يدين اعتراف إسرائيل بـ-أرض الصومال-
- سوريا..الأمن يكشف ملابسات جريمة قتل أودت بحياة عائلة في حماة ...
- سعي إسرائيلي لنيل -ضوء أخضر- أميركي لضرب إيران و-حزب الله-
- تنسيق غربي ودعم أوروبي وكندي لزيلينسكي قبل لقائه ترامب


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - ما هي فصائل الفراغ؟ تفكيك السلاح بلا مشروع في غزة