ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 23:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تداولت وسائل إعلام عربية ودولية، خلال الساعات الماضية، أخبارًا تفيد بأن الولايات المتحدة نفذت ضربات جوية ضد «تنظيم داعش» في نيجيريا. ورغم أن الخبر صحيح في بنيته العسكرية العامة، إلا أن صياغته الشائعة تنطوي على خلل تعبيري ومعرفي يستحق التوقف عنده، ليس من باب التدقيق اللغوي، بل بسبب ما يخلقه هذا الاختزال من تشويش سياسي وأمني.
نيجيريا، من حيث الواقع التنظيمي، ليست ساحة لتنظيم داعش المركزي الذي نشأ في العراق وسوريا. ما يوجد فعليًا هو تنظيم «الدولة الإسلامية – ولاية غرب أفريقيا» (ISWAP)، وهو فصيل محلي انشق عن جماعة بوكو حرام وبايع تنظيم الدولة الإسلامية عام 2015. هذه البيعة لا تلغي الطابع المحلي للتنظيم، ولا تحوله إلى امتداد عضوي مباشر لقيادة داعش المركزية، بل تضعه ضمن شبكة ولاءات فضفاضة تقوم على الاسم والرمزية أكثر مما تقوم على القيادة الموحدة.
الإدارة الأميركية، من جهتها، تتعامل مع هذه الفصائل وفق تصنيف استخباري شامل، يعتبر أي جماعة مبايِعة لداعش جزءًا من التنظيم، بغض النظر عن خصوصياتها المحلية أو درجة ارتباطها العملياتي بالمركز. ومن هنا يأتي الاستخدام الرسمي لعبارة «داعش في نيجيريا». غير أن هذا المنطق الاستخباري، حين يُنقل حرفيًا إلى الإعلام، يتحول إلى تبسيط مخلّ.
الفرق بين «داعش» و«تنظيم مبايع لداعش» ليس تفصيلًا ثانويًا. الأول يشير إلى تنظيم عابر للحدود ذي قيادة مركزية وتجربة دولية محددة، بينما الثاني يشير إلى جماعات محلية توظف علامة داعش لتعزيز الشرعية الجهادية، أو لرفع منسوب الردع، أو للحصول على اعتراف داخل الاقتصاد العالمي للإرهاب. الخلط بين الاثنين يطمس فهم طبيعة الصراع في أفريقيا، ويحوّل المشهد من أزمة محلية معقدة إلى مجرد امتداد آلي لـ«الحرب على داعش».
الأخطر من ذلك أن هذا الاختزال يخدم سردية سياسية جاهزة: سردية «داعش في كل مكان»، التي تبرر توسيع نطاق التدخلات العسكرية، وتُبقي الحرب على الإرهاب في حالة ديمومة مفتوحة، دون الحاجة إلى مساءلة الأسباب المحلية: الفقر، تفكك الدولة، الصراعات الإثنية، وحدود ما بعد الاستعمار.
بناءً عليه، فإن الاعتراض على صيغة «ضرب داعش في نيجيريا» ليس اعتراضًا شكليًا، بل موقف تحليلي مشروع. الصياغة الأدق – سياسيًا ومعرفيًا – هي القول إن الولايات المتحدة استهدفت فصيلاً مسلحًا في نيجيريا مبايعًا لتنظيم الدولة الإسلامية، لا التنظيم ذاته بوصفه كيانًا مركزيًا.
الدقة هنا ليست ترفًا لغويًا، بل شرطًا لفهم ما يجري فعلاً، ومن دونها يتحول الإعلام من ناقل للخبر إلى شريك في إنتاج الوهم.
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟