أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الاقتصاد الرقمي وحملة الإنفاق العسكري: حين تتحوّل التكنولوجيا إلى أداة استنزاف للأطراف














المزيد.....

الاقتصاد الرقمي وحملة الإنفاق العسكري: حين تتحوّل التكنولوجيا إلى أداة استنزاف للأطراف


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 16:52
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ما تعجّ به مراكز الأبحاث البرجوازية من صراخٍ مفتعل عن “انهيارٍ وشيكٍ في علاقات الدول العظمى” وعن “حربٍ كونيةٍ على الأبواب”، ليس سوى ضجيجٍ مُوجّهٍ لتسويق دورةٍ جديدة من سباق التسلّح. فالقوى الكبرى لا تستعد للحرب كي تخوضها، بل كي تبيع استعدادها. الصراع المعلن على الشاشات هو غطاءٌ لاقتصادٍ حربيٍّ رقمي، تُدار فيه الأسواق بالتخويف، وتُدار به الأطراف بالهلع.

1. من الثورة الرقمية إلى السوق العسكرية

منذ عقدين، تداخلت الحدود بين المدني والعسكري في البنية التكنولوجية. الذكاء الاصطناعي، والروبوتات القتالية، وأنظمة القيادة الذاتية، وحرب البيانات – كلها مشاريع بدأت كابتكارات مدنية ثم استُوعبت داخل الصناعة الدفاعية.
ففي عام 2024 مثلاً، أبرمت وزارة الدفاع الأمريكية عقودًا تجاوزت 11 مليار دولار مع شركات برمجية مدنية لتطوير أنظمة “تحليل التهديدات عبر الذكاء الاصطناعي”. وفي الصين، أنشئ “التحالف المدني–العسكري للتقنيات الناشئة” الذي يدمج الجامعات وشركات الاتصالات في خدمة التحديث العسكري.
أما روسيا، فحوّلت أكثر من نصف استثماراتها في الذكاء الاصطناعي إلى برامج دفاعية مرتبطة بالتحكم الآلي في الطائرات المسيّرة.
بهذا، أصبحت التكنولوجيا — التي كانت تُعرَّف بالتنمية — ساحةً لتكريس الهيمنة.

2. الأطراف في فخّ التحديث العسكري

في المقابل، تجد دول الأطراف نفسها مضطرة للحاق بهذا السباق.
إيران تستثمر مليارات الدولارات في تطوير الذكاء الاصطناعي الدفاعي والطائرات المسيّرة، لا طموحًا في حربٍ بل دفاعًا عن “هيبةٍ تقنية”.
تركيا تُروّج لطائراتها “بيرقدار” كرمزٍ سيادي، بينما تعتمد في المكونات الإلكترونية على سلاسل توريد غربية.
مصر تبرم اتفاقات رقمية مع كوريا الجنوبية لتحديث منظومتها الدفاعية، والسعودية تنشئ مصانع للأسلحة الذكية تحت إشراف شركات أمريكية.
هكذا تتحوّل “السيادة الرقمية” إلى وهمٍ جديد: استقلالٌ ظاهري، تبعيةٌ تكنولوجية كاملة.
كل هذه الدول تنفق من مواردها الريعية على تحديث عسكري لا يحميها من شيء، لكنه يضمن استمرار دوران السوق العالمية للسلاح.

3. أيديولوجيا الخوف الرقمي

الخوف هو الوقود الأيديولوجي لهذا النظام.
الأنظمة السلطوية في الأطراف تبرّر إنفاقها الدفاعي الضخم بخطابات “الأمن القومي” و”التهديدات القادمة”، بينما تسوّق الشركات الكبرى هذا الهلع عبر الإعلام والخبراء المموّلين.
هكذا يُعاد إنتاج فكرة “الخطر الدائم” كآلية لإقناع المواطن بضرورة التضحية بالتنمية مقابل “الأمن”.
إنها نفس الميتافيزيقا القديمة، لكن بثوبٍ رقميٍّ جديد: الخطر الغامض الذي لا يمكن دحضه، لأنه متحوّل ومجرّد — اختراق إلكتروني، هجوم سيبراني، تسريب معلومات.
في ظلّ هذا الخوف الممنهج، يصبح الحاكمُ ضامنَ النجاة، وتصبح الشركاتُ الدفاعيةُ حارسةَ المستقبل، فيما تُستنزف الثروات تحت شعار “الحماية”.

4. الرأسمالية الحربية الجديدة

ما نراه ليس سباقًا بين دول، بل تنسيقٌ بين نماذج.
الولايات المتحدة، الصين، وروسيا تتقاسم خرائط السوق: من يزوّد الشرق الأوسط، من يهيمن على إفريقيا، من يمدّ أوروبا بالتقنيات الدفاعية.
النتيجة: نظامٌ عالميٌّ يعمل بالحرب دون أن يخوضها، يُنتج السلام بوصفه هدنة استهلاكية.
فالحرب لم تعد أداة سياسية، بل شكلًا من أشكال الإدارة الاقتصادية.
إنها الحرب كعملٍ دائم: لا بداية ولا نهاية، فقط تحديثات متلاحقة في البرامج، وتوقيعات مستمرة على عقود توريدٍ جديدة.

5. نحو اقتصاد رقمي تحرّري

البديل لا يكمن في رفض التكنولوجيا، بل في تحريرها من الوظيفة العسكرية.
ينبغي إعادة تعريف “الأمن” لا بوصفه قدرةً على الردع، بل بوصفه قدرةً على الاكتفاء.
اقتصادٌ رقمي تحرّري هو اقتصادٌ يُوجّه المعرفة نحو إنتاج الغذاء والطاقة والطب والتعليم، لا نحو تصنيع الرعب.
ذلك يتطلّب ثلاثة شروط أساسية:

1. شفافية تامة في الإنفاق الدفاعي والتقني، لكشف العلاقة بين القطاع الرقمي والقطاع العسكري.

2. استقلال معرفي عبر بناء بنية بحثية محلية مفتوحة المصدر، لا تعتمد على برمجيات مغلقة تخدم الجهة المصنِّعة.

3. فصل تشريعي بين الرقمنة المدنية والتحديث العسكري، كي لا تُستدرج الدول إلى “التسلّح كرمزٍ للحداثة”.

بهذه الخطوات فقط يمكن كسر الحلقة الجهنمية التي تربط التطور الرقمي بالاستنزاف العسكري، واستعادة التكنولوجيا كأداةٍ في خدمة الإنسان لا كسلاحٍ ضده.

خاتمة

الحرب القادمة ليست صاروخًا يُطلق، بل عقدًا يُوقَّع.
هي حربٌ تستهلكنا دون أن تقع.
وفي زمنٍ كهذا، تصبح مقاومة الحرب الرقمية هي مهمة الفلاسفة بقدر ما هي مهمة الاقتصاديين؛ لأن ما يُباع اليوم باسم “الأمن” ليس إلا فقدانًا بطيئًا للسيادة.
إنّ إنقاذ التكنولوجيا من يد السوق هو المعركة الأخيرة التي ينبغي خوضها، قبل أن يتحوّل الإنسان نفسه إلى مشروعٍ دفاعيٍّ قيد التحديث.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تصير الذاكرة صلاةً
- الوصاية المائية التركية: اتفاقية التعاون أم شرعنة الخضوع؟
- العراق بين الفدرالية المشوهة والكونفدرالية الممكنة (امتداد ل ...
- حين يصبح الكيان سجنًا للوطن: دعوة إلى الكونفدرالية العراقية
- انتخابات على ضفاف دجلة... ودجلة يحتضر
- مقاطعة الدم: لماذا يجب أن تقاطع النساء صناديق القتلة
- العودة إلى الواقع — التنظيم المباشر كأساس للثورة
- تعيين مبعوث خاص إلى العراق: قراءة في الدلالات السياسية والبر ...
- الرقمنة بين سلطة العنف وسلطة الجماهير – مفارقة التوظيف التقن ...
- بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل ...
- بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل ...
- ملاحظة تحليلية حول مقال بن درور يميني: تقاطع في القراءة أم ا ...
- الحزب الشيوعي العراقي بين المشاركة العقيمة والمقاطعة المثمرة ...
- الاحتجاجات العراقية ودور الحزب الشيوعي العراقي: نقد الأداء و ...
- النتوء الرأسمالي – الاقتصاد الرقمي داخل جسد الرأسمالية وعلاق ...
- العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية: اختلاف تكتيك أم خلاف استرات ...
- -غزة: دورة المأساة بين الهيمنة الدولية والسلطة المحلية والأي ...
- سلامٌ ؟ في يوم ذكرى تأسيس البحريه الأمريكيه… وفي الخلفية حما ...
- البلوب والنتؤ الرأسمالي: قراءة مكملة في الذكاء البنيوي لمجتم ...
- آلية التفكير الطبقي: من الذكاء بلا عقل إلى البلوب الأمريكي


المزيد.....




- الاجتماع الموسع الرابع للجنة المركزية لمنظمة البديل الشيوعي ...
- الصين.. القوة الإمبريالية الصاعدة في مواجهة الولايات المتحدة ...
- فنزويلا مثال على مدى تدخل ترامب
- كل التضامن والدعم لشعوب فينزيلا وكولومبيا وكوبا كل الإدانة ل ...
- الوضع  السياسي في تونس، والمقاومة العمالية و الشعبية: حوار م ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو للاحتجاج بم ...
- The Paradox Of “Moderate Jihadism” and the Controlled Chaos ...
- The U.S. Must Designate the RSF Militia As a Terrorist Organ ...
- The Perilous Norm Of Weapons Testing
- Washington’s War On Academia Is a Gift To Its Rivals


المزيد.....

- الأسس المادية للحكم الذاتي بسوس جنوب المغرب / امال الحسين
- كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو& ... / عبدالرؤوف بطيخ
- قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي / امال الحسين
- كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2 ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة / رزكار عقراوي
- كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الاقتصاد الرقمي وحملة الإنفاق العسكري: حين تتحوّل التكنولوجيا إلى أداة استنزاف للأطراف